أبعاد التصعيد العسكري شرق اليمن
منذ ساعة
عدن – سعيد نادر في أوائل شهر ديسمبر، سيطرت قوات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على حضرموت والمهرة
وأزاحت القوات القبلية بقيادة عمرو بن حبريش ووحدات الجيش التابعة للمنطقة العسكرية الأولى المحسوبة سابقًا على حزب الإصلاح
ومع توسعه شرقًا، بات “الانتقالي” يسيطر الآن على كل أراضي دولة اليمن الجنوبي السابقة تقريبًا، بما في ذلك حقول النفط الأكثر إنتاجية
ويعلق خبراء في مركز صنعاء للدراسات على التطورات الأخيرة، ويناقشون ما قد يعنيه التصعيد الحالي في اليمن
يقول المحلل السياسي، حسام ردمان: “بالنسبة “الانتقالي”، يبدأ استقلال الدولة الجنوبية، عمليًا، بالسيطرة العسكرية الكاملة على جميع المحافظات، من عدن إلى المهرة
وبعد ذلك، يتم تأمين الاستقلال رسميًا عبر الاعتراف الدولي”
ويضيف ردمان: “ولهذا السبب، كان الحشد السياسي والعسكري لـ“تحرير حضرموت والمهرة” دائمًا هدفًا رئيسيًا لقيادة “الانتقالي”، وهو بمثابة الحدود النهائية”
يأتي هذا الطموح نحو الشرق رغم المكاسب السياسية الكبيرة وتقاسم السلطة التي حققها “الانتقالي” منذ اتفاق الرياض 2019
والتي رسخت دوره كفاعل رئيسي داخل الحكومة المعترف بها دوليًا
في عام 2022، شهد “الانتقالي” أولى نجاحاته في التوسع شرقًا
حيث تحركت قواته إلى أبين وشبوة، مستغلة تحولات وتوازنات استراتيجية في الجنوب عقب الإطاحة بالرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر
وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتراجع نفوذ حزب الإصلاح
مع بداية عام 2023، بدأ “الانتقالي” بالتحرك نحو حضرموت بهدف وحيد: إخراج قوات المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت
وتعزيز نفوذ القوات الجنوبية والنخبة الحضرمية، وهي مجموعة أخرى مدعومة من الإمارات، في المحافظة
لكنه اصطدم مرارًا وتكرارًا بمقاومة من السعودية وعُمان، اللتين استندتا إلى دعم الجمهور الحضرمي الباحث عن حكمٍ ذاتي أوسع ووئامٍ مدني
لكن شهر ديسمبر الحالي حمل مفاجأةً استراتيجية درامية: ففي غضون أيام قليلة، سيطر “للانتقالي” بسرعة على معظم حضرموت وتقدم نحو المهرة دون مقاومة تذكر
لولا الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها خصوم المجلس الانتقالي، لما كان بإمكانه حل النزاع بهذا الحسم
كما مثّلت جهود الزعيم القبلي عمرو بن حبريش لإنشاء قوة عسكرية خارج مؤسسات الدولة، نهايةً للإجماع الحضرمي، بتجنب الصراع المفتوح
ولكن عندما حطم تحريض بن حبريش وقوات حماية حضرموت المشكلة حديثاً هذا التفاهم وعسكروا الصراع
تحولت الأفضلية إلى اللاعب الأكثر خبرة “الانتقالي”
حيث استخدم تمرد بن حبريش واقتحام مقاتليه للمنشآت النفطية ذريعةً سياسيةً وقانونية لنشر قوات عسكرية كبيرة في المحافظة
وقعت السعودية في خطأ مشابهٍ لخطأ بن حبريش
فمنذ عام 2023، حددت الرياض مصالحها في حضرموت بالحفاظ على توازن القوى الدقيق في المحافظة
تسيطر أبوظبي وقوات النخبة الحضرمية على المنطقة الساحلية، بينما تسيطر السعودية والمنطقة العسكرية الأولى على مناطق الوادي والصحراء
ولكن بحلول عام 2024، ومع شعور السعودية بالتهديد جراء تزايد حشود المجلس الانتقالي وعدم ثقتها في قدرة المنطقة العسكرية الأولى على التصدي له
أطلقت سياسات تصحيحية ونشرت قوة موالية رأت أنها أكثر فاعلية وانضباطًا “قوات درع الوطن”
وهنا تكمن المفارقة: عارض المجلس الانتقالي وجود المنطقة العسكرية الأولى لأنه اعتبرها قوة شمالية، بينما رأتها السعودية ضعيفة ومخترقة وغير قادرة على وقف تهريب الأسلحة
بناءً على هذا الفهم، يصبح تسليم سيئون واضحًا: اتفقت الرياض و”الانتقالي” على إخراج المنطقة العسكرية الأولى وقمع تمرد بن حبريش
لكنهما سرعان ما اختلفا حول من يجب أن يملأ الفراغ
وفي غضون أيامٍ قليلة فقط، أظهرت أبوظبي وحلفاؤها على الأرض تفوقًا عملياتيًا
حيث أمّنت قوات “الانتقالي” وادي حضرموت والمهرة بسرعة
في غضون ذلك، كافحت الرياض لفهم ما يجري، وسط حالةٍ من الصدمة والغضب بسبب تجاهل خطوطها الحمراء
على المستوى المحلي، لا شك أن للانتقالي دوافعه الخاصة للتقدم شرقًا
لكنه لم يكن ليجرؤ على تحدي السعودية وعُمان لولا الدعم الإماراتي القوي
إقليميًا، لا تقل مكاسب أبوظبي أهميةً عن مكاسب حليفها
فبين عشيةٍ وضحاها، أصبحت الفاعل الخليجي صاحب النفوذ الجيوسياسي الأكبر في جنوب اليمن، ممتدة من العاصمة المؤقتة إلى المهرة في الشرق
كما جاءت التطورات في المهرة وحضرموت كخطوةٍ استباقيةٍ ضد أي محاولات إقليمية لإحياء العملية السياسية اليمنية أو “خارطة الطريق” التي ترعاها السعودية لإنهاء الحرب الأهلية
وبالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تسعى أبوظبي لتأمين هدفين رئيسيين في المفاوضات مع الرياض: سلطة أكبر لحلفائها المحليين، ودور حقيقي في تشكيل العملية السياسية المستقبلية في اليمن
في المقابل، قد تضغط الإمارات على “الانتقالي” لتقديم ضمانات للرياض ومسقط من خلال سحب القوات الجنوبية التي تم نشرها مؤخرًا من حضرموت والمهرة
ونشر قواتٍ محلية أخفّ تسليحًا في المحافظتين، والقبول بنفوذٍ عسكري مشترك مع السعودية فيما يخص قوات “درع الوطن”
ومع ذلك، إذا فشلت أبوظبي في التوصل إلى تفاهمات ثنائية مع الرياض
وإذا شعر “الانتقالي” أنه يدخل مرحلة استنزاف (سياسيًا واقتصاديًا في عدن؛ وعسكريًا في حضرموت)
فقد يتحرك كلاهما نحو خيارات أخرى، مثل فرض الإدارة الذاتية أو تشكيل حكومة جنوبية مصغرة
قد تدعم الإمارات هذه الخطوات كتكتيك تفاوضي، لكن “الانتقالي” سيتعامل معها كخطوة استراتيجية نحو هدفه النهائي
من جانبها، ترى الباحثة ياسمين الإرياني، أن الأحداث في محافظات اليمن الشرقية خلال الأسبوعين الماضيين
تشكّل تغييرًا جذريًا في ميزان القوى داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة
وتعكس ذروة اضطرابات تراكمت منذ أوائل عام 2023، مع احتجاجات على تدهور الظروف المعيشية وانقطاع الكهرباء
وتعبئةٍ محلية قادها الزعيم القبلي عمرو بن حبريش، الذي طالب بحكم ذاتي حضرمي أوسع
ولكن ما حوّل التوترات الكامنة إلى سيطرة سريعة من “الانتقالي” هو الإدراك المفاجئ بأن نافذة الفرصة لإعادة رسم محددات أي تسوية سلامٍ مستقبلية كانت تغلق بسرعة
وبهذا المعنى، فإن العجلة لمناقشة إحياء “خارطة الطريق” للسلام علنًا، عملت كمسرع للأحداث
بالنسبة لـ”الانتقالي”، كان احتمال استئناف المفاوضات دون ضمان وجوده على الطاولة يشكل خطرًا وجوديًا
أثارت خارطة الطريق، التي تركز على محادثات ثنائية بين السعودية والحوثيين، قلقًا بين الحلفاء اليمنيين للسعودية والإمارات على حدٍ سواء، الذين وجدوا أنفسهم مستبعدين من العملية
من وجهة نظرهم، بدت المملكة، الحريصة على طي صفحة ملف اليمن الشائك، مستعدة لتقديم تنازلات كبيرة لمطالب الحوثيين، بما في ذلك، تقاسم عائدات النفط من المحافظات الشرقية
ورغم عدم الكشف عن الشروط الدقيقة، كانت التداعيات واضحة، بالنسبة لـ”الانتقالي”
وأصرت قيادته مرارًا على أن مكانها هو في المفاوضات
ولهذا فإن أي تسويةٍ تتنازل عما يرونه موارد جنوبية من شأنها تقويض مشروع إقامة دولة جنوبية
لو مضت خارطة الطريق قدمًا، لكان الانتقالي، الوحيد الذي يجمع بين السيطرة على الأرض والقدرة العسكرية، والمشروع السياسي المستقل، قد وُضع في خانة المُعرقِل
وبعد الاستفادة من هذا الدرس، كان التحرك الحاسم في المحافظات الشرقية وسيلة لجعل استبعاده أمرًا مستحيلًا من الناحية الهيكلية
عندما انسحب الحوثيون فجأة من تسوية متوقعة في أكتوبر 2023 لاغتنام فرصةٍ للعب دورٍ إقليمي أكبر
وجدت السعودية نفسها في موقفٍ محرجٍ بعد أن أبدت استعدادًا لتلبية مطالب الحوثيين
في هذا الصدد، بدت النوايا السعودية بشأن العودة إلى خارطة الطريق غامضة عمداً
فبدلًا من التسرع بالعودة إلى الطاولة
بدت الرياض وكأنها تشتري الوقت، بانتظار تغير الأحداث على الأرض وضمان امتلاكها خيارات
الاجتماع الثلاثي في 9 ديسمبر في طهران بين الصين والسعودية وإيران
أكدت خلاله الدول الثلاث مجتمعةً دعمها لعملية سلامٍ شاملة بقيادةٍ أممية في اليمن
يوضح بشكل أكبر الرابط بين الزخم الدبلوماسي المتعلق بخارطة الطريق والتحولات على الأرض
ويبدو ظهور خارطة طريق ثانية معدلة أمرًا ممكنًا
المحلل السياسي والباحث، عبددالغني الإرياني يعتقد أنه رغم تعدد جوانب الغموض في تطورات الوضع شرق اليمن
لكن يمكن وضع افتراضات منطقية حول الخيارات المرجح أن تنظر فيها السعودية
الافتراض الأول هو أن السعودية ملتزمة استراتيجيًا بوحدة اليمن
فمنذ امتلاك الحوثيين تكنولوجيا الصواريخ التي تهدد العمق السعودي، أصبح من الواضح أن احتوائهم يعد أمرًا حيويًا للأمن القومي
ويستلزم هذا الاحتواء تشكيل أوسع تحالف يمني ممكن مناهض للحوثيين
ومن شأن إخراج الجنوب من المعادلة أن يقلل بشكل كبير من حجم هذا التحالف
الافتراض الثاني هو أن السعودية ليس لديها أطماع خاصة في حضرموت
فالهدف الاستراتيجي القديم في الوصول إلى البحر المفتوح شرق اليمن؛ أصبح مرجح التحقق عبر اتفاق يمني – سعودي عندما تستقر الأمور في اليمن
كما من المرجح أن يخرج اليمن من الصراع كدولةٍ اتحادية ذات لا مركزية عالية
وفقًا لما تم الاتفاق عليه في مؤتمر الحوار الوطني
وهذا سيسمح بنشوء علاقة خاصة بين حضرموت والسعودية دون المساس بسيادة اليمن وسلامة أراضيه
فنحاولة انتزاع هذا الوصول الآن ستؤدي إلى عدم استقرار طويل الأمد
سيكون مكلفًا لكل من اليمن والسعودية
وبالتأكيد يتذكر السعوديون أن تجاوز مرارة حرب الحدود عام 1934 استغرق قرابة سبعة عقود
الافتراض الثالث هو أن المملكة تدرك مخاطر توقيع اتفاق مع الحوثيين قبل أن يصبح المعسكر المناهض للحوثيين رادعًا لإجبارهم على قبول اتفاقٍ حقيقي لتقاسم السلطة
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بوقف الاقتتال الداخلي بين القوات المنضوية تحت مجلس القيادة الرئاسي وإنشاء قيادة موحدة
وبناءً على هذه الافتراضات، يمكننا استبعاد خيار استخدام السعودية للوسائل العسكرية لإجبار “الانتقالي” على الانسحاب من حضرموت والمهرة
فسيطرة “الانتقالي” يمكن عكسها بالوسائل السلمية
وتمتلك المملكة أدوات دبلوماسية واقتصادية لجعل “الانتقالي” يدرك حكمة الانسحاب، ولدفع الإمارات للتعاون في هذا الصدد
فيما تعتبر، الباحثة ميساء شجاع الدين رغم أن بعض الحقائق على الأرض سيكون من الصعب عكسها
وأحد أكثر هذه الحقائق وضوحًا هو تحول العلاقة السعودية الإماراتية من المنافسة المتوترة إلى العداء المكشوف
وتشير إلى أنه في حين شهد التحالف بين الدولتين خلال حرب اليمن فترات احتكاك متعددة، فإن المواجهة الحالية تمثل نقطة تحول مفصلية
فاليمن يمثل مسألةً حساسة للرياض
حيث يرتبط البلد ارتباطًا مباشرًا بالأمن القومي السعودي
كما تحتل حضرموت مكانةً خاصةً جدًا لدى المملكة، وفي نظر السعودية، تجاوزت الإمارات خطًا أحمر حرجًا
ومع ذلك، بالنسبة للسعودية، لا توجد ساحةً أكثر حيوية من اليمن
والنتيجة هي احتمال تشكّل نظام سياسي جديد في الخليج، تكون اليمن فيه مرةً أخرى في صلب هذه التحولات الناشئة
ومع تصاعد التوترات، من المرجح أن تقترب السعودية من القوى الإقليمية الداعمة لوحدة اليمن، بما في ذلك عُمان وقطر وإيران ومصر وتركيا
وتبتعد عن تلك التي لا تفعل ذلك
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: [email protected] تصلك أهم أخبار المشاهد نت إلى بريدك مباشرة
الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن