احمد عبدالملك المقرمي : مكة المكرمة.. و منها دَعا إبراهيم

منذ 8 أيام

احمد عبدالملك المقرمي   مكة المكرمة؛ التي جاءها إبراهيم عليه السلام، و هي مجرد وادٍ غير ذي زرع، لا جليس فيها و لا أنيس؛ تصبح مهوى أفئدة يملؤها الشوق، و مقصد وفود يقودها الحنين، و مثابة و مأوى، يبسط أمنا للناس، و قبلةَ أمةٍ تتوجه إليها مئات الملايين، مولية وجهتها شطرها المسجد الحرام ؟! و إذا الصفوف المتحلّقة حول الكعبة، من خلفها،و خلفها،و وراءها صفوف متحلقة ، و مستديرة على مستوى ظهر البسيطة، مولية وجهها شطر المسجد الحرام

    لقد كانت واد غير ذي زرع ! لكنها زرعت، و كان زرعها النور، الذي أحال اليباب إلى عمار، و القَحْل إلى فِيَاح، و غدا واديها الأجرد تُجْبَى إليه ثمرات كل شيئ : وارزق أهله من الثمرات

    في ذلك الوادي الأجرد ؛ غير ذي الزرع بَوّأ الله لإبراهم مكان البيت، و دعاه لبنائها : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل فيمضيان في البناء ضارعين مبتهلين : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم خاشعين منيبين: ربنا واجعلنا مسلمَين لك و لا يقفان عند طلب الاستقامة لنفسيهما فحسب ، و إنما يستشرفان الآماد القادمة من الزمن، و الذرية المتناسلة في المستقبل: ومن ذريتنا أمة مسلمة لك

    و تجيش أُبوّة إبراهيم إشفاقا من توالي القرون، و ما يحدثه الزمن من تغيُّرات ، فتضعف الخيرية، و تتراجع الاستقامة، فيلهج مخبتا بالدعاء: ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم فتثمر دعوة إبراهيم عليه السلام بمحمد صلى الله عليه وسلّم يبعث نبيا ـ بعد آجال و قرون ـ يرث فيها رسالة إبراهيم، و كل الرسالات؛  و لتكون رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم خاتمة الرسالات: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين

    نعم

تحققت دعوة إبراهيم؛ فبعث محمد( ص)  ليرث كل الرسالات، و جاء و قد عاد الوادي إلى ما كان عليه: غير ذي زرع ؛ من الهدى و النور، و الخير و الاستقامة،و إنما قد وضعت الأصنام،و نصبت الأوثان، و ارتكس الانسان من جديد  في ضلال مستطير

    و الإنسان بغير منهج مبين ؛ يتخبط في ضلال كبير

    كانت مكة و من حولها من العرب،و مَن وراء العرب يعيشون تيه الضلال المستطير، و مع ذلك كان العرب ـ خاصة في مكةـ يزعمون أنهم على دين إبراهيم ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما

  من المشركين

    و أين دين إبراهيم ؟!  لقد أدخل الزمن فيه ما ليس منه، وزاد فيه الناس ما ليس له أصل، حتى لم يعد لهم منه شيئ إلا الادعاء

   لقد كان إبراهيم  ـ النبي الكريم ـ يدرك مما عرفه عن مصائر الأمم قبله، و كيف فعل الزمن بها، و كيف تخلت عن رسالات السماء بعد طول عهد، حتى عاد الناس إلى جاهليتهم الأولى؛ و قد عانى هو نفسه في مواجهة ضلالات قومه

لذلك استشرف ذلك المصير  ؛  فكان أن دعا ربه أن يبعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم الآيات، و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم

    و جاء محـمد ـ صلى الله عليه و سـلّم ـ و قد أقْحَل الوادي، و عاد أجرد غير ذي زرع من هـدى و تقـوى و استقـامة، فكان في البدء الكلمة: إقرأ و مضى محمد يتلوا الآيات، و يعلم الناس الكتـاب و الحكمة، و يزكيهم بالرســــالة الخاتمة التي ورثت كل الرسالات، و التي ارتضاها الله للبشرية، معلنا فيها بإنزال آخر آية في التشريع :(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)

    لقد ختم الله الرسالات برسالة جمعت ما مضى، و ورثت ما سبق من رسالات، فكانت الرسالة الخاتمة، التي لا تقبل التلفيق، و لا الافتراضات، و لا ما كان قد طرحه كفار قريش، نعبد إلٓهك سنة، و أن تعبد آلهتنا سنة، أو شهرا بشهر

و هكذاظن كفار قريش بسذاجة فكرهم ، و ضلال عقولهم أن هذا التلفيق يمكن أن يقدم حلا وسطا، لا يكون مصدره السماء، و إنما يكون مصدره ضلالات السفهاء في الأرض

    سخر الله منهم، و عَرَّى ضحالة تفكيرهم بكل صرمة و قوة: قل ياأيها الكافرون

السورة