الألعاب القتالية… “مدارس عنف” للأطفال
منذ 2 أيام
تعز – نورا فهدالطفل مازن مصطفى (13 عامًا) من مديرية المظفر بتعز، يقول إنّه يلعب مع أصدقائه في أوقاتٍ كثيرةٍ لعبةَ الحرب
اشترى مازن ما يُشبه “آلي الكلاشنكوف” مصنوعٌ من البلاستيك، ويقوم بملئهِ بحبات “خرز” صغيرة، كذخيرةٍ يطلقها على الآخرين أثناء اللعب
ويضيف مازن: “يتم تقسيم أصدقائه إلى مجموعتين، وكل مجموعةٍ لها قائد يوجههم في التحرك أثناء اللعب، حيث يتم تبادل إطلاق حبات الخرز من “الآلي البلاستيكي” إلى أي شخصٍ من المجموعة الأخرى، وهكذا يظل اللعب
ينتهي اللعب في كثير من الأوقات وقد تعرّض أحد الأطفال لخدوشٍ في يديه أو رجليه؛ نتيجة القفز والسقوط أحيانًا في مكانٍ توجد فيه أحجار أو زجاج، أو يصاب طفلٌ بذخيرة الخرز التي تطلق من الألعاب البلاستيكية في عينيه
في مدينة تعز، الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية، وطوال سني الحرب، كان الأطفال جزءًا من واقع هذه الحرب التي عاشوها بكل تفاصيلها
فمن لم يتأثر منها جسديًا ولم يتعرض لإصابةٍ، تأثر نفسيًا من خلال تعرضه لصدماتٍ نفسيةٍ انعكست عليه بشكل مَرضي
والكثير من الأطفال أثّرت فيهم الحرب سلوكيًا من خلال تغيير طريقة اهتماماتهم الترفيهية، خاصةً “اللعب”
هذا التأثير لا يُنظر إليه فقط من كون الأطفال يلعبون بأدواتٍ قتاليةٍ كمجرد لعبٍ ترفيهي ليس له خطورةٌ على سلوكهم وثقافتهم، أو من خلال استخدام أدواتٍ بلاستيكيةٍ وخشبيةٍ تسبب أذىً جسديًا عليهم فقط، بل تحول ذلك إلى نقل الكثير من الأطفال إلى العالم الافتراضي
حيث الألعاب القتالية الإلكترونية حولتهم إلى مدمنين يقضون ساعاتٍ طويلة في أجواء الحرب والقتل والعنف
في مختلف حارات مدينة تعز، تشاهد أطفالًا مقسمين إلى مجموعات ويحملون أسلحةً بلاستيكية، يتقافزون من مكان إلى آخر كما يحدث في الحرب الواقعية
مشهدٌ لم يكن مألوفًا قبل الحرب بهذا الشكل الذي تجده في مدينة تعز خلال السنوات الأخيرة
ما ساهم في اهتمام الأطفال بالألعاب القتالية، إلى جانب الحرب، هو أن مدينة تعز لا يوجد فيها ملاعبٌ ومتنفساتٌ عامةٌ أو رياضيةٌ، متاحةٌ للأطفال؛ ليمارسوا فيها أنشطتهم البدنية
وحتى الحصص الرياضية في المدارس لم تعد ضمن اهتمامات المؤسسات التعليمية، وهي مساحةٌ مهمةٌ للأطفال في تفريغ طاقاتهم بشكل رياضي
مما جعل توجّه الأطفال إلى بدائل قتالية واقعية وافتراضية هو الخيار الأسوأ لهم صحيًا ونفسيًا وسلوكيًا
محاكاه للعنف اهتمام الطفل مازن وبقية الأطفال في مدينة تعز بالألعاب القتالية، كما يقول الأكاديمي التربوي أمين الصانع، كلية التربية، جامعة تعز؛ هو نتيجة الحرب في مدينة تعز التي عاشها الأطفال بكل تفاصيلها، مما دفعهم إلى محاكاتها في وسائل قتالية كوسيلةٍ لتفريغ مشاعرهم، حسب تعبيره
ويتابع الصانع حديثه لـ”المشاهد”: “المشكلة الأكبر هي أنّ اهتمام الأطفال بالألعاب القتالية على الواقع، بما له من سلبيات وأضرار جسدية، قاد البعض إلى إشباع مشاعر العنف والقتال بشكلٍ أكبر، من حيث الوقت وطريقة اللعب، إلى العالم الافتراضي
ويجد الأطفال الكثير من الألعاب القتالية الإلكترونية التي يتم الاشتراك فيها، وهي متاحةٌ طوال الوقت
يكون اللعب فيها بشكلٍ مشترك مع أكثر من شخص، وكلها قتلٌ وحربٌ وعنفٌ، وهي أسوأ ضررًا وخطورةً على الأطفال، حسب تعبيره
من جهتها، تقول الأخصائية النفسية شيماء سلطان، من مدينة تعز، في حديثها لـ”المشاهد”: “إن تجربة الحرب وما خلفته من ضغوطٍ مختلفةٍ جعلت الأطفال يلجؤون إلى هذه الألعاب القتالية كنوعٍ من تفريغ الطاقة المكبوتة الموجودة بداخلهم”
وتضيف: “الأطفال يلجؤون لتفريغ المشاعر المكبوتة لديهم مثل القلق والعجز والخوف، الناتجة عن مرورهم بتجارب قاسية خلال فترة الحرب، أو حتى من خلال الاستماع لهذه التجارب من الآخرين”
لم تعد الألعاب الإلكترونية مجرد تسليةٍ، بل تحولت إلى مرآةٍ تعكس تشوهات واقعٍ صنعته الحرب
فإنقاذ هؤلاء الأطفال يتطلب أكثر من منع الألعاب، بل بناء بيئةٍ بديلةٍ تُعيد إليهم طفولةً مسلوبة، وتستبدل صوت الرصاص بضحكات اللعب البريء
ويوضح الصانع أن الطفل قد يكون معجبًا -في بعض الحالات- بما ينتشر في الواقع من إشارةٍ لبعض البطولات في القتال، ويريد ممارسة نفس الشيء
تتنوع الألعاب الإلكترونية بين ألعاب المغامرات والقتال والألعاب التعليمية، وتختلف تأثيراتها على الأطفال باختلاف أنواعها ومحتواها
فبينما تسهم بعض الألعاب في تنمية مهارات التفكير والإبداع، قد تؤدي ألعابٌ أخرى مثل الألعاب الحربية إلى العنف والإدمان
وفي هذا الصدد، تقول الأخصائية النفسية شيماء سلطان: “إنّ الألعاب الإلكترونية ذات الطابع القتالي تؤثر على دماغ الطفل وسلوكه، فنجده عند انتهائه من اللعب مشحونًا بطاقةٍ من العنف ومُجهدٌ نفسيًا، ويميل إلى التعبير عن القوة والبطولة تمامًا كما يمارسها في ألعابه”
وأيضًا، يظل مشدودًا إلى كيف سوف يعود إلى اللعب مرةً أخرى ويعوض خسارته، وهذا قد يجعله غير مهتمٍ بتنمية مهاراته المعرفية أو الدراسية، ويؤثر بشكلٍ سلبي على تحصيل الطفل الدراسي
وتواصل: “هذه الألعاب الإلكترونية تؤثر أيضًا على حياة الطفل الاجتماعية، حيث يجد الطفل صعوبةً في تكوين علاقاتٍ اجتماعيةٍ صحية
ويسهم في تكوين علاقات صداقة افتراضية أثناء اللعب المشترك في لعبةٍ معينة؛ مما قد يقود الطفل إلى التعرّف على أشخاصٍ غير أسوياء سلوكيًا”
وهو ما تؤكده قصة حسن الشيباني، الطالب الجامعي في تعز، حيث يشير إلى أن ابن عمه البالغ من العمر اثنا عشر عامًا، تعرّف على شخصٍ أثناء اللعب الافتراضي في لعبةٍ قتالية، وهو أكبر منه بعشر سنوات، وطلب منه طلباتٍ سلوكية غير لائقة
وحين أخبرنا بذلك، تنبهّنا لخطورة استمراره في لعب الألعاب الافتراضية
وهذا ما يؤكد أن الألعاب الجماعية عبر الإنترنت قد تُعرّض الطفل لمخاطر مثل التنمر الإلكتروني والتواصل مع أشخاص غير مناسبين؛ مما يؤثر على نفسيته وسلوكه
وللحد من استخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية الحربية، تلفت الأخصائية النفسية شيماء سلطان إلى أهمية رقابة الوالدين، ومنح الأطفال فرصةً لتفريغ الطاقة المكبوتة لديهم؛ من خلال ممارسة الأنشطة الحركية مثل الألعاب الشعبية بدلًا من الأجهزة الإلكترونية
وتتابع: “تشجيع الأطفال على ممارسة الألعاب الشعبية بدلًا من الألعاب الإلكترونية يساعد في الحفاظ على الصحة النفسية والبدنية للأطفال”
وبحسب أكرون تشلدرن، منصةٌ تقدم نصائح أسرية، فإن الطفل في هذا العصر الرقمي بحاجةٍ إلى ضبط حدود الوقت الذي يقضيه على الشاشة
وتقترح ساعةً واحدةً في اليوم الواحد، وساعتين في نهاية الأسبوع
وتضيف: رقابة محتوى الألعاب التي يلعبها الطفل، ومع من يلعب يأتي ضمن التوصيات الهامة للرقابة الأسرية؛ للحد من التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية على الطفل
مشيرةً إلى أن تشجيع الأطفال على أنماط حياةٍ متوازنةٍ تشمل الأنشطة الاجتماعية، والتمارين البدنية، والمسؤوليات الأكاديمية، يعد محوريًا للتقليل من الآثار السلبية
يتفق الأكاديمي والتربوي أمين الصانع مع حديث الأخصائية النفسية، حيث يقول: إنّ حلّ مشكلة لجوء وإدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية الحربية يتطلب تفعيل تواصل الوالدين مع الأطفال
وتخصيص جزءٍ من وقتهم للحديث مع أبنائهم ومتابعتهم، وممارسة أنشطةٍ ورياضاتٍ مختلفة معهم، مثل ممارسة الألعاب الشعبية التي تعمل على تعزيز العلاقة والروابط فيما بينهم
كما أن إحياء الألعاب الشعبية القديمة يعد أحد البدائل إذا ما تم تطوير أدواتها بما يناسب الأطفال في وقتنا الحالي
بحسب آمال محمد، إحدى المشاركات من فريق “مشاقر” بتعز، والذي عمل على تنفيذ مشروع إحياء الألعاب الشعبية وتوظيفها في تعزيز ثقافة السلام بدل العنف لدى الأطفال في تعز عامي 2019 و2023
وشملت عدة أنشطة تهدف إلى أن تكون الألعاب الشعبية القديمة، بما فيها من مهارات، مفيدةً للأطفال رياضيًا وحسابيًا وترفيهيًا، وكذلك تنمية مهارات اتخاذ القرار والتشاركية، بدلًا من الألعاب الإلكترونية بكل مساوئها النفسية والصحية
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير