الأسرى والمعتقلون..عالقون بين “الاتهامات”

منذ 2 سنوات

“طرقنا كل الأبواب بحثًا عنه، لكن دون جدوى

جميع الأطراف تنفي وجوده في سجونها كلما سألنا عنه لديها”

هذا ما قالته شقيقة الشاب معتز الشجيفي، الذي لايزال مصيره مجهولًا منذ نحو ثلاثة أعوام على اختفائه في ظروف غامضة بمحافظة تعز جنوبي غرب اليمن

منذ بدء الصراع في البلاد عام 2015، قُبض على آلاف الأشخاص، واعتُقلوا أو تعرضوا للإخفاء القسري؛ بينهم من تم احتجازهم بدون تهم وُجِّهت إليهم

في فبراير/ شباط 2020، اختفى معتز في منطقة الحوبان شرقي مدينة تعز، الواقعة تحت سلطة جماعة الحوثي (أنصار الله)

ومع انقضاء كل هذه المدة وعدم العثور عليه، لم تفقد أسرته الأمل بعودته

كان حينها يبلغ من العمر 26 عامًا، وكان يعمل في وظيفة “مصمم جرافيكس” في شركة للدعاية والإعلان

وليس لديه “أي نشاط سياسي أو انتماء حزبي”، بحسب أسرته

لقد كان دومًا “بشوش الوجه، مرحًا، خلوقًا”؛ تتذكر ليلى شقيقها

وتقول إنها تشتاق إليه، وتراه في أشياء كثيرة تُذكرها به

لم تكن ليلى تتوقع أنّها في يومًا ما ستفقد أحد أفراد أسرتها بهذه الطريقة

وتضيف لـ”المشاهد”: “احترق منزلنا وعشنا وسط القذائف والقصف والخوف، لكن لم يخطر على بالنا فقدان معتز”

تأمل عائلة هذا الشاب سرعة الكشف عن مصيره أو السماح له بالتواصل معهم والإفراج عنه

وهناك آلاف الأسر اليمنية التي تنتظر الإفراج عن أقاربها القابعين في سجون أطراف الصراع، وباتت آمالها معلقة بتنفيذ الاتفاقات المتعثرة حتى الآن بشأن تبادل الأسرى

ومنذ أكثر من عامين؛ لم تنجح جهود الأمم المتحدة في حلحلة هذا الملف الإنساني الذي ترى أنّ معالجته تهدف لبناء الثقة وتحقيق السلام

يواجه ملف الأسرى والمعتقلين والمخفيين قسرًا تعقيدات كثيرة، تتمثل أبرزها بانعدام الثقة بين الطرفين؛ حيث تتبادل الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي (أنصار الله) الاتهامات بشكل متكرر بعرقلة الاتفاقات المبرمة بهذا الشأن؛ بالإضافة إلى مشاكل سياسية وأخرى فنية تتعلق بقوائم أسماء المحتجزين

وتعود آخر صفقة تبادل أسرى بين الحكومة والحوثيين إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حيث أُفرج حينها عن 1

056 شخصًا من الطرفين، بينهم سعوديون وسودانيون كانوا محتجزين لدى جماعة الحوثي

تعد تلك العملية هي الأكبر منذ بدء الصراع؛ وتمت برعاية الأمم المتحدة، وبدعم لوجستي من اللجنة الدولية للصليب الأحمر؛ تنفيذًا لاتفاقية ستوكهولم المبرمة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، والتي تضمنت الإتفاق على آلية تنفيذية لتبادل الأسرى، حسب نص اتفاق السويد

ولا يُعرف على وجه الدقة الأشخاص الذين تم اعتقالهم وأسرهم منذ ذلك الحين، لكن تقارير حقوقية تشير إلى استمرار اعتقال أعداد جديدة

وخلال السنوات الأخيرة، عُقدت جولات مشاورات متعددة بين الأطراف اليمنية، في العاصمة الأردنية عمّان، برعاية أممية، لحل هذا الملف، لكنها تعثرت في نهاية المطاف

آخر تلك المشاورات كانت مطلع العام المنصرم، والتي أفضت حينها إلى توافق بين الحكومة وجماعة الحوثي على تبادل أكثر من ألفي أسير ومعتقل من الطرفين، بينهم اللواء ناصر منصور (شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي)، واللواء محمود الصبيحي (وزير الدفاع الأسبق)، المُحتجزان لدى الجماعة منذ 2015

كما رعت الأمم المتحدة، في أغسطس/ آب الماضي، جولة مفاوضات سادسة في العاصمة الأردنية عمان، لتحديد أسماء المحتجزين الذين سيتم الإفراج عنهم

واتفقت الأطراف على تشكيل لجنة مشتركة لدعم عملية التحقق من هوية أسماء المحتجزين المدرجة في القوائم، بالإضافة إلى تسهيل زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مراكز الاحتجاز للمساعدة في التحقق من الهويات

وبعد نحو شهرين من الاتفاق، تبادلت السعودية والحوثيون زيارات بشأن التأكد من أسماء الأسرى الذين سيتم الإفراج عنهم بموجب اتفاق عمّان

وأعلن رئيس لجنة أسرى الحوثيين عبدالقادر المرتضى، حينها، أن جماعته وقّعت مع الجانب السعودي “على القائمة الأخيرة التي من خلالها سيتم تبادل الأسرى” بين الجانبين

حتى مطلع العام الحالي، لايزال هذا الملف متعثرًا، ولم يتم إحراز أي تقدم يُذكر

وعزا الحوثيون السبب إلى رفض وعرقلة الحكومة تنفيذ الاتفاق، محملين السعودية “مسؤولية هذا التأخير وهذه العرقلة المتعمدة”، حد تعبيرهم

بالمقابل تتهم الحكومة جماعة الحوثي بـ”التعنت واستغلال الملف لتحقيق مكاسب سياسية”

وفي منتصف يناير/كانون الثاني هذا العام، أجرى نائب المبعوث الأممي إلى اليمن، معين شريم، مباحثات مع الحوثيين ضمن مساعيه للدفع نحو تنفيذ اتفاق عمّان بشأن الأسرى، بحسب المرتضى الذي تحدث عن “انفراجة حقيقية” لهذا الملف خلال “الأسابيع المقبلة”

ومنذ ذلك الوقت لا توجد أي تحركات أو تقدم في ذلك

أجرينا بالأمس لقاء مع نائب المبعوث الأممي الأخ ( معين شريم ) ناقشنا فيه سبل تحريك ملف الأسرى والعمل على الدفع نحو تنفيذ الاتفاق الأخير

ونأمل ان تشهد الأسابيع المقبلة انفراجة حقيقية في هذا الملف الإنساني

في مسار منفصل عن الأمم المتحدة؛ استمرت المساعي المحلية التي يقودها وسطاء قبليون وشخصيات اجتماعية، في تبادل أسرى ومعتقلين؛ ونجحت في الإفراج عن آلاف الأشخاص خلال سنوات الصراع الدائر في البلد منذ ثمانية أعوام

وشهد العام المنصرم نحو 40 صفقة تبادل أسرى بوساطة محلية، بين الحكومة والحوثيين، في محافظات عدة، أبرزها: تعز، شبوة، مأرب والحديدة، تم الإفراج فيها عن 260 أسيرًا ومعتقلًا من الجانبين، بحسب الوسيط المحلي عبداللطيف المرادي

ويقول المرادي لـ”المشاهد”، إن أكثر من 20 صفقة أخرى تبادل فيها الجانبان ما يقارب 80 جثة، مضيفًا أنه تم الإفراج أيضًا عن 110 أشخاص من الطرفين، خلال الفترة ذاتها

كما أعلن أطراف الصراع عن مبادرات أحادية الجانب تضمنت الإفراج عن أسرى ومحتجزين

ففي مايو/ أيار الماضي، أعلنت السعودية الإفراج عن 163 أسيرًا حوثيًا، بينهم أجانب “شاركوا بالعمليات القتالية ضد أراضي المملكة”؛ وذلك غداة إعلان الحوثيين إطلاق سراح 42 أسيرًا من القوات الحكومية

وفي مايو الماضي، نقلت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أكثر من 100 شخص من مطار أبها إلى مطار عدن الدولي، بعد أن رفضت جماعة الحوثي استقبالهم، وقالت إن معظمهم “ليسوا من أسراها وغير معروفين لديها”

بعد زعم السعودية تقديم مبادرة للإفراج عن بعض من أسرانا، تبلّغنا بكشف يتضمن عددا من الأسماء خلاف ما أعلنت ، وأكثر من ذلك أنهم ليسوا من أسرانا وغير معروفين لدينا

بدورنا أبلغنا الصليب الأحمر أننا غير معنيين بهم، وعلى دول العدوان التوقف عن المتاجرة والمزايدة بملف هو إنساني بامتياز

ويشوب هذا الملف الإنساني الكثير من “اللغط والتعثر”، حسبما ترى المحامية الحقوقية هدى الصراري، رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، موضحة أن السبب يعود إلى “تعدد فئات الضحايا ما بين أسرى حرب واختطاف واعتقال ومحاكمات غير قانونية، خصوصًا للصحفيين الذين رفضت جماعة الحوثي بشكل قطعي ورود أسمائهم ضمن كشوفات الأسماء التي يتم التفاوض بشأنها، كونهم يخضعون لمحاكمات”

وتواصل جماعة الحوثي اعتقال سبعة صحافيين منذ نحو سبعة أعوام، بينهم أربعة أُصدر بحقهم أحكام بالإعدام

وتؤكد الصراري ضرورة عدم استغلال هذا الملف الشائك، في الجانب السياسي، والنظر إليه من الناحية الإنسانية البحتة

مشيرة، في حديثها لـ”المشاهد”، إلى دور جهود الوساطات المحلية التي “أثمرت الإفراج عن العديد من المعتقلين في العديد من المحافظات، والتي كانت أكثر نجاحًا إلى حد كبير من وساطات المبعوث الأممي”

استمرار تعثر تنفيذ مخرجات مفاوضات عمّان، وتبادل الاتهامات بين الطرفين، إلى جانب فشل جهود تمديد الهدنة، يهدد باحتمال ظهور المزيد من التعقيدات في هذا الملف؛ ليضاف إلى جانب عدة ملفات عالقة تم ترحيلها إلى العام الحالي، وسط تساؤلات حول مدى إمكانية حلها بشكل حقيقي

ليصلك كل جديد