اليمن على مفترق طرق.. إصلاحات اقتصادية تصطدم بالصراعات السياسية
منذ 2 ساعات
تعز- بشرى الحميديبين انهيارٍ اقتصادي غير مسبوق، وانقسامٍ سياسي يقوّض سلطة القرار، تدخل اليمن اليوم منعطفًا شديد الحساسية
تتقاطع محاولات الإصلاح المالي مع صراعات النفوذ المحلي
هذا المشهد يعكس عمق الأزمة المركبة التي تعيشها اليمن منذ سنوات
ففي الوقت الذي سعت فيه السلطة إلى إقرار حزمةٍ من الإصلاحات الاقتصادية -وُصفت حينها بالأجرأ منذ اندلاع الحرب- تقف الإيرادات العامة في قلب معركةٍ مفتوحة بين المركز والمحافظات والمكونات المنضوية ضمن مجلس القيادة الرئاسي
حيث تحولت الموارد المالية من أداة إنقاذٍ محتملةٍ إلى وقود صراعٍ يهدد بتفكيك ما تبقى من بنية الدولة ووحدتها المؤسسية
القرار الرئاسي الذي صدر نهاية أكتوبر الماضي بشأن الإصلاحات الإقتصادية، وفي مقدمتها توحيد تحصيل الإيرادات وتحرير الدولار الجمركي، لم يكن مجرد إجراءٍ فني لمعالجة عجزٍ مالي متراكم
لكن القرار كان محاولةً لإعادة بناء مركز القرار المالي في بلدٍ فقدَ خلال سنوات الحرب السيطرة الفعلية على موارده لصالح سلطات محلية وقوى سياسية متنافسة
وشمل القرار استعادة قدرة الدولة على إدارة مواردها السيادية وضبط الاختلالات الناتجة عن تعدد مراكز التحصيل
غير أن الطريق إلى تنفيذ هذه الخطة بدا محفوفًا بعقباتٍ سياسية وميدانية معقدة، في ظل رفض بعض السلطات المحلية وعرقلة بعض المكونات توريد الإيرادات إلى الخزينة العامة
وتأكيدًا لهذا الواقع، قال المحلل السياسي والاقتصادي حسن مغلس “إن أي حديثٍ عن الإصلاحات الاقتصادية في اليمن لا يمكن فهمه دون العودة إلى الأسس التي يقوم عليها أي اقتصاد”
وتلك الأسس مثل “حجم الإنتاج المحلي والصادرات والفائض القابل للتصدير، أو عائدات تصدير المواد الخام التي تُحول إلى البنك المركزي لتُستخدم في بناء الخطط الاقتصادية وإدارة السياسات المالية”، يضيف مغلس
ويواصل: “فقدَ اليمن معظم هذه المرتكزات خلال سنوات الحرب، حيث توقف تصدير النفط الخام والغاز بعد استهداف ميناء الضبة؛ ما أدى إلى شلل اقتصادي واسع”
وأشار مغلس إلى أن الأزمة تعمقت أكثر مع غياب البدائل، حيث توقفت معظم الصادرات حتى في القطاعات البسيطة، مثل الأسماك، في مقابل تعطيل توريد الإيرادات الداخلية من الجمارك والضرائب والموانئ والمشتقات النفطية
مؤكدًا أن هذه الإيرادات لا تصل إلى البنك المركزي، وهو ما دفع محافظ البنك للإعلان في يوليو الماضي أن 147 جهةً حكوميةً من أصل نحو 170 جهةٍ لا تلتزم بتوريد إيراداتها، بما يعادل نحو 65٪ من موارد الدولة
وتعيش اليمن انقسامًا نقديًا منذ نهاية سبتمبر 2016 حيث تدير جماعة الحوثي البنك المركزي في صنعاء بشكل منفصل عن البنك المركزي في عدن الذي تديره حكومة مجلس القيادة الرئاسي
وتعمّق الانقسام أكثر بعد حظر جماعة الحوثي تداول العملة الصادرة عن “مركزي عدن” نهاية 2019؛ مما أوجد عملتين بقيمتين مختلفتين أمام العملات الأجنبية
أدى هذا إلى انهيارٍ متسارعٍ للعملة المحلية وارتفاعٍ كبير في معدلات التضخم؛ ما فاقم من تدهور الأوضاع المعيشية وقلّص قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها الأساسية وفي مقدمتها دفع الرواتب
في هذا السياق، يرى مغلس أن توحيد تحصيل الإيرادات في مناطق سيطرة الحكومة جاء ضمن خطةٍ شاملة لمعالجة هذه الاختلالات، واستهدفت إعادة ضبط الدورة المالية، وتحسين وضع العملة، وضمان صرف المرتبات، والحد من الاعتماد على المساعدات الخارجية والمنظمات الإنسانية
المحلل الاقتصادي، حسن مغلس: توحيد تحصيل الإيرادات في مناطق سيطرة الحكومة جاء ضمن خطةٍ شاملة لمعالجة هذه الاختلالات، واستهدفت إعادة ضبط الدورة المالية، وتحسين وضع العملة، وضمان صرف المرتبات، والحد من الاعتماد على المساعدات الخارجية والمنظمات الإنسانية
”محاولات تنفيذ توحيد تحصيل الإيرادات سرعان ما تحولت إلى صدامٍ سياسي وإداري، برز بوضوحٍ في عدد من المحافظات التي شهدت خلافاتٍ حادة حول آلية توريد الموارد إلى الخزينة العامة
وتصاعد التوتر بين السلطة المركزية والسلطات المحلية مع تبادل الاتهامات بعرقلة خطة الإصلاح الاقتصادي، في مشهدٍ عكس حجم المقاومة التي تواجهها حكومة مجلس القيادة الرئاسي على الأرض، ليس فقط لأسبابٍ اقتصادية بل تداخلها مع حسابات النفوذ والسيطرة
المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية، فارس النجار، قال في حديث مع “المشاهد”: “إن الإصلاحات الاقتصادية لا يمكن أن تمضي بشكل فعّال في ظل تعدد المرجعيات ومراكز القوى، مشيرًا إلى أن اليمن عانى كثيرًا من هذه القضية طوال عشر سنوات منذ انقلاب جماعة الحوثي
وأضاف النجار أن الإجراءات المتخذة ضمن خطة الإصلاحات الاقتصادية أظهرت نتائج إيجابية
حيث تحسّن سعر الصرف بنسبة 44%، ولعبت لجنة تنظيم وتمويل الواردات دورًا كبيرًا في تنظيم عملية الاستيراد وتخفيف حدة المضاربة على العملة، وكان لها دور في تحسين تحصيل الإيرادات الضريبية والجمركية
وأوضح النجار أن توريد الإيرادات إلى البنك المركزي شهد تقدمًا ملحوظًا رغم التحديات المستمرة، وأن المسار الإصلاحي كان ما يزال في خطواته الأولى
غير أن عملية التصعيد السياسي والعسكري الأخيرة، خاصة في المحافظات الشرقية، زادت من حدة الاضطرابات السياسية وأثّرت على مركزية الدولة القانونية وتعدد المرجعيات؛ ما ينعكس بلا شك على الإصلاحات الاقتصادية
وأشار النجار إلى أن هناك اتفاق ضمني مدعوم من قبل المجتمع الدولي يهدف إلى تحييد البنك المركزي عن الصراعات السياسية
وأكد أن ما يثير القلق هو استمرار الأزمة الاقتصادية، رغم أن وزارة المالية أعلنت مؤخرًا عن صرف الأجور والمرتبات، بما في ذلك المتأخرة منها، وهو دليل على حرص الحكومة على عدم إدخال قوت الناس في الصراعات السياسية
يقول النجار: “إن توسع رقعة الصراعات الاقتصادية يجعل من التوافق السياسي ضرورةً أساسيةً لدفع الإصلاحات الاقتصادية قدمًا، ووقف حالة التصعيد، والعودة إلى مربع التوافق السياسي، الذي يعتبر محورياً لنجاح أي عملية إصلاح”
فارس النجار: توسع رقعة الصراعات الاقتصادية يجعل من التوافق السياسي ضرورةً أساسيةً لدفع الإصلاحات الاقتصادية قدمًا، ووقف حالة التصعيد، والعودة إلى مربع التوافق السياسي، الذي يعتبر محورياً لنجاح أي عملية إصلاح”
واختتم النجار بالتأكيد أن تعدد المرجعيات ومراكز القوى يشكل عامل إحباطٍ لأي إصلاحات، وأن الحل الأمثل يكمن في التوافق السياسي لدفع الإصلاحات الاقتصادية إلى الأمام وتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع
الصراع على الايرادات بات أحد أخطر وجوه الأزمة اليمنية، حيث فتح الباب أمام خلافات جديدة لا تقل تأثيرًا عن الصراع العسكري
فالسيطرة على المال العام تعني القدرة على تمويل مؤسسات الدولة وضمان استقراراها وكسب الولاءات السياسية والاجتماعية
وهو ما جعل الموارد المالية ساحة مواجهةٍ بين أطرافٍ متعددة تتنافس على النفوذ في ظل غياب دولةٍ قادرة على فرض قواعد لإدارة المال العام
وفي هذا السياق، يشير مغلس إلى أن التصعيد العسكري الأخير في شرق اليمن تزامن مع بدء تطبيق إجراءاتٍ إصلاحية حساسة، مثل تشغيل ميناء عدن، وإعادة تشغيل مصفاة عدن، وتشديد الرقابة على الجمارك والصادرات والواردات
“وهي خطوات أضرت بمصالح جهات داخلية وخارجية استفادت من تعطيل هذه المرافق، وما جرى لم يكن بدافعٍ سياسي أو وطني بقدر ما كان محاولةً لإفشال مشروع الإصلاح الاقتصادي”
مختتمًا حديثه
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: [email protected] تصلك أهم أخبار المشاهد نت إلى بريدك مباشرة
الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن