الترحيل من سقطرى.. ثلاثة أيام في البحر بدون طعام
منذ شهر
سقطرى – خاص“ثلاثة أيام في البحر دون طعام أو دواء، لا يعلم أحد عنّا شيئًا”
بهذه الكلمات يختصر صالح محمد (اسم مستعار)، أحد ضحايا عملية الترحيل الجماعي التي شهدتها محافظة سقطرى
وتسببت بمعاناة 21 مواطنًا من أبناء المحافظات الشمالية، تم إجبارهم على مغادرة الجزيرة قسرًا
حدث ذلك دون توجيه تهمٍ واضحة أو إجراءات قانونية، وفق شهادات حصل عليها “المشاهد”
عملية الترحيل حدثت في الـ17 أبريل الجاري، وتزامنت مع إعلان أمني محلي قضى بمنع بيع القات مؤقتًا لمدة 72 ساعة
لكن الضحايا -مثل صالح محمد- يكشفون أن القرار لم يطبّق على الجميع؛ بل استخدم لتصفية وجود أبناء الشمال على الجزيرة
واصفين هذه الخطوة بـ “الاستهداف المناطقي الواضح”
حملة الترحيل قادها محافظ سقطرى رأفت الثقلي بنفسه، رفقة مدير أمن المحافظة، علي الدكسمي، ومدير الأمن القومي أحمد سعد بن حمدين
وتم ترحيل 21 مواطنًا الساعة الواحدة فجرًا من ميناء حولاف بسقطرى، رفقة جنود من أبناء الضالع، إلى ميناء الشحر بحضرموت
تعرض أبناء المحافظات الشمالية في أرخبيل سقطرى إلى الترحيل لمحافظة حضرموت؛ تحت ذريعة بيع القات، رغم أن قرار منع بيع القات الصادر عن السلطات هناك لم ينفذ فعليًا على الأرض، وتمت عملية الترحيل بإشراف محافظ سقطرى رافت الثقلي ومسؤولين أميين موالين للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، والمسيطر على الجزيرةيأتي هذا في ظل أحداث وتحولات حادة شهدتها جزيرة سقطرى خلال الفترات الماضية
تمثلت في إعلان الحكم الذاتي من قبل السلطات المحلية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي
بالإضافة إلى قيام تلك السلطات المدعومة من الإمارات، بإعادة “هيكلة القبائل”؛ بهدف تسهيل عملية السيطرة على الجزيرة
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرد مواطنين شماليين من مناطق سيطرة الانتقالي
حيث رحّلت القوات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، في مايو 2016، المئات من المواطنين في عدن
وتكرر الأمر في سنوات لاحقة
ينادي الانتقالي المدعوم من السعودية والإمارات بانفصال جنوب اليمن عن شماله
يشمل جنوب اليمن عدن، سقطرى ومحافظات أخرى في جنوب وشرق اليمن
يروي صالح محمد تفاصيل اللحظات الأولى التي سبقت ترحيله قائلًا: كنتُ في البيت في سقطرى عندما فوجئنا بقوة أمنية تقتحم المنزل فجرًا، دون إذن تفتيش أو مذكرة قبض
لم يسمح لنا بأخذ أي شيء، لا ملابس، لا هواتف، ولا حتى بطائقنا الشخصية”
ويضيف محمد لـ”المشاهد”، “أن القوات اقتادتهم إلى أحد مراكز الاحتجاز
وطلب منهم التوقيع والتبصيم على أوراق لم يتم شرح محتواها، كما يقول
وتم إجبارهم على الصعود إلى قارب صغير (فايبر) دون أن يعرفوا إلى أين هم ذاهبون”
تمت عملية الترحيل بعد اعتقالات تعسفية لنحو عشرين من أبناء المحافظات الشمالية في سقطرى، وتم تبصيمهم على اعترافات لا يعلمون فحواها، وتصعيدهم إلى قوارب بدائية دون أن يعرفوا وجهتهم، وظلوا مسافرين في البحر لمدة ثلاثة أيام بلا طعام أو ماء، وبعض المعتقلين مصابون بأمراض مزمنة كادوا يتعرضون للموت بسبب ظروف الاعتقال والترحيلويقول “بصمنا عشر بصمات وكانوا يسألونا ايش بنسوي وايش عملنا وكم لنا نقوت (نعمل في بيع القات) سؤال وجواب
وصورونا وأعطونا رقم بالترتيب ونمسكه من الأمام ويصورونا من اليمين واليسار
”وفي تطور لافت، يقول محمد إن محافظ سقطرى، رأفت الثقلي، الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا -حضر شخصيًا- إلى موقع الاحتجاز
وأشرف بشكل مباشر على عملية نقل المرحلين من أبناء المحافظات الشمالية
وزاد: “رأيناه بنفسه يوجّه الجنود، وطلب من بعضهم أن يرافقونا على متن (الفايبر) إلى حضرموت، حتى لا تحدث مشاكل
وسمعنا من الجنود أن كل من رافقنا على القارب حصل على مكافأة مالية قدرها 2 مليون ريال”، بحسب محمد
مشيرًا إلى أن رحلة الترحيل من سقطرى إلى مدينة الشحر بمحافظة حضرموت استغرقت ثلاثة أيام
واصفًا الرحلة بأنها كانت وسط ظروف شاقة “مهينة وغير إنسانية”، حيث انعدمت فيها أبسط مقومات السلامة والرعاية
يتحدث محمد عن تفاصيل تلك الرحلة التي كادت أن تنتهي بمأساة إنسانية
لافتًا إلى أن أحد المرحلين، بشير الحبشي من تعز، كان مريضًا بالسكري، ودخل في أزمةٍ حادة بعد أن نفد منه الأنسولين
وظل يتألم حتى وصلنا إلى حضرموت، وتدخل أحد الجنود وأسعفه، ولولاه لكان الآن في عداد الموتى
ويواصل: ما زاد من صدمتنا هو ما حدث عند وصولنا إلى ميناء الضبة، حيث فوجئ جنود الميناء بوجودنا
وقال لنا أحد الجنود: كيف تم ترحيلكم بهذه الطريقة؟، لم يصلنا أي إشعار رسمي، ولا نعلم شيئًا عما حدث بسقطرى
”
لم يقتصر الضرر على الرحلة القاسية، بل امتد إلى ما خلفه الضحايا وراءهم من عائلات وأرزاق وممتلكات
يقول محمد : “بعضنا ترك أسرته، وبعضنا أصيبت زوجته بجلطة أثناء غيابه، وأموالنا ما تزال في السوق، وأدوات عملنا في المحلات
كما لم يسمح لنا بأخذ شيء، حتى البطائق والهويات لم يسمح لنا باصطحابها”
ويتابع: جلسنا حتى منتصف الليل ننتظر من المحافظ أن يتراجع عن القرار، وأن يتعامل بإنسانية مع هؤلاء الضعفاء، لكنه أصر
فطلبنا فقط أن يسمح لنا بشراء طعام على الطريق، فكان الرد: “امشوا كما خلقكم الله”
ورغم أن السبب المعلن للحملة الأمنية كان منع بيع القات، إلا أن الأسواق لا تزال تمتلئ بالبائعين حتى بعد ترحيلهم
ويعتقد محمد أن القرار كان مجرد غطاء، حتى بعض من اقتادوهم كانوا يبيعون القات علنًا
ويزيد: “نحن لم نرحل بسبب القات؛ بل لأننا من أبناء الشمال، وهذا استهداف مناطقي بامتياز، لا أكثر”، يقول محمد
ضحايا تحدثوا لـ”المشاهد”: قرار منع بيع القات كان محرد غطاء لترحيل أبناء المحافظات الشمالية، الذين تركوا خلفهم عائلات ونساء وأطفال بلا معيل، وتركوا محلاتهم وأدوات رزقهم، فالترحيل لم يكن بسبب القات، ولكن لأسباب مناطقية بامتياز، فأسواق سقطرى ما تزال مليئة بالبائعين حتى بعد ترحيلنامشيرًا إلى أن بعض أبناء سقطرى أبدوا تعاطفهم معهم، ورفضوا الطريقة التي تمت بها معاملتهم، لكن لم يستجب لهم أحد
ووجّه محمد نداءً مفتوحًا لكل من يعنيه الأمر حول طريقة ترحيلهم من محافظة يمنية إلى أخرى دون محاكمة، أو تهمة
ومنعهم حتى من التواصل مع أهلهم، فما حدث ليس إجراءً أمنيًا، بل إهانة للإنسان اليمني، واعتداء على كرامته، بحسب محمد
مطالبًا في ختام حديثه مع “المشاهد” المنظمات الحقوقية والإنسانية بالتحرك، ومحاسبة من أمر ونفذ هذه الجريمة في حقهم
رئيس مؤتمر سقطرى الوطني، الشيخ علي عامر القحطاني، أدان إجراءات سلطات “الانتقالي” بأرخبيل سقطرى بقيادة رأفت الثقلي، بحق الباعة الشماليين
حيث تم سجنهم وترحيلهم بذريعة بيع القات، رغم أن قرار حظر بيع القات الصادر مسبقًا لم ينفذ فعليًا على الأرض
وقال القحطاني لـ”المشاهد”: “إن القات لا يزال يباع بشكل علني في العاصمة حديبوه، وأمام مرأى الجميع
ويتم توريده باستمرار، بتواطؤ من بعض القيادات العسكرية والأمنية التي تحمي بعض الموردين وتشارك في التوزيع”
وأضاف أن ما حدث مؤخرًا من حملةٍ ضد الباعة الشماليين “لا يمت بصلة إلى تنفيذ قرار منع القات
ويعد “سلوكًا انفصاليًا” غير قانوني، وربما جاء بتوجيهات من جهات عليا تتحكم بمفاصل القرار المحلي والسياسي والعسكري والأمني في الأرخبيل”
وأشار القحطاني إلى أن هذه التصرفات تفتقر إلى أي مسوغ قانوني يمنح القائمين عليها صلاحية الترحيل والسجن
وأدى هذا إلى ترك عائلات هؤلاء الباعة دون معيل
معتبرًا أن هذا السلوك قوبل بالرفض والاستنكار من قبل أبناء سقطرى أنفسهم
القحطاني: تصرفات الترحيل تفتقر إلى أي مسوغ قانوني يمنح القائمين عليها صلاحية الترحيل، وما حدث من حملات بحق الباعة الشماليين لا يمت بأي صلة لبيع القات، ويعد “سلوكًا انفصاليًا”، وربما جاء بتوجيهات من جهات عليا تتحكم بمفاصل القرار المحلي والسياسي والعسكري والأمني في الأرخبيلوفي ختام تصريحه، دعا الشيخ علي القحطاني الحكومة المعترف بها إلى تحمّل مسؤولياتها، وفتح تحقيق عاجل في هذه الانتهاكات
واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتسببين فيها، حفاظًا على النسيج الاجتماعي والهوية الوطنية الجامعة
من جهته، قال ناشط محلي بسقطرى -طلب عدم نشر اسمه-: “السلطات المحلية رحّلتْ مواطنين من المحافظات الشمالية بطريقة غير مباشرة
واستخدمت حظر القات كذريعة لتنفيذ هذه الإجراءات”
وأوضح الناشط في تصريح لـ”المشاهد” أن الأجهزة المعنية نفذت مداهمات على محلات وأماكن بيع القات
واقتادت الباعة مباشرة إلى الميناء، حيث تم تحميلهم في قوارب (سنابيق) وتم ترحيلهم إلى مدينة الشحر
وأضاف أن “السلطات تبرر هذه الإجراءات بمخالفة توجيهات المحافظ القاضية بمنع القات
لكن ما يجري في الواقع يحمل طابعًا انتقائيًا
ويستهدف فئة معينة من الوافدين، في إشارة إلى ترحيل الشماليين بطرق غير مباشرة”
بدوره أدان فرع المؤتمر الشعبي العام، في محافظة أرخبيل سقطرى ما وصفه بـ”الاعتداء السافر”
واعتبر ما نفذته سلطات الأمر الواقع التابعة للإمارات بحق محلات بائعي القات بالجزيرة، يتنافى مع الأعراف القبلية وأخلاق المجتمع السقطري
كما تمثل “انتهاكًا صارخًا” لحقوق المواطنين، بحسب البيان
وأضاف بيان فرع المؤتمر بسقطرى، أن ما حدث “تجاوز خطير تتحمّل مسؤوليته الكاملة السلطة المحلية المعينة من قبل “الاحتلال الإماراتي”
وأعلن البيان رفضه “القاطع” لتلك الممارسات التي وصفها بـ”القمعية وتهدد السلم الأهلي في سقطرى”
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير