الدكتور الصلوي يكشف عن نقوش وأدلة أثرية تؤكد أنةكتابات الزبور كانت موجودة في اليمن القديم (صور)
منذ 2 سنوات
كتابات المسند وكتابات الزبور في اليمن القديم أ
د إبراهيم محمد الصلوي ====================================دخل أهل اليمن في الإسلام وأقبلوا على تَعلُّّم اللغة العربية الفصحى، قراءة وكتابة من أجل فهم أمور دينهم
وحلت اللغةُ العربيةُ الفصحى وخطها بالتدريج مكان لغتهم القديمة في المستوى الرسمي ومستوى المعاملات بين الناس
واهتم علماء اليمن كغيرهم من علماء الأمصار الأخرى بعلوم اللغة العربية والعلوم الشرعية تدريساً وتأليفاً،واهتموا ايضاً بالتأليف في علوم وفنون أخرى
ومنها أخبار ملوك اليمن قبل الإسلام وسِيَرهم وأمجادهم فتوقف استخدام لغة اليمن القديم وخطها في التدوين،وأصبحت الآثار الكتابية لأهل اليمن،تقتصر على تلك التي دونت حتى فترة ظهور الإسلام
ومنذ ذلك الحين وحتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي تقريباً،ظلت معرفتنا عن تلك الآثار الكتابية،تقتصر على أخبار و أقوال مقتضبة حفظتها لنا بعض الكتب العربية القديمة وفي مقدمتها(كتاب الإكليل ) للهمداني،وكتاب(ملوك حمير وأقيال اليمن) لنشوان بن سعيد الحميري
ومن تلك الأخبار والأقوال وصفُ امرئ القيس لِطَللٍ في معلقته بقوله:لِمَنْ طلًلٌ ابْصَرتُهُ فشجاني كخطِ زبورٍ في عسيبٍ يمانِوأورد ابن دريد قول شاعر:-وزَبْرُ حميرَ بينها أخبارَها بالحميرية في عسيبٍ ذابلِأي أنهم كانوا يكتبون في عُسُب النخل
وقال الهمداني : إن أبا نصر اليهري كان في عهده(قارئ زُبُر حمير ومساندها الدهرية)وذكر (الزُّبُرْ القبورية),و(زُبُرْ همدان القديمة)
وقال(إن انساب الهميسع كانت مُزَبَّرةً في خزائن حمير)
وأنه أي الهمداني (أخذ نسبة اللغويين عنهم رواية عن زبورٍ قديم)،وقال انه: (قرأ مسنداً في صنعاء على بعض الحجارة)
وأنشد الهمداني بيتاً لتُبَّع:قد كتبنا مسانداً في ظفارٍ وكتبنا أيامنا في الزبور
وجاء في معاجم اللغة أن (المُسْنَد: خط حمير الذي كانوا يكتبونه)
وقال نشوان بن سعيد الحميري (المُسْنَد خطُ حميرَ وهو موجودٌ كثيراً في الحجارة والصخور)
أما ابن خلدون فقال: ( وكان لحمير كتابة تسمى المُسْنَد حروفها منفصلة)
وجاء في معاجم اللغة ايضاً: زَبَرَ الكتاب يزبرُه زبْراً :كتبَهُ
والزَّبْرُ:الكتابةُ
وزَبَرْتُ الكتاب: إذا اتقنت كتابته والمِزْبرُ:القلم
والزبْرُ:النقش في الحجارة
والزَّبُر: طيُّ البئرِ بالحجارة
يقال بئر مزبورةٌ
وزبرَ البئرَ :طواها بالحجارة
وذَبرَ الكتابَ يذْبرُهُ ذبراً:كتبهُ
والذَّبر:الكتابة مثل : الزَّبروأنشد الأصمعي لأبي ذؤيب:عرفتُ الديارَ كرقم الدوا ة يذبرها الكاتبُ الحميريويستدل من هذه الأقوال والأخبارأن أهل اليمن كان لهم قبل الإسلام خط المسند وخط الزبورأوقُل كتابات المُسْنَد وكتابات الزبور
وأن الحسن بن احمد الهمداني (المتوفى 345هـ) كان يُحْسِنُ قراءة خط المُسْنَد،وانه عاصرَ أبانصرٍ اليهري,الذي وصفه الهمداني بأنه( قارئ زُبُر حمير ومساندها الدهرية)
أي انه في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الهجريين،كان هناك بقية باقية من الناس من يعرف قراءة خط المُسْنَد على الأقل ولا يكتبونه
أما بالنسبة لكتابات الزبور،فقد سمع عنها الهمداني عن طريق الرواية،ولم يسبق له أن شاهد بعضاً منها
ومن المرجح أن الشاعر امرئ القيس شاهد خط الزبور مكتوباً في عسيب نخل
أما علماء اللغة والاخباريون من خارج اليمن فقد تحدثوا عن كتابات المُسْنَد وكتابات الزبور،نقلاً عن روايات وصلت إلى أسماعهم،ولم يسبق لأحدهم مشاهدة أي منها من قبل
هذه الأقوال والأخبار لم تقدم معلومات كافيه تساعد على التعرف على لغة كتابات المُسْنَد وكتابات الزبور ومضامينها
لذلك بقيت تلك الكتابات مجهولة حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي
وهي الفترة التي شهدت بدايات اهتمام المستشرقين بالآثار والكتابات القديمة
اكتشاف كتابات المُسْنَد و فك رموزها:يُعتبرُ المستشرق الدنماركي(كارستن نيبور)،أول من لفت أنظار العلماء في أوروبا إلى كتابات المُسْنَد،وذلك خلال رحلته التي قام بها إلى اليمن عام 1763م
وفي عام1810م زار الرحالة الالماني (سيتزن) اليمن للبحث عن النقوش التي ذكرها (نيبور),فنسخَ خمسة نقوش من ظفار وضواحيها وأرسلها إلى أوروبا
فاستثارت اهتمام المستشرقين الأوروبيين بكتابات المسند
وفي سنة 1834م قام الضابط الانجليزي(جيمس ولستد ),خلال زيارته إلى حضرموت بنسخ نقش من حصن الغراب الواقع غرب مدينة المكلا
وفي سنة1843م،وصل الصيدلي الفرنسي (أرنود) إلى اليمن وتمكن من زيارة العديد من المناطق،واستنساخ ستة وخمسين نقشاً
أما الرحالة الفرنسي (يوسف هاليفي)،فقد استطاع بمساعدة احد اليهود من صنعاء يدعى (حاييم حبشوش) أن يجوب البلاد سنة 1869م في كل اتجاه,و أن يجمع مئات النقوش
وتمكن المستشرق الألماني (جزينيوس) من التعرف على اثنين وعشرين حرفاً من حروف المُسْنَد,وقراءة ماوقع تحت يده من نقوش وتمكن بعده تلميذه ( إميل روديجر) من التعرف على باقي حروف المسند,وكان ذلك ما بين الأعوام 1870-1880م
وبهذا المنجز تمكن العلماء في أوروبا من دراسة النقوش التي وصلت إليهم ونشرها
وبين الأعوام 1882-1894م،قام المستشرق النمساوي (ادوارد جلازر) برحلات أربع إلى اليمن تمكن من خلالها من وضع خرائط للمناطق التي زارها وجمع ما يقرب من ألفي نقش عن طريق الاسستمباج
ثم قامت بعثة من المؤسسة الأمريكية لدراسة الإنسان برئاسة ويندل فيلبس بإجراء تنقيب اثري عشوائي في مأرب وتمنع وهجر بن حميد وذلك بين عامي 1951-1952م,فتمكنت من استخراج أعداد كبيرة من نقوش المسند من محرم بلقيس بمأرب
وبالنسبة للجهود العربية التي أسهمت في دراسة كتابات المسند فقد قام عالم اللغات السامية المصري (خليل يحيى نامي)،الذي زار اليمن ضمن بعثة مصرية برئاسة الجغرافي (سليمان حُزَيَّن) سنة 1936م وتمكن من جمع 91 نقشاً من ناعط
نشرها عام 1943م تحت عنوان (نشر نقوش سامية قديمة من جنوب بلاد العرب وشرحها)
و قام (محمد توفيق)،من مصر بزيارة اليمن بين عامي 1944-1945م،وكانت مهمته تتبع مواقع تجمع الجراد وتمكن من أخذ صور لعدد من نقوش المسند،في صرواح ومأرب وبراقش ومعين،وقام بنشرها (خليل يحيى نامي)،في كتاب بعنوان (آثار معين في جوف اليمن )
ثم زار اليمن عالم الآثار المصري (احمد فخري) سنة 1947م،وعاد بصور 139 نقشاً من مأرب والجوف،نشرها في كتاب بعنوان (رحلة أثرية إلى اليمن)
ومن الجهود العربية في مجال دراسة كتابات المسند ايضاً ماقام به العالم الفلسطيني (محمود الغول ) من إسهام كبير في مجال دراسة لغة نقوش المسند
وتواصلت جهود الأوروبيين و العرب واليمنيين،في البحث عن نقوش المسند،فبلغ عدد النقوش المنشورة حتى عام 1980م أكثر من عشرة الآف نقش
وبدراسة النقوش المكتشفة أميط اللثام عن معالم تاريخ اليمن القديم وحضارته
وكان كلما تم اكتشاف نقوش جديدة ،توضحت تلك المعالم وتطورت معرفة العلماء والدارسين بلغة نقوش المُسْنَد وخطها
فتمكنوا من تأليف كتب في نحوها وصرفها،ووضع معاجم لها وكتابة دراسات وبحوث بينَّت علاقتها باللغة العربية الفصحى،واللغات السامية الأخرى من حيث اللغة والخط
وكان المستشرقون في دراساتهم الأولى قد أطلقوا على لغة نقوش المسند اسم (اللغة الحميرية)
وبعد أن تبين لهم بأنها ليست لغة حمير وحدها،وإنما هي لغة سبأ و معين وقتبان وحضرموت وغيرها
لذلك أطلقوا عليها،اسم (اللغة العربية الجنوبية)،وأطلقوا على النقوش،اسم (النقوش العربية الجنوبية)
اكتشاف كتابات الزبوربعد اكتشاف مَا يربو على عشرة آلاف نقش من كتابات المُسْنَد ودراستها و نشرها انصرف اهتمام العلماء والدارسين عما ذكرته الكتب العربية القديمة،بأن أهل اليمن كان لهم كتابات الزبور،الذي كانوا يكتبونه،إلى جانب كتابات المسند،لأن عدم العثور على أي كتابة منه،جعلهم يميلون إلى الاعتقاد،بأن كتابات المسند المكتشفة والمنشورة،هي نفسها كتابات الزبور
وفي عام 1970م،تم العثورعلى عودين من جريد النخل خلال التنقيب في خرائب الجوف،وتسرَّبا إلى عالم النقوش (محمود الغول)
فبقيا لديه دون أن يتمكن من التعرف على الرموز المحزوزة فيهما
وقد ساد الاعتقاد في بداية الأمر،أن تلك الرموز قد تكون رموزاً هندية
وفي بداية الثمانينيات,قام (محمود الغول) مع زملاء له من علماء النقوش بمحاولات عدة،أدت في نهاية الأمر إلى التعرف على الرموز المحزوزة في العودين،بأنها شكل من أشكال خط المسند
وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت في السوق أعواد مماثلة
فتلاشى ما كان قد شاع لدى علماءالنقوش من اعتقاد بعدم وجود كتابات غير كتابات المسند وبعد ذلك نشر الأستاذ الدكتور يوسف محمد عبدا لله احد نقوش الزبور وذلك في مجلة اليمن الجديد
ومن خلال دراسة عدد منها دراسة علمية،من حيث الخط واللغة والمضمون و نشرها،ثبتَ لعلماء النقوش بأنهم امام كتابات اخرى من كتابات اهل اليمن القديم غير كتابات المسند
وهي كتابات محزوزة في اعواد من جريد النخل سَماها امرؤ القيس في معلقته(خط زبورٍ في عسيبٍ يمانِ),و في أعواد من خشب شجر آخر
وأن الهمداني كان محقاً حين فرَّق بين نوعين من الكتابات،سماهما (زُبُر حمير ومساندها الدهرية)
ومازال هناك اعداد كبيرة منها قيد الدراسة،وأعداد أخرى يتم اكتشافها بين الحين والآخر
وآخر مجموعة كبيرة تم العثور عليها كانت في منطقة مقولة بسنحان جنوب مدينة صنعاء وقد سلمها اللواء مهدي مقولة قائد المحور الجنوبي الشرقي إلى المتحف الوطني لترميمها ودراستها
ولايُستَبْعَد أن يتم العثور على كتابات بخط الزبور،مدونة على الجلد
بين كتابات المُسْنَد وكتابات الزبورإن اكتشاف كتابات المسند وكتابات الزبور،أكد لعلماء النقوش القديمة،أنَّ الهمداني كان محقاً في قوله،بأن حمير كان لها (زُبُر)و(مَسَاند دهرية)
ويعني أن أهل اليمن القديم كان لهم نوعان من الكتابات هما : كتابات المسند،وكتابات الزبور
وبإجراء مقارنة بينهما،من حيث الخط و اللغة والمضمون،يمكن التوصل الى معرفة علاقة كل منهما بالآخر،وكذلك معرفة الغرض من استخدام أهل اليمن القديم لكل منهما
من حيث الخط فإن كتابات المسند دونت على مواد صلبة،هي أحجار مقطوعة ومسوَّاة،وصخور وألواح من الأحجار والبرونز،أعدت لهذا الغرض
وكان التدوين يتم عن طريق أشكال هندسية متناسقة الأبعاد والأطوال،خطوطها مستقيمة،أو تميل إلى الانحناء،بقدر ماتسمح مادة الكتابة الصلبة بذلك
وكان يقوم بذلك العمل كتَّابٌ مهرة،يتقنون قطع الأحجار ونحتها وتسويتها وتشكيلها وزخرفتها،ونقش الكتابات عليها بخط غائر أو خط نافر
أما كتابات الزبور،فقد دونت بخط لينَّ من خط المسند،تميز بإمكاناته المتعددة في التوصيل والحركة السريعة،والتشكلُّ بحسب قدرات الكاتب,وسهولة نقشه على جريد نخل ليَّن أو عود من خشب مماثل
وقد يكون من الكتابة المجودة التي يتألق فيها الكاتب كما ان يكون من الخط الغفل السريع الذي لا إتقان فيه
فإذا كان كاتب خط المسند،يحتاج إلى أزميل أو آلة معدنية حادة الطرف لينقش بها كتابته على الحجر،فإن كاتب خط الزبور قد يحتاج إلى عود خشب يشبه اليراع،ويثبت في أحد طرفيه قطعة معدنية طرفها حاد
أو يحتاج إلى قطعة من العاج،تتخذ شكل القلم،ويبرى احد طرفيها الصلب ليكون صالحاً للحفر على سطح جريد النخل الليَّن أو أي خشب مناسب
ويستدل من حديث الهمداني عن بعض الأنساب،بأنها مُزبَّرة في خزائن حميرعلى أن اليمنيين القدماء استخدموا الجلد للتدوين عليه بخط الزبور أيضاً
من حيث أسلوب الكتابة فإن كلمات كتابات المسند وكتابات الزبور كانت تكتب بحروف منفصلة ويفصل بين الكلمة والاخرى بخط مستقيم،وتطرح حروف المدّ الثلاثة (مدّ الفتح ،مدّ الكسر،مدّ الضم) من وسط الكلمات ومن آخرها
لأن رموز الكتابة المستعملة تعبر عن الحروف الصامتة وعددها 29 رمزاً
ولا توجد رموز تعبر عن الصوائت و التشديد
وكانت الكتابة تتجه من اليمين إلى اليسار في المسند والزبور
وانفردت بعض كتابات المسندة التي تعود إلى عهد مكاربة سبأ،بأن الكتابة فيها كانت تتجه من اليمين إلى اليسار والعكس،أي كخط المحراث
ومن حيث اللغة فإن كتابات المسند تصنف إلى مجموعات،وكل مجموعة منها دونت بواحدة من لهجات اليمن القديم،وهي السبئية والمعينية والقتبانية والحضرمية و الهرمية
وهذه اللهجات،تشترك فيما بينها في كثير من خصائص النحو والصرف والمفردات وتنفرد كل واحدة منها عن الأخرى في بعض الخصائص اللغوية والمفردات الخاصه بها
ومن المعروف أن العدد الأكبر من كتابات المسند دوّن باللهجة السبئية
وهي أكثر اللهجات انتشاراً ومعرفة لدى السكان في كثير من مناطق اليمن القديم
وقد لاحظ علماء النقوش القديمة،أن لغة كتابات المسند تكاد تخلو من ضمير المتكلم والمخاطب ،ويكثر فيها استخدام ضمير الغائب
وذلك بسبب أنها تتحدث عن موضوعات وثائقية تذكارية لا تتطلب استخدام ضمير المتكلم والمخاطب وأنَّ كتابها أشخاص آخرون غير اصحاب تلك الكتابات
أما كتابات الزبور المنشورة وأخرى قيد الدراسة،فإنها دونت بلغة تشترك مع لغة كتابات المسند في كثير من خصائص النحو والصرف والمفردات
إلا أن كتابات الزبور تحوي مصطلحات ومفردات وتعابير،قلَّ أن ترد في كتابات المسند
وقد يعثر فيها على تعابير ومفردات مما يجري على ألسنة العامة
لأن موضوعاتها تخص حياتهم
وتتطلب استخدام ضمير المتكلم والمخاطب أكثر من استخدامها في كتابات المسند
ومن حيث المضمون فإن مضامين كتابات المسند تشتمل على موضوعات تدور حول مجالين رئيسين هما: الحياة العامة والحياة الخاصة
وهذه الموضوعات تخص:- النذور والقرابين
- منجزات عامة ومنجزات خاصة (مبانٍ,منشآت زراعية وريّ
)
- تشريعات وقوانين
- ممارسات شخصية
- ملكيات عامة وملكيات خاصة
- حملات عسكرية
ويكتنف ذلك كله إطار عام هو الإطار الديني وعالم الآلهة
وهذا يعني أن المنجزات العامة والخاصة والتشريعات والقوانين والممارسات الشخصية وغيرها،ينبغي أن تتم برعاية الآلهة وبركاتها
أما مضامين كتابات الزبور،فإنها تدور حول موضوعات،تخص الحياة اليومية والعملية للناس والمعاملات بينهم
وهذه الموضوعات تخص:- رسائل شخصية بين الناس
- صكوك مالية
- سجلات بأسماء أشخاص وبطون
- معاملات بيع وشراء ورهن
- اتفاقات مشاركة في زراعة ارض أو مشاطرة في تربية مواشي
- توزيع المياه على أرض زراعية
واستناداً إلى ما سبق عرضه،فإن كتابات المسند دونت حفراً على أحجار مسواة وغيرها،تثبت في جدران المباني العامة والخاصة وعلى أسوار المدن والقلاع و الحصون ومنشآت الزراعة والري وداخل المعابد،بهدف اطلاع الناس على مضامينها من ناحية واشهارها وتخليدها من ناحية أخرى
و يدل ذلك على أن كتابات المسند خصصت لمضامين وثائقية تذكارية
وان الاسم (مُسند) في لغة تلك الكتابات،لا يعني (نقش نص)،يحمل مضموناً عادياً
وإنما يعني (نقش نص)،يحمل مضموناً وثائقياً تذكارياً
وهو مشتق من الجذر (سَنَدَ) بمعنى (وَثَّقَ،عضد،دَعَمَ)(ولا يعني(دَوَّن،كتبَ)
والدليل على ذلك أن نقوش المسندالتي تشتمل على صيغة (ذن/م س ن د ن )،بمعنى(هذا المُسْنَد)،لم يستعمل كاتبها الفعل (سَنَدَ) قبل هذه الصيغة ،بل إنه استعمل الفعل (سطر)،بمعنى (كتبَ،دَوَّن)
وعلى سبيل المثال،جآءت الجملة (ت س ط ر و/ذ ن /م س ن د ن )،بمعنى (كتبوا هذا المسند)،في النقش [جام 1028] والجملة(س ط ر و/ذ ن / م س ن د ن )،بمعنى (كتبوا هذا النقش)،في النقش [كوربوس 621] وعلى سبيل المثال،وردت صيغة (ذ ن/م س ن د ن)،في بداية النقش [ريكمنز586]الذي يتحدث عن قيام (كرب إل وتار بن ذمار علي مكرَّب سبأ)،بمراسم عملين هامين،يتم انجازهما عادة عند اعتلاء سدة الحكم في عهد مكاربة سبأ وهما:1- اقامة حضرة دينية للإله عثتر،وإشعال النار له،في قمة جبل اللوذ،بموضع يسمى (تَرْح)،اعترافاً بألوهيته
2- تنظيم فئات المجتمع أو القبائل بحيث يكون لكل منها اله وحامٍ وعهد وميثاق
والهدف من تدوين هذا النقش هو توثيق مراسم هذين العملين الهامين وإشهارهما وتخليدهما
أما كتابات الزبور،فإنها كانت مخصصة لموضوعات،تخص الحياة اليومية والعملية للناس والمراسلات والمعاملات بينهم،لسهولة تبادلها بين الناس,وحفظها في بيوتهم أو متاجرهم أو معابدهم وحملها من بلد لآخر
لأن جريد النخل أو عوداً من خشب مماثل،قد لا يتجاوز،طوله قلم الحبر،وقد يكون أقصر منه
والاسم الذي عُرِفَت به هذه الكتابات في اليمن قبل الإسلام،قد حفظته لنا عدد من الكتب العربية القديمة،وهو (زبور) والجمع(زُبُر)،بمعنى (كتاب) و(كُتُب)و(صحيفة)و(صُحُف)
كما أن بعض كتابات الزبور المنشورة نفسها،قد اشتملت على الفعل (زَبَرَ),بمعنى (كتبَ)
والاسم (زبور) في القرآن الكريم،مشتق من هذا الجذر
ولا علاقة له بالاسم (مزمور)،بمعنى (ترنيمة،ترتيلة،انشودة )،المشتق من الجذر (زَمَرَ)،بمعنى (أنْشَدَ،رتَلَ,غنىَّ ) ,في اللغة العبرية واللغة السريانية
نشأة خط المسند وتطوره:ثبت لعلماء النقوش القديمة بأن كتابات المسند وكتابات الزبور دونتا بخط واحد هو خط المسند
لكن المواد الصلبة وهي الأحجار والبرونز والمواد اللينة وهي جريد النخل وأعواد خشب مماثل قد شكلت الحروف في كل من كتابات المسند وكتابات الزبور
وعند الكتابة عليهاتتخذ أشكالاً تناسب طبيعة هذه المواد،وحركة يد الكاتب،وقدراته على التشكيل
إلا أنه في نهاية الأمر،استعمل في تدوينها خط واحد وهو خط المسند,الذي سوف نحاول التعرف على نشأته وتطوره من خلال هذه السطورما أمكن إلى ذلك سبيلا
وثبتَ لعلماء النقوش القديمة بأن خط المسند استعمل كذلك في تدوين النقوش المكتشفه في الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية الممتد من الحسا إلى عمان وذلك بلغات محلية متعددة
كما أنه استعمل في تدوين نقوش قرية ذات كاهل (قرية الفاو اليوم)،الواقعة على الطريق التجاري الممتد من نجران إلى الحسا
وبالنسبة لنشأة خط المسند،فإنه يصعب على الباحثين الحديث عن البدايات الأولى لاستعماله في اليمن القديم
ولعل السبب يرجع إلى عدم توافر شواهد كتابية نتيجة لغياب حفريات وتنقيبات آثارية واسعة
وقد اعتمد الباحثون في دراساتهم لخط المسند،على آثار كتابية،جمعها علماء الآثار واللغات القديمة من مواقع آثار،في عدد من مناطق اليمن خلال زيارات متكررة لها،أو من مواقع آثار،تم الحفر والتنقيب فيها بشكل محدود
ومن المعروف أن عدد النقوش المكتشفة حتى اليوم،قد بلغ أكثر من عشرة آلاف نقش،يعود أقدمها إلى القرن الثامن قبل الميلاد،وكان خطها قد بلغ مستوىً رفيعاً من الإتقان على أيدي كتاب مهرة
مما يوحي بأن هناك مرحلة سابقة طويلة،قد مرت بها الكتابة في اليمن القديم،قبل القرن الثامن قبل الميلاد،لا نعرف مداها
ومع ذلك فإن هناك شواهد كتابية،وجدت مدونة على كسرات بعض الأواني الفخارية،التي عثر عليها،خلال الحفر والتنقيب في كل من منطقة (هجر بن حميد) بوادي بيحان،ومنطقة (يلا) جنوب مدينة مأرب و(ريبون) في حضرموت
ففي منطقة هجر بن حميد بوادي بيحان،عثرت البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان خلال التنقيب الأثري فيها،على كسرات أوان من الفخار،دون على إحداها مونجرام بخط المسند مؤلف من اربعة حروف (ك هـ ل م)
وبعد فحص ذلك الفخار ومقارنته بنظائره في فلسطين وغيرها،تبين للبعثة أنه يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد
كما ان الشكل الفني المتطور الذي اتخذه المونجرام،أكد أن الخط كان قد بلغ مرحلة متقدمة من الإتقان والتشكيل الفني في تلك الفترة
وهناك أوان من الفخار،عثرت عليها البعثة الايطالية في منطقة (يلا) جنوب مأرب
كما عثرت البعثة الروسية على فخار مماثل في منطقة (ريبون) بحضرموت
وقد وجد على كسرة من فخار منطقة( يلا)،وعلى أخرى من فخار منطقة ريبون شواهد كتابية بخط المسند
كما أن فحص هذا الفخار،بيَّن انه يعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد تقريباً
ومما لاشك فيه،أن وجود الكتابة في تلكما المنطقتين،يؤكد انتشارها في مناطق أخرى من اليمن القديم في هذه الفترة
كما أن شكل الخط الذي دونت به تلك الشواهد،يشير بوضوح إلى أن الكتابة قد مرت بمرحلة تكوين طويلة،قبل القرن الثاني عشر قبل الميلاد،قد تصل إلى بداية الألف الثاني قبل الميلاد ومما يزيد الامر تأكيداً ان السلع التجارية اليمنية مثل (البخور والمرّ والقرفة وغيرها) كانت قد ظهرت في اسواق المناطق الواقعة شرق الجزيرة العربية على الخليج العربي واسواق شمال الجزيرة العربية حول البحر الابيض المتوسط آنذاك
أما بالنسبة لتطور خط المسند فإن المتتبع للكتابات المنشورة يدرك،بأن خط المسند قد شهد تطوراً محسوساً،خلال الفترة التي تغطيها هذه الكتابات
واستناداً إلى أشكال الحروف وأسلوب كتابتها،يمكن تمييز ثلاث مجموعات من كتابات المسند،تنتمي إلى ثلاث مراحل تاريخية متعاقبة،تتداخل كتابات كل مرحلة مع كتابات المرحلة التي تليها :كتابات المرحلة الأولى الممتدة من القرن العاشر قبل الميلاد حتى بداية القرن الثاني قبل الميلاد تقريباً،لم تكن أبعاد حروف كتاباتها الأولى،قد ثبتت بعد
فيلاحظ عليها عدم الاتساق في ارتفاع الحروف وقلة الانسجام في مظهرها العام
ثم بلغ الخط في كتابات عهد مكاربة سبأ كماله,واتخذ مظهراً هندسياً بارزاً،اتسم بالتناسق الدقيق بين الحروف والبساطة التقليدية في آن واحد
وتميزت حروفها بالاستطالة والخطوط المستقيمة والزوايا القائمة والبعد عن أي زخرف,واستعمال الخط الغائر
واستمرت أشكال الحروف هكذا،حتى نهاية القرن الثالث قبل الميلاد
وفي كتابات المرحلة المتوسطة الممتدة من القرن الثاني قبل الميلاد حتى القرن الثالث بعد الميلاد تميزت أشكال حروفها بالميل إلى الزخرفة،واستبدال الخطوط المستقيمة بخطوط تميل الى الانحناء،وحلت الزوايا الحادة مكان الزوايا القائمة،واتسعت نهايات الحروف،وزينت بمذنبات زيادة في الزخرفة والتأثير الفني
واستعمل الخط الغائر،الذي استعمل في كتابات المرحلة السابقة
أما في كتابات المرحلة المتأخرة،الممتدة من القرن الرابع الميلادي،حتى القرن السادس الميلادي،فقد استعمل في تدوين حروفها أسلوب الخط النافر،وغلب على حروفها مظهر الزخرف والمبالغة فيه الى حد،افقد الحروف في بعض الكتابات وضوحها
هذا التطور المحسوس،الذي شهده خط المسند،أضعف الرأي القائل،بأن خط المسند يتصف بصفة المحافظة على الأشكال الهندسية وكراهية التطور السريع،ويزيد هذا الاستنتاج قوة،أن خط الزبور خط لين وسريع،وهو من خط المسند،تميز بإمكاناته المتعددة في التوصيل والحركة السريعة والتشكُّل بحسب قدرات الكاتب،وسهولة كتابته على جريد نخل لين،أو خشب مماثل
وهذه سمات،تشير إلى التطور السريع لخط المُسْنَدٍ
الخاتمة:يُستخلص من هذه المحاضرة النتائج الاتية:1-استخدم اليمنيون القدماء نوعين من الكتابات هما: كتابات المُسْنَد وكتابات الزَّبور
وقد دلت الاكتشافات الأثرية على ذلك
2-دُوّنَتْ كتابات المسند حفراً على الحجارة والصخور والمعادن و الفخار
وهذا النوع من الكتابات كان مخصصاً لغرض التوثيق و الإشهار والتخليد
3-تدوين كتابات المسند حفراً على حجارة مُسَوَّاة ومهندمة
وتثبيتها في أسوار المدن والمعابد ومنشآت الريّ،وتدوينها على الصخور في الجبال بعيداً عن أيدي العابثين بها ،غايته الاشهار والتخليد
4-أن الاسم (مُسَنْد) لا يعني مجرد (نقش) أو (نصّ) عادي،بل يعني (نقش توثيقي) أو (وثيقة) والجذر(س ن د) يعني (وثَّقَ،عَضَدَ،دَعَمَ)،ولايعني (دَوَّن،كتبَ)
5-دُوََّنت كتابات الزبور حفراً بالكتابة اليدوية على جريد النخل وأعواد من خشب آخر مناسب
وهذا النوع من الكتابات كان مخصصاً لأغراض المعاملات اليومية بين الناس وغيرها
6-خط الزبور نفسه هو خط المسند ولكن بأشكال لينة تناسب حركة يد الكاتب وقدراته في تشكيله على مواد ليَّنة
7-دلَّت الشواهد الكتابية المدونة على الفخار والتي عثر عليها في كل من (يلا) جنوب مأرب و(هجر بن حميد) بوادي بيحان و(ريبون) في حضرموت على أن خط المسند كان مستخدماً في اليمن في الألف الثاني قبل الميلاد
8-شهد خط المسند تطوراً محسوساً خلال الفترة التاريخية التي ترجع إليها النقوش المنشورة،وهذا ينفي الوهم لدى بعض الباحثين بأن خط المسند يُدَوَّنُ بأشكال هندسية متناسقة غير قابلة للتطور