بشرى المقطري : جماعة الحوثي وكلفة حروبها الخارجية

منذ يوم

من نواح عدة، شكّل تحول جماعة الحوثي، وكيل إيران، إلى قوة فاعلة في معسكر المقاومة الإسلامية المناوئ لإسرائيل تغيّراً في مساريها، السياسي والعسكري، وتحسّناً في مركزها المحلي وأيضاً الإقليمي، بيد أن تبعات هذا الدور وانعكاساته السياسية، والأهم الاقتصادية، بات يفرض نفسه على جماعة الحوثي، من حيث طبيعة التحدّيات التي تواجهها بوصفها سلطة أمر واقع

تستند أيديولوجية السلطة وموجّهاتها في حالة جماعة الحوثي على النزعة العسكرية التي تعني الاستمرار في خوض الحروب، وعسكرة المجتمعات المحلية الخاضعة لها، بهدف تثبيت سلطتها، وكذلك التحايل على أزماتها الداخلية، وإذا كان ترسيخ وظيفتها الإقليمية بات أولويةً بالنسبة للجماعة، فإن الحفاظ على مركزها الإسنادي لدعم المقاومة الفلسطينية، وأيضاً تعميق تحالفها السياسي مع إيران ووكلائها، ترتّب عليه ربط اليمن، بوصفها جغرافيا، وأيضاً أزمة سياسية بالمعادلة الإقليمية، ما فرض تحدّيات عديدة على الجماعة، إلى جانب أن التعويل على استراتيجية الإسناد الخارجي، مرتكزاً لسياسة الجماعة، وتوجّهاتها بوصفها سلطة أمر واقع يشكل مغامرة غير محسوبة العواقب، كونها تتضمّن مستوياتٍ من التعقيد، ومن ثم من المخاطر، ففي حين شكّلت القضية الفلسطينية أولوية بالنسبة للجماعة، والذي فرض استمرار دورها الإسنادي للمقاومة في قطاع غزّة، أفضى ذلك إلى دورات متعاقبة من الهجوم العسكري بينها وبين إسرائيل، جديدها أخيراً قصف الكيان الإسرائيلي موانئ مدينة الحديدة، في 21 يوليو/ تموز الحالي، وتدمير ما تبقى من بنيته التشغيلية، كما أن إغلاق البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية، ترتب عليه صعوبة ضبط المعادلة البحرية بالنسبة للجماعة في صراعها مع إسرائيل، بحيث قد يدفع ذلك إلى تصعيد التوترات في البحر الأحمر، والتأثير على حركة الملاحة، وهو ما تكشّف في عملياتها التي أدّت أخيراً إلى مقتل أربعة بحارة، وإغراق سفينة تجارية، الأمر الذي قد يدفع الإدارة الأميركية إلى اتخاذ خطوات صارمة ضد الجماعة، إلى جانب مفاعيل الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية في تحجيم نفوذ إيران ووكلائها، والذي يفرض على الجماعة، وفي ضوء علاقتها التحالفية مع إيران، مواجهة واقع سياسي والأهم اقتصادي خانق

 تتجلى كلفة الدور الخارجي، إلى حد كبير، في طبيعة التحدّيات الاقتصادية التي تواجهها جماعة الحوثي في الوقت الحالي، والمتمثّلة باستمرار قصف الكيان الإسرائيلي البنى التحتية الاقتصادية، إلى جانب التبعات الاقتصادية والسياسية الناجمة عن دورها الإسنادي، وكذلك تحالفاتها الإقليمية، بحيث فرض نفسه على البنى الاقتصادية المستقرّة للجماعة، وعلى تدفقات الموارد، وأيضاً التأثير على شبكات الدعم والإمدادين، الاقتصادي والمالي، ومن ثم عمّقت مستويات الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الجماعة، إذ إن اعتماد الجماعة سلطة أمر واقع على اقتصاد الحرب، وأيضاً على موارد الدولة لضمان إدارة سلطتها، وإن وفر لها ذلك إمكانية تجاوز أزماتها الداخلية، إلى حدٍّ ما، او السيطرة عليها، فإن عدم وجود بدائل اقتصادية كافية تعمل على تخفيف الاختناقات التي تواجهها بوصفها سلطة، مقابل تضخم أجهزتها ضاعف من الضغط على الموارد الشحيحة، وعلى كيفية إنفاقها

واذا كانت شبكات الدعم الاقتصادي والمالي المتأتّية من حلفائها الإقليميين، سواء بشكل تمويلات استثمارات محلية، أو تجارة بينية، بما في ذلك دعم غير مشروط قد وفر للجماعة، سنواتٍ، سيولة مالية لمواجه أعباء السلطة وتغذية قنواتها الاقتصادية، فإن إجراءات التقييد والرقابة التي طاولتها جرّاء دورها الخارجي شملت، إلى جانب إعاقة تدفقات الأسلحة، تهريب الأموال، ما حرم الجماعة من مصادر مالية، إضافة إلى تجارة بيع الأسلحة لمقاولين محليين ضمن شبكاتٍ عابرة لسلطات الحرب

كما أن تدمير الكيان الإسرائيلي موانئ مدينة الحديدة دورياً، وإعاقة تأهيله، يفرض مستوىً جديداً من الحصار الاقتصادي على الجماعة، سواء بوقف تدفقات البضائع التجارية إلى المدن الخاضعة لها، أو بتعطيل استيراد النفط والغاز، ومن ثم إنتاج أزمات اقتصادية جديدة للجماعة

يضاف إلى ذلك، وعلى صعيد تجارة المشتقات النفطية، أنّ فرض الإدارة الأميركية عقوبات متجدّدة على ايران، أضرّ بجماعة الحوثي التي تشكل وسيطاً لبيع النفط الإيراني، بحيث أثر ذلك على مواردها المالية

بموازاة ذلك، أدّى بقاء تصنيفها منظمة إرهابية إلى استدامة إجراءات التقييد والعقوبات التي قد تنتقل، وفي ضوء تصعيد الجماعة في البحر الأحمر، إلى مستوى أكثر خطورة، حيث إن آثارها لا تقتصر على الإضرار بالشبكات المالية التابعة للجماعة، بل إلى المصارف المالية في المناطق الخاضعة لها، التي حرصت على مغادرة صنعاء مغادرةَ إجراء احترازي، جديدها أخيراً نقل المقر الرئيسي للبنك اليمني للإنشاء والتعمير إلى مدينة عدن، إلى جانب مغادرة رؤوس الأموال والشركات المحلية مناطق الجماعة، ما أثر على الحركة التجارية

ومع أن السياسات الاقتصادية للجماعة تحتكم على آلية السيطرة على الأزمات الاقتصادية، شكلياً على الأقل، من خلال الحفاظ على سعر العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، فإن توسع الفجوة بين سعر العملة وقوتها الشرائية جذّر من حالة الاختلال الاقتصادي والتجاري في المناطق الخاضعة لها، مقابل افتقارها إلى سيولة نقدية أجنبية لمواجهة هذه التحديات، وإذا كان إصدار جماعة الحوثي وفي غضون أسبوع واحد فقط لعملتين جديدتين، فئتي 50 ريالاً و200 ريال، يكشف عن أحد مظاهر التحديات الاقتصادية التي تواجهها بوصفها سلطة، فإنه مؤشّر على انهيار اقتصادي وشيك، فضلاً عن تبعات هذا الإجراء في تعميق الانقسام النقدي، بما في ذلك مخاطر أن يؤدي إلى استئناف الحرب الاقتصادية بين سلطات الحرب

 إلى ذلك، تشكّل أزمة مطار صنعاء الدولي عامل ضغط سياسي واقتصادي إضافي على جماعة الحوثي، إذ أدّى استمرار إغلاقه وخروجه عن الجاهزية إلى حرمانها أهم مظهر سيادي ممثلاً بامتلاكها منفذاً جوياً يخضع لسلطتها المباشرة، ومن ثم قوّض، إلى حدٍّ ما، من مقوّماتها بوصفها سلطة أمر واقع، وأيضاً من استقلالها السياسي، إذ أخضع إغلاق مطار صنعاء الجماعة لعزلة سياسية على الصعيدين، الدولي والإقليمي، فعلاوة على تعطيل تنقل الدبلوماسيين من صنعاء وإليها، بما في ذلك حلفاء الجماعة الإقليميين، وأيضاً قياداتها، ومن ثم أفقد الجماعة منفذ اتصال سياسي مهم، فإن إغلاق المطار أعاق وصول البعثات الدولية والاممية والمنظمات الدولية إلى المناطق الخاضعة لها، ومن ثم حرمها، بوصفها سلطة أمر واقع، من قناة دبلوماسية للتأثير على الفاعلين الدوليين في الأزمة اليمنية، كما أن استمرار إغلاق المطار فرض معادلة جديدة على الجماعة، تمثلت بانتقال إحدى مسؤولياتها بوصفها سلطة امر واقع إلى خصومها السياسيين، من الإشراف على سفر المواطنين الخاضعين لسلطتها عبر مطار عدن إلى استخدام جواز السفر الصادر عن سلطة خصومها

وإذا كانت ارتدادات أزمة مطار صنعاء قد أدّت إلى رفع كلفة تنقل المواطنين ومضاعفة معاناتهم، فإنها انعكست على الجماعة، وذلك برفع مستويات المخاطر التي يواجهها قياداتها، كاعتقال وزير خارجيتها الأسبق هشام شرف من السلطات الأمنية في مدينة عدن، وأيضاً لجوء قيادتها إلى خيار السفر عبر منفذ المهرة إلى سلطنة عُمان

واقتصادياً، فقدت الجماعة إيرادات ضخمة جرّاء وقف الرحلات التجارية من مطار صنعاء وإليه، إلى جانب تدفّقات العملة الأجنبية التي تجلبها قياداتها من الخارج

ومع أن الجماعة ولتجاوز تداعيات إيقاف المطار وسّعت من شبكة الجمارك في المنافذ البرّية التي تسيطر عليها، لتعويض فقدانها الموارد إلى جانب محاولة دفع المبعوث الأممي إلى اليمن بتحريك ورقة مطار صنعاء ورقة ضغط سياسي واقتصادي، بمحاولة إقناع السعودية تأهيل المطار، مقابل سماح الجماعة باستئناف تصدير النفط في الموانئ الخاضعة لسلطة المجلس الرئاسي، فإن فتح مطار صنعاء وتأهيله يرتبط، في المقام الأول، بمسارات حرب الكيان الإسرائيلي في قطاع غزّة، وبالدور الخارجي للجماعة، والأهم بموقف إسرائيل

في المقابل، يعيق استمرار دورها الخارجي فرص إنهاء الحرب اليمنية، ومن ثم يقيد فرص الجماعة بعقد تفاهمات مع السعودية لتحسين وضعها الاقتصادي وتجاوز أزماتها، وأهمها قضية دفع رواتب موظفي الدولة في المناطق الخاضعة لها، إلى جانب مخاطر أن يؤدّي استمرار تصعيدها في البحر الأحمر إلى تبنّي السعودية موقفاً أكثر تشدّداً

في النهاية، يتجاوز قياس كلفة الدور الخارجي لجماعة الحوثي تأثير التبعات الاقتصادية عليها بوصفها قوة مقاتلة، واستمرارية هذا الدور على المدى البعيد، إلى مهامّها سلطة أمر واقع، وانعكاس ذلك على المجتمعات الخاضعة لها، اقتصادياً، وإنسانياً، بيد أنه، وفي حالة جماعة الحوثي، لا تتضمّن السلطة القائمة على الغلبة، واستثمار الموارد (على شحّها) لصالح شبكاتها، أي بعد إنساني، حتى في حدّه الأدنى لحماية المواطنين من الأزمات الاقتصادية الخانقة، بل تحميلهم وحدهم كلفة سياستها الداخلية والخارجية مقابل المضي بحروبها، وأياً كانت المخاطر