الطفل حسام عبدالله: سائق دراجة نارية في جبال وصاب
منذ 6 أشهر
ذمار- عبدالله الفقيهفي عزلة بني منصور في مديرية وصاب الأسفل، يقود الطفل حسام عبدالله دراجته النارية (المُتر) مع أن قدميه بالكاد تصلان إلى الأرض
العمل كسائق دراجة نارية في الطرق الجبلية الوعرة مهمة محفوفة بالمخاطر، ويكون الخطر أشد عندما يكون السائق طفلًا يبلغ عمره 13 عامًا
حسام عبدالله هو واحد من مئات آلاف الأطفال الذين سرقت الحرب طفولتهم، وأجبرتهم على الابتعاد عن المدرسة والتخلي عن حقائبهم المدرسية، وكتبهم، وألعابهم، وأحلامهم الصغيرة
التداعيات الكارثية التي خلفتها الحرب المستمرة منذ عشر سنوات في البلاد دفعت عددًا كبيرًا من الأطفال إلى دخول سوق العمل، وأصبحت ظاهرة عمالة الأطفال، خصوصًا قيادة الدراجات النارية، متفشية، في العديد من المدن والقرى اليمنية
كل يوم، يصحو حسام باكرًا ويستعد لنقل الركاب من قريته إلى القرى والأسواق الأخرى، ولا تخلو رحلاته اليومية من المغامرات والتحديات على دراجته النارية
وفي كل رحلة، يحرص حسام على التحكم بدراجته النارية بقوة ليتجنب السقوط في الطرق الوعرة والمنحدرات الكثيرة
يحتل الأطفال الذي يعملون على الدراجات النارية، على مستوى مديريات محافظة ذمار، أكثر من 50% من العاملين في هذه المهنة، في حين يصلون إلى 25% في مركز المحافظة، وفقًا لمشير الحاج، مدير إدارة الحالة في مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظة
يقول الحاج لـ”المشاهد”: “تزايد عدد الأطفال العاملين على الدرجات النارية مؤشر خطير، وهذه الظاهرة تهدد حياة الأطفال ومستقبلهم
”ووفق بيانات المسح العنقودي متعدد المؤشرات، الصادر في العام 2023، عن الجهاز المركزي للإحصاء في اليمن، وتم تنفيذه بدعم فني من (اليونيسف)، تحتل محافظة ذمار المرتبة الثالثة في عمالة الأطفال (5- 17 سنة)، بنسبة 26%، في حين بلغت نسبة الأطفال المشاركين في أعمال خطرة، في المحافظة، 38
1%
وينخرط 23
4% من الأطفال في اليمن في أعمال خطرة، معظمهم من أبناء الريف (28)، مقابل (11
1) في المناطق الحضرية، بحسب البيانات ذاتها
يقول عبدالله بأسى: “لو لدي القدرة على إيجاد مصدر بديل للدخل، ما كنت سأسمح لأبنائي العمل في هذا المجال، وكنت سأدعمهم ليعيشوا طفولتهم ويتعلمون، وسأكون سعيدًا وأنا أراهم يتخرجون من المدرسة والجامعة، ثم وهم موظفون
” إدراك الخطر والحاجة إلى العملتحكي الندوب في وجه حسام حجم المعاناة والمخاطر التي تعرض لها، ولا يزال، غير أن أخطرها وأكثرها تأثيرًا هي الحادثة التي وقعت في رمضان الماضي، وكادت أن تُفقده إحدى عينيه
يتذكر حسام تلك الحادثة، ويقول لـ “المشاهد”: “فقدت السيطرة على دراجتي النارية، إثر تزحلقها جراء الحصى في الطريق، ما أدى إلى سقوطي على الأرض
تم إسعافي إلى المركز الصحي في سوق الثلوث بوصاب الأسفل، لإجراء الإسعافات الأولية، وخياطة الجرح العميق في جبهتي بالقرب من عيني اليسرى
”يدرك عبدالله سعد، والد حسام، المخاطر المتعلقة بقيادة طفله (حسام) وقبله (محمد)- الذي انتقل مؤخرًا للعمل في صنعاء على دراجة نارية، لكنه يرى أن البقاء دون عمل أشد ألمًا من العمل على الدراجة النارية
