“عصرنة” الفن اليمني

منذ 14 أيام

تعز-محمد القرشييرضع اليمنيون الفن والتراث مع حليب أمهاتهم في المهد، فالفن جزء لا يتجزأ من هويتهم

تجده ينبض في أوصالهم عاطفيًا، متخللًا ألحانًا تحمل عبق التاريخ وأصالة الأرض

 ولا يقتصر الفن في اليمن على الأغاني والرقصات فحسب، بل يشمل القصائد والموسيقى المُعبرة عن الهوية الحضارية لهذه البلاد

ورغم الحرب التي أفرزت محنًا عديدة، إلا أنها دفعت اليمنيين نحو الفن كملاذ للهروب من صخب الواقع

فبينما يتناثر الوطن بين ركام الحرب، يبقى الفن الرابط الذي يجمعهم ويبعث فيهم الأمل

بسبب الحرب باليمن، تحولت أصوات الفنانين الشباب إلى الأغاني الحماسية والزوامل، وهي مقطوعات حربية تلهب الحماسة وتشعل الأمل وسط المعاناة

ولكن على النقيض من ذلك، هناك من تمسك بالفن الأصيل الذي يحاكي القلوب ويعكس أصالة التراث اليمني، بعيدًا عن الحرب

يقول المفكر والباحث عادل الأحمدي لـ«المشاهد» “الحوثي حارب الفن والفنانين واستبدل الموسيقى بالبارود وشعارات الموت

ورغم ذلك إلا أن الشعب اليمني يظل يتوق للحياة والاستماع لأغانيه التراثية”

ويضيف الأحمدي أن الدليل على ذلك هو دموع المغترب التي تنهمر عندما يسمع أيوب ينشد: “ارجع لحولك كم دعاك تسقيه…”

وفي خضم الصراع، برز فنانون يعكسون قدرة الفنانين اليمنيين على خلق فنٍ يواكب العصر دون المساس بجذوره العميقة

أحد هؤلاء الفنانين، محمد القحوم، أبرز الموسيقيين اليمنيين الذين يدمجون التراث بالحداثة والعصرنة ليقدّموا موسيقى تجذب قلوب الجميع

 يتحدث القحوم عن بداياته، فيقول: “البدايات كانت صعبة جدًا، ولكن مع الإصرار ومواجهة التحديات تذللت هذه الصعوبات

وأضاف: أصبحنا نعيش الحلم بداية من السمفونيات داخل اليمن ومصر، حتى تحولت لروحانيات في “نغم يمني في باريس“

مشيرًا إلى أننا اليوم نصنع التاريخ في العاصمة السعودية الرياض؛ كثمرة لعمل وجهد متواصل مع الفريق على مدار أشهر وسنوات”

ويعلق الملحن محمد عبدالملك أنعم لـ«المشاهد»: “نفخر بالشباب الذين ينتصرون لمواهبهم الفنية في سبيل نشر الأغنية اليمنية في كل مكان

على الرغم من شحة الإمكانيات وغياب الدور الحكومي الرسمي”

الملحن محمد عبدالملك: نفخر بالشباب الذين ينتصرون لمواهبهم الفنية في سبيل نشر الأغنية اليمنية في كل مكان

على الرغم من شحة الإمكانيات وغياب الدور الحكومي الرسمي”

ويقول أنعم لـ«المشاهد»: “هذا دليل على قوة الشباب وتحدي الصعاب وشق الطريق التي تمثل السلام المرغوب في بلادنا

وذلك لن يتم إلا عبر توحيد الشعوب عن طريق الفنون، بحسب عبدالملك

لطالما كانت اليمن مصدر إلهام للفن الخليجي، حيث قدمت العديد من الفنانين الكبار من حضرموت مثل أبو بكر سالم

وحضرموت بمثابة مهد الفن اليمني، والذي كان له تأثير كبير في صناعة الغناء والموسيقي في دول الخليج

وفي هذا الصدد، يقول الأحمدي: “اليمن هي صانعة الذوق الفني الخليجي”

مشيرًا إلى أن الفن اليمني له حضور مميز يتجاوز الألحان والكلمات ليصل إلى عقول وقلوب مستمعيه في الخليج

ويضيف: “الجالية اليمنية والمتذوق للفن اليمني الرفيع صنع بشكل كبير جمهورًا رائعًا ساعد العديد من الفنانين على الاستمرار”

يقول الفنان حسين محب: “من اللحظة الأولى التي عرفت فيها محمد القحوم ومشروعه، عرفت أننا أمام أكبر مشروع موسيقي حديث”

ويتابع: “هنا يتضح لنا جليًا حجم وقيمة المشروع الفني الذي يسافر دون تأشيرات للدخول في محطات المحبة والسلام

 ويضيف محب لـ«المشاهد»: بالأمس كنا نترنم بهذا الفن في بندر عدن، وخور المكلا، وحواري صنعاء القديمة، وأطراف العروس في عدن وتعز

ويواصل: وها نحن اليوم نحاول تنقل هذا الفن للعالم أجمع بشكل ولغة يفهمها الجميع”

الفنان حسين محب: بالأمس كنا نترنم بهذا الفن في بندر عدن، وخور المكلا، وحواري صنعاء القديمة، وأطراف العروس في عدن وتعز

وها نحن اليوم نحاول تنقل هذا الفن للعالم أجمع بشكل ولغة يفهمها الجميع”

كما كان هناك ظهور بارز للنساء في أوركسترا الرياض، كما جرت العادة في اليمن، فالنساء جمهور شاسع يتذوق هذا الفن

حيث ظهرت الفنانة أروى التي تصف نفسها دومًا بأنها القادرة على أداء اللون اليمني أكثر احترافية من أي فنانة أخرى

هناك العديد من الآراء والأذواق المتباينة تجاه جدلية التجديد لألحان الأغنية اليمنية

فمنهم من يرى أنها تفقد بريقها وقيمتها التاريخية

فيما آخرون ينظرون للتجديد كنوع من المساهمة بنشر هذا التراث واللون اليمني في كل مكان

على سبيل المثال، الناقد اليمني قائد غيلان، يرى أن القحوم والمجددين الشباب يقدمون الأغاني اليمنية بطريقة غير يمنية وبطريقة “أكثر نعومة”

ويقول غيلان لـ«المشاهد»: “إن هذا الأسلوب أفقد الأغنية طابع الهيبة والحماس”

بينما يرى الفنان هاني الشيباني، أن التجديد في الأغاني اليمنية يساعدها في الانتشار؛ لأن الكلمة لا تتغير، بل الألحان تتطور لتخاطب الشعوب الأخرى شرقًا وغربًا، وفق حديثه مع “المشاهد“أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، في 2008، اللون الصنعاني ضمن قائمة التراث الإنساني اللامادي

وفي هذا الصدد يقول أنعم أن اللون التهامي والتعزي يتماشى مع كافة الألوان ويؤثر عليها”

ويضيف أن الفن اليمني بجميع ألوانه وأشكاله من حضرمي ولحجي وعدني وبدوي سينتشر، شاء من شاء وأبى من أبى

مشيرًا إلى أهمية التمسك بالعلم ومنهجياته لتنفيذ الأعمال الفنية بثقافة واطلاع وعلم حقيقي ناتج عن خبرة وممارسة

داعيًا إلى أن يكون الهدف الأول للمجددين هو رفع اسم اليمن والإخلاص لكل ما فيها من موروث حضاري مادي وغير مادي

وختاما، لعل مجددي الفن اليمني يصلحون ما أفسده الساسة ويشاركون في إرساء السلام في بلد يغرق في الصراع لسنوات

فرب كلمة جمعت قلوبا بعد تفرقها وألجمت آلة الحرب

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير