بيان الناصري والاشتراكي واتحاد القوى الشعبية .. مقاربة واقعية للبحث عن مخارج حقيقية للأزمة
منذ 2 ساعات
في خضم تصعيد سياسي وأمني متسارع تشهده محافظات جنوب وشرق اليمن، يكتسب البيان المشترك الصادر عن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والحزب الاشتراكي اليمني واتحاد القوى الشعبية أهمية خاصة، ليس فقط بوصفه موقفاً سياسياً مناهضاً لما جرى، بل كقراءة نقدية متماسكة لمسار الأزمة، وتحذير مبكر من العواقب الوخيمة لاستمرار حالة الترهل والانقسام داخل السلطة الشرعية
ويبرز البيان، منذ سطوره الأولى، كوثيقة سياسية اتسمت بدرجة عالية من العقلانية والمسؤولية، إذ حرص على تشخيص الواقع كما هو، بعيداً عن الانفعالات السياسية والتخندق الحاد، واضعاً نصب عينيه البحث عن مخارج حقيقية للأزمة، لا الاكتفاء بتبادل الاتهامات أو الاستثمار في مناخ التوتر القائم
هذه المقاربة الهادئة تمنح البيان وزناً سياسياً إضافياً، وتجعله أقرب إلى نداء وطني جامع منه إلى موقف حزبي ضيق
يأتي البيان في لحظة كاشفة، أظهرت بوضوح حجم التصدع داخل أعلى هرم قيادي في الدولة، وانعكاس ذلك مباشرة على الواقع الميداني في حضرموت والمهرة، حيث باتت مؤسسات الدولة عرضة للتهميش، وتقدمت سلطات موازية لتملأ الفراغ، مستندة إلى القوة المسلحة والإجراءات الأحادية
ويحذر البيان من أن استمرار هذا النهج يعقد المشهد، ويفضي إلى إضعاف ممنهج لمؤسسات الدولة، وتكريس واقع سياسي وأمني خارج إطار الدستور والقانون
لم يكتفي البيان بتوصيف مظاهر الأزمة، بل ذهب إلى جذورها، معتبراً أن التصعيد الأخير هو انعكاس لحالة الانقسام السياسي والعسكري داخل مكونات الشرعية نفسها، خصوصاً تلك التي تمتلك أذرعاً مسلحة وتحولت إلى قوى أمر واقع
ويؤكد أن هذا الانقسام الداخلي لا يمكن فصله عن حالة التنافس الحاد على المصالح بين دولتي التحالف الداعمتين للشرعية، حيث انعكس هذا التباين الإقليمي على تماسك السلطة اليمنية، وأضعف قدرتها على اتخاذ قرار وطني موحد
ويحمل البيان مجلس القيادة الرئاسي مسؤولية مباشرة عما آلت إليه الأوضاع، مشيراً إلى أن ما حدث كان يمكن تجنبه لو اضطلع المجلس بواجباته الدستورية والقانونية، ونفذ التزاماته السياسية، وفي مقدمتها اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة
ويرى أن الإخفاق في إنهاء الانقسام، وإخراج القوات من المدن، وتوحيد القيادة والسيطرة، أسهم في تآكل الثقة الشعبية بالشرعية، وأجهض الآمال التي بدأت تتشكل حول إمكانية استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي
وفي موقف لافت، يرفض البيان بشكل صريح الإجراءات الأحادية التي نفذتها القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، واعتبرها سلوكاً مرفوضاً داخل إطار السلطة الشرعية، لما تمثله من تقويض لفكرة الشراكة وتجاوز للصلاحيات الدستورية
غير أن هذا الرفض لا يأتي في سياق تصعيدي، بل يترافق مع دعوة واضحة إلى تغليب الحوار، ونبذ العنف وخطاب الكراهية والمناطقية، والعمل على إنتاج خطاب سياسي جامع يعيد الاعتبار للتوافق الوطني
ويعكس البيان إدراكاً سياسياً ناضجاً بأن الأزمة الراهنة، على خطورتها، يمكن أن تتحول إلى فرصة، إذا ما جرى التعامل معها بروح المسؤولية الوطنية
إذ يمكن تحويل ما حدث من حالة تصعيد إلى مدخل لإنهاء الانقسام السياسي والعسكري، وإطلاق مسار مصالحة داخل مجلس القيادة الرئاسي، ينعكس بدوره على المصالحة بين الأحزاب والمكونات السياسية المشاركة في السلطة
كما يقدم البيان تصوراً متكاملاً لمعالجة الاختلالات القائمة، يقوم على إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة، وتمكين الحكومة من ممارسة صلاحياتها الدستورية، وإنهاء تعدد الجيوش والسلطات الموازية، وتطبيع الأوضاع في المحافظات المحررة، وفي مقدمتها حضرموت والمهرة، وفقاً لقانون السلطة المحلية، وبإدارة أمنية محلية
وفي جانب لا يقل أهمية، يشدد البيان على ضرورة إعادة ضبط العلاقة مع دول التحالف العربي، على أساس احترام سيادة اليمن، وحصر قنوات الدعم الخارجي عبر الحكومة الشرعية، محذراً من خطورة تحويل الساحة اليمنية إلى مسرح لتصفية الحسابات الإقليمية، على حساب معاناة اليمنيين ووحدة دولتهم
وفي المحصلة، يقدم البيان المشترك لـالتنظيم والحزب والاتحاد ، مقاربة سياسية مسؤولة، اتسمت بالعقلانية والاتزان، وشخصت بدقة أسباب التصعيد في جنوب اليمن، وربطت بين الانقسام الداخلي والتجاذبات الإقليمية، وحذرت من الانزلاق نحو تكريس سلطات الأمر الواقع، وفي الوقت ذاته طرحت رؤية واقعية للبحث عن مخارج حقيقية للأزمة، قوامها الحوار، والشراكة، وسيادة القانون، واستعادة مشروع الدولة الجامعة، قبل أن يتكرس التفكك كأمر واقع يصعب تجاوزه
نقلاً عن : الوحدوي نت