في حديثه لـ “المشاهد”، يقول عبدالله: “كنا نعمل سابقًا في حياكة المعاوز (نوع من اللباس اليمني)، لكننا توقفنا بسبب تراجع الطلب عليها، وسمحت لأولادي بالعمل على الدرجات النارية
”يشير عبدالله إلى أن كان يعمل على سيارته القديمة في نقل البضائع والركاب بين السوق والقرى الجبلية، لكن العمل لم يعد مجديًا ولا مربحًا بسبب تزايد سعر الوقود
يقول عبدالله بأسى: “لو لدي القدرة على إيجاد مصدر بديل للدخل، ما كنت سأسمح لأبنائي العمل في هذا المجال، وكنت سأدعمهم ليعيشوا طفولتهم ويتعلمون، وسأكون سعيدًا وأنا أراهم يتخرجون من المدرسة والجامعة، ثم وهم موظفون
”خطر الانحرافالمختص في حماية الطفولة بمكتب الشؤون الاجتماعية في ذمار مشير الحاج ينبه إلى أن “الانحراف” هو الجانب الأخطر، الذي صار يهدد الأطفال في اليمن، إلى جانب المخاطر الصحية والنفسية والتعليمية
يقول لـ “المشاهد”: “أصبحنا نشاهد أطفالًا في محكمة الأحداث، وقعوا في خلاف مع القانون؛ إذ ارتكبوا جنحة وأصبحوا في عداد المنحرفين
”يضيف الحاج: “أرى أن أي طفل في سن الرابعة عشرة أو أقل من ذلك يفترض أن يكون مصنفًا ضمن الأطفال المعرضين للانحراف، ويندرج تحت مسمى الأحداث (الأطفال في نزاع مع القانون)
”يوضح الحاج أن التحاق الأطفال بسوق العمل، سواء في الدراجات النارية أو غيرها من الأعمال، يعرضهم لمخاطر الإساءة والعنف والاستغلال، وما يندرج تحتها من قضايا أخرى تؤثر على سلامة وصحة الأطفال، وعلى نموهم وسلوكياتهم
يتابع: “يعاني الأطفال، ذكورًا وإناثًا، من الإهمال، فقد يغيبون من الصباح حتى المساء، وأهلهم لا يعرفون عنهم شيئًا
لا يعرفون أين أكلوا؟ وأين شربوا؟ وكيف حالهم؟ ومع من هم؟ وغيرها من التساؤلات، التي لا يعون أهميتها والمخاطر المحدقة بأبنائهم إلا عندما يُفاجؤون وقد تم القبض عليهم وأصبحوا متهمين بقضايا متعددة المسميات
”يؤكد الحاج أن هناك بعض الأطفال يغيبون أيامًا دون أن يعرف أهاليهم شيئًا عنهم، وحين يتم سؤال الآباء عن السبب، يتهمون الأطفال بالعصيان والتمرد عليهم، لكن الحقيقة هي أن الأطفال ضحايا للأسرة والمجتمع والدولة
حلم بعيد المنالوفقًا لإحصائيات منظمات أممية بشأن عمالة الأطفال في اليمن، تبلغ نسبة الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاما 11%، وتزيد النسبة مع التقدم في العمر إلى 28
5% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، و39
1% لمن هم دون الثامنة عشرة
ويقدر عدد الأطفال في الفئة العمرية ما بين 5 أعوام و18 عاماً، بأقل من 8 ملايين طفل وطفلة
تشير تقارير الأمم المتحدة بشأن الوضع الإنساني في اليمن أن أكثر من 4
5 مليون طفل يمني لا يذهبون إلى المدرسة
اليوم، مئات الأطفال في وصاب الأسفل، وغيرهم الآلاف في العديد من مناطق اليمن، يكافحون بصمت، ولا يعرفون كيف سيكون مستقبلهم ومتى ستنتهي معاناتهم
ليس لديهم سوى الحديث عن أحلامهم، لكن تحقيقها يبدو نوعًا من المستحيل في ظل الصراع الذي يشهده اليمن
يختم حسام حديثه، ويقول: “حلمي أن أكون طبيبًا، لكن كيف استطيع أن أحقق الحلم وأنا الآن سائق دراجة نارية
”ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير