احمد عبدالملك المقرمي : رســـول للعالمين
منذ 16 ساعات
احمد عبدالملك المقرمي إن نقف نستلهم من أحد رُشْدا، أو نستمد منه هداية؛ أو نمضِ نتعبد الله عز وجل باتباع سنته و اقتفاء أثره، فذلكم هو محمد صلى الله عليه و سلم الذي ليس لأحد من الناس معه أو بعده هذه الأحقية التي ألزمنا الله بها ، جل في علاه : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا) و قوله عز من قائل :( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)
و إن يحتفِ البعض بذكرى ميـلاده في عـادة جـرت بهم، أو طقوس ابتدعها بعضهم توظيـــفا لحــاجة في نفوسهم ؛ فإننـا نتمسك بمنهجه في كل أمــــر من الأمــــــور اتبــاعا و طــاعة، و اقتداء على مـدار اليوم و الساعة و اللحظة، امتثالا لما أمرنا به و حثنا عليه : ( ذاق طعــــم الإيمـــــان من رضي باللـــه ربا و بالإسلام دينا وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبيا ورسولا) : وراءك يا رسول الله نمضي و يتبع صفَّنا للمجد صفُّ على رغم المعاند والمعادي لواء محــــمد أبدا يَـرِفُّ لم يكن ميلاد محمد صلى الله عليه و سلم مجرد ميلاد فرد استثنائي ، ولا ميــــلاد بطل قومي، أو شخصية تاريخـــية، أو شخصية عبقرية نابغة، فتلك صفــــات و مواصفات لأشخاص و أفراد تعج بهم الحياة البشرية، ممن ينبغون و يتميزون بهذه المجالات أو تلك
و لكن كان ميلاد محــمد صلى الله عليه و سلم ميــــلاد أمة ارتبط ميلادها بميــــلاد نبي الــــرحمة ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) و نبي الهــــــدى و النــــور: ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضـــوانه سبل الســـــلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صـــــراط مستقيم )
و نبي الحياة الذي أحيا البشرية بعد موات؛ هو محمد عليه الصلاةو السلام : ( أفمن كان ميتا فأحيينــــاه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها )
فهل رأيتم أمة مترامية الأطراف تولد بميلاد فرد واحد، كما وُلِدت أمــة العــــرب بميلاد النبي الكريم محمد صلى الله عليه و سلم، و أمم شتى بعدها، و لا تزال الأفراد و المجتمعات تحيا بهديه، و تستقيم إذا تمسكت بتعاليمه؟ إننا - هنا - لا نفتئت القول، و لا نبالغ في الكلام، و لا نتعسّف التعبير في وصـــف الحقيقة، و لكننا نتكلم عن حقيـــقة مثُلت على الأرض، و عاشها الناس واقعا، و هي حقيقة مازالت تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها : رسول الله ذكرك فَيْضُ نور يُردّد كل يـــــوم بالأذان فإن أداءه دعوى لجنـد و إرشاد إلى أسمى المعاني و أحمد خير من أرسى نظاما تدين به الحياة مدى الزمـان و لئن سالت الحروف في وصف شأن المصطفى صلى الله عليه و سلم بتلقـــائية، وتدفقت الكلمات حية بيسر و سهولة، و أنشئت العبارات برصانة و حصافة ؛ فليس مرجع ذلك لبلاغة الشعراء، و لا لفصاحة الخطباء ، و لا لعبقرية الأدباء، و لكن لأثر و مآثـر النبي المصـــــــطفى، الذي أنطقــت مواقفه و ســـيرته و أخلاقه أساليب اللغة و أسرار العربية، حتى مكنت الخطيب المفوّه من أن ينطلق في رحابه مغترفا منه بلبــاقة، و متكلمــا عنه باقتدار، و مكنت الشعراء من الإبحـــار في بحور القصائد العصماء، بلا تكلف، و لا مبالغة، حتى وجد قائلهم نفسه يقول بصدق : خُلِقتَ مُبَرّأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء أو كما قال الآخر : أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا و قبلهما أجمل الحقيقة ابن رواحة رضي الله عنه : و الله لولا أنت ما اهتدينا و لا تصدقنا و لا صلينا حين جاء المصطفى عليه الصلاة والسلام لم يكن للعرب دور له بال بين الأمـــم ، و لا أثر يذكر، بل كانت البشـــرية ككل في جهالة جهلاء و ظلم مستطير : أتيت و الناس فوضى لا تمر بهم إلا على صـــنم قد هام في صنم فعاهل الروم يطغى في رعيته و عاهل الفرس في كِبْر أصـمّ عَـمِ و يعبر شـــاعر عــــربي عن وضع العـــرب قبل مجيئ النبي المصطفى، بقوله : و هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت و إن ترشد غزية أرشد أو قول الآخر ؛ يصـف مآسيهم الدائمة و تناحرهم المستمر : و أحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا جاء محمد عليه الصلاة و السلام و العالم يعيش في ظلام حالك، و ظـــــلم ناهك، و بؤس هالك مقيم، فمضى يزرع أثره و مآثره، و يُوْدِع في الناس هدْيَه و هُداه ، و الأرض - يومها - كافرة بما جاء به، معادية لدعوته، مناوئة له، و ليس معه في أول أمره - على الأرض - من معين أو نصير، غير امرأة آمنت به، و صِــــدّيق صــدّقه بما جاء به، و صبي تابعه، و كان أولئك الثلاثة على التوالي : خديجة بنت خويلد، و أبو بكر الصديق، و علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
لكنه عليه الصــــلاة و الســــلام، مضى يُعطّر الكون برسالته و تُعلّم الناسَ كلماتُه، و يمدّ الجميع بهديه و إرشاداته
يغشى الناس في مجالسهم دون خوف، و يحاور آحادهم أو جموعهم دون كلل، و راح يبني البناء لبنة لبنة، و يمضي برسالته خطوة خطوة، و يرصّ الصــفوف فردا فردا، غير عابئ بالصـعاب، و لا مستكين للمتاعب و المشاق
و صــــار هذا الجهد،، و هذه الطــريقة هو المنهج الذي سار عليه أتباعه من بعده، من رجــال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، و من فتية آمنوا بربهم، و من نســـــاء قانتــات صالحات ، ما وهنوا و لا استكانوا، و ما أقالوا و لا استقالوا، بل ظل شعـار الصـــادقين و الصـــــــادقت على الــدوام ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا )
ها نحن نستذكر اليوم ، و نتذكر البداية من حين : ( إقرأ ) فواجهه المـلأ من قريش بقولهم : ( تبا لك ) فاستعصى بإيمـانه غير محبط و لا وجل، يستأنف بث النور، و نشر الهدى ؛ نتذكر الخطى الثابتة، و العزيمة الصامدة، و الجهاد الأغر لمحمد صلى الله عليـه و ســـــــلم ؛ لنمضي في أثره، و نترسم خطى دعوته و سيرته، نتمثلها عمـلا، و نَعُبُّــــها اقتداء، و نهتدي بها ميدانا، و نستعصي بها ثباتا و إقداما، و هذا لعَمْـري هو خير احتفــاء
فسبيلنـا،و سُبُلنا؛ مستقـــاة من تعاليمه و إرشـاداته، و لسنا من أولئك الذين يستجدون باسمه الأموال ظلما، و ينتسبون الية استعلاء و طغيانا، بمزاعـــم خُـرافية ما أنزل الله بها من سلطان ؛ مع أنه عليه الصلاة و السلام يقول قولا فصلا و ليس بالهزل لأمثال هؤلاء الأدعياء : ( إن أولى الناس بي المتقون من كانوا و حيث كانوا )
و هو حديث يطابق قول الحق تبارك و تعالى :( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )
و الفرق بيننا و بين هؤلاء الأدعياء أننا نؤمن أن رسالة محمد جـــاءت للعالمين نذيرا ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فيما الكهنوتية الحوثية و من على شاكلتها تريد أن تقـــزّم الرسالة الربانية و الدعوة المحمدية و أن تحصرها في سلالة ليس إلا، في كذب أَشِــــــــــر، و معصية مطلقة ؛ لقول الحـــــق تبـــارك و تعالى : ( تبارك الذي نَزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)
لقد آن الأوان في أن تصدع بما أمرت به و أن تجهر بأن : حي على الفــــــلاح، حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله رب العالمين ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله عل بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين )