تداعيات الحرب.. تفاقم الأمراض النفسية لدى النساء اليمنيات
منذ 2 سنوات
صنعاء – سحر علوانما زالت الصحة النفسية، وما ينتج عنها من تداعيات وأمراض مختلفة ومؤلمة، محوطة لدى أغلب الأسر والفئات المجتمعية في اليمن، بتجاهل ونقص كبيرين، بخاصة عندما تكون المريضة أنثى، كما هو الحال مع سلوى أحمد (اسم مستعار) البالغة 1 عاما والتي تقول: “لا أحد يفهمني ولا يستوعب أن الشخص اللي قدامه قد يعاني من أتعاب نفسية تخليه ضايق طول اليوم، ولا أقدر أهرب من وضعي إلا لما أنام الليل، كل اللي حولي يشعرون أنني أتهرب من المسؤوليات، وأنني بهذه التصرفات أتعذر بالمرض، وأهرب من عمل البيت”
وتضيف سلوى، وهي أم لطفل، أنها لم تكن تعرف أنها مصابة بأي مرض نفسي جعلها تعيش أسوأ أيامها الوجودية، وتتعرض لأشد أنواع الانتقادات الأسرية، جراء سلوكها المختلف وقصورها في واجبات ومسؤوليات أسرية، أجبرتها على ذلك تداعيات المرض الذي لم يكن قد اكتشف بعد
وتروي سلوى التي تعاني حاليًا من اضطرابات نفسية واكتئاب حاد، وهي تخضع للعلاج في إحدى العيادات الخاصة في مدينة صنعاء، أنها ذهبت للعلاج بعد إصرار من أخيها لمعالجتها، فيما كان يرفض زوجها وأهله؛ لعدم اقتناعهم بفكرة أنها تعاني من مرض نفسي، وبدافع النقص والخجل من هذا المرض
عانت سلوى من الأعراض النفسية بعد الولادة، كما تقول، مضيفة: “أصبت بهذه الأعراض أو المرض، لأني عانيت بشكل فظيع لمدة ثلاثة أيام من أعراض الولادة، ولم ألد ولادة طبيعية، وكنت قلقة وخائفة ومرعوبة، ومن ثم اضطررت لعمل عملية قيصرية”
تداعيات الحربوأدت الحرب وتداعياتها المختلفة، إلى تفاقم مشكلة الأمراض النفسية، على الجميع، ليس فقط على النساء والفتيات، لكن الضحايا من النساء والفتيات ومخاطر تعرضهن للإصابة، هو أكثر مقارنة بالذكور، بحسب الدكتور مراد الشرف، الذي يعمل لدى أطباء بلا حدود، مضيفًا أن المرأة أو الفتاة لا تستطيع أن تتحمل متغيرات ونتائج الحرب، التي قادتها بشكل أو بآخر إلى أي نوع من الأمراض النفسية، خصوصًا إن تعرضن لصدمات نفسية
“تعرض الفتاة للزواج القاصر أو القسري، كما هو منتشر في هذه الأيام، لدواعٍ مختلفة، أكيد يلحقه مخاطر جسدية، وليس نفسية فقط، كذلك قس على ذلك، من الأحداث والتغيرات الاجتماعية التي تضاعفت خلال الحرب، مثلًا النازحات واللاتي سبق أن فقدن أحد أقاربهن جراء الحرب، ومخاطر انخراطهن في أعمال مختلفة، لتوفير لقمة العيش، كل تلك التغيرات تلحقها الكثير من التداعيات النفسية”، تابع الدكتور الشرف
وتتفق مع ما أدلى به الشرف، الدكتورة إنجيلا المعمري، رئيسة مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل في محافظة تعز، مؤكدة تزايد عدد الحالات التي تعاني من الأمراض النفسية في صفوف النساء والفتيات والأطفال بشكل أكبر، وتتعدد صور تلك الأمراض والاضطرابات النفسية، كالاكتئاب، والقلق والاضطراب النفسي
وترجع المعمري ذلك إلى تداعيات الحرب، كانتشار الجرائم وارتفاع نسبة العنف الأسري، وغير ذلك من المخاطر أو الصدمات النفسية التي تتعرض لها الفئات
أعداد مهولةلا توجد إحصائية حديثة شاملة ومفصلة لعدد الحالات، ذكورًا وإناثًا، الذين يعانون من الأمراض النفسية المختلفة، بالرغم من أن هناك دراسات وتقارير، قد أكدت على أن مستوى حجم التأثيرات النفسية للحرب، كبير على الفئات الضعيفة التي يقصد بها النساء والفتيات والأطفال
لكن توجد إحصائية لدراسات رصدت حالات المرضى بمراكز التعافي النفسية، منها ما أشارت إليه دراسة أجرتها مؤسسة الإرشاد الأسري بين الفترة من نوفمبر 2014 حتى يونيو 2017 بهدف تقدير نسبة عامة لانتشار الاضطرابات النفسية بين السكان المتضررين من الحرب، وكان عدد الحالات التي أجرت معها المؤسسة، مقابلات تشخيصية هاتفية، عبر خط المساعدة والاستشارات النفسية والاجتماعية، وأظهرت إصابتها باضطرابات نفسية، 75910 حالات إصابة
وحسب النتائج، كانت الإصابة أوساط الإناث أكثر، إذ احتلت نسبة 81% أي بعدد 61812 تصابة، مقارنة بالذكور، الذين وصلت الإصابة لديهم بنسبة 19%، أي بعد حالات 14098 حالة
وتوزعت تلك الإصابات بنسب متفاوتة من جميع المحافظات، تركز أغلبها في صنعاء، تليها تعز وإب، فيما يقدر عدد الذين يعانون من أمراض نفسية وعقلية بنحو 5
5 مليون يمني، وفق دراسة لمؤسسة التنمية والإرشاد الأسري حول تقدير انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان في اليمن
حيث يشكل الشباب من الفئة العمرية من 16 سنة إلى 30 سنة، نسبة 80% من إجمالي الحالات التي تعاني من أمراض عقلية ونفسية
وهو ما يمثل 50% من الشباب الذين يشكلون ثلث عدد السكان في اليمن
بالوقت الذي تظهر فيه مشكلة، وهي أن نظام الرعاية الصحية لم يلحق بالركب لاستيعاب المرضى العقليين
وفي محافظة تعز، استقبل مركز الرعاية النفسية، التابع لمؤسسة الرعاية النفسية غير الحكومية، والذي يمول من صندوق الأمم المتحدة للسكان، لتقديم الخدمة العلاجية للمرضى النفسيين، خلال النصف الأول من العام 2020؛ حوالي 1135 حالة، وأظهرت نتائج التشخيص الطبي لهذه الحالات أن هناك 352 حالة صرع، وجاء تشخيص انفصام الشخصية في المرتبة الثانية بعدد 275 حالة، ثم القلق واضطرابات المزاج 209 حالات، وبعد ذلك يأتي الذهان بـ143 حالة، و50 حالة تخلف عقلي، و25 حالة اضطرابات الطفولة، و64 بدون تشخيص
وأشارت البيانات الإحصائية غير المكتملة إلى أن عدد المترددين على مستشفى الأمراض النفسية وأربع عيادات متخصصة في الطب النفسي في محافظة تعز، وصل إلى 15 آلاف شخص خلال الفترة بين 2017 وحتى منتصف العام 2020، كان الاكتئاب الحاد السبب الرئيسي الأول في اعتلال الصحة النفسية لديهم
الرقم فقط للمرضى الذين تصل حالتهم إلى الحادة، وتصبح أسرهم غير قادرة على التعامل معهم
ما هو الحل؟ترى إنجيلا المعمري، أن هناك أهمية كبيرة للصحة النفسية أثناء النزاع في اليمن، على مختلف مستوياتها، وحاجة للتدخلات الطارئة والمساعدة لتجاوزها والحد من انتشارها
وتستدرك: “في اليمن لا تتوفر خدمات الدعم والمساندة النفسية لتغطي نسبة الأفراد الذين يعانون من هذه الأمراض، مما يؤدي إلى استفحالها وتمكنها من الأفراد”
وتدعو الجهات الحكومية والمسؤولة إلى أهمية إدراج وتعزيز برامج الصحة النفسية على مستوى المدارس والجامعات، والمطالبة بالعيادة النفسية في كل مرافق العمل المختلفة، وإتاحة المجال لتقديم خدمات الدعم والمساندة النفسية من قبل المتخصصين لكل من يحتاجها، والعمل على رفع الوعي بأهمية الصحة النفسية بين أوساط المجتمع، وكسر الحاجز النفسي والمجتمعي ووصمة العار والمخاوف من تناول القضايا النفسية
كما تقول إنه على مكتب الصحة الاهتمام ببرامج الصحة النفسية، وتوفير الدعم اللوجستي والمادي لتنفيذ الدراسات والأبحاث لتقييم الاحتياجات للفئات المختلفة على كافة المستويات
فيما تقول الدكتورة منيرة النمر، رئيس الوحدة النفسية في مستشفى الرسالة للطب النفسي، لـ”المشاهد”: “على وسائل الإعلام نشر الوعي وإزالة الوصمة تجاه المريض النفسي، وكذلك تجاه من يتردد على العاملين بالصحة النفسية، فذلك يحد من تفاقم حالة المريض، وبالتالي يسهل علاجه ودمجه من جديد كجزء من النسيج الاجتماعي”، مضيفة: “على وسائل الإعلام بقوالبها المختلفة دعم سبل الرعاية النفسية، ومناقشة مثل هذه القضايا، وطرح صورة جميلة حول العلاج النفسي ليكون دافعًا لطلب المساعدة”
وتصف النمر عن حالة خروج الناس من كتمان الضغوط والاضطرابات التي تواجه الكثير بقولها: لوحظ إقبال بشكل جيد خلال السنوات الأخيرة، في جانب أخذ الاستشارات النفسية ومراجعة الأطباء والأخصائيين النفسيين، ربما سيكون هناك نقلة نوعية ووعي لدى المجتمع بأهمية الصحة النفسية، كونها مثل باقي التخصصات، لما لها من أهمية، ولدورها الفاعل في التعافي
“من خلال ملاحظاتنا كمتخصصين في العلاج النفسي من تنوع وتردد الحالات للمراكز والمستشفيات، وهذا يدل على قبول العلاج النفسي من قبل المجتمع ولو بشكل جزئي”، تضيف النمر التي تطمح لمساندة الأخصائي النفسي والطبيب، المتمثل في رعاية الدولة واهتمامها بمراكز الرعاية النفسية، وكذلك تأهيل وتدريب الكوادر التي تعمل بالرعاية النفسية لتكتسب الخبرات، وتصبح مؤهلة بشكل فاعل ومتخصص
ليصلك كل جديد