تحالف جديد في الشرق الأوسط

منذ سنة

اتفقت إيران والعراق الأسبوع الماضي على إنشاء سلسلة من اللجان التنفيذية تهدف إلى زيادة التعاون في جميع مجالات قطاع الطاقة وخارجه

ولأن الولايات المتحدة أصبحت الآن المنتج الرائد على مستوى العالم للنفط الخام والغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال، فقد يتساءل العديد عن السبب وراء أهمية هذا الأمر

 والجواب هو أن العالم يعتمد على الطاقة، ومعظم موارد الطاقة في العالم لا تزال في الشرق الأوسط، والصراع المستمر للسيطرة عليها هو العامل الرئيسي في تحديد كيفية عمل العالم سياسيا، بما في ذلك الولايات المتحدة

 ويرى المحلل الاقتصادي سيمون واتكينز في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي أن القوى الكبرى في مجال النفط والغاز، مثل إيران والعراق، هي الأكثر أهمية، والتعاون الوثيق بين البلدين سوف يكون إما نعمة أو نقمة، اعتمادا على الدولة التي تنظر إلى الوضع

ويضيف واتكينز أن أحد الأسباب التي تجعل إيران والعراق أهم قوتين نفطيتين في الشرق الأوسط هو أنهما يمتلكان معا أكبر موارد النفط والغاز في المنطقة على الإطلاق

 وتمتلك إيران ما يقدر بنحو 157 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة، أي ما يقرب من 10 في المئة من الإجمالي العالمي

وعلى الرغم من ضخامة احتياطياتها النفطية، فإن احتياطيات الغاز لديها أكبر، حيث تمتلك إيران احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي تبلغ 1193 تريليون قدم مكعبة، أي 17 في المئة من الإجمالي العالمي

 وبالإضافة إلى ذلك، تتمتع إيران بمعدل نجاح مرتفع في التنقيب عن الغاز الطبيعي، من حيث الحفر العشوائي، والذي يقدر بحوالي 80 في المئة، مقارنة بمتوسط معدل النجاح العالمي الذي يتراوح بين 30 و35 في المئة

 وفي مواجهة العقوبات الضخمة المستمرة، تنتج إيران حوالي 3

4 مليون برميل يوميا من النفط، وأكثر من مليار متر مكعب يوميا من الغاز

ومن الناحية الواقعية، يمكنها زيادة إنتاج النفط إلى 6 ملايين برميل يوميا في غضون ثلاث سنوات على الأكثر، وإلى 1

5 مليار متر مكعب يوميا خلال نفس الفترة، مع استثمارات متواضعة نسبيا، وتحديثات فنية، وانضباط في التنمية

 وينطبق الشيء نفسه على العراق، لكن رسميا لا يزال لديه حوالي 145 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة، أي حوالي 8 في المئة من الإجمالي العالمي

وبنفس التحذيرات كما هو الحال مع إيران، يمكنه بشكل واقعي زيادة إنتاج النفط إلى 7 ملايين برميل يوميا في غضون ثلاث سنوات على الأكثر، ثم إلى 9 ملايين برميل يوميا، وربما بعد ذلك إلى 12 مليون برميل يوميا

 ولم يتم فعل الكثير لتقييم أو تطوير احتياطيات الغاز المصاحب وغير المصاحب، لكن من المرجح أن تكون على نطاق مماثل لاحتياطيات إيران

كما أن حقيقة أن إيران والعراق يشتركان في العديد من أكبر احتياطياتهما النفطية تزيد من قوة تحالفهما وأهميته

 وبفضل هذه الحقول المشتركة، تمكنت إيران منذ فترة طويلة من إرسال ما تريد من النفط والغاز إلى أي مكان تريده تقريبا من خلال عدة طرق

والسبب الثاني الذي يجعل البلدين من أهم قوى الطاقة في الشرق الأوسط هو أنهما يشكلان المركز الجغرافي للمنطقة بأكملها، ويمثلان بوابة من الشرق الأقصى إلى أوروبا إلى الشمال الغربي وإلى أفريقيا إلى الجنوب الغربي

 وهذا يجعلها أساسية لنجاح مبادرة الحزام والطريق (BRI) الاقتصادية والعسكرية الصينية في انتزاع السلطة على مدى أجيال، ولطموحات روسيا السياسية والعسكرية على طول الساحل الشرقي للبحر المتوسط

 وكان أحد الطموحات طويلة الأمد من جانب إيران، وكذلك من جانب روسيا، هو استخدام إيران والعراق لإنشاء “جسر بري” دائم من طهران إلى البحر المتوسط يمكن من خلاله زيادة حجم ونطاق تسليم الأسلحة إلى جنوب لبنان بشكل كبير ومنطقة مرتفعات الجولان السورية

وهذا من شأنه أن يخلف تأثيرا مضاعفا هائلا للقوة التي قد يستخدمها الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وقوات حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، في شن هجمات على إسرائيل

 والهدف من هذا من جانب إيران هو توحيد الدول الإسلامية في العالم ضد ما تعتقد أنه معركة وجودية ضد التحالف الديمقراطي اليهودي المسيحي واسع النطاق للغرب، والذي تقع الولايات المتحدة في مركزه

 وتتماشى مصلحة روسيا إلى جانب إيران في خطة الجسر البري هذه مع هدف السياسة الخارجية الواسع لموسكو المتمثل في خلق الفوضى حيثما أمكن ذلك، والتي يمكنها في النهاية تقديم حلولها الخاصة بها

 وفي ظل نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران، تتمتع سوريا بأربع مزايا إستراتيجية ضخمة بالنسبة لروسيا

أولا، إنها أكبر دولة على الجانب الغربي من هلال القوة الشيعي، الذي عملت روسيا على تطويره لسنوات كنقطة مقابلة لمجال نفوذ الولايات المتحدة الذي كان يتركز في المملكة العربية السعودية (لإمدادات الهيدروكربونات) وإيران (للأصول العسكرية والاستخباراتية)

 وثانيا، توفر خطا ساحليا طويلا على البحر المتوسط يمكن لروسيا أن ترسل منه منتجات النفط والغاز (سواء الخاصة بها أو منتجات حلفائها، وأبرزها إيران) للتصدير النقدي، بالإضافة إلى الأسلحة والمواد العسكرية الأخرى للتصدير السياسي

 وثالثا، فهي مركز عسكري روسي حيوي، مع ميناء بحري رئيسي واحد (طرطوس)، وقاعدة جوية رئيسية واحدة (اللاذقية)، ومحطة تنصت رئيسية واحدة (خارج اللاذقية مباشرة)

ورابعا، يُظهر هذا لبقية دول الشرق الأوسط أن روسيا قادرة على التصرف بشكل حاسم إلى جانب السلالات الاستبدادية في جميع أنحاء المنطقة

ويشكل النفوذ الكبير الذي تتمتع به إيران والعراق على هلال السلطة الشيعي السبب الأوسع الثالث الذي يجعل البلدين من أهم الدول في المنطقة

 وباعتبارها القوة الشيعية الرئيسية في العالم، تقع إيران في قلب هذا الهلال، لكن نفوذها من خلال وكلائها السياسيين والاقتصاديين والدينيين والعسكريين على العراق غير الخاضع للعقوبات يسمح لها بحرية أكبر بكثير في إبراز كل من هذه الروافع

وأصبحت إيران (بمساعدة العراق) تتمتع بالفعل بوضع مهيمن في ثلاث من الدول الرئيسية في الهلال الشيعي: لبنان، وسوريا، واليمن

وهي تواصل دفع رسائلها السياسية، بمساعدة روسيا، إلى تلك البلدان الواقعة على أطراف الهلال والتي لديها بالفعل موطئ قدم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر

 وتشمل هذه الدول بشكل خاص أذربيجان (75 في المئة من الشيعة ودولة تابعة للاتحاد السوفييتي السابق) وتركيا (25 في المئة من الشيعة، التي لا تزال غاضبة من عدم قبولها بالكامل في الاتحاد الأوروبي، وحليف قوي على نحو متزايد لروسيا)

وبالنسبة للصين وروسيا، جلبت السيطرة على إيران (وبالتالي على العراق أيضا) عددا كبيرا من المزايا الجيوسياسية الإيجابية، خاصة وأن الولايات المتحدة غادرت المنطقة بالكامل على نطاق واسع في نهاية عام 2021 عندما أنهت مهمتها القتالية في العراق

 وإحدى هذه المزايا – والتي يتم تسليط الضوء عليها حاليا في الاضطرابات الكبيرة التي تشهدها حركة الشحن حول البحر الأحمر – هي أنهم يسيطرون على طرق شحن النفط والغاز الطبيعي المسال الرئيسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط

إن مشكلة سفن الدول التي يُنظر إليها على أنها متحالفة من المفترض مع إسرائيل (ولكن في الواقع مع الولايات المتحدة وحلفائها) تبدأ فعليًا قبل الوصول إلى البحر الأحمر – في الواقع، في مكان ما شرق ساحل عمان على بحر العرب، والذي يتدفق بعد ذلك إلى البحر الأحمر عبر خليج عدن على الساحل الجنوبي لليمن

 وفي هذه المرحلة، يجب أن تمر السفن عبر نقطة الاختناق الحاسمة في مضيق باب المندب

ويتدفق هذا الممر المائي الذي يبلغ عرضه 16 ميلا بين الساحل الغربي لليمن من جهة، والسواحل الشرقية لجيبوتي في البداية ثم إريتريا من جهة أخرى، قبل أن ينضم إلى البحر الأحمر

من خلال نفوذها على إيران – الذي تم ترسيخه في “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 عاما”، تمكنت الصين من السيطرة على الكثير مما يحدث عبر طرق الشحن الحيوية هذه

 وقد أعطى الاتفاق الذي دام 25 عاما مع إيران للصين نفوذا هائلا على مضيق هرمز، الذي يمر عبره حوالي 30 في المئة من النفط العالمي

كما منحها الاتفاق نفسه سيطرة كبيرة على مضيق باب المندب، الذي يسيطر عليه من الجانب اليمني الحوثيون المدعومون من إيران، وعلى الجانب الآخر جيبوتي وإريتريا (كلاهما تدينان بالمال لبكين كجزء من الاتفاق)