إذاعة تعز تعود إلى الأثير
منذ 17 ساعات
تعز – أسامة الكُربش بعد عشر سنواتٍ من التوقف القسري، عاد صوت إذاعة تعز إلى البث، معلنًا لحظةً رمزيةً فارقةً في المشهد الإعلامي لمدينة تعز
هذه العودة، التي يصفها كثيرون بـ”الخطوة الجبّارة” و”بارقة أملٍ” في استعادة صوت الجمهورية، تحمل دلالاتٍ أعمق من مجرد استئناف بثٍ إذاعي
يقول مدير عام إذاعة تعز، أحمد شوقي أحمد، “إن عودة الإذاعة للبث بعد غيابٍ دام عقدًا كاملًا يمثل “مسألةً في غاية الأهمية”
موضحًا أن الإذاعة كانت تمتلك في السابق بنيةً تحتيةً متقدمةً، ومعداتٍ حديثةٍ بمبالغ ضخمة
بالإضافة إلى استوديوهاتٍ كبيرة ومرافق لوجستية كانت مساعدةً للقناة الفضائية اليمنية، وكان بالإمكان أن تكون نواةً لقناةٍ تلفزيونيةٍ خاصة بتعز، لكن لم يتحقق ذلك حينها”
إعادة تشغيل الإذاعة لم تكن مهمةً سهلة، فالتمويل وموازنة الإذاعة ما يزال معلق في أروقة وزارة المالية؛ بسبب تعقيداتٍ بيروقراطية ومصاعب اقتصادية تعصف بالمؤسسات الحكوميةوبحسب شوقي، فقد تعرضت الإذاعة لتدميرٍ شاملٍ بعد اقتحام جماعة الحوثي مقرها، حيث جرى تفجير مبانيها وأبراجها ونهب تجهيزاتها ومولداتها
ورغم هذا الخراب، فإن إعادة الإذاعة إلى الحياة، حتى وإن كانت في البداية بساعات بثٍ محدودة (من 6 إلى 8 ساعات يوميًا)، تعد “خطوةً جبّارةً” من الناحية الرمزية، وفق تعبير شوقي
ويضيف في حديثه لـ”المشاهد”: “نؤمن أن للإذاعة دور أساسي اليوم في أربعة اتجاهات، أولًا في مواجهة خطاب جماعة الحوثي، وثانيًا في تعزيز الحضور المؤسسي والفكري للشرعية في المناطق المحررة، وثالثًا في تعزيز التماسك الاجتماعي؛ وأخيرًا، لإيصال صوت تعز إلى جميع أنحاء اليمن”
إعادة تشغيل الإذاعة لم تكن مهمةً سهلة، فالتمويل وموازنة الإذاعة ما يزال معلق في أروقة وزارة المالية؛ بسبب تعقيداتٍ بيروقراطية ومصاعب اقتصادية تعصف بالمؤسسات الحكومية
ومع غياب موازنةٍ تشغيليةٍ واضحة، تم إطلاق البث عبر إمكانياتٍ محدودة، في انتظار تحسن الظروف
ويشير شوقي إلى أن الكادر العامل ما يزال صغيرًا وبحاجةٍ إلى تأهيلٍ فني وإداري، كما أن الجغرافيا الجبلية الوعرة لتعز تفرض تحدياتٍ فنيةً ومالية إضافية لتوسيع نطاق البث
الشارع الإعلامي والنخب المحلية تفاعلت مع عودة الإذاعة بمزيجٍ من الترحاب والحنين
ووصف الصحفي زكريا الكمالي العودة بأنها “بارقة أمل طال انتظارها”، خصوصًا بعد حالة الإحباط التي أصابت الكثيرين من استمرار غياب أي منبر إعلامي رسمي في المدينة، والتراخي الحكومي المريب مع وضع مؤسسة الجمهورية للصحافة والطباعة”
وقال في حديثه لـ”المشاهد”: “نحيي الجهود الجبارة التي بذلها الزملاء في إذاعة تعز، وكلنا شوق لخارطةٍ إذاعيةٍ تعوّض الناس عن سنوات الغياب الطويل”
أما الكاتب والصحفي فكري قاسم فقد اعتبر الإذاعة “صوت الثورة والجمهورية”
وقال إن “غيابها خلال السنوات الماضية كان يُشعره بالمرارة، خاصةً في ظل بقاء تعز في قلب المواجهة الإعلامية والسياسية”
وأضاف في حديثه لـ”المشاهد”: “كم كان مؤلمًا أن نفتح المذياع فنسمع أصوات الإذاعات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، بينما إذاعة تعز -الرائدة- صامتة”
تعود إذاعة تعز إلى الأثير محملةً بإرثٍ تاريخي غني، فهي لم تكن مجرد وسيلة إعلام محلية، بل أدّت أدوارًا وطنيةً فارقة
أستاذ الإعلام في جامعة تعز، الدكتور منصور القدسي، ذكّر بالدور المحوري الذي لعبته الإذاعة في دعم ثورة 14 أكتوبر في جنوب اليمن، وحتى في مراحل مصيرية عندما خُطط لاستخدامها بديلًا عن إذاعة صنعاء أثناء حصارها من قبل القوات الإمامية
ويقول القدسي لـ”المشاهد”: “إن الإذاعة اليوم مطالبة بأن تؤدي دورًا مماثلًا في ظل الظروف الحالية، وأن تكون “صوتًا جمهوريًا جامعًا”، في مواجهة الخطاب الطائفي الذي يتغلغل عبر وسائل إعلام أخرى”
إذاعة تعز واحدة من أعرق الإذاعات اليمنية، حيث تأسست عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، بهدف إيصال صوت الثورة ومبادئها إلى مختلف أنحاء البلاد، في وقتٍ كانت فيه وسائل الإعلام محدودةً للغاية، والصراع على الوعي الشعبي على أشده
ويضيف: “نأمل أن تحظى الإذاعة بدعمٍ حقيقي من الحكومة، فتعز محاصرة بثلاث إذاعات تروّج لروايةٍ واحدة، وآن لصوت المدينة الوطني أن يُسمع مجددًا”
رغم البداية المحدودة، يكشف أحمد شوقي عن إعداد خريطةٍ برامجيةٍ مبدئية قيد النقاش، مع تطلعاتٍ إلى توسيع ساعات البث وتحسين الجودة الفنية
مشيرًا إلى أن كل ذلك مرتبط بما سيتوفر من تمويلٍ وتدريبٍ للكادر، وهي عوامل تبدو حتى الآن غير مستقرة
وإذاعة تعز واحدة من أعرق الإذاعات اليمنية، حيث تأسست عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، بهدف إيصال صوت الثورة ومبادئها إلى مختلف أنحاء البلاد، في وقتٍ كانت فيه وسائل الإعلام محدودةً للغاية، والصراع على الوعي الشعبي على أشده
بدأت تجارب الإرسال بالإذاعة عام 1963، ليتم تدشين بثها الرسمي في يوليو من العام 1964، بواقع ثلاث ساعات يوميًا، قبل أن يُمدد لاحقًا إلى ثماني ساعات
وشهدت برامجها تنوعًا لافتًا، إذ لم تقتصر على اللغة العربية فحسب، بل شملت أيضًا برامج باللغة الإنجليزية، في محاولةٍ للوصول إلى جمهورٍ أوسع
وخلال ثورة 14 أكتوبر في جنوب اليمن، برز دور إذاعة تعز كمنصةٍ مساندةٍ لحركة التحرر، من خلال البرنامج الشهير “صوت الجنوب الثائر”، الذي استمر بثه اليومي من 1963 حتى 1967، حاملًا رسائل الدعم والتحفيز للثوار في الجنوب
وكانت الإذاعة تعمل بتنسيقٍ زمني وبرامجي مع إذاعة صنعاء، بحيث لا تتقاطع أوقات البث، في تجربةٍ مبكرةٍ من التكامل الإعلامي الوطني
لكن هذا التاريخ الحافل توقف فجأةً بفعل الحرب؛ فقد تعرض مقر إذاعة تعز للتدمير الكامل يوم الثلاثاء 22 ديسمبر 2015، أثناء المواجهات العنيفة التي شهدتها المدينة، بعد أن كانت الإذاعة قد توقفت عن البث لأشهرٍ قليلة نتيجة بدء المعارك
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير