الانقسام النقدي يعمّق معاناة اليمنيين

منذ 2 سنوات

صنعاء – علي ناصر:الانقسام النقدي في اليمن ،كان عاقل إحدى حارات مديرية معين غربي العاصمة صنعاء، في حيرة من أمره حينما رفض مكتب الهيئة العامة للزكاة في المديرية، استلام مبالغ مالية تحصلها من المواطنين، تحت مسمى زكاة الفطر خلال شهر رمضان الفائت

كانت تلك الأموال من الفئات القديمة، لكنها كانت مهترئة، ولا يقبل البنك المركزي في صنعاء استلامها

يستغرب العاقل التناقض بين توجيهات البنك المركزي في صنعاء وممارساته، ويقول: “كان ذات البنك قد أصدر تعميمات، ووجه فيها بإلزام القاطنين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، بتداول العملة التالفة منذ نقل الحكومة اليمنية البنك المركزي إلى مدينة عدن، في الثامن عشر من سبتمبر/ أيلول 2016”

بعد فشل محاولاته لتسليم تلك الأموال إلى مكتب الهيئة العامة للزكاة، اضطر العاقل إلى استبدال العملة المهترئة من الطبعة القديمة بعملة أكثر نظافة بمقابل مادي، في إحدى شركات الصرافة في صنعاء

تلك صورة واحدة من المعاناة الناجمة عن التزايد المستمر للعملة المهترئة في العديد من المحافظات الشمالية في اليمن

في الثاني عشر من يناير/ كانون الثاني 2020، قررت السلطات الحوثية منع استخدام وحيازة العملة النقدية الجديدة، وقالت إن ذلك القرار يأتي في سياق مواجهة التضخم والتدهور المستمر للعملة الوطنية

بالرغم من أن القرار أسهم في الحفاظ على قيمة العملة اليمنية القديمة أمام العملات الأجنبية، إلا أنه تسبب بأزمة الانقسام النقدي في البلاد، وأزمة السيولة المالية في المناطق الواقعة تحت سيطرة سلطات صنعاء، والتكدس المتزايد للعملات النقدية المهترئة

مالك إحدى شركات الصرافة في صنعاء يقول إن تكدس العملة المهترئة من مختلف الفئات النقدية للريال اليمني، معاناة كبيرة للتجار، ولا يبدو أنها ستتوقف قريباً في ظل استمرار الانقسام النقدي في البلاد

ويشير إلى أنه يوظف أشخاصًا لصيانة الأموال المهترئة بعد نهاية الدوام الرسمي، مساء كل يوم، ويضيف لـ”المشاهد” أن ما يقارب الثلاثة ملايين ريال من العملة المهترئة موجودة في الخزينة التابعة لشركته التي يعتبرها من أصغر شركات الصرافة في صنعاء

ويتساءل: “كيف هو الحال بباقي الشركات التي تعمل على تحويل وصرف ملايين الريالات في اليوم الواحد؟”

ويؤكد أنه يلجأ إلى استخدام العملة المهترئة من الريال اليمني في دفع مرتبات موظفيه، ودفع مساعدات منها للفقراء شهريًا، كما يستخدم الجزء المتبقي منها كمصروفات يومية في البقالات، وأسواق القات، والأماكن التي يمكن تداول العملة المهترئة فيها بسهولة

عبدالله المجهلي، وكيل لمجموعة من المواد الغذائية بصنعاء ، يقول في حديثه لـ” المشاهد” إن مؤسسته تعاني حينما يتم تحصيل مدفوعات بضائعه بالعملة المهترئة، وشراء البضائع التي يستوردها بالدولار الأمريكي من بلد المنشأ

الكثير من البنوك التجارية والصرافين، بحسب عبدالله، لا يقبلون بيع الدولار مقابل العملة المهترئة من الريال اليمني، وإن قبلوا، فلا يبيعون لهم مبالغ كبيرة من الدولار، وهذه معاناة التجار التي تتجدد كل شهر

محمد المحويتي، 40 عامًا، يعمل في بناء المنازل بمدينة عدن جنوبي اليمن، ويرسل مبالغ مالية إلى أسرته في صنعاء باستمرار

لكنه يشكو أن المبلغ الذي يرسله من عدن ليس بنفس القيمة في صنعاء، ويتم خصم 40 في المائة من إجمالي المبلغ المحول

يقول المحويتي لـ”المشاهد”: “هذا أمر مزعج، فأنا أعمل إحدى عشرة ساعة في اليوم من أجل توفير لقمة عيش لعائلتي”

ومع اتساع فارق صرف العملة بين المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، وصلت عمولة التحويل من مدينتي تعز وعدن إلى صنعاء إلى 50% من كل حوالة مالية

ويضيف: “اعترضت مرارًا على الظلم الذي أتعرض له، ودائمًا تخبرني شركات الصرافة بأن السبب يرجع إلى انقسام البنك المركزي بين صنعاء وعدن، وهو الأمر الذي أدى إلى هذا الانقسام النقدي”

ومع اتساع فارق صرف العملة بين المحافظات الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، وصلت عمولة التحويل من مدينتي تعز وعدن إلى صنعاء إلى 50% من كل حوالة مالية

وبسبب الانقسام النقدي، يتعرض المواطنون المسافرون من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية إلى مناطق سيطرة جماعة الحوثي، للاستغلال في النقاط الأمنية التابعة لحكومة صنعاء

يقول محمد كليب، 25 عامًا، إن مسلحين في نقطة جمرك الراهدة التي تتبع جماعة الحوثي، صادروا عليه أواخر أبريل الفائت مبلغ مائة ألف ريال بحُجة أنها غير قانونية، لأنها طُبعت من قبل الحكومة اليمنية

ويضيف كليب لـ”المشاهد”: “كنت في طريقي من عدن إلى صنعاء من أجل إسعاف والدتي المصابة بأمراض مزمنة، ونسيت أن أستبدل ما بحوزتي من العملة اليمنية بالدولار أو الريال السعودي”

في مارس/ آذار 2018، دشنت جماعة الحوثي التعامل بالنقد الإلكتروني أو الريال الإلكتروني، كبديل لاستخدام العملة المطبوعة من الحكومة اليمنية أو العملة القديمة المهترئة، واقتصر التعامل بالريال الإلكتروني عبر ثلاثة بنوك حكومية وخاصة، هي “بنك الكريمي، وبنك التسليف الزراعي، وبنك اليمن والكويت”، وعبر شركتي صرافة هما “شركة سويد وشركة الأكوع”

مصطفى شامي، صحفي مهتم بالشؤون الاقتصادية، يقول إن جماعة الحوثي فشلت في تطبيق التعامل بالريال الإلكتروني، لأسباب عديدة، منها: عدم ثقة المواطن بالقرارات الصادرة عن الجماعة، وصعوبة تحصيل الشركات الكبرى المبالغ النقدية من تجار البيع بالتجزئة، وتوقف الإنترنت أو بطء سرعته بين فترة وأخرى

ويؤكد مصدر في البنك المركزي اليمني بصنعاء في حديثه لـ”المشاهد” أن البنك المركزي بصنعاء يعاني في الوقت الراهن من تفاقم أزمة السيولة المالية، حيث ينعدم الريال اليمني في البنوك والأسواق مقابل تكدس للعملات الأجنبية منذ أبريل/ نيسان الفائت من العام الجاري

وحيد الفودعي، باحث ومحلل اقتصادي، يقول لـ”المشاهد” إن جماعة الحوثي سوف تبحث عن حلول سريعة من أجل التقليل من تداعيات مشكلة اهتراء العملة، من خلال طباعة نقد محلي، أو وضع تشريع جديد بخصوص تقنين الريال الإلكتروني

ويرى الفودعي أن الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليًا، تعاني من “الضعف العسكري والسياسي”، ولا تستطع وضع حلول حقيقية لمشكلة الانقسام النقدي الذي يعاني منه المواطن اليمني

ويضيف: “في حال اتخذت الحكومة اليمنية قرارات اقتصادية بهذا الشأن، فإنها لن تنجح ولن يتم تطبيقها، لأن الحوثيين يسيطرون على الأرض، إضافة إلى عدم مقدرة إدارات البنوك الخاصة والتجارية والقطاع الخاص بشكل عام على اتخاذ أي قرارات أو حتى الجرأة في الحديث عن مشاكلها”

في نوفمبر 2022، قدّم القطاع الخاص اليمني ممثلًا بفريق الإصلاحات الاقتصادية، وبدعم من مركز المشروعات الدولية الخاصة، مبادرة لتوحيد السياسات النقدية في اليمن، وهدفت تلك المبادرة إلى وقف انهيار الاقتصاد، وتجنيب المجتمعات اليمنيـة الضعيفـة المزيد مـن التحديـات والأزمات الإنسـانية

وأشارت المبادرة إلى أن تنسـيق السياسـات النقديـة قد يكون المفتاح لحـل الأزمة الاقتصادية الحالية في البلد، واقترحت عددًا من الخطوات، منها تشكيل لجنة مشتركة بين إدارة البنك المركزي في صنعاء والبنك المركزي في عدن

ستقوم اللجنة المشتركة بمناقشة التحديات الاقتصادية، والاتفاق على حلول فورية بعيدًا عن التوجهات السياسية، وتصب تلك الحلول في مصلحة الدولة والمجتمع، بحسب المبادرة

لكن تلك المقترحات والمبادرات لم تحظَ بموافقة الجهات المعنية، وسيظل الانقسام النقدي والعملة المهترئة مصدر معاناة للعديد من فئات المجتمع اليمني

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير