الحكومة اليمنية.. الإصلاحات الاقتصادية … حقول الألغام!
منذ 23 أيام
تعز – مصطفى نصر :لعل أحد الدوافع الرئيسية التي حفّزت رئيس الوزراء اليمني السابق أحمد بن مبارك خوض غمار تجربة رئاسة الحكومة اليمنية ” علاقاته الوثيقة مع المنظمات والدول الخارجية ” إلى جانب قدرة أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي القريب من السعودية في اقناع الأخيرة بأن بن مبارك هو الشخص الأنسب للمرحلة!أي شخص يدرك الطريقة التي تدار بها الظروف الحالية في اليمن سيوصف بالجنون إذا أعلن قبوله منصب الحكومة دون ضمانات حقيقة، على الأقل من الأطراف الإقليمية التي تتحكم بالمشهد اليمني ” المملكة العربية السعودية، الامارات العربية المتحدة “، فمجلس القيادة الرئاسي الذي يتكون من ثمانية أشخاص ويشكل توليفة تعكس أذرع الطرفين في اليمن، يشكل خليطًا غير متجانس من المشاريع المتناقضة، وتُمثل الحكومة التي يفترض أن يديرها بن مبارك أحد أوجه ذلك الصراع في بيت يفترض أن يكون واحدًا ويسمى ” السلطة الشرعية ” المعترف بها دوليًا
يحسب لرئيس الحكومة السابق بن مبارك الذي تقلد رئاسة الحكومة في 5 فبراير 2024، تركيزه على تحسين الإدارة ومكامن الفساد، وإعلانه مؤخرًا الإعداد لموازنة عامة للدولةيحسب لرئيس الحكومة السابق بن مبارك الذي تقلد رئاسة الحكومة في 5 فبراير 2024، تركيزه على تحسين الإدارة ومكامن الفساد، وإعلانه مؤخرًا الإعداد لموازنة عامة للدولة، وإن كانت تلك الجهود لم تتجاوز عتبه الإشارة إلى الفساد وإعداد ملفات لبعض القضايا التي يرى أنها تمثل علامة بارزة في الفساد المستشري في مفاصل الدولة، ناهيك عن ملف ” شراء المشتقات النفطية الذي استطاع أن يقلص من مصروفاته بشكل واضح
وحسب تصريحاته المعلنة فقد قال بأنه ومن خلال تفعيل لجنة المناقصات لشراء المشتقات النفطية وتم تقليص كلفة الطن الواحد من ألف ومئتين دولار للطن إلى 770 دولار للطن أي أنه قلص حجم الكلفة بما يصل إلى 40 % تقريبًا وهو رقم كبير إذا ما علمنا بأن إجمالي ما تم إنفاقه على المشتقات النفطية لتوليد الكهرباء في عدن وصل إلى 775 مليار ريال خلال العام 2023م
لكن هذا الوفر لم يعد ذات قيمة في ظل شحة الإيرادات الحكومية والوصول إلى مرحلة شبه إفلاس!وبقدر أهمية ملف الفساد الذي يمكن أن يشكل بوابة الصعود لتحقيق طموحات بن مبارك للوصول إلى مستويات قيادية أعلى في الدولة، إلا أنه يمكن أن يسقطه في ظل التركيبة غير المتجانسة لفريقه الحكومي، فالفساد لم يعد ظاهرة طارئة وممارسات فردية، بل أصبح يمثل خلايا سرطانية تمكنت من كافة مفاصل الدولة بمؤسساتها المختلفة
وبتعبير رئيس الحكومة نفسه ” يتعامل مسئولي الدولة اليوم وكأنه لا أحد يمكن أن يسألهم مستقبلاً ” تلك العبارة لرئيس الوزراء تعكس إلى أي مدى وصل الفساد في هياكل الدولة المنقسمة والموزعة
قادت الدول الداعمة لليمن وتحديدًا تحت يافطة تقوية السلطة الشرعية عدة مبادرات غير متجانسة
ففي حين يعمل بن مبارك بدعم من منظمات مدعومة أمريكيًا، قامت شركة بولسي براكتس (The policy practice) بدعم من الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادية والتنمية بإعداد خطة أسمتها خطة الإنقاذ الاقتصادي لصالح الفريق الاقتصادي التابع لمجلس القيادة الرئاسي وهي الخطة التي سيقوم مجلس القيادة الرئاسي بتحويلها إلى الحكومة لمناقشتها وإقرارها
يشير بن مبارك بأن جميع مراحل المفاوضات التي تمت مع جماعة الحوثي التي سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014 كانت بعيدة عن الحكومة، حيث لم يتم التوثيق حكوميًا لأي من الحوارات السابقة التي تمتحكومة بن مبارك تعمل من خلال خمس مسارات يحرص على التأكيد عليها حتى عقب إقرار الحكومة لخطة الإصلاحات ” الإنقاذ الاقتصادي “، يأتي على رأسها تحقيق السلام واستعادة الاستقرار إما بالسلم أو بالحرب، وهي إشارة واضحة لأهمية انخراط الحكومة في المسار العسكري والسياسي على عكس المنهجية التي سارت عليها حكومة الدكتور معين عبدالملك الذي أعلن أن حكومته لن تتدخل في الشئون العسكرية والسياسية خلال الفترة من أكتوبر 2018- فبراير 2024م
يشير بن مبارك بأن جميع مراحل المفاوضات التي تمت مع جماعة الحوثي التي سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 2014 كانت بعيدة عن الحكومة، حيث لم يتم التوثيق حكوميًا لأي من الحوارات السابقة التي تمت
قام مجلس القيادة الرئاسي وبدعم من الاتحاد الأوربي كما أشرنا سابقًا بدعم خطة للإصلاحات العاجلة أو ما أطلق عليها خطة الإنقاذ والتي اعتبرتها حكومة بن مبارك بأنها لم تكن واقعية أو قابلة للتطبيق
بل شعرت الحكومة أن الخطة تتضمن تدخلات قد تؤدي إلى احتجاجات شعبية تقضي على ما تبقى من وجود شكلي للحكومة في عدن، باختصار فإنها شعرت أن المجلس الرئاسي سوف يأكل الثوم بفمها!وهو الأمر الذي دفعها إلى العمل على تعديل الخطة التي أعدتها شركة استشارية لصالح الفريق الاقتصادي التابع لمجلس القيادة الرئاسي بدعم من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وجرى إقرارها في اجتماع استثنائي للحكومة نهاية العام الماضي 2024م قبيل إعلان المملكة العربية السعودية تسليم آخر دفعة من المنحة السعودية ” مليار دولار ” للحكومة، حيث تم الإعلان عن صرف مئتين مليون دولار كانت متبقية لتغطية نفقات الحكومة التي تواجه عجزاً غير مسبوق
تدرك الحكومة الحالية بأنها غير قادرة على تنفيذ قرارات تتعلق بإصلاحات جذرية في حين أنها لا تستطيع أن تسيطر على مدخل حراستها في بوابة قصر المعاشيق حيث يقع مقر الرئاسة والحكومة اليمنية منذ تحرير العاصمة المؤقتة عدن عام 2015م
تواجه السلطة الشرعية ” مجلس القيادة الرئاسي، الحكومة ” حالة غير مسبوقة من فقدان الثقة مع تردي مستوى الخدمات وتدهور سعر الريال اليمني الذي وصل إلى 2400 ريال للدولار الواحد مقارنة بـ 1936 ريال للدولار مطلع العام 2024م
بل وأنها لم تتمكن من البقاء في العاصمة المؤقتة عدن الواقعة فعليًا تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب، رغم أنها أكثر الحكومات التي صمدت في عدن قبل أن تتدهور الأحوال مؤخرًا
في مسار دعم الإصلاحات الحكومية المقترحة تتقاطع ثلاث مسارات واضحة، لا يبدو أن أيا منها سيحقق النجاح، فبالرغم من وضوح الرؤى وكثرة التصورات للإصلاحات كما يقول رئيس الوزراء الذي التقاه كاتب هذا التقرير في حديث مطول في عدن في أغسطس الماضي، إلا أيا منها يحتاج إلى ” رُكب ” حسب وصفه وهو تعبير بالدارجة يعبر عن مدى حاجة تلك الإصلاحات إلى سلطة تمتلك القوة لإنقاذ القرارات وهو ما لا يملكه رئيس الوزراء الحالي، وينطبق الأمر ذاته على رئيس مجلس القيادة الرئاسي
وتواجه السلطة الشرعية ” مجلس القيادة الرئاسي، الحكومة ” حالة غير مسبوقة من فقدان الثقة مع تردي مستوى الخدمات وتدهور سعر الريال اليمني الذي وصل إلى 2400 ريال للدولار الواحد مقارنة بـ 1936 ريال للدولار مطلع العام 2024م
وتراجعت الإيرادات الحكومية بصورة كبيرة مع استمرار توقف الحكومة عن تصدير النفط جراء التهديدات من قبل جماعة الحوثي ووقف عملية التصدير، حيث لا تتجاوز إيرادات الحكومة اليمنية 21 بالمئة من إجمالي النفقات الحكومية وفقا لتصريح مصدر مسؤول في الحكومة
تحدث رئيس الحكومة عن الفساد كثيرًا، اقترب من “عش الدبابير” من خلال قيامه بتحريك عدد من قضايا الفساد، وإصدار عدد من القرارات، لكن أزمة ستنشأ في مكتبه لتمثل أحد بالونات الاختبار الحقيقية لطبيعة التحديات التي تواجهها الحكومة وتكشف عن انقسامات واضحة وعدم انسجام في علاقتها مع مجلس القيادة الرئاسي وفي إطار الحكومة ذاتها
وقد أدى الصراع الذي نشب بين مدير مكتب رئاسة الوزراء والأمين العام للمجلس إلى إقالتهما معًا، بعد أن كانت تداعيات القضية قد أحدثت تصدعات راسية وأفقية في مؤسسات السلطة الشرعية المختلفة
ينتمي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي وكذلك الدكتور أحمد بن مبارك إلى ما يمكن وصفه بتيار التكنوقراط وإن كان الأول قد انخرط في نظام الرئيس علي عبدالله صالح وأصبح أحد القادة المقربين والمؤثرين حيث كان ضمن من تعرضوا للتفجير في جامع دائر الرئاسة الذي استهدف صالح 2011م
وكان العليمي عراب الانتشار الأمني ومراكز الإصدار الآلي التابعة للداخلية وغيرها من الإنجازات التي تحسب له في حقبة حكم الرئيس صالح
لأن رئيس الحكومة شعر بأن يديه مغلولة فاتجه إلى ما يمكن ان تصل إليه سلطته المكبلة، فكان ملف الفساد لكن المضي فيه بجدية والاقتراب من شخصيات وكيانات نافذة يشبه إشعال شرارة في أكوام من القش!والحقيقة أنه لا يوجد تفسير منطقي للصراع بين الرجلين مؤخرًا، وعندما وجهنا السؤال لأحد الوزراء صمت لبرهة قبل أن تعبر ملامحة عن لا شيء
قلنا له ” هل شعر الدكتور رشاد العليمي أن بن مبارك فرض عليه؟، ” أومأ الوزير برأسه بأن هذا قد يكون نقطة الخلاف الأولى
شخصيا حتى الآن لا أجد سببا وجيها لهذا الخلاف، بل أن ما يجمعهما اكثر مما يفرق، فهما الشخصين الوحيدين في إطار مكونات الشرعية ” مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ” اللذين لا تسندهما مكونات حزبية أو قوى عسكرية ميدانية كما هو حال بقية أعضاء مجلس القيادة الرئاسي والعديد من الوزراء في الحكومة المشكلة من جميع القوى تقريبًا
لابد لأن رئيس الحكومة شعر بأن يديه مغلولة فاتجه إلى ما يمكن ان تصل إليه سلطته المكبلة، فكان ملف الفساد لكن المضي فيه بجدية والاقتراب من شخصيات وكيانات نافذة يشبه إشعال شرارة في أكوام من القش!يدرك بن مبارك أن نهج مكافحة الفساد يتطلب إرادة سياسة عليًا، وإدارة تمتلك القوة والنفوذ للمضي في هكذا مسار، وهو ما لا يمتلكه الرجل، إذ لم يتمكن من تغيير موظف ضرائب خالف تعليماته ناهيك عن تنفيذ قراره بتغيير مدير الهيئة العامة للاستثمارات النفطية الذي رفض الانصياع لقرار عزله
فجر بن مبارك قنبلة انشطارية لن يتوقف إثرها عند علاقته برئيس مجلس القيادة الرئاسي فقط، بل ستمتد ارتداداتها رأسيًا وأفقيًا، وهو الفعل الذي يمارسه قيادات مجلس القيادة الرئاسي
في لقاء مع العديد من الدبلوماسيين الغربيين فجر بن مبارك قنبلة انشطارية لن يتوقف إثرها عند علاقته برئيس مجلس القيادة الرئاسي فقط، بل ستمتد ارتداداتها رأسيًا وأفقيًا، وهو الفعل الذي يمارسه قيادات مجلس القيادة الرئاسي
وعقب ذلك بأيام نشر مجلس القيادة الرئاسي عبر وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ أكثر من عشرين قضية فساد كبير لأول مرة، ومن خلال القاء نظرة فاحصة على تلك القضايا نجد أنها شملت مراحل زمنية مختلفة، وكان الغرض منها توجيه رسالة واضحة أن فتح ملف بهذه الخطورة سيقود أشخاص وكيانات كثيرة نحو المساءلة
يعتقد بعض المطلعين على خفايا الأمور في أروقة السلطة الشرعية بأن الرسالة كانت واضحة لاستهداف فريق نائب رئيس مجلس القياد الرئاسي عبدالله العليمي باوزير، والذي تعتقد أطراف في مجلس القيادة بما فيهم رئيس القيادة نفسه ان تحركات بن مبارك لتحريك ملفات الفساد يأتي بضوء أخضر منه
وسواء كانت تحركات بن مبارك واقترابه من المحظور في الوصول إلى شخصيات مقربة من أعضاء مجلس القيادة متورطة في قضايا فساد بإيعاز من المساندين له، أو بجهود ذاتية لإثبات سلطته فإن العمل في بيئة ملغومة كالتي تعيشها اليمن أمر ليس بالسهولة التي قد يتخيلها من هو خارج السلطة
قد يبتسم رئيس الوزراء السابق د
معين عبد الملك وهو يشاهد هذه الخلافات بنوع من الرضى عن ذاته، لاسيما وقد حاول الكثير جره إلى مربعات من هذا النوع، وظل بسياسته المعهودة دعها فإنها مأموره، واكتفى من الأمر بالسلامة
وتعد الخلافات التي تعصف بمجلس القيادة الرئاسي من جهة، وبين بعض مكوناته والحكومة من جهة أخرى أحد الكوابح الرئيسية لترهل السلطة الشرعية ووصولها إلى مرحلة خطيرة من الهشاشة، في ظل تنامي العجز في الإيرادات العامة وتدهور سعر الريال اليمني والعجز عن تقديم الخدمات للمواطنين، بل والأخطر فقدان الثقة فيها شعبيًا ولدى داعميها من الأطراف الإقليمية والدولية
عندما تتوقف الحكومة عن دفع المرتبات لثلاثة أشهر متتالية، ولا تجد إجابة للموظفين غير العجز فذلك دلالة واضحة بأنها أصحبت على وشك الإفلاس! هل تفلس الدول؟! نعم عندما لا تفي بالتزاماتها
إن عدم القدرة على دفع المرتبات يعبر عن أقصى مراحل الأزمة التي تعيشها الحكومة وإن لم تعلن ذلك صراحة
ولولا المساعدة المقدم من المملكة العربية مع نهاية العام الماضي لشهدنا غليانا في الشارع بصورة أكبر مما هي عليه اليوم، وإذا استمرت المعطيات الراهنة فإننا أمام كارثة مؤجله لمدة لن تطول كثيرا
كما أن رئيس الحكومة أحمد بن مبارك كان قد أعلن بأن حكومته قامت بوضع خطة قصيرة المدى لعام 2025- 2026م لتحقيق التعافي الاقتصادي تهدف إلى: تعزيز الاستدامة المالية وزيادة الإيرادات الحكومية وترشيد الإنفاق وخفض الدين العام
واستقرار النظام المصرفي والعمل على استقرار العملة ومنع تدهورها
وتنمية الاقتصاد من خلال التركيز على قطاع الزراعة والصناعة والاتصالات والنفط والطاقة وجذب الاستثمارات
الحد من التضخم والعمل على تخفيض الأسعار وتشجيع الإنتاج المحلي لتحسين المستوى المعيشي للمواطنين
وتعزيز الحوكمة والإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة المؤسسات الحكومية، وهو نهج نعطيه أولوية وهناك الكثير من الممارسات التي تؤكد جدية الحكومة في نهج الشفافية ومكافحة الفساد
والشراكة مع القطاع الخاص من خلال تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد وتمكين المرأة اقتصاديا واجتماعيا
كما أن فريق الحكومة وضع خمس مسارات قصيرة الأجل من أجل:تحقيق السلام والأمن والاستقرار والحفاظ على المركز القانوني للدولة
مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية
الإصلاح المالي والإداريتنمية المواردالاستخدام الأمثل للمساعدات الخارجية
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير