الظروف المعيشية تجبر الأطفال على ترك مدارسهم

منذ سنة

في الخامسة صباحًا يستيقظ الطفل ذو الـ11 ربيعًا، شادي ناجي، ليبدأ العمل في أحد أفران الكيك بمدينة تعز (جنوبي غرب اليمن)

قساوة وظروف العمل لا تراعي صغر سن شادي

يعمل بهمة الكبار رغم جسده النحيل الذي حين تراه تظن للوهلة الأولى بأنه سيعجز عن فعل شيء، لكن الظروف المعيشية وما آلت إليه الأوضاع والظروف الاقتصادية في البلد، أجبرت شادي على تحمل كل مشاق العمل للإنفاق على إخوته، حسب تعبيره

يقول شادي لـ”المشاهد”: “درست في مدرستي بريف شرعب الرونة حتى الصف السادس أساسي، وبدأت أواجه صعوبات في حصولي على ملابس وشراء دفاتر وغيرها من مستلزمات الدراسة، ناهيك عن احتياجات البيت التي لم تكن متوفرة كما يجب”

ويضيف: “الدقيق كان ينعدم لأسابيع في المنزل، ولديّ ثلاثة إخوة وأخت وأنا الأكبر، كنت أشعر بشيء من الحسرة تجاه ما كان يحدث، فوالدي لم يستطع توفير كل شيء، فهو يعمل في حضرموت، ويتقاضى أجرًا بسيطًا يضيع نصفه في عمولات التحويل بين النقود القديمة والجديدة”

يمر اليمن بأزمة مالية نتيجة انقسام إدارة البنك المركزي بين سلطات جماعة الحوثي في صنعاء والحكومة المعترف بها دوليًا في عدن

حيث منعت جماعة الحوثي، في 2019، التعامل بالعملة الصادرة من البنك المركزي في عدن

ونتيجة لهذا الانقسام صار للعملة اليمنية قيمتان، قيمة شبه ثابتة للعملة القديمة، وقيمة متدهورة للعملة الجديدة التي يصل أحيانًا فارق قيمتها عند التحويل من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة جماعة الحوثي، إلى نحو 60% من إجمالي مبلغ الحوالة

يقول شادي: “قررت أن أترك المدرسة، وأذهب للعمل، مرغمًا على ذلك

لقد كانت ملامح الحزن التي أشاهدها في وجه أمي، تقتلني، ولكني لم أظهر ذلك، أتجاهل وكأن لا شيء يحدث”

“تركت المدرسة دون وداع، واتجهت صوب المدينة متكلًا على الله، وصلت إلى عند أحد أقاربي، وبقيت لفترة ليست طويلة أبحث عن عمل حتى وجدت عملًا في أحد الأفران للكيك

أقوم بتغليف الكيك، بدأت بأجر زهيد، ولكني أصررت على العمل، فهذا بحد ذاته اختبار لصبري في العمل، وخلال أشهر ارتفع راتبي من 70 ألف ريال يمني إلى 150 ألفًا، ما يعادل 98 دولارًا أمريكيًا

وما أحصل عليه أرسله لأمي في القرية نهاية كل شهر”

وبصوت شاحب وعيون تغرق بدموع الألم والحسرة، يقول شادي: “أمنيتي أن أتعلم وأكمل دراستي، فكلما تذكرت المدرسة والطلاب تخنقني الدموع وأبكي وحيدًا كي لا يراني أحد، ولكني أشعر بسعادة كبيرة حين أسمع صوت أمي وإخوتي مليئًا بالفرحة لتوفر كل احتياجاتهم في المنزل، وهذا يخفف كثيرًا من الألم لترك المدرسة وقساوة العمل”

الحرب والانقسام في اليمن عامل مشترك لمغادرة الأطفال مدارسهم ولجوئهم للعمل كالطفل شادي، فالطفل عمرو عبدالله ذو الاثني عشر ربيعًا، جار عليه الزمن ليحمل العبء باكرًا لإعالة أسرته

يقول عمرو لـ”المشاهد”: “تركت المدرسة وذهبت للعمل؟ من سيعطينا إذا لم نشتغل ونكافح؟”

مضيفًا: “لم يعد لدي أب، لقد توفي والدي رحمة الله عليه، منذ أربعة أعوام، ولا أحد ينفعك غير والدك أو نفسك فقط، فظروف الحياة تغيرت، فقد أصبح الحصول على المأكل والمشرب صعبًا، حتى إن المنظمات التي كانت تسلمنا سلة غذائية كل شهر، تراجعت حتى إنها أصبحت تسلم كل خمسة أشهر، لذا كان العمل الخيار الوحيد”

ويوضح: “قبل عام وأنا في الصف السابع تركت المدرسة، وسافرت إلى مدينة تعز للعمل على دراجة نارية، أستيقظ السابعة صباحًا، وأقف في إحدى الجولات متكلًا على الله، فأحصل على مشاوير لركاب

أحيانًا أحصل على خمسة آلاف، وأحيانًا سبعة أو عشرة، لا تستوي الأيام، فكل يوم ورزقه”

ويضيف: “أعمل منذ السابعة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، فأرتاح حتى الثالثة وأعمل لوقت المغرب، وبعدها أعود للسكن”

ويتابع: “خلال هذا الشهر بدأ البرد، وهو متعب جدًا، فأستيقظ متأخرًا قليلًا حدود ثمانية صباحًا، ولكن الحمد لله”، وبضحكة ساخرة يقول: “من شقي لقي”

تقول رئيسة منصة إكسير للطفولة آية خالد لـ”المشاهد” إن الحرب طمست كل ملامح الطفولة في اليمن، وجعلت من الأطفال شيوخًا منهكين، حتى ملامحهم شابت، أجبرتهم على أن ينخرطوا بمهام لا تناسبهم مهنيًا ولا جسديًا ولا قانونيًا، وقضت على ما تبقى لديهم”

وعن ظاهرة عمالة الأطفال تقول آية بأن الظاهرة ليست وليدة الحرب، بل متواجدة من قبل الحرب، إلا أن الحرب فاقمتها، وجعلت من الطفل شخصًا مسؤولًا عن أسرة كبيرة، ومطلوبًا منه توفير كل الاحتياجات اللازمة للأسرة، وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على المستوى التعليمي لطلبة المدارس، وزيادة عدد الطلبة المتسربين، حيث جعلتهم الحرب بلا حاضر ولا مستقبل، أنهكتهم بظروف قاسية تكبرهم حجمًا ومسؤولية

ووجهت رسالتها للجهات المعنية بضرورة توفير بيئة تعليمية مستقرة للطفل تمكنه من التحصيل الدراسي الجيد، وأن تكفل الدولة التعليم المجاني بجودة عالية، حتى لا يضطر الأطفال للتسرب من المدارس؛ بحجة الرسوم، وأن المدارس الخاصة دراستها أفضل، حافظوا على ما تبقى منهم، ولا تثقلوا كاهلهم أكثر من ذلك”

وفقًا لتقرير أطلقته اليونيسف في يوليو 2021، فإن الوضع التعليمي للأطفال في اليمن مقلق للغاية، حيث إن مليوني طفل في سن الدراسة أصبحوا خارج المدارس بسبب النزاع والفقر وانعدام الفرص

وأشار التقرير إلى أن المنظومة التعليمية في اليمن تأثرت بشكل كبير لعدة عوامل وأسباب، منها توقف صرف رواتب نحو 171

600 معلم ومعلمة لم يتسلموا رواتبهم منذ أربعة أعوام بشكل منتظم، مما يهدد استمرارية التعليم لأربعة ملايين طفل آخرين

وأضافت اليونيسف أن الحرب في اليمن كان أكبر ضحاياها من الأطفال، حيث إن 8

1 مليون طفل بحاجة إلى مساعدة تعليمية بصورة عاجلة، إضافة إلى نزوح 1

71 مليون طفل

إضافة إلى 523

000 طفل نازح لم يتمكنوا من التعليم بسبب عدم وجود مساحة في الفصول الدراسية الحالية، حيث تسببت الحرب بتدمير 2500 مدرسة ومقتل 3336 طفلًا

وذكر التقرير أنه كان للتجنيد دور في تسرب الأطفال من مدارسهم، فقد تم تجنيد 36

000 طفل منذ بداية الحرب، إضافة إلى الفقر الذي تسبب في عمالة الأطفال وجعلها أمرًا عاديًا ومعتادًا في شوارع المدن، والذي يبلغ 3

1 مليون طفل يعمل في اليمن منذ بداية الحرب

إضافة إلى العديد من المخاطر التي يواجهها الأطفال المنقطعون عن الدراسة، مثل الزواج المبكر والعمالة القسرية والتجنيد في القتال

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير