أطفال الضالع يتركون الدراسة لإعالة أسرهم

منذ 4 أشهر

الضالع- عبد الرقيب اليعيسيوجد الطفل أحمد سنان (15 عامًا)، من محافظة الضالع، جنوب اليمن، نفسه مجبرًا على ترك الدراسة، والعمل في قطف أغصان “القات”

والقات نبات مخدر رائج في اليمن ويمضغه الرجال والنساء وحتى لأطفال

يعمل أحمد مع أقرانه من الساعة السادسة صباحًا، وحتى الواحدة ظهرًا مقابل ثلاثة آلاف ريال يمني

يقول أحمد، إنه يساعد أسرته بهذا العمل؛ لتوفير الاحتياجات الأساسية

كما أن ما يتقضاه من أجر يومي يصرف جزء منه بشكل يومي لشراء أغصان القات لوالده

 يقول أحمد “العمل متعب، ففي أيام البرد تؤلمني عظامي، وفي الحر أشعر بالدوار من الشمس، وتلتهب عيوني بسبب المبيدات المستخدمة في مزارع القات

”لم يعد أحمد يفكر في التعليم، فهو يرى أن عملًا كهذا سيوفر له ولأسرته قوت يومهم

كما يشعره بالرضا عن نفسه، كونه يشتغل في مجال يحتاجه جميع اليمنيين ولا غنى لهم عنه

تتصاعد ظاهرة «تسرب الأطفال من المدارس» في محافظة الضالع وفي مناطق أخرى من اليمن بشكل ملحوظ

هناك أسباب متداخلة لتسرب الأطفال من التعليم في الضالع

يأتي على رأس هذه الأسباب الحرب التي قسمت المحافظة إلى نصفين

النصف الشمالي من المحافظة تحكمه جماعة الحوثي “أنصار الله” والنصف الجنوبي قوات جنوبية محسوبة على الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة المجلس الرئاسي

بالسكان في المحافظة يتداولون عملتين مختلفتين، عملة طبعت قديما قبل الحرب ويتم تداولها في الشطر الذي تحكمه جماعة الحوثي

والعملة الجديدة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن يتداولها السكان في الشطر الجنوبي من المحافظة

فارق السعر بين العملتين يعمل أزمة معيشية للأسر، حيث تحظى العملة القديمة بسعر أعلى من الجديدة أمام صرف العملات الأجنبية

أمام هذا الوضع الاقتصادي وجدت أسرٍ عديدة نفسها عاجزة عن توفير احتياجاتها الأساسية؛ لتدفع بأطفالها للعمل بدلًا من المدارس

لا يهدد هذا مستقبل هؤلاء الأطفال بل يحدث أضرار صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية على الأطفال

يقول تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) الصادر بداية 2024، حول الاحتياجات الإنسانية باليمن، إن ما يزيد عن 4

5 مليون طفل في سن المدرسة (من 5-17 عاما) لا يذهبون إلى  المدارس

ومنذ 2015 تعيش محافظة الضالع معارك متواصلة، تسببت في نزوح السكان وانقطاع الطرق الرئيسية

وازداد الوضع سوءًا مع انقطاع الطرق الرابطة بين المناطق الداخلية للمحافظة، والطريق الرئيسي إلى عدن

 يقول مساعد مشروع التعليم لمنظمة رعاية الأطفال بالضالع، جميل سيف، إن الحرب دمرت المحافظة

وقال: تدمرت المدارس والطرقات، وبات من الصعب الوصول إلى المزارع والاهتمام بها؛ ما أدى إلى تدني الدخل

”ويضيف سيف لـ«المشاهد» أن تدهور الأوضاع الاقتصادية أجبر الأسر على تشغيل أطفالها بدلًا من إرسالهم إلى المدارس

وأوضح أن الأطفال في الفئة العمرية بين 10 – 15 عامًا يعملون في مهن بسيطة مثل الزراعة والرعي والمطاعم

في حين يتجه الأكبر سنًا منهم إلى أسواق القات، والعمل في البناء، أو التجنيد مع أطراف الصراع

جميل سيف، مساعد مشروع التعليم في الضالع: تدهور الأوضاع الاقتصادية أجبر الأسر على تشغيل أطفالها بدلًا من إرسالهم إلى المدارس

وأوضح أن الأطفال في الفئة العمرية بين 10 – 15 عامًا يعملون في مهن بسيطة مثل الزراعة والرعي والمطاعم

في حين يتجه الأكبر سنًا منهم إلى أسواق القات، والعمل في البناء، أو التجنيد مع أطراف الصراع

لا ينقطع الأطفال عن الدراسة في البداية عند توجههم للعمل، ولكن قد ينقطعون لاحقًا

فالتعب والإرهاق الذي يسببه العمل يستنزف قواهم وطاقاتهم ويجعلهم يفشلون في دراستهم ويقتدون بمن سبقهم ممن يعملون وتوقفوا عن دراستهم

ويرى التربوي، عبده الشعيبي، أن جذور مشكلة التعليم تعود إلى ما قبل الحرب

الشعيبي، وهو مدرس للغة الإنجليزية، بإحدى مدارس قعطبة، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يعتقد أن البيئة تلعب دورًا سلبيًا

يقول لـ«المشاهد»: “المحيط يؤثر في التحصيل العلمي؛ لأن الأبناء يتأثرون بآبائهم، معظم الآباء والأمهات بمنطقتنا غير متعلمين باستثناء قلة قليلة

وواصل: “اليوم

التعليم منهار تمامًا، فالحرب دمرت جميع جوانب الحياة بما فيها التعليم”

مشيرًا إلى إن كل من له علاقة بالعملية التعليمية، كالأسرة والمجتمع وحتى المعلمون والطلاب، يؤثرون في مسألة التسرب و عمل الأطفال

والسبب الأساسي ـبحسب الشعيبي- هو الحرب، ورغم أن مدارسنا مليئة بأسماء الطلاب، لكن لا توجد نتائج تعليمية حقيقية

فالأعداد كبيرة لكن المخرجات ضعيفة جدًا

وفي السياق، يوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، الدكتور محمود البكاري، أن ظاهرة عمالة الأطفال ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتسرب من التعليم

لافتًا إلى أن البيئة التعليمية غير الجاذبة أحد الأسباب الرئيسية لهذه المشكلة

كما أن ضعف الكادر وسوء الإدارة المدرسية، والمناهج غير الملائمة وبُعد المدارس الريفية، يدفع للاكتفاء بتعليم الأطفال القراءة والكتابة فقط

موضحًا لـ«المشاهد» أن محدودية المستوى التعليمي لأولياء الأمور وانتشار الأمية في الريف يفاقم هذه الظاهرة

وأشار البكاري إلى أن انتشار الفقر والبطالة في المجتمع عامل بارز وراء ظاهرة التسرب والعمالة للأطفال

وأضاف أن بعض النماذج التي تركت التعليم مبكرًا واتجهت للعمل في الخارج، حققت نجاحات مادية؛ شكلت قدوات ناجحة للأطفال

وزاد: هذا التوجه يتعزز في ظل ثقافة مجتمعية تقليدية تعتبر العمل في الصغر مؤشرًا على الذكاء وتحمل المسؤولية

كما أن الجهل بالتشريعات الوطنية والدولية المتعلقة بحقوق الطفل تعليميًا وصحيًا، وغياب الرقابة على المنشآت التي تشغل الأطفال، يفاقم الظاهرة

المعلم في قرية جبل الشامي بمديرية قعطبة، شاكر اليعيسي، يرى أن التعليم بالريف يتراجع، ويتوقف أغلب الأطفال بعد المرحلة الأساسية

ويقول لـ«المشاهد»: بعضهم يعمل في الوديان وتوفير الاحتياجات الشخصية لوالده، وآخرون يذهبون إلى مدارس القرى المجاورة

مما يجعل الكثير من الأولاد يتوقفون عند المرحلة الإعدادية، بينما الفتيات يتوقفنّ غالبًا بالمرحلة الأساسية

وأشار اليعيسي إلى أن التكاليف مثل الرسوم المدرسية، والملابس الشتوية، واللوازم الدراسية تمثل عبئًا على الآباء

وأضاف بحزن: “بعض الطلاب يأتون بدون أحذية وسط الصقيع، مما يُسبب لهم صدمات نفسية وصحية”

المعلم شاكر اليعيسي: التكاليف مثل الرسوم المدرسية، والملابس الشتوية، واللوازم الدراسية تمثل عبئًا على الآباء

وأضاف بحزن: “بعض الطلاب يأتون بدون أحذية وسط الصقيع، مما يُسبب لهم صدمات نفسية وصحية”

ومع تزايد أعداد الطلاب نتيجة توافد النازحين واللاجئين إلى المناطق الخالية من الصراع، أصبح الواقع التعليمي أكثر تعقيدًا

كما ظهرت تحديات تؤثر على سير العملية التعليمية وتضع مستقبل الأطفال على المحك

هذا الوضع أدى إلى اكتظاظ الفصول؛ ما أدى لاختلاط الذكور والإناث، ودفع بعض الأهالي إلى منع فتياتهنّ من إكمال التعليم

وذلك تحت ذريعة بلوغهنّ سن المراهقة في ظل مجتمع محافظ، حسب مسئول التعليم في منظمة رعاية الأطفال في الضالع، جميل سيف

ويتابع: غياب دورات المياه في بعض المدارس زاد من نسبة تسرب الفتيات

إضافة إلى نقص معلمات الصفوف العليا

وأوضح أن الظروف الاقتصادية الصعبة أثرت على الحالة النفسية للمعلمين؛ مما انعكس سلبًا على تعاملهم مع الطلاب

كما أن إدارات المدارس تعاني من ضعف القدرة على إدارة الموارد المتاحة وتحديد الأولويات

وختم حديثه بالتطرق لقضية غياب الموازنات الكافية التي تلبي احتياجات المدارس

وهذه المشكلة، بحسب سيف، دفعت بعض المدارس إلى فرض رسوم أرهقت الأسر الفقيرة

من جانبه، ينصح البكاري بالعمل على تطوير الريف من خلال إيصال الخدمات الأساسية

وبما يعمل على تخفيف معاناة المواطنين وتسهيل استمرار أبناءهم في التعليم؛ مما يسهم في تقليص عمالة الأطفال

مشددًا على ضرورة تفعيل دور الإعلام في نشر الوعي المجتمعي بمخاطر عمالة الأطفال

فما يعتقده البعض مكسبًا ماديًا قصير الأمد، يتحول إلى خسائر جسيمة يدفع ثمنها المجتمع بحرمانه من طاقاته البشرية المؤهلة والكفؤة

وبدوره يقول رئيس قسم الرقابة بمكتب التربية في مديرية قعطبة، عبد الغني باعلوي، إن التعليم بالمديرية يظل محاصرًا بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية

معتقدًا أنها تحديات خلفتها الحرب، حيث تسببت الظروف المعيشية بتسرب الطلاب من المدارس، مع تحول البعض منهم إلى معيلين لأسرهم

كما زادت الكثافة الطلابية وتهدمت المدارس، وبالتالي تعقيد الوضع التعليمي، في حين يعاني المعلمون من أوضاع معيشية متدهورة

وأضاف عبد الغني: مكتب التربية يبذل جهودًا لمواجهة هذه الأزمات، عبر تنظيم حملات توعية في القرى والعُزل بالتعاون مع خطباء المساجد

بالإضافة إلى الاستعانة بمتطوعين ورجال الخير لدعم العملية التعليمية

ورغم هذه الجهود، إلا أن هناك حاجة ملحّة لدعم أكبر من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية لضمان حق الأطفال في التعليم

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير