“كورونا”.. كيف فاقم العنف التوليدي للنساء؟

منذ 2 سنوات

أبين – عبير علياليمن واحدةٌ من الدول ذواتِ الإمكانيات المحدودة ، التي عاش أهلها ظروفًا قاسيةً في ظل انتشار الجائحة ، ماجعل الأزمة أكثرَ صعوبةً و خوفًا

ونظرًا لقلة الإمكانيات الصحيَّة و تردي المنظومة الصحيِّة – في البلاد – جرَّاء الحربِ التي ألقتْ بظلالها على كافة مناحي الحياة ، كان الوضعُ الصحي – في ظل انتشار الجائحة – أسوأ مما كان عليه في السابق ، و اقتصر واجب مكاتب الصحة على الرصد و الحجر ، بالتزامن مع ضعف في تقديم الضروريات اللازمة لتدارك الأزمة ، أو التخفيف من وطأتها

وفي ظل الخطر القائم في العالم كَكُل ، و المتفاقم في اليمن بشكلٍ خاص ، نتيجةَ ضعفِ الإمكانيات الصحية ، كانتِ النساء الحوامل يعشنَ أصعبَ الفترات ، خاصة أولئك اللواتي يخضنَ تجرِبةِ الحمل للمرة الأولى ، و اللاتي يعانين من مشاكل صحية مرافقة للحمل

شلل المرافق الصحيِّة

تحتاجُ الأمُّ الحاملِ إلى مراجعة الطبيب المختص و متابعة حملها بشكلٍ دوري ؛ للاطمئنان ، و تجنبِ أيِّ عارضٍ من شأنِهِ تعريض الحمل لأيِّ خطر ، لكن الأمر أصبحَ صعبًا مع انتشارِ الجائحة ، و شلل العمل في الكثيرِ من العيادات الخاصة و المستشفيات ، بعدَ تغيب الكوادر الطبية عن العمل ؛ خوفَ العدوى

تحكي عائشة أحمد (اسم مستعار) عن وضعها في ظل أزمة كورونا ، خاصة و أنها انتشرت و هي لاتزال في الشهر الثاني من حملِها الأول ، حيثُ تقول عائشة إنها واجهت الكثير من الصعوبات من بداية حملِها ، وصولًا إلى مرحلةِ الولادة

“كانتْ أيامًا صعبةً كثيرًا ، خاصة أنِّي كنت بحاجة إلى مراجعة الطبيب المختص بين الفينة و الأخرى ، بسبب مشكلة صحيِّة أُعانيها”

تتابع “لم أتمكن من مراجعة الطبيبة بشكل دوري ؛ لصعوبة الأمر ، حيثُ كان التسجيل محدودًا ؛ تجنبًا للازدحام ، ثم أُغلقت العيادة بشكلٍ كُلّي

عشتُ أيامًا صعبةً يملأها القلق و الخوف ، مما أدى إلى تدهور صحتي “تُكمل عائشة ” كنتُ كلما أجد مستشفى مفتوحًا لا أجد أطباء مختصين ، فقد تخلى الكثيرُ منَ الأطباء عن واجبهم ، و لم يتبقَّ في المستشفيات إلا القليلُ ، لاستقبال الحالات الطارئة”

في السياق ، تؤكد فاطمة محمد ، ممرضة في إحدى المستشفيات الخاصة ، على إغلاق الكثير من المستشفيات الخاصة و العيادات أبوابها ، بعد غياب الكوادر الطبية و التزامها البقاء في المنازل ؛ مخافة الإصابة بالعدوى ، فيما استمرت بعضُ المستشفيات الخاصة و الحكومية في القيام بواجبها رغم قلة الإمكانيات الطبيِّة و البشرية

وتوِّضحُ فاطمة أن عملَ المستشفيات كان يقتصر في أغلبه على قسم الطوارئ ، و استقبال الحالات الطارئة التي ظهرتْ عليها أعراضُ الإصابةِ بالڤايروس ، فيما أُغلِقت بقيِّةُ الأقسامِ الأخرى

كما تؤكِّدُ عائشة على أن الخوفَ كان مصاحبًا لحملها ، الخوفَ من الإصابة بالمرض و انتقاله للجنين ، و الخوف من الولادة و مضاعفاتها إذا ما وجدت الرعاية الصحية الضرورية

وتشير إلا أن اقتراب موعد ولادتها كان من أصعب الهموم التي أقلقتْ سكينتَها ، و أرقتْ مضجعَها ، حيثُ كانت تخشى أن يصيبها مكروه أثناء ولادتها ، في ظل إغلاق المشافي أبوابها بوجه المرضى

” كنت أدعو الله كثيرًا أن تنتهي الأزمة لألد بسلام ، لكنها كانت تتأزم كثيرًا ، تقولُ عائشة

في السياق تؤكد الأستاذة ياسمين الحاشدي ، إختصاصية نفسية ، على تأثير الخوف تأثيرًا مباشرًا على الصحة الجسدية ، حيثُ يُسمى ذلك التأثير بالاضطرابات السيكوسماتية ، فيؤثر الخوفُ على المعدة مباشرةً ، و يتسبب بانقباضها و ارتفاع الألم ، إضافة إلى ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم ، المصاحبان للكثير من الأعراض الجسدية

وتشير الحاشدي إلى طبيعة خوف النساء في فترة الحمل ، حيثُ تميل المرأة إلى الحساسية المفرطة ، و تزداد في فترة الحمل كثيرًا

و تؤكَّدُ الحاشدي على تعرض النساء الحوامل في فترة انتشار كورونا إلى أسوأ حالات الخوف ، خاصة مع ازدياد حالات الوفيات ، كما تجنبتِ الكثير من النساءِ الذهاب إلى المستشفيات ؛ مخافةَ انتقال المرض ، كل هذا الخوف انعكس سلبًا على وضعِ النساء أثناء فترتي الحمل والولادة ، حيث تتعرضُ الكثيرُ منَ النساءِ إلى تعسُّرِ الولادة الناتج عن الخوف

الولادةِ إجباريا في المنازلأُمُّ أدهم نموذجٌ آخرٌ للنساءِ اللاتي عشنَ حالةً من الذُّعر ، خاصةً و أن أحد أفراد أسرتها أُصيب بالمرض ، و كانت حالته الصحيِّة تتدهور بسرعةٍ كبيرة ، تروي أم أدهم التفاصيل ” كنتُ أعيش أيامًا يملأها الخوف ، خاصة بعدَ إصابة عمتي بالمرض

عندما علِمت بإصابتِها صرتُ أكثر حرصًا و خوفًا”

وتؤكِّدُ أُمُّ أدهم إلى أنها كانت حريصةً على الالتزام بالإجراءاتِ الوقائية ، إلا أن الخوف ظلَّ ملازمًا لها طوال حملها

وتأسفُ من عدم تلقِّيها الرعاية اللازمة في ظلِّ إغلاق العديد من الأطباء الاختصاصيين عياداتهم ، و غياب الأطباء من المستشفيات

“شعرت بالخوف الشديد و العجز مع انتهاء الشهر الثامن من الحمل ، بحثتُ عن قابلة – بداية الشهر الأخير- للتنسيق معها مسبقًا” تروي أم أدهم وضع ولادتها بألم

تُضيف “كنتُ أخشى الولادة في المنزل ، و أسأل نفسي ماذا سيكون مصيري لو حدثَ أيُّ مكروه”

وتتابع ” فكرةُ اللجوء إلى قابلةٍ كانت قسريةً ؛ بسبب إغلاق الكثير من المستشفيات ، و اقتصار العمل في بعضها على استقبال الحالات المُصابة بالوباء ، و أيضًا خوفًا من الإصابة بالعدوى ، جرَّاء امتلاء المستشفيات بالمصابين

تضيفُ “حين بدأت بي الآم الولادة ، أبلغت القابلة و جاءتنا للمنزل ، إلا أن محاولة الولادة في البيت كانت كارثيةً ؛ حيثُ تعرضتُ لفقد المياه الذي كاد أن يُنهي جنيني”

تقول أم أدهم أنها لم تتمكن من الولادة ؛ نتيجةَ الخوف ، فطالت عليها المدة و فقدت إثرها المياه التي تحمي الجنين ، الأمر الذي اضطرهم للبحث عن مستشفىً تنقذُها

وتؤكد أم أدهم على أن محاولاتهم في البحث عن مستشفىً كانت صعبةً و قاسيةً ، إلا أنهم تمكنوا أخيرًا – عن طريق أحد المعارف – من الوصول إلى مشفى يستقبل الحالة ، حيثُ قام الكادر الطبي المتواجد بواجبه الاسعافي ، و استدعوا طبيبة مختصةً لإنقاذ الأم وجنينها الذي كان قاب قوسين من الموت ، بل أقرب”

وتُشير ليلى السوائي ، قابلة ، على ارتفاع معدل الولادة في المنازل – في فترة الجائحة – رغم خطورة الأمر في بعض الأحايين ، و خطورة بعض الحالات أحيانًا ،إلا أن تعطل العمل في الكثير من المستشفيات الحكومية و الخاصة ، أجبر الكثير من النساء الحوامل على البحث عن قابلات و التنسيق معهن مسبقاً في أغلب الأوقات

وتُؤكِّد السوائي على حِرص الكثير منَ القابلات على الالتزام بإجراءات السلامة ، و القيام بواجبهن على أتمِّ وجه ، حيثُ تتخذ القابلات كافة الاحتياطات الطارئة ؛ لتفادي أي مكروه ، كما يسعينَ للتنسيقِ مسبقًا مع مخبريٍّ ؛ لتوفير فصيلة دم الأم الوالدة ؛ تحسبًا لحدوث تمزقاتٍ و نزيفٍ أثناء الولادة

خوفُ ما بعدَ الولادة جرتِ العادة على زيارة الأم الوالدة ؛ لتقديم التهاني و التبريكات بسلامتها و المولود ، و إقامة الاحتفالات التي تقتضي اجتماع أفراد العائلة و الأصدقاء ، كل ذلك كان صعبًا و مستحيلًا في ظل انتشار كوفيد 19 ، حيثُ اضطرت الكثير من الأسر إلى التخلي عن هذهِ العادات و إلغاء الفكرة تمامًا ؛ مخافةَ إصابة الأم الوالدة و وليدها بأيِّ مكروه ، و كذا الزائرين ، لكن الأمر لم يكن سهلًا ؛ نظرًا لقلة الوعي المجتمعي ، و عدم إيمان البعض بضرورةِ تجنب الازدحام للوقاية من المرض ، حيثُ كان أمر إقناع هذهِ الفئة ضربًا من المستحيل في أوقات كثيرة

في السياق ، تحكي أُم آية معاناتها مع استقبال المُهنِّئين ، و الخوف المصاحب له و تقول : ” نعيش في مجتمع يعدُ ريفيًّا ، و يكثُر فيه تبادل الزيارات بشكلٍ كبير ، حيثُ كان الأمرُ بالنسبةِ لي صعبًا منذُ بداية حملي”

تُضيف أم آية : “في ظل حملات التوعية المرافقة لانتشار المرض ، استوعب الكثير من الأهل والأصدقاء خطورة الزيارات و تجنبوا ذلك ، إلا أن البعض لم يُلقِ بالًا ، و كانوا يأتون لزيارتي”

و تتابع ” كنتُ أحاول اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية ؛ خوفًا من تعرض طفلتي لأي أذىً ، إلا أن الأمر بحدِّ ذاته كان يسبب لي توترًا كبيرًا ، و عشتُ أيامًا يملأها الخوف”

في السياق يؤكد الدكتور صالح باشامخة ، طبيب نفس، على أن الخوفَ السلبي يجعل الجسم يفرز مجموعة من هرمونات التوتر ، كالأدرنالين و النوأدرنالين و الكورتيزول، و بالتالي فإن الاستمرار في إطلاق الجسم لهذهِ الهرمونات – الناتج عن استمرار حالة الخوف – سينعكس بشكلٍ مباشر على صحة الإنسان الجسدية و ستظهر عليه بعض الأمراض السيكوسماتية التي قد تؤدي بعد فترة طويلة إلى مرض السكري أو القولون العصبي

ويشير باشامخة إلى تأثير هرمونات التوتر على المناعة الجسمية بشكلٍ كبير ، فالشخص شديد الخوف يكون عرضه للمرض و الإنهاك و التعب

حالةٌ من الخوفِ و القلق رافقتِ النساء الحوامل طوالَ فترةِ الحمل – في ظلِّ انتشار ڤايروس كورونا ، و ازدياد أعداد المصابين بشكلٍ يومي – انعكستْ على صحةِ الأمِّ الحامل من جهةٍ ، و تعرضها لمخاطرِ الولادة من جهةٍ أخرى

معاناةٌ رافقتِ الكثير منهن – في أغلب مناطق اليمن – في ظلِّ ضعفِ الإجراءات الاحترازية، و قلة الوعي المجتمعي ، و ضعف المنظومةِ الصحية بشكلٍ عام ، كل ذلك جعلَ النساءُ يعشنَ أسوأ حالاتِ الخوف و التوتر ، ماجعلَ الأمر أكثر تأزمًا و صعوبةً

أُنتجت هذهِ المادَّة بدعم من JHR/JHD صحفيون من أجل حقوق الإنسان و الشؤون العالمية في كندا

ليصلك كل جديد