الألغام بريف تعز..مأساة دون حل

منذ سنة

تعز- عدي الدخينيتتنوع قصص الضحايا من الأبرياء  في تعز، خصوصًا النساء والأطفال، ويواجهون مصير مؤلم: أرواح تُزهق أو أطراف تُبتر

أمل محمد ، 35 عامًا، أم لـ 7 أطفال، إحدى ضحايا الألغام في تعز

في يونيو من هذا العام، انفجر لغم أثناء رعيها للماشية في منطقة البركنة بمديرية مقبنة من الريف الغربي لتعز، وأصيبت بجروح خطيرة، وكسور في الساق الأيمن ويدها اليمنى، وتحولت حياتها في لحظة إلى جحيم

لم تكن محاربة في معركة، ولم تكن تتبع أي طرف سياسي، وإنما كانت ضحية مثل آلاف النساء والأطفال

تقول أمل لـ ”المشاهد“: “أثناء رعي الماشية في منطقة ”البركنة“ وعندما كنت عائدة إلى المنزل قبل الغروب، حاولت أن أبعد المواشي من منطقة مليئة بالألغام حتى لا تتوغل المواشي في المكان، ولكن إحدى المواشي داست على لغم أرضي، وانفجر، وتسبب لي الانفجار بجروح وكسور

ثم تم إسعافي إلى المستشفى الميداني في المنطقة لإنقاذ حياتي، لكنني لا زلت أواجه صعوبات ولم تعد صحتي البدنية كما كانت”

تضيف: “بعد أن أجريت لي عدة عمليات وخرجت من المستشفى، وجدت أن حياتي قد تغيرت بشكل كبير، ولم أعد قادرة على الحركة والقيام بالأعمال اليومية، مثل صناعة الطعام لأطفالي، أو حمل طفلي الرضيع”

الألغام إحد أسباب موت الأبرياء في مناطق متفرقة من ريف تعز، حيث لجأ أطراف الحرب في اليمن، بخاصة جماعة أنصار (الحوثيين)، إلى زرع آلاف المواد المتفجرة في الطرقات والوديان والمرتفعات، وحصدت الآلاف من أرواح المدنيين منذ بدء الحرب عام 2015

يتحدث محمود العشملي، زوج أمل، عن حزنه ويقول لـ”المشاهد“: “لم يعد حالنا على ما يرام، لقد تغير بنا الحال، وأصبحنا نكابد الهموم الهموم التي جلبتها الحرب، وزادت همومي بعد أن تعرضت زوجتي أمل لإصابات خطيرة جراء انفجار لغم أرضي أثناء رعيها للمواشي

تم إجراء أربعة عمليات جراحية لها، لكنها لم تعد كما كانت”

يضيف: “نواجه تحديات مالية صعبة جدًا ولا أستطيع شراء العلاج اللازم لأمل، وتوفير متطلبات المعيشة للأطفال، حيث نعتمد على المواشي كمصدر رزقنا الوحيد”

أرض ملوثة بالألغامتمثّل الألغام والمتفجرات تهديدًا مباشرًا على حياة المدنيين، وهو ما يعيشه المجتمع اليمني يوميًّا، حيث تسبّبت بمقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، وكان لتعز نصيب كبير هذه المآسي

خلال سنوات الحر

 يقول المسؤول الحقوقي للمرصد اليمني للألغام بمديرية مقبنة، صلاح هادي الحميري لـ”المشاهد“ أن المرصد وثق منذُ عام 2016 في مديرية مقبنة سقوط 244 ضحية من المدنيين نتيجة الألغام (الحوثية) والقنص ومخلفات الحرب في عدد من عزل مديرية مقبنة محافظة تعز

وأوضح الحميري أن عدد القتلى وصل إلى 92 قتيلًا مدنيًا، منهم 22 طفلًا، و 19 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 152 جريحًا، منهم 54 طفلًا، و 46 امرأة، والعشرات من هؤلاء المصابين يعانون من إعاقات دائمة

من جهته، يقول المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام في محافظة تعز، ”إن عدد ضحايا الألغام من النساء في الفترة 2017 وحتى فبراير 2023، بلغ  17 حالة وفاة، و203 إصابة”

المحامية إشراق المقطري، الناطقة الرسمية للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، تقول لـ ”المشاهد“ أن زراعة الألغام التي رافقت الحرب في مديريات المحافظات اليمنية التي شهدت مواجهات (13 محافظة) تسببت بعواقب لم يكن أحد يتصورها

تشير المقطري إلى أن الألغام والعبوات الناسفة والأجسام المتفجرة المختلفة، في تعز،  تسببت بمقتل 236 مدنيًا، بينهم 56 طفلًا، و19 امرأة، فيما بلغ عدد الجرحى 400 جريحًا، منهم 265 من الرجال والمسنين، و 35 امرأة، و 100 طفل

تضيف المقطري: “تأثير الحرب على النساء أمر يصعب وصفه وانتهاك جسيم وصارخ لمبادئ الحرب

المرأة التي كان يفترض ويتوقع أن تكون بعيدة عن سياقات الحرب وعن مالآتها كونها لم تشارك بشكل مباشر في الحرب، ولم تحمل السلاح، ولم تتوجه إلى الجبهات، لكنها للأسف لم تسلم من الاستهداف”

 بحسب المقطري، المناطق الريفية التي مر منها الحوثيون في تعز، جميعها مناطق ملوثة بالألغام، وتتخطف هذه الألغام والعبوات المموهة باستمرار أرواح المدنيين من النساء والأطفال ورعاة الماشية والفلاحين

تمكنت اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان من التحقيق في أكثر من 1800 حالة من النساء وكلهن ضحايا ألغام، وتم إعداد ملفات قانونية بهذه الحالات تتضمن شهادات وصورًا لكل حالة

اليوم، العديد من النساء في المديريات الريفية بمحافظة تعز لا يستطعن التنقل بأمان في الوديان والمرتفعات لأن غالبية المناطق مزروعة بالألغام والأجسام المختلفة، وتحولت حياة النساء إلى حالة مستمرة من الخوف والفزع والقلق

تقول المقطري إن العديد من النساء في ريف تعز لا يستطعن الوصول إلى المستوصفات والمستشفيات، الأمر الذي يجبرهن على الولادة المتعسرة داخل المنازل، وحدوث كثير من الوفيات أو مضاعفات خطيرة على الأمهات والمواليد، وكل هذا بسبب هذا الخوف من الألغام والقنص

ستظل معاناة التجمعات السكانية مستمرة في المناطق التي شهدت زراعة ألغام كثيفة، وسيظل الموت والخوف يلاحق النساء والأطفال والرجال بعد أن تنتهي الحرب

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير