بعد 55 عامًا على الجلاء.. انفصاليو الجنوب يبحثون عن الاستقلال الثاني

منذ 3 سنوات

عدن – سامي بجاش :في الذكري الـ55 لعيد الجلاء وخروج آخر جندي بريطاني من مدينة عدن في 30 نوفمبر عام 1967، يبرز سؤال ملح اليوم: ما هو الجديد في الاحتفال بهذه المناسبة الوطنية في الوقت الحاضر، وفي ظل الظروف الراهنة، حيث عادت المطالب باستقلال الجنوب مجددًا في ظل حرب أهلية بين الشرعية والانقلاب الحوثي من جهة، وصراع محتدم بين الشرعية والمطالبين بانفصال الجنوب وإعلان استقلاله مجددًا

الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى مجريات راهنة ذات صلة بعودة الوضع على الأرض إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، عبر فرض نفوذ طرف خارجي على عدن والجنوب والجزر الهامة، وأبرزها جزيرة ميون “بريم”

وهو سؤال يقودنا أيضًا إلى استخلاص إجابته من عدة معطيات سياسية وتاريخية، وفي ظل مجريات وتطورات أثارت جدلًا واسعًا في الشارع اليمني، واعتبرها البعض جزءًا من ترتيبات على الواقع من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، تذهب إلى التسريع بخطوات الانفصال، فيما وصفت من قبل عدد من السياسيين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها فرض هيمنة الإمارات، وتوسيع نفوذها لتشمل جزيرة ميون بعد جزيرة سقطرى

ففي نهاية أكتوبر المنصرم، ثار الجدل على خلفية توقيع محافظ عدن أحمد لملس اتفاقًا مع شيخ من جزيرة ميون “بريم” على بناء مدينة سكنية بتمويل إماراتي، في الجزيرة الواقع في باب المندب، والتابعة إداريًا لمحافظة تعز

محافظ تعز نبيل شمسان، وجه رسالة إلى محافظة عدن لملس، يستنكر فيها تصرفه، غير أن الموضوع مر مرور الكرام، ولم يتخذ مجلس القيادة الرئاسي أي موقف يذكر، رغم خطورة الوضع، حيث تعاملت الإمارات كأن جزيرة ميون تابعة لعدن، وهو ما يعيد الأجواء إلى زمن الاحتلال البريطاني لعدن، وسيطرتها على الجزيرة الاستراتيجية

الاتفاق الذي وقعه محافظ عدن في 30 أكتوبر 2022، بعث المخاوف مجددًا بشأن الهدف من وراء خطوة كهذة هدفت إلى اعتبار جزيرة ميون “بريم” جزءًا ملحقًا بعدن، بالمخالفة للتقسيم الإداري المعمول به في الجمهورية اليمنية

البحث عن الاستقلال الثانيشريحة من سكان جنوب اليمن يتزعمها المجلس الانتقالي الجنوبي، تطالب منذ سنوات بالاستقلال الثاني، وأعلنت تمسكها بهدفها الأول، وهو استعادة دولة الجنوب

والعام الماضي أكد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، في خطاب بالذكرى الـ54 لـ30 نوفمبر، يوم الجلاء البريطاني عن عدن، أكد سعي المجلس الانتقالي من أجل استعادة دولة الجنوب والاستقلال عن شمال اليمن

قيادات الانتقالي تؤكد تمسكها بمطلب استقلال الجنوب واستعادة دولته قبل عام 1990، مع ترجيح للبحث عن صيغة جديدة تبعث مسمى الجنوب العربي

مستعمرة عدنمنذ احتلال بريطانيا لعدن عام 1839، لم تكن مناطق جنوب اليمن مغرية للبريطانيين، لقد اعتبرت مرادفًا شبيهًا بمناطق شمال اليمن، ولم تحفل بريطانيا كثيرًا للسيطرة عليها بداية

وفقًا للدراسات التاريخية “كانت عدن أكثر تقدمًا وعمرانًا، ونسبة التعليم كانت مرتفعة بين سكانها نتاج الإدارة الإنجليزية للمدينة، أما المناطق القبلية المحيطة بها مثل حضرموت وشبوة وأبين وغيرها، فلم تختلف كثيرًا عن المناطق الشمالية لليمن”

ولقرابة 98 عامًا ظلت عدن محكومة كجزء من الهند البريطانية، ومنذ 1937، أصبحت عدن مستعمرة تابعة للتاج البريطاني مباشرة

تنامت مشاعر العداء لبريطانيا بسبب سياساتها التي كانت تتجاهل اليمنيين في عدن، وتمارس ضدهم سياسات تعسفية إقصائية ذات طابع عدائي

وكان يطلق على اليمنيين هناك العرب، بينما منحت الامتيازات إلى حد ما لسكان عدن من الهنود واليهود والصوماليين

