اليمن.. عيد معجون بالمعاناة
منذ 2 سنوات
صنعاء – يحيى العكوري بتنهيده عميقة استهل، أحمد محمد -سائق حافلة- حديثه: أصبحنا نخاف من قدوم العيد بدل ما كنا نفرح
قلت له: ”العيد عيد العافية”، ليرد بلهجته الصنعاني: ”عافية مه
الجهال ما يعرفوا تيه المجابير”
حاولت جره للحديث أكثر ، لكنه واصل حديثه مع نفسه، فهمت ذلك من ضجره وتغير ملامحه، وكأني نبشت همومه، بدا سارحّا في تفكير عميق
شعرت معه بالذنب، ولم أتجرأ مواصلة الحديث معه، إلا من استراق بعض النظرات التي تعود بالكثير من الأسئلة، كيف يواجه أغلب الأباء أطفالهم في مثل هذه المناسبات بدون أعمال ولا رواتب ولا معونات؟
وهل يفهم الأطفال الكثير من مصطلحات الحرب والاوضاع وتقاطع المصالح؟
والأكثر إذا كان هذا وضع صاحب الباص، فكيف هو الحال عند من لا يملك حافلةً ولا عملًا؟
وعند وصولي وجهتي قلت بصوت خافت ”على جمب” وناولته مئة ريال مهترئة، نظر لها وقال مبتسمًا: ”هذا هو حالنا مثل تيه، ورمى بها على طبلون الحافلة مواصلًا مسيره، فيما أنا أنقل نظري إلى ذلك العرض الضخم من ملابس وحلويات العيد والمكسرات التي تكتظ بها أسواق المدينة كما هو عادتها قبيل العيد
الكسوةومع العرض الكبير لاحتياجات العيد وازحام الشوارع بالباعة والمتجولين، إلا أن المشهد يبدو ضعيفًا في عملية البيع والشراء، رغم كل الوسائل التي يتخذها الباعة في تشويق الناس وجذبهم، ابتداءً من عملية العرض وإنتهاءً بإضفاء أجواء عيدية من خلال مكبرات الصوت، وهي تصدح بتكبيرات العيد في مشهدٍ يجسد تدني مستوى الدخل، ويكشف بؤس المتسوقين، فتتنوع العروض، وتبدأ منافسة شرسة بين المراكز التجارية المعروفة في توفير كسوة العيد بأسعار منافسة تلبي احتياجات الناس
وأمام هذا العرض والتشويق يرى مهند السوائي -مدير أحد المراكز التجارية- أن أغلب المواطنين يجدون أنفسهم مجبرين على زيارة أكثر من مكان، وربما أغلب الشوارع والمراكز، بحثًا عما يتناسب مع قدراتهم الشرائية، وهو مايشكو منه كثير من ملاك المراكز والتجار
ويضيف مهند: ”الزحمة كبيرة، لكن نسبة المشتريات قليلة جدًا هذا الموسم، رغم التخفيضات الكبيرة التي يسعوا من خلالها إلى تصفية بضائعهم المكدسة باعتبار هذا العيد فرصة للتخلص من أصنافٍ كثيرة”
جعالة العيدأخذت حلويات -جعالة- العيد طابعًا فريدًا في أهميتها، وأصبحت من أهم متطلبات وأحتياجات العيد عند أهالي صنعاء والمدن المجاورة، فكادت تفوق بانتشارها أسواق الملابس وحتى الأضحية
حيث تتزين الأسواق بأصناف كثيرة من حلويات العيد، وتجهز أماكن خاصة في الشوارع والطرقات لعرضها، بل ويتفنن الباعة في إبرازها بشكل جذاب، ويتسيدها الزبيب واللوز وباقي المكسرات، تليها الحلويات والشوكولاته المتنوعة، وكل ذلك يتوفر بأسعارٍ وجودة متفاوتة
يحرص الكثير من سكان صنعاء في الحصول على حاجته من هذه الجعالة كضرورة ملحة لاكتمال أجواء العيد، ولتقديمها للزائرين -المعايدين- وتناولها عند الحاجة، ويشتري بعض قاطني ريف صنعاء وتجارها بما يزيد عن ثلاثمائة ألف ريال، أي ما يعادل خمسمائة وخمسون دولار، فيما الغالبية يكتفون ببعض قطع الكعك وشراب ”الفيمتو”، بحسب أحد بائعي المكسرات
الأضاحيتتوسع أسواق الأضاحي المركزية لتصل إلى منتصف الشوارع الرئيسية، كما هو حاصل في سوق نقم المركزي
وتعج هذه الأماكن بأصوات المواشي وبائعيها وصرخات الوسطاء -الدلالين- اللذين يتولون مهمة تيسير عملية البيع بين البائع والمشتري، وهي مهنة يعمل بها الكثير من ذوي الخبرة بالمواشي في المواسم والأعياد
وأكثر مرتادي هذه الأسواق هم الجزّارين وقلة من الميسورين، أما السواد الأعظم من السكان فيعتمدون على الجزارين بأخذ حاجاتهم بالكيلو يوم العيد، يتدرج ذالك حسب المستوى المعيشي لكل شخص
تُغذى هذه الأسواق بنسبة كبيرة من مناطق ساحلية، وعلى رأسها تهامة وما جاورها، وتُصنّف المواشي التهامية بأنها الأفضل بين بقية الأصناف، إلا أن فكرة شراء الأبقار وتقاسمها تكاد تستحوذ على السوق، لرخصها وسهولة الحصول علي كمية مناسبة ومذاق لا بأس به
طوارئ“نقشع البيت وننظف ونرتب إلى ليلة العيد”
هكذا تقول أم حمد وهي تحكي عن استعدادها للعيد، وتضيف: ”ماعد بش نفس للعيد بهذا الوضع أحيانًا ننام بدون عشاء، زوجي ضابط بدون راتب راقد في البيت، مابه إلا ابني الكبير يشتغل بالموتر -دراجة نارية- وأنا أخرج الصباح لو حصلت صرفة للغداء -والله يطرح البركة- لكن قده من جيز الناس مش إلا احنا بس”، هكذا اذا تبدو البيوت بحالة طوارئ رغم ضيق الحال
وعلى مدار الأيام العشر، تستعد النسوة في صنعاء لتنظيف البيت وتنفيضة وترتيبة، وإضافة بعض التحسينات واللمسات وتغيير أماكن الفرش أو طريقة الفرش بما يجدد أو يغير من شكل المكان ومنظره
بالتزامن مع رحلة تجهيز ”كعك العيد” الذي يمثل من أهم العادات العيدية، ويصنع بأحجام وأشكال مختلفة، تراه وهو يحمل على رؤوس الصغيرات وهن يطفن الشوارع والحارات للوصول إلى المخابز التي تتولى بدورها اكمال عملية النضج، وهذه الأخير -المخبز- تشهد تزاحمًا مع قرب أيام العيد، وتتفرغ بعض الأفران والمخابز الشعبية لإنجاز هذه المهمة
وهكذا تتواصل عملية تنقيح البيوت وتهيئتها بالروائح والطيب لاستقبال العيد، وهذه العملية لا تكلف كثيرًا من المال، إلا من جهد النساء في المشاركة بمواجهة احتياجات العيد، يضمن محاولات سكان صنعاء التمسك بأي خيط يمدهم بالبهجة، ونافذه فرح يعوضون بها ما أخذته السنون قصرًا من حقوقهم
ركودالحمامات البخارية، الحلاقين، المنقشات، مغاسل الملابس والسيارات، ومحلات الاكسسوارات، هي الأخرى تشهد ركودًا مقارنة بالأعوام السابقة، والتي كانت تمتد من بداية العشر وتتضاعف الأجور مع ارتفاع الطلب وكثرة الإقبال، لكن هذا الموسم جاء مغايرًا حسب عبدالله مرشد، أحد الحلاقين في صنعاء
ويضيف: كانت هذه الأيام تشهد طوابير من الزبائن، وكنا نشتغل 18 ساعة، أما هذه السنة فالعمل خفيف جدًا، مع احتمالات أن يستعيد عافيته في يوم الوقفة
موضحًا: ”أن الحالة الاقتصادية تنعكس سلبًا على القوة الشرائية”
متابعًا بلهجتة الدارجة: ”حتى لو لو جاء زبون ماعد يدفعوا الا من خمسمائة او سبع، الناس حالتهم حاله ، قدهم يحلقوا بالبيوت”
إنها الحرب استنزفت المواطن، وقضت على كل شيء له صله بالحياة، فتقزمت الأحلام من التغيير والحصول على مزيدٍ من الحقوق إلى البحث عن لقمة عيش تُسكت أصوات الأمعاء الخاوية
تعثر فرص السلامالصحفي والخبير الاقتصادي رشيد الحداد يُرجع ركود الأسواق وتراجع قدرات الناس الشرائية والمعيشية هذا الموسم إلى ”تعثر مسار السلام” الذي كان يعول عليه اليمنيون في إصلاح ما أفسدته الحرب وما يترتب عليه من صرف الرواتب وعودة الخدمات
مؤكدًا أن ضعف الحركة التجارية في السوق قبيل العيد، تعكس تدهور الوضع المعيشي للسواد الأعظم من اليمنيين هذا العيد، وتؤكد أن اهتماماتهم تغيرت وفق الأولويات، وتوفير أساسيات الحياة أصبح مهمة صعبة لدى شرائح واسعه من المجتمع
ويرى الحداد أن عيد الأضحى لم يعد موسماً سنوياً لإنعاش الأسواق نتيجة تداعيات الحرب
مضيفاً: ”عدم الإقبال على الأضاحي تراجع هو الآخر بسبب ارتفاع أسعارها وعدم وجود أضاحي مستوردة بأسعار أقل تتناسب مع ظروف وقدرات اليمنيين الشرائية”وبين هذا وذاك يخوض الكثير من الأباء حرباً ضروساً مع الأوضاع، حتى لا ينكسروا أمام أطفالهم بتوفير كسوتهم ولو بسعر زهيد، وكيلو لحم أول أيام العيد، لجبر خاطر أطفال تفتحت أعينهم منذ المهد على حرب لا يعرفون الكثير من أسبابها ولما كانت
ورغم التحدي كبير، تصر الكثير من الأسر المُعدمة التعايش ومسايرة الوضع بكل ما يملكون، فتختلط الآلام بالأمال بأن يكون العيد القادم وهم والبلاد بأحسن حال
ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير