أستاذ جامعي يكشف عن حصن تاريخي عجيب ليس له مثيل (صور)
منذ 2 سنوات
كتب/ د
فؤاد ناصر البدايقريتي مسقط رأسي بني بدا بمديرية الحدا، محافظة ذمار، يعتقد البعض، أن اسمها يعود لبداء بن عامر بن عوثبان بن زهير بن مراد بن مذحج، والبعض يرجعه لبني منصور بن عمران البدائي الذي يتصل نسبهم لقيس بن هبيرة فارس مذحج
==================================== كانت القرية آهلة بالسكان حتى العام 1988 تقريباً، وقد ذكرها ياقوت الحموي باسم مصنعة بني بدا، ذكرها في كتابه المسمى معجم البلدان بتفاصيلها التي عرفناها في بداية حياتنا، وكان لها باب خشبي واحد، هو المنفذ الوحيد للدخول إليها أو الخروج منها، وللوصول إلى هذا الباب، ومن ثم الدخول إلى القرية؛ نحت الأجداد طريقًا بطول حوالي 800 متر في بطن الجبل، يصعد عبرها السكان راجلين، أو راكبين على الدواب فقط؛ إذ لا يمكن عبور السيارات منها
تم بناء جدران البيوت -كما هو مبين في إحدى الصور- على حافة الحيد مباشرة، وعلى ارتفاع يقارب 150 متر من سطح الوادي وربما أكثر، وقد كنا نطل من شبابيك منازل القرية، أو من شرف الحيد، على الوادي ونحن صغار، ونرى المنطقة وبعض القرى المحيطة من حولنا
اليوم عندما أذهب لذات المكان، لا أستطع الاقتراب من تلك الحافة لمسافة متر أو أكثر من المتر، وذلك بسبب الخوف والرهبة التي تتملكني، من هول المسافة، الواقعة بين سفح الجبل، وبين سطح الوادي، ويتعجب المرئ من المهارات التي امتلكها الأجداد في ذلك الوقت، ومكنتهم من البناء بهذه الطريقة، وبدون توفر أدوات السلامة التي نراها اليوم لحمايتهم من السقوط؟ وأتساءل: كيف كان أهلنا يطمئنون علينا، ونحن نلعب ونجري في سفوح تلك الجبال الشاهقة التي تتميز بها قريتنا، بدون خشية علينا من السقوط منها؟ فقد تعود الجميع عليها، وألفوها، حتى الحيوانات، لا أذكر بأن أي من مواشي القرية قد وقعت من سفح أي من جبالها، أو من الطريق الضيقة المنحوتة في بطن الجبل الذي تقع على قمته هذه القرية، وهي -أي الطريق- لها من العجب الكثير!
فكيف صنعوها؟ وكم استغرقت منهم من الوقت والجهد بوسائلهم البدائية حتى أتموها وأصبحت جاهزة للمرور عليها؟
أسفل الحيد الذي تقع على قمته القرية، كان يوجد مجارين الحبوب، ووظيفتها الأساسية، وضع حبوب المحاصيل عليها لتجفيفها بفعل حرارة الشمس، ودويم السنابل -أي فصل الحبوب عن السنابل- وهذه المجارين، هي أيضًا مصنوعة بشكل عجيب، يتبدى هذا الإعجاب من ملاحظة كمية الأحجار الكثيرة التي جلبت لبنائها، ومن طريقة رصفها، ودفنها حتى استوت، ومن ثم القيام بصلولها بالأحجار، ونحت مدافن الحبوب في بطون الصخور بجوارها، مع غرف الحراسة، وأماكن الكنان للمواشي التي تستوجب بعض الظروف تواجدها خلال فترات متقطعة من السنة، وهي كذلك استراحة للمزارعين لأنها واسعة المساحة، وبأبوابها المقوسة الكبيرة تظفي عليهم الكثير من الراحة والبهجة وتقيهم من حرارة الشمس، وتوفر الحماية لمحاصيلهم من المطر
الخ
بالتأكيد أن عمر هذه المصنعة لا يقل عن 1500 سنة تقريبًا، ويقابلها حيد قنبة من الشمال الشرقي، وحصن الأهجر التاريخي من الغرب، ومن الجنوب الشرقي خرابة شليل، وكلها معالم أثرية من معالم قرية بني بدا، غير أنها كلها دمرت للأسف، وأصبحت متهالكة، وبعضها أصبح أثراً بعد عين؛ نتيجة الإهمال من قبل الدولة والمجتمع المحلي معًا
ولنا أن نتخيل، لو أن هذه القرية باقية كما كانت؛ كيف سيكون الانطباع لدى أي زائر أو سائح وهو يقتح الباب الذي ما زال قفله ومفتاحه من الخشب؟!! يفتح الباب ويدخل ليجد بيتًا معتق بعبق التاريخ، تفوح رائحته من الجدران من كل الجوانب، لتعود به لأكثر من الف سنة مضت
! لو كان الأمر كذلك بعد أن هجرها الأهالي، وقامت الحكومة بوضع يدها عليها، وحمايتها، والحفاظ عليها، لكانت اليوم قرية سياحية فريدة من نوعها
ولنا أن نتخيل كم من قري ومعالم مثلها، تركت للإهمال هكذا حتى اندثرت وتلاشت للأسف؟