أيوب الحمادي : لاحقاً عرفوا طالباً يمنياً !!!!!

منذ 3 ساعات

أيوب الحمادي مثل هذه الايام قبل 35 عام وصلت المانيا بعمر 19 سنة

في الجامعات الغربية وفي بيئات العمل، ولا سيما في ألمانيا، تتكوّن لدى أعضاء هيئات التدريس أو لدى المدراء والمشرفين تصوّرات عامة عن الطلاب أو العاملين الأجانب، استناداً إلى خبراتهم التراكمية مع جنسيات متعددة، سواء كانوا عرباً أو هنوداً أو صينيين أو أفارقة أو أوكرانيين وغيرهم

ونتيجة لذلك، تصبح كل جنسية بمثابة سفير غير مباشر لوطنها وثقافتها، فتسهم إمّا في تعزيز سمعة بلدها أكاديمياً ومهنياً، أو في ترك أثر سلبي يضيّق الطريق أمام من سيأتي بعدها

 ومن هنا تتضح جسامة المسؤولية، خصوصاً بالنسبة لنا كعرب؛ إذ يُنظر إلينا في كثير من الأحيان كوحدة متجانسة واحدة

ولهذا يغدو الاجتهاد والصدق وحسن المعاملة وتجنّب المشكلات عناصر أساسية، لأن خطأ فرد واحد قد يُسقط صورة أمة كاملة

ويبرز هذا بوضوح في بعض التجارب الواقعية

فقد نجح الطلاب القادمون من الصين عبر سنوات طويلة في ترسيخ صورة ذهنية تقوم على الجدية والانضباط والتركيز، مما منحهم سمعة قوية وموثوقة

وكذلك الحال بالنسبة لبعض طلاب أوروبا الشرقية، مثل الأوكرانيين والروس، حيث تركوا انطباعات مميزة في مجالات عديدة

وبحكم هذه الصورة الإيجابية، عندما يتقدّم أحدهم لشغل وظيفة كباحث مساعد أو ضمن مشروع علمي، فإن الأستاذ أو المشرف أو المدير يميل تلقائياً إلى منحه الثقة وفتح الأبواب أمامه

وهنا يتجلى المعنى الحقيقي للقول: كل شخص هو سفير بلده

 أما عن تجربتي الشخصية، فلم يكن قد سبقني أي طالب يمني في هذا التخصص بجامعتي

ومع ذلك، كنت على يقين أنّه قد يُسمح لي أن أخفق في بعض المواد الأكاديمية، لكن لا ينبغي أبداً أن أفشل في الأخلاق والقيم والسلوك التي تربيت عليها فكل شخص هو سفير لبلده ولاسرته

ولهذا ظلّ الأساتذة وكل من تلاقت حياتهم بحياتي، سواء كأستاذ أو زميل، يذكرون أنّهم عرفوا يمنياً: إن كان طالباً فقد كان مجتهداً، وإن كان عاملاً فقد كان مثابراً، وإن كان زميلاً فقد كان متزناً وأن كان جار فلم يكن اذي او مزعج وأن تحدث وناقش لم يكن يكذب ولايلبس قناع

وحين تقدّمت للعمل كباحث، كان الذين بيدهم القرار على استعداد كامل لمنحي الفرصة وفتح الأبواب دون تردّد

ومن بين المواقف العالقة بذاكرتي أستاذ قدير يُدعى برفيسور جوتلر تقاعد لاحقاً بعد أن اكملت الماجستير، لكنه كان يتواصل باستمرار مع مشرف الدكتوراه برفيسور ميشائيل الخاص بي ليطمئن عليّ، حتى قال لي المشرف برفيسور ميشائيل ذات يوم: الأستاذ جوتلر يتعامل معك كما لو كنت ابنه

قلت في نفسي أنما هي الاخلاق من تربط الناس ببعضهم ليحترموا بعضهم

 ومع مرور السنوات، رحل البرفيسور ميشائيل ايضا وبكيت عليه مثل الابن على ابيه، وقد كنت آخر شخص بجانبه قبيل وفاته ولم يدخل أحد لغرفة الانعاش الا أنا لكي اتحدث معه

ولشدة قربه مني، قررت عائلته أن أكون أنا من يودّعه إلى مثواه الأخير، فكنت من أنزله إلى القبر

تلك المواقف كان لها أثر عميق في داخلي، وأعادت إليّ اليقين أن السلوك والأخلاق قيم تُغرس منذ الطفولة

فرحمة الله على أساتذتي ومن تقاطعت حياتي معهم في ثلاثة عقود الذين عاملوني بإنصاف وتركوا في حياتي بصمة لا تُنسى، وهناك قصص لاتعد من ارتباطي بمن كانوا ولازالوا معي في محطات ال 35 عام، في كل المحطات كنت صورة حسنة لليمني العربي بينهم

  وختاماً، تجدر الإشارة إلى أنّ الفشل في امتحانات الحياة في الغرب لا يرتبط غالباً بضعف علمي أو قصور مهني، بل ينشأ في كثير من الأحيان عن سلوكيات خاطئة مثل الكذب، وافتعال الخلافات، وإهمال قيم الالتزام والاتزان والتحايل والمراوغة والأنانية والحسد والاستغلال

ومن هنا يتجلّى الدرس الأعمق إنّ التفوق الحقيقي لا يُبنى على العلم وحده، كما أن كسب احترام الذات ومحبة الآخرين لا يقوم على الكفاءة فحسب، بل يرتكز قبل كل شيء على أخلاق راسخة وانضباط أصيل فأن لم تكن تلك الاشياء تعلمتها في بيتك فلن تصل لشيء ذو معنى

وعلى امتداد هذه السنوات 35 لم أضع أحداً في موضع الخصم او المنافسة، بل كنت أضع نفسي السابقة في ذلك الموضع بمعنى كنت ولازلت أنافس النسخة السابقة من نفسي قبل عام