اليمن.. وفرص السلام المستحيل

منذ 2 ساعات

الدكتور – يوسف مرعيتحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي للسلام في 21 سبتمبر من كل عام ويهدف هذا اليوم إلى تعزيز السلام العالمي وإنهاء النزاعات والظلم

ويركز اليوم على أهمية بناء عالم خالٍ من العنف والتسامح والتعاون

وبهذه المناسبة، ينشر “المشاهد” مقالًا تحليليًا للكاتب السياسي الدكتور يوسف مرعي، يتحدث فيه من فرص السلام في اليمن

في الواقع، لا تزال عمليات خفض التصعيد الهشة قائمة في الجبهات العسكرية طيلة الأعوام الماضية منذ الإعلان عن عملية خفض التصعيد أواخر عام 2022، بينما تصاعدت وتيرة الأعمال العدائية في جبهات الحرب الاقتصادية

وألقت بظلالها على الشعب المطحون بالفقر وغياب الخدمات طيلة السنوات الماضية، بينما أدت الصدمات الخارجية (حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، والهجمات في البحر الأحمر، والضربات المتبادلة بين دولة الكيان الصهيوني والحوثيين) إلى تعطيل مسارات الجبهات الدبلوماسية باستمرار

وكان لا بد من أجل الحفاظ على فرصة السلام، بحسب المبعوث الأممي، “فك ارتباط المسار اليمني بالحرب الإقليمية، والإسراع في إطلاق حزمة من تدابير بناء الثقة الاقتصادية والمتمثلة (برواتب موظفي القطاع العام، واستئناف الصادرات، وفتح الطرق والمساعدات الإنسانية)، فحرب غزة وتداعياتها من وجهة نظره عززت من عوامل الصراع المحلي اليمني وفَاقمت الانقسامات المحلية وأفضت بعملية السلام إلى طريق مسدود

أدت الصدمات الخارجية (حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، والهجمات في البحر الأحمر، والضربات المتبادلة بين دولة الكيان الصهيوني والحوثيين) إلى تعطيل مسارات الجبهات الدبلوماسية باستمراروأكد المبعوث الأممي في إحدى إحاطاته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي على ضرورة تجنيب اليمن مزيدًا من التورط في الأزمات الإقليمية؛ لأن ذلك سيعمل على تقويض الوضع الهش للغاية في البلاد

كما أن ضعف الجبهة المناهضة للحوثيين وتعدد أجندتها وغياب قيادة موحدة عزّز من ثقة الحوثيين بعدم وجود معسكر قوي مناهض لهم

على الرغم من انتهاء وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لمدة ستة أشهر رسميًا في أكتوبر 2022، وامتنع الجانبان منذ ذلك الحين عن اتخاذ إجراءات تصعيدية كبيرة، وظلت مستويات العداء منخفضة

واستؤنفت محادثات السلام بين السعوديين والحوثيين، بوساطة عُمان، في أبريل 2023، بالتزامن مع جهود وساطة أممية آنذاك لكن دون إحراز تقدم ملموس

كما لم تسفر زيارة الحوثيين للعاصمة السعودية في 14 سبتمبر، عن شيء سوى تصريحات متفائلة

وتعثرت هذه النقاشات في ضوء التعقيدات التي أثيرت حول مطار صنعاء والرحلات القادمة والمغادرة إليه، بالإضافة إلى الهجوم بطائرة مسيّرة حوثية في الحد الجنوبي أسفر عن مقتل أربعة عسكريين بحرينيين في التحالف الذي تقوده السعودية

عمليات خفض الأعمال العدائية كان من المفترض أن تُصاحَب بتحرك المنصات السياسية والحوار، إلا أنها هي الأخرى انتهت إلى مسار الركود والجمود في ضوء الصدمات الإقليمية المتعددة: كما أن مسار مسقط عام 2023 بشأن “خارطة الطريق” كان من المفترض أن يترجم لــ(وقف إطلاق نار شامل، وتفعيل الخطوات الاقتصادية، وإطلاق مسار سياسي شامل) إلى اتفاقيات رسمية

عمليات خفض الأعمال العدائية كان من المفترض أن تُصاحَب بتحرك المنصات السياسية والحوار، إلا أنها هي الأخرى انتهت إلى مسار الركود والجمود في ضوء الصدمات الإقليمية المتعددةبينما ظل المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز جروندبرج، يردد وباستمرار: أنه من دون حزمة تتعلق بـ”وقف إطلاق النار مرورًا بالاقتصاد ثم بالمسار السياسي”، فإنه لن يكون هناك أي تقدم

لا يزال الوضع المتصل بحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بغزة يملك القدرة على فرض أجندته حتى اللحظة

في الـ7 سبتمبر 2025، أصابت واحدة من الطائرات المُسيّرة التي أُطلقها الحوثيون من اليمن واحدًا من المطارات الإسرائيلية المهمة وهو رامون في إيلات، ما اعتبر خرقًا نادرًا وكشفًا للثغرات في الدفاع الجوي الإسرائيلي

وسبق لتل أبيب أن استهدفت العديد من الأهداف في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة الحوثي، وأغلب هذه الأهداف عبارة عن منشآت حيوية ومدنية، وصولًا إلى استهداف حكومة الحوثيين مطلع الشهر الجاري

كما أن الغارات الإسرائيلية بحسب الجانب الاسرائيلي ستتواصل

وبالتوازي مع ذلك، كانت “مايكروسوفت” قد ذكرت في بيان لها أن عددًا من الانقطاعات في كابلات بحرية رئيسية حدثت تحت الماء في البحر الأحمر في الـ6 و7 من سبتمبر؛ ما أدى إلى بطء وارتفاع زمن انتقال الاتصالات بين آسيا وأوروبا عبر الشرق الأوسط، وأن التحقيق جاري في أسباب حدوثها

كل هذه التطورات لا شك أنها ستزيد من مخاطر أن يصبح اليمن مسرحًا لتصفية الحسابات بين القوى الدولية والإقليمية، وزيادة في مخاطر الانخراط العسكري للعديد من الدول والتكتلات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي؛ نظرًا للأهمية المتزايدة للبحر الأحمر بالنسبة له، خصوصًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية، والتغيير الذي نشأ في الاستراتيجية الطاقوية الأوروبية نتيجة هذه الحرب

كما أن التصعيد في البحر الأحمر كان واحدًا من المسارات السابقة التي أوصدت فرص الحل السلمي للأزمة اليمنية: إذ شنَّت جماعة الحوثي هجماتها بشكل دوري ومنسق على السفن التي قالت الجماعة إنها مرتبطة بإسرائيل وما اعتبرته الجماعة أنه تضامنًا مع غزة؛ ونتيجة لذلك، توقفت شركات الشحن الكبرى عن استخدام البحر الأحمر -الذي يمر عبره ما يقرب من 15 بالمائة من التجارة البحرية العالمية- وأعادت توجيه رحلاتها لتتخذ رحلات أطول وأكثر تكلفة حول جنوب إفريقيا بدلًا من البحر الأحمر

أدى هذا الوضع إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، وهو الأمر الذي قاد إلى انطلاق موجاتٍ من الهجمات والضربات الأمريكية/البريطانية ضد أهدافٍ تابعة للجماعة في المناطق التي تخضع لسيطرتها

التصعيد في البحر الأحمر كان واحدًا من المسارات السابقة التي أوصدت فرص الحل السلمي للأزمة اليمنية: إذ شنَّت جماعة الحوثي هجماتها بشكل دوري ومنسق على السفن التي قالت الجماعة إنها مرتبطة بإسرائيل وما اعتبرته الجماعة أنه تضامنًا مع غزةلتتكثف سلسلة الضربات بعد ذلك بشكل أكبر من مارس – مايو 2025، وصولًا لإعلان وقف إطلاق النار بين واشنطن والجماعة بوساطةٍ عُمانية، وأن الجماعة وعدت بوقف -استهداف السفن الأمريكية– إلا أن الصراع مازال كامنًا ولم ينتهِ, خصوصًا في ضوء الحسابات الإيرانية بعد حرب الأيام الـ12 مع إسرائيل، وتدمير واشنطن للمنشآت النووية الإيرانية الرئيسية، واستئناف الجماعة لهجماتها في البحر الأحمر مجددًا، في خطوة تؤكد حاجة إيران الملحة لخدمات جماعة الحوثي باعتباره الحصان الأخير الصامد الذي تبقى في استراتيجية نفوذها الإقليمي

وبالتالي، فالاتفاق الأمريكي مع الحوثيين كان بمثابة هدنة مؤقتة ولا يعني نهايةً للصراع؛ بالنظر لحالة الصراع المحتدم بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، كما أنه لم يشمل الهجمات على إسرائيل؛ مما يعكس عدم نزع فتيله الكامل، في سبتمبر من الشهر الجاري فرضت واشنطن عقوبات جديدة على الحوثيين ما يدل على استمرار الضغوط السياسية والعسكرية ضدهم

لا شك أن المصالحة الإقليمية التي رعتها بكين بين الرياض وطهران فتحت قنوات للتواصل بين هذين البلدين الإقليميين الكبيرين، وصولًا لإعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، على الرغم من عدم امتثال طهران لكل متطلبات هذه المصالحة، والتي من بينها العمل على خفض التصعيد في الملف اليمني ووقف إمداداتها للحوثيين بالسلاح

البنية الداخلية في الصف المناهض للحوثيين لا تزال هشة وضعيفة

إذ يصطدم المجلس الرئاسي اليمني بصعوبات جمة ومنها ترسيخ نفوذه وأركانه في المناطق المحررة؛ فالمجلس الانتقالي الجنوبي يعمل بشكل دؤوب على تعزيز نفوذه السياسيإلا أن الملاحظ أن البنية الداخلية في الصف المناهض للحوثيين لا تزال هشة وضعيفة

إذ يصطدم المجلس الرئاسي اليمني بصعوبات جمة ومنها ترسيخ نفوذه وأركانه في المناطق المحررة؛ فالمجلس الانتقالي الجنوبي يعمل بشكل دؤوب على تعزيز نفوذه السياسي

كما أنه لا يخفي أجندته المتمثلة بفك الارتباط عن الشمال واستعادة دولته، وهو الأمر الذي سيقود وبشكل دوري إلى زيادة التوترات مع حلفائه المفترضين في التحالف المناهض للحوثيين ولإيران بشكل عام

هشاشة البنية السياسية والمؤسسية للمجلس الرئاسي اليمني تعد اليوم واحدة من الروافع الرئيسية لهيمنة الجماعات وضعف المؤسسات، فهذا المجلس الذي يعاني انقسامًا عميقًا وغيابًا لحالة الانسجام الداخلي في صفوف أعضائة؛ صار يوصف اليوم بأنه عبارة عن”وسيلة لأعضائهه لزيادة وتعزيز أجنداتهم الخاصة“

كما يرى الباحث الأول في مركز صنعاء، الدكتور عبدالغني الإرياني، أن استناد “الرئاسي” على الدعم من الرياض وأبو ظبي، أفقده الكثير من الاستقلالية والفعالية؛ وبالتالي فإن هذا التشرذم، بحسب مراقبين؛ سيجعل الموقف التفاوضي للرئاسي اليمني ضعيفًا، وسيعمل على تعقيد أي خطة انتقالية شاملة

أدت هجمات الحوثيين على موانئ تصدير النفط ومنها ميناء الضبه النفطي نهاية عام 2022 إلى إيقاف الصادرات النفطية، وإلى حرمان الحكومة المعترف بها دوليًا وفقدانها لمصدر الدخل الأساسي من النقد الأجنبي

هذا بالإضافة إلى أن الحوثيين كانوا قد استفادوا من تحوّل الواردات إلى الموانئ الخاضعة لسيطرتهم؛ الأمر الذي تسبب بعجز كبير في موازنة الحكومة المعترف بها دوليًا

وكانت الأمم المتحدة اعتبارًا من يونيو 2025، قد سجلت، نقصًا حادًا فيما يتعلق بالاستجابة الإنسانية؛ وضرورة تمويلها؛ وبالتالي يمكن اعتبار التدهور الاقتصادي الناتج عن وقف التصدير والانقسام النقدي في البلاد، شكلًا قاسيًا ومرعبًا من أشكال الحرب والصراع الدائر في اليمن”ووقودًا” لجميع خطوط السلطة والسياسة

يمكن اعتبار التدهور الاقتصادي الناتج عن وقف التصدير والانقسام النقدي في البلاد، شكلًا قاسيًا ومرعبًا من أشكال الحرب والصراع الدائر في اليمن”ووقودًا” لجميع خطوط السلطة والسياسةفالفقر المدقع وانعدام فرص العمل سيمثلان قوةً دافعة لانخراط الكثير من الفئات في شبكات العنف والجماعات المسلحة، والنتيجة المؤلمة لذلك هي زيادة في فرص تجدد الصراع الأمر الذي سيجعل من الاستقرار على المدى البعيد أمرًا صعب التحقق

كما أن عجز الحكومة المعترف بها دوليًا من إحداث اختراق حقيقي في إصلاح المسار الاقتصادي سيفقدها العديد من أوراق ضغطها؛ لأن فقدان السيطرة على جزء كبير من مؤسسات الدولة سيجعلها في موقف تفاوضي ضعيف

بعد عامين من الحرب في غزة واشتباك مباشر استمر 12 يومًا مع طهران، أصبحت جبهة الحوثيين جزءًا لا يتجزأ من معادلة الصراع الإقليمية متعددة الجبهات

هذا التصعيد قاد لتحطم المشهد السياسي الهش في اليمن؛ وأدى دخول دولة الكيان الصهيوني المباشر في الصراع إلى جعل عملية السلام اليمنية الرسمية عتيقة فعليًا

كانت خارطة الطريق التي تدعمها الأمم المتحدة، وهي إطار عمل مصمم لإقناع الحوثيين بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني و”عملية سياسية شاملة” مع الفصائل اليمنية الأخرى، هذه الوثيقة أضحت اليوم في غرفة الإنعاشكانت خارطة الطريق التي تدعمها الأمم المتحدة، وهي إطار عمل مصمم لإقناع الحوثيين بوقف إطلاق النار على الصعيد الوطني و”عملية سياسية شاملة” مع الفصائل اليمنية الأخرى، هذه الوثيقة أضحت اليوم في غرفة الإنعاش، وجعلها هذا التصعيد المفتوح الآن أشبه بوثيقة تأريخية، وشروطها غير ذات صلة بواقع ما بعد 7 أكتوبر وتداعياته الإقليمية الشاسعة

وأمام هذه البيئة الإقليمية المرتبكة والمعقدة التي نشأت بعد طوفان الأقصى وحرب الأيام الـ12 بين طهران وتل أبيب واحتمال عودتها التي تبدو وشيكة جدًا؛ وصولًا إلى الغارات الإسرائيلية التي أودت بحكومة الحوثيين نهاية الشهر الماضي، فإن الدعم الإيراني للجماعة الحوثية التي باتت تمثل أهم أوراق نفوذها الإقليمي سيكون أولوية لطهران في سياق معادلة ردعها غير المتكافئ، خصوصًا بعد خسارتها دمشق وبيروت؛ الأمر الذي سيبدد أي فرص سلام قادمة

كما أن انشغالات الأطراف الإقليمية والدولية بالأحداث الكبرى وآثار هذه الأحداث على الأمن الإقليمي؛ أدى إلى خفض الدعم الدولي الفاعل لمسار السلام في اليمن

كما أثّرت على قدرة الأمم المتحدة والجهات الوسيطة في الدفع بمفاوضات السلام نتيجةً لهذه الأحداث والتوترات المتصاعدة

انشغالات الأطراف الإقليمية والدولية بالأحداث الكبرى وآثار هذه الأحداث على الأمن الإقليمي؛ أدى إلى خفض الدعم الدولي الفاعل لمسار السلام في اليمن

كما أثّرت على قدرة الأمم المتحدة والجهات الوسيطة في الدفع بمفاوضات السلامكما أن المشهد الإقليمي برمته يكشف أن عوامل التصعيد أكثر بكثير من فرص السلام، وأن الاشتباك الإقليمي في المنطقة آخذ في الإتساع، خصوصًا بعد استهداف إسرائيل للعاصمة القطرية الدوحة؛ الأمر الذي سيزيد من حدة الاستقطابات الإقليمية

وبنظرة فاحصة فإن العربدة الإسرائيلية في المنطقة اليوم صارت تمثل أحد العوامل المهمة المساهمة في ترسيخ النفوذ الشعبي والإقليمي للحوثيين، رغم أنهم من خلال تركيزهم على الصراعات الخارجية، رأوا في ذلك فرصة للتخلي عن أولوياتهم الداخلية المُلحة لصرف الانتباه عن أوجه القصور المحلية

وتُوَجَّه الموارد إلى العمليات العسكرية، وليس إلى الرعاية الصحية أو التعليم أو الاستقرار الاقتصادي

ومع ذلك، فإن هجمات الحوثيين المباشرة على إسرائيل، بما في ذلك إطلاق الصواريخ وحصار البحر الأحمر، حوّلتهم إلى رموز للمقاومة لدى الكثيرين في العالم العربي وفي بعض الأوساط الغربية المؤيدة لفلسطين

وقد انتشر تحديّهم العسكري على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وأشيد به في الخطاب الإقليمي باعتباره عرضًا نادرًا للتضامن العربي مع غزة

وإجمالًا مثّل تصاعد النزاعات الإقليمية واحد من العوامل التي منعت تركيز الجهود على السلام في اليمن

إذا تجاهلنا الضجيج الكلي قد يكون بالإمكان تحديد هذه الفرصة في الآتي: السعودية -إيران ومعمها عُمان كوسيط يملك القدرة على ربط خفض التصعيد في البحر الأحمر بالحزمة اليمنية وإدارة الصفقات المرنة، اتفاق وقف إطلاق النار بين ترمب والحوثيين في مايو 2025 يعد دليلًا واضحًا على فاعلية مسقط في إدارة الصفقات

هجمات الحوثيين المباشرة على إسرائيل، حوّلتهم إلى رموز للمقاومة لدى الكثيرين في العالم العربي وفي بعض الأوساط الغربية المؤيدة لفلسطين، وإجمالًا مثّل تصاعد النزاعات الإقليمية واحد من العوامل التي منعت تركيز الجهود على السلام في اليمنهذا بالإضافة إلى أن المصالحة الإقليمية بين السعودية-وإيران التي قادتها الصين (عام 2023) كانت قد ساهمت في إيجاد أرضية غير صفرية، حتى وإن كانت هشة

ويبدو أن العودة لهذا المسار ربما سيسهم في إمكانية الذهاب إلى فرصة ممكنة للسلام، لكن إذا توقف “العامل الإسرائيلي” عن عرقلته

إلا أن النظر مليًا لشروط هذه الصفقة التي كانت ستنجز قبل اندلاع عملية طوفان الأقصى، بحسب مكونات في الرئاسي اليمني، كانت ستقدم الكثير من الحوافز الاقتصادية للجماعة الانقلابية في صنعاء، وستؤسس لسلام يحمل سمات الحرب

الاستقرار في المناطق المحررة، فبدون بناء حالة إنسجام داخل المجلس الرئاسي/ مع المجلس الانتقالي الجنوبي، سيبقي الحوثيون حتى في نظر خصومهم الغربيين الصيغة المثالية، وعليه فإنه سيتعين على الداعمين الخارجيين للمجلس الرئاسي اليمني/ والمجلس الانتقالي النظر في القيام بدعم العديد من الإجراءات “الهيكلية”، من خلال تعزيز دور الأمن فضلًا عن إدارة الإيرادات ودعمها في المناطق المحررة؛ مالم فإن التوجه المتعلق بـ”فك الإرتباط” سيسرع من تآكل الإطار الوطني الذي أستحدث بصورة مستعجلة وهشة على شكل (المجلس الرئاسي)

وبالتالي فإن ظروف اليمن المعقدة تتطلب تنازلات من جميع الأطراف، وخاصة تقليل الحوثيين من سقف طموحاتهم بشأن السيطرة على الموارد، وتجاوز التنافس الإقليمي بين السعودية والإمارات لدعم معسكر موحد ضد الحوثيين

سيناريو التصعيد الشامل وهو المرجح جدًا فالضربات الجديدة والمتواصلة على اليمن/ والرد الحوثي على إسرائيل، سيزيد من وتيرة تصعيد الحوثي لهجماتهم في البحر الأحمر باعتبارها الجبهة المثالية الأسهل للرد الانتقامي، والتسبب في حوادث بارزة قد يكون من بينها مقتل بحارة أو أضرار واسعة ستلحق بالسفن والتجارة الدولية؛ ما سيقود لتعطيل المساعدات الإنسانية بشكل كبير جدًا، وإلى شقوق كبيرة في جدار خفض التصعيد الذي كان قد بدأ عام 2022

سيناريو التصعيد الشامل هو المرجح جدًا فالضربات الجديدة والمتواصلة على اليمن/ والرد الحوثي على إسرائيل، سيزيد من وتيرة تصعيد الحوثي لهجماتهم في البحر الأحمر باعتبارها الجبهة المثالية الأسهل للرد الانتقاميويبدو أن احتمالات حدوث هذا السيناريو وارد جدًا؛ خصوصًا في ضوء أحداث 7 سبتمبر والأضرار التي لحقت بالكابلات البحرية

سيناريو النكسة المحتملة لمسار الإصلاحات الاقتصادية وعودة انهيار الريال اليمني لا شك أنها ستقود لتنامي النزعات المطالبة بفك الإرتباط جنوبًا، بل وتنامي النزعات الانفصالية في محافظات أخرى، الأمر الذي سيؤدي إلى تآكل المؤسسات في المناطق المحررة، وزيادة وتيرة تنامي الصراعات المحلية على الموارد

وسنكون أمام سيناريو قائم على نموذج “شرعيات الأمر الواقع” دون اتفاق وطني

سيناريو النكسة المحتملة لمسار الإصلاحات الاقتصادية وعودة انهيار الريال اليمني لا شك أنها ستقود لتنامي النزعات المطالبة بفك الإرتباط جنوبًا، بل وتنامي النزعات الانفصالية في محافظات أخرىحالة الصراع العميق والمستمر على السلطة والامتيازات في صفوف الرئاسي بين الكتلة المدعومة من السعودية، وتلك المدعومة من الإمارات؛ ستمنع إنشاء أي استراتيجية سياسية أو عسكرية متماسكة ضد الحوثيين؛ الأمر الذي سيجعل من الجماعة الحوثية دون منازع السلطة الفعلية في شمال اليمن

والنتيجة طريق مسدود استراتيجي لا يوجد مخرج واضح منه

ثم إن الانقسامات وعدم الانسجام بين مكونات الرئاسي هو ما جعل المسار السياسي غير ذي صلة بالواقع، وأغلق الباب أمام العديد من الفرص التي أتيحت في المسار العسكري، وقاد لجعل المنطق الداخلي للصراع اليمني مستوعبًا بأكمله للتنافسات والعداوات الإقليمية

حالة الصراع العميق والمستمر على السلطة في صفوف الرئاسي بين الكتلتين المدعومتين من السعودية والإمارات؛ ستمنع إنشاء استراتيجية سياسية أو عسكرية متماسكة ضد الحوثيين؛ الأمر الذي سيجعل من الجماعة الحوثية دون منازع السلطة الفعلية في شمال اليمن، وهذا الفراغ دفع واشنطن لصياغة اتفاق سلام ضيّق لنفسها، وتركت فصائل الدولة اليمنيةفي هذا الفراغ سارعت واشنطن لصياغة اتفاق سلام ضيق لنفسها على حساب عدم استقرار أوسع، بينما تركت فصائل الدولة اليمنية الممزقة تقاتل على الفتات

كما أن تصعيد المواجهة مع إسرائيل لا يخدم إلا في ترسيخ هيمنة الحوثيين، بل هذا الصراع يكسبه الجرأة للتحرك باتجاه المناطق النفطية والسيطرة على الموارد بالنظر للانقسامات في الجبهة الداخلية المناهضة لهم

كان التحول الكارثي بالنسبة للجبهة المناهضة للحوثيين هو أن مركز الثقل في الحرب الأهلية والمتمثل في ضرورة استعادة الشرعية اليمنية تحول لصالح المواجهة المتزايدة بين الحوثيين وإسرائيل واختباء الانقلاب خلف ستار نصرة غزة لترسيخ نفوذه وهروبه من استحقاقات السلام وأعباء الخدمات المطالب بها في المناطق الواقعة تحت سيطرته

التحول الكارثي بالنسبة للجبهة المناهضة للحوثيين هو أن مركز الثقل في الحرب والمتمثل في ضرورة استعادة الشرعية اليمنية تحول لصالح المواجهة المتزايدة بين الحوثيين وإسرائيل واختباء الانقلاب خلف ستار نصرة غزةفي الواقع، فإن الجبهة المناوئة للحوثيين (المجلس الرئاسي) الذي أعلن عنه في الرياض عام 2022 لتوحيد مكوناته المتباينة والعمل كقيادة تنفيذية للحكومة المعترف بها دوليًا، يبدو اليوم كما لو أنه سينهار تحت وطأة تناقضاته الخاصة

وهو الأمر الذي سيفتح باب الفرص لجماعة الحوثي للإنفراد بالسيطرة على الشمال اليمني كاملًا، ومحاولة السيطرة على مناطق الثروة لاحقًا من أجل استدامة مشروعهم الطائفي، فبحسب مقال لجرايم وود في (the atlantic) فإن نجاح الحوثيين جزئيًا يعود إلى الثمن الباهظ الذي يدفعونه من الأرواح البشرية (بما في ذلك حياتهم)، وجزئيًا إلى الأسلحة المتطورة التي تلقوها من إيران

الجبهة المناوئة للحوثيين (المجلس الرئاسي) الذي أعلن عنه في الرياض عام 2022 لتوحيد مكوناته المتباينة، يبدو اليوم كما لو أنه سينهار تحت وطأة تناقضاته الخاصة، وبالتالي فإن فرص العودة للمفاوضات من أجل السلام؛ مرهون باستراتيجية اللاسلم واللاحربوبالتالي فإن فرص العودة للمفاوضات من أجل السلام في بلد دخل مسارًا هشًا لخفض التصعيد بعد سنوات حرب طويلة وإبقاء وضعه الداخلي الآن مرهون باستراتيجية اللاسلم واللاحرب، سيكون أمرًا بالغ التعقيد، خصوصًا مع ما فرضته الديناميكيات الإقليمية الراهنة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، “الإ أن إمكانية العودة لبحث واستكشاف مسار السلام قد يكون أحيانًا نتاج سلسلة من التراكمات والتحولات الإيجابية الصغيرة والمتزامنة” مثل إنعاش الاقتصاد، وتوحّد النخب في الجبهة المناهضة للحوثيين في هيكلية واحدة وفعالة؛ “لتذكير الحوثيين بما هيتهم كعصابة لا دولة”، حتى وإن اختبؤوا خلف شعار نصرة غزة

إمكانية العودة لبحث واستكشاف مسار السلام قد يكون أحيانًا نتاج سلسلة من التراكمات والتحولات الإيجابية الصغيرة والمتزامنة، مثل إنعاش الاقتصاد، وتوحّد النخب في الجبهة المناهضة للحوثيين في هيكلية واحدة وفعالةلا شك أن ذلك، سيسهم في”إذابة الجليد” الذي ضرب عملية التسوية حتى في ظلّ ضجيج الحرب الإقليمية

وتجاهل هذا المسار اليوم يجعل البلاد معرضة للإنزلاق باتجاه مرحلة أكثر قتامة من البقاء في حالة الجمود والمراوحة بين اللاسلم واللاحرب التي نعيشها إلى مرحلة جديدة وخطيرة من التفكك إلى كيانات عديدة – وبثمنٍ أعلى بكثير من الأثمان التي قد ندفعها الآن

سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير