أطفال «المحب» في أيدي “آمنة”
منذ 3 أشهر
الحديدة – عبير عبدالله حولت منزلها الصغير إلى مدرسة، وبغرفة واحدة وعشة قش أصبح يمكن لأطفال قرية المحب، تلقي التعليم الذي حرمتهم منه الظروف المعيشية الصعبة والإهمال الحكومي وحالة الحرب في البلد
تقول آمنة مهدي، المرأة الثلاثينية، إنها بعد قدومها للعيش في قرية المحب، عزلة المتينة الواقعة غرب مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة، وجدت الكثير من الأطفال دون العاشرة يعملون صباحًا في مهن مختلفة وشاقة ولا يستطيعون القراءة و الكتابة
مدرسة من غرفة واحدةوصلت آمنة إلى قرية المحب في العام 2016، حيث لا توجد مدرسة، ويحضر الجهل ويغيب الحق في التعليم، فبادرت إلى فتح ابواب منزلها لاستقبال الأطفال الراغبين في التحرر من الأمية
تقول آمنة: “في البداية كنت استضيف الأطفال في غرفة صغيرة واحدة رغم أنها ليست مهيأة كفصل دراسي، وأبدأ تعليمهم الحروف الهجائية وقراءة سورة الفاتحة إضافة إلى بعض السور القرآنية القصيرة”
في قرية المحب يحضر الجهل ويغيب الحق في التعليم، فالأطفال هناك يعملون صباحًا في مهن مختلفة ولا يستطيعون القراءة والكتابةاستمر إقبال الأطفال وتوافدهم من مختلف أنحاء القرية، لتجد آمنة نفسها في تحد صعب أمام نحو 100 طفل يودون التعلم
وسعت أمنة عدد الفصول إلى ستة، وبرفقة 4 من طالباتها المتفوقات تقوم بتدريس الفصول على التوالي بواقع ساعتين لكل فصل
ووزعت آمنة الطلاب والطالبات في ثلاث مراحل أساس تبدأ من الصف الأول وحتى الثالث الابتدائي
واعتمدت في ذلك التوزيع معيارين اثنين هما الفئة العمرية ومقدرة الطلاب على تحمل درجة الحرارة، حيث تعيش محافظة الحديدة الساحلية أجواءً صعبة في ظل طقس حار وكهرباء غائبة معظم الوقت
وبحسب آمنة فإن الدراسة تبدأ في منزلها في الثامنة صباحًا بالنسبة للطلاب والطالبات ما دون 10 سنوات، تليها في العاشرة صباحًا فئة ما دون الـ 13، في حين تبدأ دراسة الفئة الثالثة مافوق سن 13 بين الـ 12 والـ 2 ظهرًا
حلمٌ يتحقق يفترش تلاميذ آمنة الأرض أو ظل الأشجار هربا من شدة الحر، لكنهم لا يجدون في ذلك مشكلة ما داموا يتعلمون، حد قولهم
إدريس محمد، طفلٌ يبلغ من العمر 15 عامًا، يبدأ تعليمه في الصف الأول، كونه لا يجيد القراءة والكتابة لعدم وجود مدارس في قرية “المحب” التي يسكنها
يقول إدريس إنه يأتي إلى منزل آمنه مع أصدقائه في القرية لتلقي بعض الدروس التي يستطيع من خلالها تعلم القراءة والكتابة، واصفًا ذلك بالحلم الذي تأخر كثيرًا كي يتحق
تشكل الغرفة الصغيرة لإدريس وغيره من الطلاب الذي يتوجهون صباحًا إلى منزل آمنة فرصتهم الوحيدة للتعليم بعد سنوات طويلة من الحرمان
رغبة أطفال القرية على التعلم حولت التجربة إلى تحدٍ كبير في ظل أجواءٍ غير ملائمة وإمكانيات منعدمة
فالأطفال ينظرون لآمنة بأنها فرصتهم الوحيدة للتعلمأما نوال الطفلة التي تجاوز عمرها العشرة أعوام قالت في حديثها مع منصة هودج إن أمنيتها قد تحققت اليوم بتعلم القراءة والكتابة بفضل آمنة
وتأمل نوال أن تستمر في تعليمها إلى أن يصبح بمقدورها التعلم بشكل ذاتي كي تصبح معلمة أطفال مثل آمنة، خاصة وأن أبناء جيلها كما تقول “يعيشون ظروفًا قاسية وهم محرومون من التعليم أيضًا”
مساندة رغم الإمكانيات البسيطةوصل خبر فتح آمنة منزلها لتعليم أطفال قرية المحب إلى مكتب التربية في المديرية
ووفر المكتب 20 منهجًا من الكتب الدراسية على أن يتشارك الكتاب الواحد مجموعة من الطلاب، بحسب علي حمود محب، مدير مدرسة علي بن فخر الأساسية بمنطقة المتينة
وأضاف محب في حديثه لمنصة هودج: “عملنا كذلك على توفير سبورة واحدة وطباشير، إلى جانب توفير شهادات معتمدة للطلاب الذين تمكنوا من اجتياز الاختبارات، لتمكينهم من مواصلة تحصيلهم الدراسي”
حتى الان، حررت آمنة 200 طالبا وطالبة من الامية بينهم 150 من الذكور و50 من الاناث باستخدام غرف منزلها الخاص وتحت ظل العشش والاشجار المجاورة
حررت آمنة نحو مائتي طالب وطالبة ربع هذا العدد من الإناث، باستخدام غرف منزلها الخاص وتحت ظلال “العشش” والأشجاروأعرب أهالي الطلاب في حديثهم مع منصة هودج عن عتبهم إزاء راس المال الوطني والوجاهات الاجتماعية الذين لم يلتفتوا يوما لحال أبناء العزلة التي لا تتوفر فيها سوى مدرسة أساسية صغيرة لا تكفي لاستيعاب أطفالهم، كما لم يقدموا شيئا لمساندة آمنة رغم مقدرتهم على فعل ذلك حد وصف الاهالي، حسب قولهم
تتبع مديرية التحيتا إداريًا محافظة الحديدة التي تعاني بمجملها من قلة عدد المدارس والكثير من الحياة البائسة لعامة الناس حالها حال السهل التهامي برمته
يقطن المحافظة نحو 2
5 مليون نسمة وتتضمن نحو 1,200 مدرسة، بحسب احصائيات عام 2010، غير أن المدارس موزعة بطريقة لا تراعي التجمعات السكانية النائية؛ ما يتسبب في صعوبة وصول عدد كبير من أطفال عدد من قرى وتجمعات المديرية الفقيرة إلى المدارس البعيدة
أرقام مخيفةيفيد تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، أنه من الممكن أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم إلى 6 ملايين طالب وطالبة
وذكر التقرير أيضًا أن 2
916 مدرسة، واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس، تضررت جزئيا أو كليا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية خلال سنوات الصراع الذي يشهده البلد منذ العام 2015
تسببت الحرب بتسرب 6 ملايين طفل من التعليم في اليمن، وتضررت نحو 3 آلاف مدرسة وتراجع الإنفاق على التعليم، فيما توجهت المنظمات الدولية لدعم الاحتياجات الغذائية على حساب التعليموتعليقا على ذلك، قال الدكتور عبد الكريم غانم أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، إن “تراجع الانفاق العام على التعليم، وانقطاع رواتب المعلمين في معظم المحافظات اليمنية، وتوقف النفقات التشغيلية للمدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة، ترافقًا مع فقدان الكثير من الأسر مصادر دخلها، غير اولويات الكثير من الناس وسع دائرة التسرب من التعليم”
وأشار دكتور غانم في حديث إلى منصة هودج إلى أن “المنظمات الدولية كانت هي الأخرى لها أولويات بعيدة عن دعم التعليم
حيث ذهبت جهودها اكثر باتجاه تأمين الاحتياجات الغذائية والإيوائية والدوائية للنازحين والفئات الضعيفة في المجتمع، وتغافلت إلى حد كبير عن الانهيار الذي أصاب قطاع التعليم منذ اندلاع الحرب، وما لهذا الانهيار من تداعيات مستقبلية على مختلف مناحي الحياة في المجتمع”
ويواجه الهيكل التعليمي مزيدا من التحديات بسبب الحرب
وأشارت اليونيسيف في تقريرها إلى أن نحو 172 ألف معلم ومعلمة، أكثر من ثلثي المعلمين، لا يحصلون على رواتبهم بشكل منتظم منذ العام 2016 ما دفع بالكثير منهم الى الانقطاع عن التدريس والبحث عن مهن أخرى لتوفير لقمة العيش
————–تم نشر هذه المادة بالتعاون بين «المشاهد” و منصة هودجليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير