أسيرات الغصن..!
منذ سنة
عدن – ريـا المزاحمي متنقلة بين أشجار القات والحشائش المبتلة بقطرات النداء، في قريتها الممتدة شمال الضالع، سقطت “إيمان” -اسم مستعار- طريحة الأرض
سقطت إيمان بعد تناولها وريقات القات، قبل أن تضع عليه “السم” -المبيد-، كمهنة أساسية تتولاها نساء الأسر المالكة لحوائط القات
في أحد صباحات شتاء 2024، خرجت “إيمان” -حامل في الشهر الرابع- تاركة وراءها والدتها وثلاثة أطفال أكبرهم عمره تسع أعوام
تقصد “إيمان” حائط القات، يبعد 4 كيلومترات عن منزلها؛ لتضع مبيدات “سموم” القات، وتنظف جذوره من الحشائش لإطلاق نموه، كأولى مهام ربة المنزل
بعد شروق الشمس بقليل نُقل جسد إيمان الفاقد للوعي إلى مستشفى القرية المجاورة
وبعد مرور بضعة دقائق يأتي دور الطبيب المستقبل للحالة؛ ليوضح أن “إيمان” أصيبت بارتفاع عالي لضغط الدم، والمضاعفات
الفحوصات بيّنت معاناة “إيمان” من مضاعفات خطيرة، وأن جسمها يفتقر إلى عناصر ومواد أساسية قد تدخلها في متاهات مرضية طويلة
وبعد دقائق، استفاقت إيمان من غيبوبتها، وعلى ملامحها ملامح الخوف، تتسارع أنفاسها بشدة على سرير أبيض
تنظر “إيمان” إلى يدها اليسرى وقد غُرس فيها “كانولا زرقاء”، وتسري في عروقها مغذية حجم 500 مل
بينما ترى على يدها اليمنى عروقها المتشابكة، بعد أن عريّ جسدها الخامل من اللحم
عندها فقط تقول: “قبّح الله إدمان القات الذي سرق مني عافيتي وبدل جسمي كهيكل قديم”
تحدثت “إيمان” مع «المشاهد» أنها أدمنت القات بشكل جنوني منذ سبع سنوات، إذ لم تتمكن من الامتناع عن تناوله
فهي تشعر بالخمول والرعشة في اليوم الذي لا تتناول فيه القات، حد تعبيرها
ظلت “إيمان” في دوامة من الويلات، تارة بالسقوط المفاجئ والأمراض المتراكمة، وتارة بتعب أجنتها في جوفها، لينتهي بها الأمر بولادة مبكرة غير طبيعية
شيئًا فشيئًا تمكنت إيمان من التعافي من أثر العملية القيصرية بمولودها الأخير حتى خاضت مغامرة أخرى مع مرض الأسنان واللثة
فقد عملت تركيبة أسنان في فكها الأعلى، على حسب تعبيرها
في قرية “إيمان” تعاني النساء المخزنات -متعاطيات القات- من أمراض الأسنان ونزيف اللثة، بالإضافة لفقدان الوزن والشهية، ومضاعفات الحمل
“التخزين” وعلاقة النساء بالقات تتحدث عدد من النسوة اليمنيات مع «المشاهد» عن تجربتهنّ مع للقات وتناوله، الذي بات ظاهرة منتشرة بكثرة في أوساط النساء
تقول “ف
ث”: (نحن مجبرات على تناول القات، لكوننا نقضي معظم الأوقات في الحوائط نقطف ونسمم -نضع المبيدات- ونبرش”
بينما تقول (عائدة): “نحن نخزن منذ زمن طويل، ومن صعب تجنب القات”
“التخزين” هو وضع القات في الفم لأكثر من أربع ساعات أو خمس ساعات، في تجمع رجالي أو نسائي، أو بشكل مفرد
وتعود علاقة النساء بالقات منذُ زمن طويل، على الرغم من اختلاف مناطقهن، ومدى زراعتها للقات
وظلت المرأة اليمنية تتعاطى أوراق القات، وتقوم بزراعتها والاهتمام بها
لكن في السابق كان تعاطي القات محصورًا على كبار السن من النساء، وبنسبة قليلة جدًا
لكن في الآونة الأخيرة ونتيجة للأحداث في اليمن من حرب وانفلات أمني، شرعت الفتيات في تناول أوراق القات
بل وسارعت الفتيات لمجالس وتجمعات القات مثلها مثل الرجل، ولقيت مجالس القات إقبالًا كبيرًا من النساء، بما يعادل إقبال الرجال
مؤشرات مخيفة تشير نتائج دراسة للبنك الدولي مؤخرًا إلى أن نسبة النساء اللواتي يمضغن أوراق القات بشكل متكرر تشكل (73 %)
بينما حذرت دراسة يمنية ميدانية من تزايد تعاطي القات بين النساء اليمنيات وخاصة طالبات الجامعة
حيث أظهرت الدراسة أن نحو 85 في المائة من النساء يمضغن القات
هذا ما تذكره الباحثة اليمنية الدكتورة نجاة خليل، التي أشارت أن نسبة اليمنيات المتعاطيات للقات تُقدر بـ85%، غالبيتهنّ خريجات الجامعات
وتضيف لـ«المشاهد» أن معظمهنّ يتعاطين قاتًا فاخرًا، وأن إنفاقهنّ على شراءه أكثر من إنفاق الرجال
ويبلغ سعر ربطة القات، التي تزن بضع مئات من الغرامات، من 3 دولارت إلى 50 دولارًا
ووفق نتائج دراسة أخرى أجريت على عينة شملت ألف امرأة، تبين أن 77% من العينة يُخزنَّ القات
وأن 25% منهنّ تتراوح أعمارهنّ ما بين 25 إلى 34 عام، ربع هذه العينة أعمارهن أقل من 25 عام
كما أن 74
9% منهنّ متزوجات ولديهنّ أطفال، وقدرت نسبة النساء المخزنات للقات باليمن بين 30 – 50%
فيما تقول الباحثة اليمنية في مجال علم النفس “فرنجية محسن صالح” لـ«المشاهد» إن المخزنات في السر تتجاوز أعدادهنّ المخزنات علنًا
وتشير إلى أن تخزين النساء ستصبح عادة في القريب العاجل إذا لم يتم دحض هذه الآفة
القات مادة مخدرة في عام 1973 صنفت منظمة الصحة العالمية القات في قائمة المخدرات
وجاء التصنيف بعد أن أثبتت أبحاث المنظمة التي استمرت ست سنوات احتواء نبتة القات على مادتي “نوربسيدو فيدرين” و”الكاثين”
وتتشابه تلك المادتين في تأثيرهما مع “الأمفيتامينات”، حيث، تؤدي هذه المواد إلى زيادة ضربات القلب والنشاط الحركي وزيادة استهلاك الأوكسجين
يقول الدكتور “أحمد فضل هماش” -بكلاريوس طب الفم وجراحة الأسنان، وماجستير صحة عامة- إن تناول النساء للقات ظاهرة خطيرة
ويضيف لـ«المشاهد» أن هذه الظاهرة نتشرت بسرعة في وقتنا الحالي، وأصبح من الضروري محاربة هذه الآفة المنتشرة
ويؤكد هماش أن تأثير القات على أسنان المرأة المتعاطية للقات ينزع عنها صفة الأنوثة الربانية ويجعل الأسنان أكثر عرضة للتصبغات
كما يؤدي لتهالك كبير جدًا في لثة الإنسان وانحسارها؛ مما يؤدي إلى السقوط المبكر للأسنان
ومن المؤلم -بحسب هماش- أن ترى نساء في العشرينيات وكأنهنّ قد قاربنّ الخمسينيات بسبب تساقط أسنانهنّ المبكر
الكثير من الحالات المريضة المتوافدة إلى عيادة الدكتور هماش تحمل أشكالًا وصورًا عديدة من الآفات الذي يسببها تعاطي القات
ومن تلك المشاكل المفصل الصدغي، وعضلات الفك، وأيضًا تقرحات الفم واللثة والأنسجة المحيطة، بحسب هماش
النساء في أراضي القات حسب دراسات سابقة فإن متوسط مساحة القات المزروعة في اليمن بلغت 166 ألفًا و557 هكتارًا
وذلك من إجمالي الأراضي المزروعة المقدرة بنحو مليون و172 ألف هكتارًا
وحسب تواصل مراسلة «المشاهد» مع النساء في مناطق زراعة القات، فإن أكثر عمال الحوائط هم من النساء
إذ يقمنّ بأعمالٍ شاقة؛ وهذا ما يجبرهنّ على تناول القات لفترات طويلة حتى يستقوينّ على العمل؛ مما يعرضهنّ للإددمان
بعد نقل “إيمان” إلى دكتورة الولادة والنساء أخبرتها بأن جنينها لا نبض فيه وستضطر إلى إجهاضه على الفور
ويعود السبب لنقص كمية الدم الذي يمر إلى الجنين؛ نتيجة تقلص الأوعية الدموية، وبالتالي فإن الجنين لا يحصل على تغذية كافية
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير