35 عامًا على إعلانها.. هل تصمد الوحدة اليمنية؟
منذ 8 أيام
حضرموت – عبدالله جابر حدثٌ تاريخي أصبح ضمن أعياد اليمنيين الوطنية، وَحَّدَهم في إطار دولة واحدة
باتوا يحتفلون به كل عام في الـ22 من مايو 1990، يوم إعلان توحيد شطري اليمن وقيام الجمهورية اليمنية
كانت الوحدة بالنسبة لليمنيين مرحلة تأسيس مُبشرة بمستقبلٍ يتطلعون أن يُغير واقعهم الاقتصادي والتعليمي والصحي إلى الأفضل
لكن هذا الحدث مرّ بعد أربع سنواتٍ من إعلانه، بمحطةٍ سياسية صعبة، مثلت تحديًا أمام بقاء الوحدة كواقع سياسي
ففي تفكير السياسيين -وعلى رأسهم شركاء هذا المنجز- كان هذا الحدث مجرد سباق على استحواذ سياسي بين طرفي الوحدة
وتطورت أدوات هذا السباق لتصل إلى درجة التمترس المُعلن بين الطرفين سياسيًا وأمنيًا
حتى وصل الأمر إلى اندلاع حرب صيف عام 1994
كانت هذه أول محطة نجت فيها الوحدة اليمنية، لكن لم يتم حمايتها بنظام حكم سياسي يحقق لليمنيين آمالهم في المساواة والمشاركة السياسية
وظلت المركزية السياسية والإدارية قائمة، ومُشبعة بالكثير من إجراءات الإقصاء، خاصةً في المحافظات الجنوبية
التي خلقت فيما بعد ما عُرف بـ”الحراك الجنوبي السلمي” في عام 2007، تطورت هذه الأصوات لتتحول لاحقًا إلى دعوات سياسية للانفصال
منذ اندلاع الحرب عام 2015 ودخول جماعة الحوثي عدن، مرورًا بالتطورات السياسية خلال فترة الحرب التي مازالت مستمرة في اليمن
وظهور الكثير من المكونات السياسية التي تبنت مشروع الانفصال بالجنوب ومنها المجلس الانتقالي
جميعها أفرزت واقعًا سياسيًا جعل مشروع الوحدة اليمنية يترنح وبات مهددًا بالتلاشي
ولأنه واقع مُلغّم بكل أدوات الانقسام؛ بسبب ما أفرزته أجندة التدخل الإقليمي التي ساهمت في خلق هذا التشظي
وصل مؤخرًا إلى إعلان حلف قبائل حضرموت الحكم الذاتي في حضرموت، في أبريل الماضي
ونتيجةً لذلك، يرى سياسيون وأكاديميون أن الوحدة اليمنية بعد 35 عامًا من إعلانها، باتت مهددةً أكثر من أي وقتٍ مضى
ويعتقدون أنه لولا الفساد المستشري في البلاد، وفشل الحكومة اليمنية في منع انهيار العملة المحلية، وعجزها في إدارة الملفات الاقتصادية، والتدخلات الخارجية التي شجعت النعرات الانفصالية لكان الوضع أفضل مما هو حاصل اليوم
معتبرين أن كل تلك العوامل جعلت الوحدة اليمنية “تلفظ أنفاسها الأخيرة”
بينما يرى آخرون أن دعوات الحكم الذاتي في سقطرى وحضرموت تفتح المجال لإيجاد حلول واقعية لإنقاذ الدولة اليمنية من الانهيار
وبقائها من خلال النظام الفيدرالي القائم على الإدارة الذاتية للأقاليم
في ديسمبر الماضي، أعلن الزعيم القبلي الموالي لدولة الإمارات الشيخ علي عيسى آل عفرار، وهو رئيس المجلس الوطني لأبناء سقطرى، عن تبني الحكم الذاتي لأرخبيل سقطرى؛ بحجة الاستجابة لمعاناة الإهمال والتهميش
وفي الـ12 من أبريل الماضي، تجمع آلاف الحضارم؛ للإعلان عن مطلبهم بحكم ذاتي مستقل
وحق تقرير المصير، برئاسة الشيخ عمرو بن حبريش، رئيس حلف قبائل حضرموت، المدعوم من السعودية
وأواخر ذات الشهر شهدت مدينة المكلا فعالية جماهيرية حاشدة نظمها المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات
شارك فيها الآلاف من أنصاره من أبناء حضرموت؛ تأييدًا لمشروع الانفصال الذي يتبناه الانتقالي
بدا سياسيون ونخب وأهالي من سقطرى وحضرموت منقسمين إزاء تأييد هذه المشاريع أو رفضها
لكن الغالبية منهم اتفقوا على أن دولة الوحدة في اليمن بصيغتها الحالية باتت “تحتضر وتصارع من أجل البقاء”
يقول مستشار محافظة حضرموت، محمد الحضرمي، لـ”المشاهد”، إن الوحدة اليمنية انتهت في قلوب ووعي الناس، حسب تعبيره
ويعلل الحضرمي رؤيته: “اليوم لم يعد الشعب يتحدث عن الأمور السياسية والحزبية، أو عن التوجهات الفكرية
بقدر حديثهم عن معاناتهم جراء انقطاع الكهرباء والمياه، وانعدام الخدمات الصحية والتنموية، والبحث عن كسرة خبز”
ويضيف الحضرمي: “في حضرموت ومختلف المناطق اليمنية هناك تضخم اقتصادي، وكساد مدمر في كل نواحي الحياة المعيشية للمواطن
وتفكك كل مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها”
مراقبون اعتبروا أن خطوات الحكم الذاتي في حضرموت وسقطرى تأتي ضمن إجراءاتٍ لاستكمال المشاريع الانفصالية
بينما ينفي الناشط السياسي في مؤتمر حضرموت الجامع صبري بن مخاشن، تلك الاعتبارات
ويرى أن مشروع الحكم الذاتي بحضرموت لا يؤثر على مشروع وحدة الأراضي اليمنية
فهو -من وجهة نظره- مشروع يراد منه الخروج من حالة الانغلاق السياسي، وفق تعبيره
ويضيف بن مخاشن لـ”المشاهد”: “إلى اليوم لا يوجد حل سياسي على الأرض اليمنية
فكان الدافع الأول لأبناء حضرموت التوجّه للحكم الذاتي
تجنبًا لنهب ثرواتهم في ظل غياب الدولة ومؤسساتها؛ بسبب الحرب”
فهناك فقر وانعدام للخدمات وسحب المليارات من عائدات النفط الخام بحضرموت؛ لذا كان لا بد من وجود مشروع حتى تنتهي الحرب”
ويواصل: “الحكم الذاتي هو الخروج عن المركزية والوصاية الحزبية التي عانت منها اليمن
مشيرًا إلى أن الحكم الذاتي يمكن اعتباره حلًا، بدلًا من أن تكون الوحدة مهددة، حتى يتم تصحيح مسارها وفق شراكة حقيقية بالتساوي
حيث لا تسمح للفساد والفاسدين بمواصلة انتهاكاتهم ونهبهم للمال العام”
ويشير بن مخاشن إلى أن حلف قبائل حضرموت “انتقل من الخطاب الإعلامي إلى الخطاب الاستراتيجي
واتجه نحو الحكم الذاتي لحضرموت من خلال تنفيذ الحكم الذاتي، باعتباره خطوة استراتيجية، بطرق قانونية وعملية”
يعزو بعض الباحثين سبب “محاولات إنهاء دولة الوحدة في اليمن”، إلى المؤامرات التي تحاك ضد اليمن من قبل دول وجماعات
وفي هذا الصدد، يتحدث الناشط الحضرمي، الباحث في جامعة اريزونا الأمريكية، محمد بن جعيدي، حول طبيعة هذه التدخلات
ويقول: “حين نقرأ المواقف الدولية الأخيرة تتضح لنا الحقائق جليًا إزاء الأدوار التي تقوم بها دول لها اتصال مباشر بالأزمة اليمنية
فعلى سبيل المثال نرى كيف أن الولايات المتحدة “تحاول التسويق لدول إقليمية وللعالم بأن لا طاقة لها بالحوثيين
وتضغط على السعودية والحكومة اليمنية لحل مشكلاتها مع هذه الجماعة التي تم تسليمها رسميًا حكم المناطق الشمالية”
و”بالتالي يبقى اليمن منقسمًا بين مناطق ذات نفوذ إماراتي في الساحل الغربي وبعض المحافظات الجنوبية، ومناطق ذات نفوذ سعودي كبعض المناطق الجنوبية والشرقية، ومناطق تتقاسم نفوذها دول متعددة”، بحسب بن جعيدي
ويتابع: “كل من ينظر للوحدة بأنها قائمة بعد مقتل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، فهو واهم
فمنذ تلك اللحظة بدأ مشروع تفتيت اليمن الموحد وفقًا لمصالح وأطماع دولية، وفقًا لتعبيره
إضافةً إلى وجود صراعات بين مختلف الفصائل، سواءً الشمالية أو الجنوبية، كمشروع دولة الجنوب العربي الذي يقوده المجلس الانتقالي”
واعتبر بن جعيدي أن مشروع المجلس الانتقالي “مشروع غير ناضج”؛ بسبب احتكار مركزية القرار بأيدي سياسيين من الضالع أو عدن
كذلك الحال في مأرب التي يريدها الحوثيون بنكًا لمصالحهم ومصالح الشماليين”
وفي السياق، دعا رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري في حضرموت، محمد الحضرمي، الأحزاب اليمنية للتخلي عن شعارات الولاءات الحزبية الضيقة
وحثهم للانتقال إلى رحاب الوطن الواسع
يقول الحضرمي: “الجنوب لم يكن يومًا في تاريخه ينظر للوحدة من جانب ضيق بل إنه هو من سعى إلى تحقيقها”
بينما يقلل مدير تكتل إعلاميي المحافظات الشرقية، حداد مسيعيد، من الدعوات القاضية بانفصال جنوب اليمن عن شماله
ويرى مسيعيد أن النظام الفيدرالي هو الحل لبقاء الوحدة اليمنية بنظام الأقاليم
ويقول لـ”المشاهد”: “تطبيق مخرجات الحوار التي أجمع عليها اليمنيون وبتأييد إقليمي وعربي ودولي، هو الحل الأمثل للأزمة اليمنية بشكل عام
لكن للأسف من انقلب على هذه المخرجات هي جماعة الحوثي الداعمة للانفصال بأساليبها وأدواتها الخفية والظاهرة”
معتبرًا أنها هي من جعلت اليمن تحت البند السابع
ودفعت عددًا من الدول إلى التدخل في الشأن اليمني والتحكم بقرارات البلد، سواء عبر السعودية والإمارات أو عبر إيران”
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير