انهيار شركات الصرافة بمناطق الحوثيين ومدخرات المواطنين في خطر

منذ 9 ساعات

في أجواء من الذهول والغضب، يخيم صمت مطبق على إحدى مناطق محافظة تعز الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية، عقب إغلاق شركة صرافة أبوابها بشكل مفاجئ وهروب مالكها بعد أن استولى على ملايين الريالات التي جمعها من مودعين وضعوا فيه ثقتهم ومدخراتهم

هذه الواقعة ليست سوى غيض من فيض، حيث تضع أصبعها على جرح غائر يتمثل في أزمة مصرفية واقتصادية عميقة تتفاقم يوماً بعد يوم في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة

  شبح الإفلاس يطال عشرات المنشآتلم تكن حادثة الفرار في تعز سوى حلقة في سلسلة من الانهيارات المالية التي بدأت تطال قطاع الصرافة، الذي بات يعمل كـ بنك موازٍ في ظل شلل القطاع المصرفي الرسمي

وتؤكد مصادر اقتصادية أن شبح الإفلاس يطول عشرات المنشآت المالية، وقد أغلق وحدها نحو 14 شركة صرافة في العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين خلال الأشهر القليلة الماضية، مع توقعات بإغلاق المزيد خلال الفترة القادمة

ودائع ضائعة ومأساة إنسانيةخلف الأرقام المالية، تكتب قصص إنسانية مؤلمة تلخص حجم المأساة

فبالرغم من مرور أشهر على إغلاق شركات سابقة، لا يزال آلاف المودعين من أصحاب المحلات التجارية، والمغتربين، وحتى البسطاء مثل الباعة والعمال اليوميين، يبحثون عن مدخراتهم التي تبخرت في الهواء

وتشير المصادر إلى أن حجم المبالغ المختلسة في شركة صرافة واحدة تجاوز 70 مليون ريال سعودي

ولعل القصة الأكثر إيلامًا هي قصة فتاة فقدت كامل إرثها البالغ 20 ألف دولار بعد أن أودعته لدى أحد محلات الصرافة

لجأ صاحب المحل إلى حيلة متمثلة في بيع منشأته بذريعة الإفلاس، وعندما لجأت الفتاة إلى فرع البنك المركزي الذي يديره الحوثيون للمطالبة بحقها من مبلغ الضمان المفروض على الشركات، تم رفض طلبها بحجة أن المالك الجديد لا يتحمل مسؤولية سابقه، في مشهد يكشف عن التواطؤ والفوضى، خاصة وأن المالك القديم عاد لاحقًا وافتتح شركة جديدة تحت سمع وبصر البنك نفسه

البنك المركزي الحوثي: المتسبب الرئيسي؟تتجه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى فرع البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، حيث يحمّله السكان والمصادر الاقتصادية مسؤولية هذا الانهيار المتسلسل

تتهم المصادر الفرع بالتقاعس المتعمد عن حماية حقوق المودعين، والتواطؤ مع منشآت الصرافة التي تجاوزت صلاحياتها ومارست أنشطة مصرفية محضة مثل فتح حسابات واستقبال الودائع طويلة الأجل، وهو ما يفترض أن يكون حكراً على البنوك التجارية

ويفسر المصرون هذه الظاهرة بالغياب شبه الكامل لدور البنوك التجارية، التي توقفت عن صرف أموال المودعين منذ عام 2016، بعد استيلاء الحوثيين على القطاع المصرفي وتحويله إلى ورقة ضغط في صراعهم مع الحكومة الشرعية، مما دفع المواطنين للجوء إلى شركات الصرافة كملاذ آمن لحفظ مدخراتهم، وهو ما ثبت عدم صحة تمامًا

قرارات خاطئة وأزمة سيولة خانقةلا يقتصر الأمر على التواطؤ، بل يمتد ليشمل قرارات اقتصادية وصفها مصرفيون بـالكارثية

يحمّل قطاع الصرافة إدارة البنك المركزي الحوثي مسؤولية إفلاس عدد من الشركات بعد قرارها التعسفي بإيقاف التعامل مع منشآت وشبكات تحويلات مالية كبرى، وهو ما أدى إلى شل حركة التحويلات المالية

ويعد قرار فصل النظام المصرفي في مناطق الحوثيين عن البنك المركزي اليمني في عدن، الشرعية الدولية، هو الضربة القاضية

هذا القراد أدى إلى تقييد التحويلات المالية وربطها بشبكة محددة وبسقوف مالية صارمة، مما فاقم من أزمة السيولة الخانقة التي يعاني منها القطاع، وفقًا لتأكيدات جمعية الصرافين في صنعاء

ابتزاز وبوابات خلفيةمن جهتهم، يكشف عاملون في قطاع الصرافة عن جانب آخر من المأساة، مؤكدين أنهم يتعرضون لضغوط وابتزاز مستمر من قبل إدارة البنك المركزي الحوثي

تتم إغلاق بعض الشركات بين الحين والآخر لأسباب وصفوها بـالروتينية، ولا يتم السماح لها باستئناف نشاطها إلا بعد دفع مبالغ مالية عبر ما أسموه بوابات خلفية، وهو ما يعرض هذه المنشآت لمخاطر الإفلاس بسبب التزاماتها المالية المتزايدة تجاه العملاء

مستقبل غامض وثقة منهارةفي خضم هذا الواقع المتردي، يبدو أن القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين يدخل في نفق مظلم، مع تآكل الثقة بشكل كامل في المؤسسات المالية

فمع كل شركة تُغلق أبوابها، ومع كل مدخرات تضيع، تتعمق الجروح الاقتصادية والاجتماعية، فيما يبدو أن لا حل في الأفق طالما استمرت السياسات التي أدت إلى هذا الانهيار، مما يضع الملايين من اليمنيين أمام خطر الفقر المدقع والضياع