بلال الطيب : ريمة.. الانتفاضة مُستمرة (2-3)

منذ 6 ساعات

بلال الطيب تَجاوزت بلاد الطعام ريح الثورة، ووصلت إلى باقي نواحي قضاء ريمة، وتجاوز الثوار عُزل ذَرْحَان، وبني ناحت، وبني بلحوت، وصولًا إلى الجبين، حاصروا الأخيرة، في حين وجد محمد الإدريسي فرصته للتدخل سانحة، وأرسل إلى تلك الجهة بقواتٍ كثيفة تحت قيادة شيخ قبيلة القُحرى يحيى أبو هادي حميدة

 التدخل الإدريسي     قال الباحث عبدالله حسين إنَّ الدعم الإدريسي لأبناء ريمة ابتدأ مُبكرًا، وبالتحديد فور انسحاب جده شيخ ذَرْحَان أحمد عبدالله الضالع - كما سبق أن ذكرنا - صوب منطقة مَرَقِّدَة، لافتًا أنَّ الأدارسة قاموا بتأهيل الثوار، وأعادوا تشكيلهم تحت قيادة الشيخ أحمد عبده الحسني، ومساعدة سعيد علي الجبل، وأمدوهم بالأسلحة والذخائر، وخمسة مدافع، ومُستلزمات حربية أخرى

     وبالعـودة إلى موضوعنا، وإكمالًا للمــشهد، أترككم مع ما قــالـه المُؤرخ عبدالكريـم مُطَّهر: «استحكمت حلقات الحصار عليهم (يقصد على الإماميين في الجبين) من كل جهة، وأطبق أهل قضاء ريمة على الخلاف، وكثر عدد قواد الإدريسي الذين وصلوا إليهم، وشايعهم أهل البلاد، وذوو النفوذ، ولم يبق على الطاعة غير عامل الجعفرية السيد محمد علي النهاري، وأخويه، وأما بنو عمه ومنهم ولد السيد محمود النهاري العامل السابق، فكلهم جال في ميادين الخلاف، وركب متون الاعتساف، ونبذوا ما في أعناقهم من الأيمان، ونزلوا عن درجات أهل الإيمان»!     حاصر الثوار - المسنودون هذه المرة بالقوات والمدافع الإدريسية - الإماميين في الجبين مدة، ودارت بينهم معارك عدة، استطرد المُؤرخ عبدالكريم مُطَّهر في نقل تفاصيل بعضها، كمعركتي باب الثلوث، ومحلة البيضاء، قائلًا أنَّها - أي تلك المعارك - لم تنقطع يومًا واحدًا، وحين حاول بعض المُحاصَرين من قبيلة بني الحارث الهروب، تعقبهم الثوار، ونكلوا بهم شرَّ تنكيل، وقتلوهم شرَّ قتلة، فرضخ حينها من تبقى من الإماميين للأمر الواقع، واستماتوا في مُواجهة بَلاهُم المُتدافع، وتعاقدوا - حد تعبير ذات المُؤرخ - على الثبات، ووطنوا أنفسهم على القتال حتى الممات

     «وقد جرت في أثناء الحصار بين الجند الإمامي والبغاة معارك وحروب، وأهوال وخطوب»، هكذا لخص المُؤرخ مُطَّهر المشهد، وأوضح أنَّ تلك المعارك أسفرت عن قتلى كُثر من الجانبين، وأنَّ الشيخ أحمد عبده الحسني من الطرف الريمي، والشيخ يحيى الضلعي من الطرف الإمامي، لقيا في معركة البيضاء - سنأتي على تناولها - حتفهما، وأنَّ المواجهات في الجبين توقفت بعد تلك المعركة مُؤقتًا، في حين اكتفى الثوار بالحصار والقصف المدفعي

     وفي ذات التصعيد التحرري، ثار أهالي كُسْمَة، وحَاصروا القوات الإمامية المُرابطة في مركز ناحيتهم الجنوبية، وأجبروا العامل علي حمود غالب على الاستسلام، والأخير تولى أمر تلك الناحية بعد وفاة أخيه السابق ذكره، وقد صور المُؤرخ الإمامي عبدالكريم مُطَّهر ذلك المشهد بقوله: «فلم يجد العامل ومن معه بُدًا من مُجابرة الأعداء، على أنْ يكون خُروجهم بِسلاحهم، ويَذهبوا حيث أرادوا، فأظهروا إسعادهم إلى ذلك، ولما خرجوا إليهم، غدروا بهم، وأخذوهم أسارى»

     ما إنْ وصلت أخبار تلك الانتفاضة، ومُناشدات عامل ريمة محمد الشامي - كما أفاد المُؤرخ مُطهر - إلى الإمام يحيى، حتى بادر الأخير بإرسال المدد تلو المدد، في البدء أرسل بأحمد علي المنصور ومعه 700 مُقاتل من حاشد، وأرحب، وكلفهم بالمرور من السَّلْفيَّة، تصدى الثوار لهم في أطراف تلك الناحية الشرقية، وأجبروهم على العودة، وقد تعرض من رجع منهم إلى صنعاء للتوبيخ الشديد

     رَاسل الإمام يحيى بعد ذلك عامله على الحدا علي بن محمد الشامي (ابن عامل ريمة)، وكلفه بذات المهمة، جمع العامل الابن حوالي 1,500 مُقاتل، كان الشيخ ناجي بن صالح القوسي، والشيخ محمد ناصر البخيتي من ضمنهم، وقادهم صوب ناحية الجبين، وتمكن بعد معارك عديدة من الاستيلاء على عُزلتي بني أبي الضيف، وبني الضبيبي، وحصني مشحم، ومُسَعَّد، لينفك بذلك الحصار من جهة الشرق والجنوب عن والده، وذلك قبل أنْ يَصل هو نفسه إليه

     من جهته أفاد المُؤرخ الإمامي محمد زبارة أنَّ عامل آنس القاضي أحمد بن أحمد الجرافي قَدِم بقوات قبلية ونظامية أخرى لـمُساندة القائد علي الشامي، في حين تباهى المُؤرخ عبدالكريم مطهر بما فعله ذلك القائد من جرائم، وأسمى انتصاراته بـ (الفتح العظيم)، حيث قال: «وقطع الجيش المسافة الطويلة في ظرف يوم واحد - وهو ما يوافق يوم 14 أغسطس 1920 تقريبًا - يقتل ويحرق ويبدد كالسيل الجارف، والبرق الخاطف، وبهذا الفتح العظيم، والنصر الفخيم، انفك الحصار على من في الجبى، وزال الخوف عن الشائب، والكهل، والشاب، والصبي»!      في تلك الأثناء، أرسل الإمام يحيى إلى ريمة بقوات كثيرة من خولان، وقد أكمل القائد علي الشامي بها وبالقوات التي معه سيطرته على المناطق المجاورة لعزلة الجبين، كعزلتي حورة جنوبًا، وبني ناحت شمالًا، وقد دارت في الأخيرة مَعركة شرسة، تحدث عنها المُؤرخ مُطَّهر قائلًا: «فاجتمع الجيشان، وقد دوخا ما وراءهما، ونادى أميره بالأمان، وتقدما على محطة بني ناحت، وفيها من جموع الباغين جُندٌ كبير، فصبّحوهم بقارعة

وتفرقوا في كل جهة، وساقوا خلف البغاة إلى الحصن فاستولوا عليه بعد حرب شديد»

     عاد القائد الشامي أدراجه جنوبًا، مُؤجلًا السيطرة على بلاد الطعام لجولة أخرى، وهناك إشارات - سنأتي على تناولها - أنَّ الثوار أجبروه على تلك العودة، ليبدأ جولته الجديدة بالسيطرة على عزلة بني الطليلي - مِفتاح ناحيتي كُسْمَة والجعفرية، وقد استولى ليلًا، وبعد معركة شرسة على حصونها المنيعة، وذلك بعد عدة مُراسلات فاشلة، وأكمل المُؤرخ مُطَّهر ذلك المشهد بقوله: «ثم نادى الأمير بالأمان، فتراجعوا - أي سكان الطليلي - إلى ديارهم وقد خَرَّبَ مُعظمها»

     كانت كُسْمَة (مركز الناحية) وجهة القائد الشامي التالية، سيطر عليها وعلى باقي عُزل تلك الناحية، بعد مُقاومة عنيفة، فيما استعصت عليه ناحية الجعفرية المجاورة، وبلاد الطعام - كما سبق أنْ ذكرنا - في الجانب الآخر، وقد شهدت الأخيرة - كما سياتي - مُواجهات مُتواصلة، استمرت لأكثر من عامين

     حدثت تلك الانتكاسة بالتزامن مع حدوث مثلها في جبال صعفان - سنأتي على تناولها - وعن ذلك قال المُتصرف يوسف بك حسن في مُذكراته، وفي نقله لأحداث يوم 7 سبتمبر 1920م تحديدًا: «منذ أسبوع والهزائم واقعة في جيش الإدريسي، المشارقة - يقصد عساكر الإمام يحيى - استردوا أكثر ناحية صعفان، وقسم كبير من قضاء ريمة، بعد أنْ كانوا محصورين في قلعة واحدة»

     ثم تحدث - أي المُتصرف حسن - عن إرسال الإمدادات الإدريسية من باجل للثوار، وقال في نقله لأحداث يوم 19 سبتمبر 1920م: «والحركة في باجل اليوم مهمة، وذلك من السعي في إعداد جيش ومدفع، وسوقه إلى جهة اليمن - أي الجنوب - ومناوشة المشارقة الذين من جهة ناحية الجعفرية

وأعتقد أنَّه مثلما نال صعفان وريمة وبرع من مصائب التخريب والنهب، سيكون في الجعفرية»

     عاث الإماميون في المناطق التي سيطروا عليها نهبًا، وحرقًا، وخرابًا، وأجبروا غالبية سكان تلك المناطق على الفِرار إلى تهامة، وأخذوا ممن آثروا البقاء رهائن الطاعة، وعن ذلك قال المُؤرخ محمد زبارة: «وما زالوا - يقصد الإماميين - في تتبع لهم - يقصد للثوار والقوات الإدريسية - حتى أجلوهم

واستولوا على كثير مما قد فرقوه في ريمة

وضبطوا أمورها بأخذ الرهائن القوية من المنحرفين»، وقال المُؤرخ عبدالكريم مُطَّهر: «وامتلأت أيدي المجاهدين من الغنائم، وكانت لا تُحصر ولا تُقدر

وقد قُدرت القتلى من أهل ريمة

بما ينوف عن الألف، وأما محمد أمين فإنَّه فرَّ إلى باجل»

 قادة عِظام       لم يضطلع بدور قيادة الانتفاضة الريمية الشيخ محمد أمين فقط، فهناك مَشايخ آخرون، وقادة عِظام شاركوه تلك المهمة، كشيخ عزلة بني حسن أحمد عبده الحسني، والأخير - كما أفاد الباحث علي الغانمي - يُعد من أشهر مشايخ بلاد الطعام الذين تولوا حصار الجبين، واستشهد وهو مُرابط فوق أحد المدافع في قرية الجنن من عزلة بني ناحت، ودُفن في نفس المكان

     من جِهته استطرد الباحث عبدالله حسين الضالع في الحديث عن تلك الانتكاسة (معركة البيضاء)، قائلًا أنَّ الثوار تَمركزوا في مَحلة البيضاء الواقعة في إطار عُزلة الجبين، وجَعلوا مُؤخرتهم في قرية الجنن التابعة لعُزلة بني ناحت، والمُقابلة لتلك المحلة، وبينهما مُنخفض يُسمى (صنفرة)، وكون القرية المذكورة (الجنن) مكشوفة على الجبين، نصبوا فيها مَدافعهم، وأصلوا القوات الإمامية المُتمركزة في قرية رباط حمير حمم نيرانهم

     ذات صباح، أفاق الشيخ أحمد عبده الحسني على نية ضرب القوات الإمامية المُتمركزة في حصن مُسَعّد، الواقع في إطار قرية رباط حمير، والأقرب لقرية الجنن، ولأنَّه كان مَدفعيًا ماهرًا، اعتلى أحد الـمَدافع، وبدأ بقصف ذلك الحصن، وحين طلب منه رفاقه تأجيل الضرب إلى بعد تناول وجبة الفطور، خاطبهم: «سأفطر بالحصن» - أي سيهدمه - وماهي إلا لحظات حتى اخترقت عدت طلقات إمامية جسده، وقد استقرت احداها في قلبه، وأودت بحياته على الفور

     رواية المُؤرخ مُطَّهر لتلك الانتكاسة جاءت مُشبعة بالتفاصيل الشارحة، كون الغَلبة كانت هذه المرة من نَصيب فريقه الإمامي، ومما قاله نقتطف: «صوبت عناية الله بندق أحد المجاهدين على أميرهم الشيخ أحمد عبده

فوق المدفع، فقتلته في الحال، وأوردته حياض الوبال، فاعتراهم الفشل، وأمد من في تلك الجهة الشيخ علي عمر المقداد مع أصحابه وجماعة من أرحب، وبادروا بالهجوم على الأعداء، فانهزموا، وتبعهم المجاهدون، فغنموا منهم ما غنموا، حتى أخرجوهم من محل البيضاء بحرب شديد، وجلادٍ ما عليه من مَزيد»

     ولم يكتفِ الإماميون بذلك؛ بل قاموا بعد سيطرتهم على منطقة الشيخ أحمد عبده الحسني (عزلة بني حسن) بقتل أحد أولاده، ونهب بيته، وقد كان ذلك القائد الهُمام أحد أشهر قادة تلك الانتفاضة، ومثلت لحظة استشهاده انتكاسة كبرى للثوار، وكان لها ما بعدها

     الشيخ أحمد عبدالله الضالع - شيخ عزلة ذَرْحَان - كان أيضًا من جُملة أولئك القادة، وهو كما قاد الجولة الأولى، شارك في الجولة الكبرى، وكان - كما أفاد حفيده - بمثابة القائد الروحي لها، وساد الاعتقاد بين العامة أنَّها جاءت ردًا على تلك التي سبقتها، وكان يُطلق عليها (حرب الشيخ الضالع والإمام)، وقد انسحب - أي الشيخ الضالع - بعد أنْ فك الإماميون الحصار عن الجبين إلى بلاد الطعام، ليرضخ بعد المُواجهات الآتي ذكرها مُجبرًا للسلطات الإمامية، وقدم عقائر ورهائن الطاعة، وكانت في العام 1922م وفاته

     شيخ عزلة حورة قاسم حسن الحوري هو الآخر كان أحد أولئك القادة، تفرَّد المُتصرف يوسف بك بذكره في مُذكراته، ناقلًا في توثيقه لأحداث يوم 2 سبتمبر 1920م قصة لقائه في باجل به، حيث قال: «وبينما نحن في المُذاكرة بشأن ريمة، إذ وصل الشيخ قاسم حسن من ريمة، وهو من الرجال المعروفين بالهمة وحسن الأخلاق، وقد أضحى من المنكوبين بين أطماع أمراء اليمن، لأنَّه بينما كان ثائرًا على المشارقة مع جيش الإدريسي، مُحاصِرًا لمركز الجبى، إذ وصلت شِرذمة من المشارقة إلى عزلته، ونهبوا بيته وقراه عن آخرها، فأصبح فقيرًا بعد أنْ كان أميرًا»

     ومن قرية القزعة - مغرم العساكرة (صار هذا المغرم عُزلة مُستقلة) التابعة آنذاك لعُزلة الجِمام، برز شيخ تلك المنطقة حسن أحمد أبوبكر، وكانت له - كما أفاد حفيده الدكتور محمود أبوبكر - مُشاركة فاعلة في تلك الانتفاضة، وكان من ضمن المشايخ الذين حضروا اجتماع باجل، وهو الاجتماع الذي حضره عدد من مشايخ ريمة المُساندين للأدارسة، ليقوم الإماميون بعد ذلك بعزله، وتعيين شخصًا آخر بدلًا عنه، ولم يكتفوا ذلك؛ بل عمدوا بعد فشل تلك الانتفاضة على حرق كُتبه، وحبسه، وفي السجن لفظ أنفاسه الأخيرة، مثله مثل كثير من أقرانه الثائرين

     ومن وجهاء مغرم العساكرة أيضًا، قرية رقبة تحديدًا، برز أحمد عبدالله الأهدل، والذي يُعد أحد قادة تلك الانتفاضة، وخَلَّد الدكتور محمود أبو بكر - نقلًا عن علي حسين الزبير، نقلًا عن مُعمرين عاصروا تلك الأحداث - بعض مواقفه، التي اختلط في إحداها الحقيقة بالأسطورة، وأفاد أنَّه أحد أبطال معارك شآمة جشمان (سناتي على تناولها) الفاصلة، وأنَّه بعد هزيمة الثوار فرَّ إلى تهامة، ومن الأخيرة توجه إلى صنعاء، ولم يعد إلى بلدته إلا بموجب عفو خطي من قبل الإمام

     من جهته لم يُشر إسماعيل الوشلي، وهو مُؤرخ مُنحاز للجانب الإدريسي إلى دور أي من مشايخ ريمة في تلك الانتفاضة، وأسند قيادتها لقائد الجيوش الإدريسية الشيخ محمد طاهر رضوان، واختزل يومياتها بسطرين ونصف السطر، حيث قال: «وفيه - يقصد شهر ذي القعدة 1338هـ / يوليو 1920م - استولى قائد الجيوش الشيخ محمد طاهر المذكور على بعض بلاد ريمة، وما والاها، وأخذ منهم - أي من القوات الإمامية - أسرى، وأرسلهم إلى الزيدية، ثم أرسلوا إلى جازان»

     وإيضاحًا للمشهد، لم يتحدث المُتصرف يوسف بك الذي كان حينها مُقيمًا في باجل عن توجه الشيخ محمد طاهر إلى ريمة؛ بل تحدث عنه بوصفه قائدًا عامًا لمعظم الجبهات الإدريسية، دائم الإقامة في تلك المدينة، وشنع عليه أعظم تشنيع، وتحدث في المُقابل عن شيخ قبيلة القُحْرى يحيى أبو هادي بوصفه - كما سبق أنْ ذكرنا - قائدًا لجبهة ريمة، ونقل في يوميات 11 أكتوبر 1920م عن توجه قوات إدريسية بكيلية تحت قيادة الشيخ محمد علي صغير النهاري إلى الجعفرية، وذلك لـمُشاغلة القوات الإمامية من جهة، ولتخفيف الضغط عن قوات أبي هادي المُحاصِرة حينها للجبين من جهة أخرى

     وتأكيدًا لقول المُتصرف يوسف، أشاد الشاعر يحيى بن محمد الهادي بقبيلة القُحْرى التهامية لتوطيدها حُكم الأدارسة في ريمة وغيرها، والشاعر المذكور كان بادئ الأمر من أنصار الإمام يحيى، إلا أنَّه - كما أفاد المُؤرخ إسماعيل الأكوع - اختلف عام 1913م معه، وتحول لمناصرة محمد الإدريسي، ومدح الأخير وأنصاره بعدة قصائد، منها هذه القصيدة التي اقتطفنا منها: ســــلام على القُحرى مــــرازبة الحــــــــربأسـود الشــرى في موقف الطـــعن والضربِفــــــإنـــــــهم حــزب الإمـام مـحــــــمــــــدٍوأكـــــرم بـهـــم للحـــق والدين من حـــزبِفقــــــد نصـــروا الدين القويــــــم بنصرهملهـــــذا الإمــام الجهبــــــذ العــلم القــــطبِورام العِــــــــدا ألا يُــرامــوا بــــــريـــــمـــةفيـــرمــوا إلى القُحْـــرى بخطبٍ إلى خطبِ     ثمة إشارة مهمة أوردها المُتصرف يوسف بك حسن في مُذكراته، وهي أنَّ المُواجهات كانت حينها في ريمة سجالًا، وإنْ كان المُؤرخان مُطَّهر وزبارة قد أغفلا انتصارات الجانب الريمي - الإدريسي، فقد جاءت إشارات ذلك المُتصرف مُحايدة، ومُقتضبة، وهو كما تحدث من قبل عن هزيمة هذا الفريق، عاود الحديث عن انتصارات حققها، وعن حصاره للجبين مرة أخرى، حيث قال: «الأهالي هذه الأيام قد ضيقوا الخناق على هذا المركز - يقصد الجبين - بعد أنْ كان المشارقة أخذوا مددًا، وتقووا، ونهبوا أموال الأهالي الذين نالتهم أيديهم

والآن الأهالي تعوروا وثاروا»

        وفي نَقله ليوميات 1 ديسمبر 1920م عاود المُتصرف يوسف بك ذكر الشيخ يحيى أبو هادي، قائلًا أنَّ الأخير رجع من ريمة إلى باجل طالبًا المدد، وأنَّ الشيخ محمد طاهر عززه بقوات من حاشد، وخرج لوداعه

والراجح أنَّ القوات الإمامية كانت قد أتمت سيطرتها حينها على معظم نواحي ريمة، باستثناء ناحية الجعفرية الواقعة في جنوبها الغربي، وبلاد الطعام الواقعة في الشمال، وأنَّ الشيخ المذكور رابط بقواته في الأخيرة؛ كونها قريبة من بلاده، وأنَّ حصاره الثاني للجبين كان منها، وأنَّه أجبر القائد الشامي على التوجه - كما سبق أن ذكرنا - جنوبًا صوب كُسمه

     وفي ذات الصدد، أورد المُؤرخ محمد العقيلي اسم شخص يُدعى (الدائيلي)، بصفته عاملًا لريمة، وذلك ضمن قائمة عُمال الإمارة الإدريسية، ولم يتوسع في ذكر اسم ذلك الشخص، ولا طبيعة مهامه، وهل زار قضاء ريمة، أم اكتفى بالإدارة عن بعد

                                       

يتبع