الحرب تؤخر موعد زواج خمس سنوات
منذ 2 سنوات
“وأخيرًا اجتمعنا”؛ كلمات مفعمة بنشوة النصر وفرح الحب، يقولها شهاب المنصوري، وهو يعانق حلمه في حفل زفافه من خطيبته التي انتظرها لأكثر من خمس سنوات، بسبب عراقيل الحرب وحدود النار
عانى شهاب الكثير من أجل هذه اللحظة، وبالرغم من حدود الحرب التي أثقلت كاهله وكاهل أسرته، لم تمنعه من تحقيق حلمه
قطعت الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2014، الطرق بين المحافظات والمناطق التي تقع في نطاق سيطرة جماعة الحوثي “أنصار الله” والحكومة المعترف بها دوليًا، مما صعب انتقال المدنيين بين المحافظات، حتى ولو كان المسافر عريسًا أو عروسًا
شهاب أحد أولئك الذين تغلبوا على تلك الحواجز، والتقى بمحبوبته التي كانت تسكن في مدينة صنعاء، وها هو اليوم يحتفل اليوم بزواجه بعد خمسه أعوام من الانتظار والترقب التي عاشاها وهما يعانيان من الحواجز التي وضعتها الحرب أمام حبهما النقي، فكلما أوشكت ثمرة حبهما على النضج، أذبلتها رياح الحرب وعواصف المناكفات السياسية
يقول شهاب: “كنا نعيش أنا وجزء كبير من عائلتي في العاصمة صنعاء، وبسبب وضع البلاد الذي تسببت به الحرب، انتقلت أنا وأسرتي إلى مدينة مأرب، وبعد فترة أخبرت والدي ووالدتي أني أريد الزواج من إحدى قريباتي التي تسكن مدينة صنعاء، واستحسنا الرأي، واتفقنا أن يتقدموا لخطبتها، وبالفعل اتفقت الأسرتان، وتمت الخطوبة على أن أجهز نفسي وأقيم حفل الزفاف بمدينة مأرب، وكنت في فرحة عارمة لا يسعها أي شيء، ورحت أنسج الأحلام وأخطط للمستقبل الذي حلمت به، ولم أكن أتخيل حجم العوائق التي تقف في طريقي، ولا أن عرسي سيستغرق كل هذه الفترة”
بعد انقطاع طريق الفرضة -نهم الرابط بين مدينتي صنعاء ومأرب، بسبب القتال الدائر بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، اتخذ المسافرون بين المدينتين طريقًا يمر من (صنعاء – ذمار -البيضاء -مأرب)، يتخلله مئات النقاط والدوريات المسلحة التابعة لجماعة الحوثي
يقول شهاب: “نقاط التفتيش والحواجز التي وضعها الحوثيون في طريق السفر صنعاء -مأرب، كانت تقوم بإلقاء القبض على القادم من مدينة مأرب وهم ليسوا من أبناء المحافظة، بحجة أنهم مقاتلون مع الحكومة الشرعية، حيث تم اعتقال الكثير من زملائي المدنيين بتلك الحجة، ولم توافق أسرتي على السفر بسبب تلك المخاطر”
يقول الناشط المجتمعي حذيفة أحمد إن الحرب مزقت النسيج المجتمعي، والحدود التي فرضتها الحرب بين المناطق التي تخضع لجماعة الحوثي ومناطق الحكومة الشرعية، تسببت بعمل فجوة مجتمعية بين أبناء المجتمع اليمني، وسببت خللًا في نظامه المتعارف عليه منذ الأزل في التزاور والتواصل في ما بينهم البين”
بينما يقول محمد المنصوري، أحد الوجاهات الاجتماعية في المنطقة التي يسكنها شهاب: “الاعتقالات التي كانت تقوم بها جماعة الحوثي في الطرق ونقاط التفتيش، أدت إلى تمزق النسيج المجتمعي، فلم يستطع الشباب السفر بين المحافظات، والعادات والتقاليد التي تحكم الشعب اليمني لا تتعارض مع مثل تلك الزيجات التي تشبه التهريب عبر حدود الدول، فكم من علاقات زواج فشلت وكم من خطيبين حكم عليهما بالانفصال بسببها”
يقول والد شهاب هلال المنصوري: “مثل أي أب يسعى جاهدًا لإسعاد أولاده، كنت ومازلت حريصًا أن يكمل أولادي تعليمهم، ويكملوا نصف دينهم، ويؤسسوا حياتهم الخاصة، ومن هذا المنطلق قررت أن أزوج ابني الأكبر شهاب، فاستقر رأينا وقررنا تزويجه من إحدى قريباته، والتي تسكن صنعاء
كان الأمر حينذاك طبيعيًا، ولم نفكر أو نتخيل أنه ستكون هناك صعوبات وعوائق خارجة عن المألوف، لم نعمل لها حسابًا، إلا أن الحرب كان لها قرار آخر، إذ لم نستطع الانتقال من المناطق المحررة (مأرب) إلى صنعاء، خشية بطش مسلحي الانقلاب”
ويضيف: “فارق الصرف وغلاء الأسعار ضاعف التكاليف، استمر الوضع على ما هو عليه بعد الخطوبة ما يقارب خمس سنوات، على أمل أن يتحسن الوضع، وتنتهي الصعوبات والعوائق المفتعلة، إلا أنه كلما مر الوقت ازداد الوضع سوءًا”
ولإيجاد حل بديل يستطيع إنهاء المعاناة، قرر والد شهاب ووالدته أن تسافر والدته إلى مدينة صنعاء، فتقيم العرس هناك، وتحضر زوجة ابنها إلى مدينة مأرب، يقول شهاب: “سافرت أمي إلى صنعاء لكي تقوم بإنزال خطيبتي، ولكن بعد أن وصلت أمي صنعاء، واتفقنا على “المَهر” (تكاليف تجهيز العروس)، ظهرت لنا مشكلة أخرى، وهي فارق الصرف، فالمبلغ الذي قمنا بتجهيزه لتحويله إلى صنعاء يحتاج إلى ضعفه رسوم تحويل فقط لا لشيء”
ويضيف شهاب: “لا أقول عائقًا، بل صدمة حقيقية”
وارتفاع رسوم التحويل الذي ظهر في بداية العام 2020، يعود إلى الانهيار الاقتصادي الذي تشهده اليمن في السنوات الأخيرة، بسبب الحرب، وعدم وجود سيولة مالية في صنعاء، وانقطاع مستمر للمرتبات، ويقابلها العكس في عدن من طباعة العملة بدون تغطية، يقول شهاب: “وللأسف لم نستطع توفير ذلك المبلغ، حاولنا جاهدين، ولكن بعد ما يقارب الشهر رأينا عودة أمي حتى نستطيع توفير ذلك المبلغ أو نجد حلًا آخر”
هكذا شكل فارق الصرف عائقًا آخر أمام شهاب، ففارق الصرف الذي يصل ضعف ونصف المبلغ المراد تحويله، لا يمكن إيجاده بسهولة، يقول والد شهاب: “بعد أن استنفدنا كافة الوسائل والطرق، لم نجد حلًا آخر، وبعد سنة ونصف اضطررنا لدفع رسوم حوالة أكثر من تكاليف العرس، ولكم أن تتخيلوا مقدار الضغط النفسي والعصبي الذي رافقنا طيلة هذه السنوات، وكمية ومقدار الضرر المالي المصاحب لهذه التكلفة
- خلاصة القول لا يشعر بحجم المعاناة التي تسبب بها الانقلاب للأسر اليمنية، إلا من ذاق مرارتها واكتوى بنارها”
وبعد أن تجشمت أسرة شهاب كل ذلك التعب، وتكفلت بكل تلك المصاريف، وأقروا إقامة الزواج، لم تسلم خطيبته وأسرته من ويل الحرب، فقد اتخذوا طريق (صنعاء -الجوف -مأرب) والذي ينقطع فيه الطريق الإسفلتي بعد مدينة الحزم، مركز محافظة الجوف، لتدخل بعدها في الطرق الرملية عبر صحراء الجوف لما يقارب الساعتين
يقول شهاب: “بعد أن وصلوا مدينة الحزم، وتحركوا منها وانقطع الاتصال في ما بيننا، بسبب عدم وجود شبكات اتصال في الصحراء، تاه بهم السائق في الصحراء، وتعثرت سيارتهم برمال الصحراء، ولم يستطيعوا إخراجها، وظلوا ما يقارب ست ساعات، حتى أنقذهم أحد البدو الرحل، ومشوا باتجاه مدينة صافر، كون أنابيبها المشتعلة أحد الأنجم التي يهتدي بها الضائع في صحراء الجوف ومأرب، والتي تبعد عن مدينة مأرب قرابة 45 كيلومترًا باتجاه مدينة العبر الحدودية”
بعد كل هذه المعاناة استطاع شهاب أن يلتقي مع حبيبته، بالمقابل فشلت الكثير من العلاقات بسبب حدود الحرب التي تعصف بثمار الحب
ليصلك كل جديد