ومع تزايد تدفق اليمنيين من شمال اليمن إلى عدن، وسقوط نظام الإمامة في الشمال، شعر البريطانيون بالقلق، وحاولوا التسريع بإقامة ما سمي اتحاد الجنوب، غير أن هذا التوجه قوبل برفض شعبي واسع على وقع تأثير المد القومي العربي بزعامة جمال عبدالناصر وخطاباته التي وجدت صدى واسعًا في عدن والجنوب

خططت بريطانيا لإقامة اتحاد فيدرالي يجمع 15 سلطنة في الجنوب، وليصبح وكيلًا لها ويخلفها في الحكم

مستوطنة عدن وضم جزيرة ميونمنذ احتلت بريطانيا عدن عام 1839، حكمتها تحت مسمى مستوطنة عدن تابعة للهند البريطاني ورئاسة بومباي، وأصبحت عدن ميناء هامًا تزايدت أهميته الاستراتيجية بمرور السنين كـ”محطة لتجارة الفحم بين أوروبا والهند والشرق الأقصى”

وبعد افتتاح قناة السويس عام 1869، تزايدت الأهمية الاستراتيجية لعدن، وصار من أكثر موانئ المنطقة والعالم ازدحامًا لتموين السفن والشحن والتجارة في العالم، خلال الفترة الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر وحتى ستينيات القرن العشرين

وفقًا للمصادر التاريخية “تكونت مستوطنة عدن من مدينة ميناء عدن وجوارها بمساحة 192 كيلومترًا مربعًا، الأرض الأصلية لمستوطنة عدن تمددت عام 1857، بضم 13 كيلومترًا مربعًا، هي جزيرة بريم أو ميون اليمنية الواقعة في باب المندب، وفي 1868 ضمت مساحة 73 كيلومترًا مربعًا، هي جزر كوريا موريا، وفي 1915 توسعت بضم جزيرة كمران في البحر الأحمر”

مستعمرة عدنابتداء من عام 1900، بدأت حكومة بريطانيا في الهند اتجاهًا آخر، حيث باتت مهتمة أكثر بالمناطق المجاورة، و”تفضل المحميات التسع المجاورة لعدن، والتي تتألف من جنوب الجزيرة العربية ورئاسة عدن”، ووضعت تحت اسم محمية عدن

وفي 1935، فصلت عدن عن الهند البريطانية، وأعيد تنظيمها كمستعمرة منفصلة تابعة للتاج البريطاني، تحت اسم مستعمرة عدن، “وبدأ هذا الفصل يدخل حيز التنفيذ في 1 أبريل 1937”

أما “المناطق الداخلية المحيطة بمستعمرة عدن فقد كانت منفصلة عن المستعمرة، وتسمى محمية عدن”

وتم في يناير 1963، دمج مستعمرة عدن مع اتحاد الجنوب العربي؛ الكيان الذي لم يدم طويلًا بسبب الرفض الشعبي، واندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963، وخوض كفاح شعبي مدني ومسلح وصولًا إلى جلاء آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967، وإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية

هكذا، ومنذ السنة الأولى للاحتلال البريطاني، أسس الاحتلال ما سميت مستوطنة عدن عام 1839، وبعد قرابة قرن من الزمن، أسس الاحتلال ما سميت مستعمرة عدن عام 1937، ليتطور الأمر إلى تأسيس ما سميت ولاية عدن في 18 يناير 1963، وانتهاء بيوم الجلاء الـ30 من نوفمبر 1967

تشكيل النقابات في عدن ودورها في الاستقلالللحراك المدني دوره في الاستقلال، على الرغم من أن سنوات ما قبل ثورة 14 أكتوبر 1963، كانت مرحلة أفول الهيمنة الاستعمارية البريطانية في معظم الدول التي احتلتها، فقد كان قرار بريطانيا الخروج من مستعمرات كثيرة من بينها جنوب اليمن

غير أن الحراك المدني والاحتجاجات والإضرابات أسهمت إلى حد ما في لخبطة أوراق اللعبة البريطانية التي سعت بكل قوة لفرض وكلاء لها، ذلك أن خروج بريطانيا من المستعمرات لم يكن يعني نهاية أطماعها في الهيمنة، إذ إن سياساتها في السيطرة البحرية خاصة، وعلى الموانئ والجزر الهامة، لم تتغير حتى يومنا

وما يلاحظ من ترتيبات حالية بخصوص جزيرة ميون “بريم” اليمنية يؤكد استمرار التحكم البريطاني، وعدم حدوث تغيير جذري في سياساتها، إذ إن السيطرة عبر وكلاء إقليميين ومحليين، هي أقل كلفة وأقل مشقة وجهدًا

بعد 55 عامًا على الجلاء البريطاني عن عدن، يبدو الوجود البريطاني باقيًا، وعاد بقوة خلال سنوات الحرب اليمنية المندلعة منذ العام 2015، والمستمرة حتى الآن

عادت السيطرة والنفوذ الخارجي لأكثر من دولة، ومنها بريطانيا، للتحكم بمعظم الموانئ والجزر بصورة مباشرة وغير مباشرة

تشير الدراسات التاريخية إلى أن النقابات شكلت “الأساس الأكبر للاستياء الاجتماعي في عدن

حيث تشكلت أول نقابة لرابطة طياري ميناء عدن، عام 1952، وتبعها بسرعة تشكيل نقابتين بحلول نهاية عام 1954، وبحلول 1956 تشكلت معظم النقابات للحرف المتنوعة”

عقب ذلك سادت الاحتجاجات والإضرابات في عدن

احتجاجات وإضراباتفي عام الجلاء البريطاني عن عدن، شهدت المدينة مظاهرات حاشدة، حيث خرجت الجماهير في 15 فبراير 1967، تندد بالاستعمار البريطاني، حاملة “جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب “عبود الشرعبي” الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات البريطانية في مدينة الشيخ عثمان”

كما شهدت مدينة عدن إضرابًا عامًا شاملًا في الثاني من أبريل 1967، دعت إليه الجبهة القومية وجبهة التحرير، يومها توقفت كافة المؤسسات عن العمل

في اليوم التالي، 3 أبريل، دشنت عمليات فدائية ضد الاستعمار البريطاني في منطقة الشيخ عثمان، ومنذ 20 يونيو 1967، سيطر الفدائيون على مدينة كريتر لمدة أسبوعين، وفي اليوم التالي سيطرت الجبهة القومية على مدينة الضالع، عاصمة إمارة الضالع، كما سيطرت في 12 أغسطس على مشيخة المفلحي، ليتوالى بعد ذلك سقوط الإمارات والمشيخات في الجنوب

وفي الخامس من نوفمبر 1967 “أعلنت قيادة الجيش الاتحادي في الجنوب دعمها للجبهة القومية، ووقوفها إلى جانب الثورة، بعد أن باتت غالبية المناطق تحت سيطرتها”

عقب تلك الاحتجاجات والتطورات والسيطرة الميدانية على الإمارات والمشيخات، أعلن وزير الخارجية البريطاني جورج براون، في 14 نوفمبر 1967، أن بلاده على استعداد تام لمنح الاستقلال لجنوب اليمن في 30 نوفمبر 1967، وليس في 9 يناير 1968 كما كان مخططًا له سابقًا

استنادًا للمصادر التاريخية، فإنه وعقب الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن العشرين، و”انهيار النظام الاستعماري في ما بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور المنظومة الاشتراكية، وتعاظم مد حركة التحرر الوطني، وجلاء القواعد العسكرية البريطانية من أكثر البلدان المستعمرة”، تطلع البريطانيون “لجعل عدن مركزًا مستقبليًا لقيادات قواتهم المسلحة المختلفة في المشرق العربي، ولحماية مصالحهم في المنطقة عامة، فشرعوا بإدخال بعض التطورات التي من شأنها مواكبة هذه المتطلبات، من قبيل تشجيع نمو “برجوازية كمبرادورية” طفيلية مرتبطة بالمصالح البريطانية، وإقامة عدد من المشاريع الاقتصادية الهامشية، فشجعت زراعة القطن في أبين 1947، ولحج في 1954، وزراعة الفواكه الأوروبية، وبناء مصفاة عدن عام 1954، وقيام شبكة واسعة من مشاريع البناء، لتلبية احتياجات القوات البريطانية في عدن، وفتح أبواب الهجرة الأجنبية إليها، ومحاربة العنصر الوطني، بغرض التهيئة لهندسة مشاريع سياسية مستقبلية للمنطقة مرتبطة بالاستعمار البريطاني، مثل: الحكم الذاتي لعدن، اتحاد الجنوب العربي، الحكومة الانتقالية”

الاستقلال يعيد وحدة أراضي جنوب اليمنعقب إعلان الاستقلال في 1967، وإعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تم اعتماد تقسيم إداري جديد للمحافظات الشمالية والشرقية يضم 6 محافظة، بعد عقود طويلة من الزمن قسم فيها الاستعمار البريطاني الجنوب إلى 21 إمارة وسلطنة ومشيخة، بالإضافة إلى مستعمرة محمية عدن، “وكان لكل منها كيانها السياسي والإداري وحدودها وعلمها وجواز سفرها وجهازها الأمني، والمرتبطة بالمندوب السامي البريطاني في عدن”

ليصلك كل جديد