تشفير الوصفات الطبية من أجل العمولة

منذ 2 سنوات

الانطباع السائد أن الطب أعظم عمل إنساني على مر العصور، كونه خدمة تقدم للمرضى على أسس الحب والرعاية والاهتمام

فالطبيب هو الإنسان الفعلي الذي يعمل من قلبه لأجل إنسانيته قبل كل شيء

لكن بعض الأطباء مؤخرًا أصبحوا يمارسون التجارة أكثر من الطب بطرق ملتوية

تعد الوصفات الطبية “الروشتات” التي يكتبها الأطباء للمرضى حال زيارتهم المستشفيات أو العيادات الخاصة في اليمن، محطة تجارية مهمة للطبيب الذي يهتم بها أحيانًا أكثر من اهتمامه بالمريض من حيث الكتابة، فيسعى لكتابتها بلغة مشفرة، وبشكل تعجز عن قراءتها

يقوم بعض الأطباء بكتابة الوصفات الطبية بشكل غير مفهوم، لإجبار المرضى على شراء الأدوية من صيدلياتهم الخاصة في عياداتهم أو صيدليات محددة يتعاملون معها

ياسين صالح، مواطن من مدينة تعز، يقول: في زيارتي الأخيرة للطبيب، كتب لي وصفة العلاج ظنًا منه أنني سآخذها من صيدليته الخاصة ككل مرة، لكني ذهبت لشرائها من صيدلية أخرى، خصوصًا أن صديقي الصيدلاني أخبرني أن هنالك نفس العلاج، وبسعر أقل، عندما اطلع على علاجي، لكن لم يستطع أي صيدلي في مدينة تعز قراءة الوصفة المكتوبة لي”

مضيفًا أنه بات ليلته في تألم شديد، واضطر لاستخدام مسكن لكي ينام

“أنا طالب ولا أملك قيمة الدواء لأشتريه من الصيدلية الخاصة بالعيادة، سيعطيني إياه صديقي الذي يعمل في صيدلية أخرى، وعندما يرسل أخي مصروفي آخر الشهر، سأدفع له قيمة الدواء”، يقول صالح، ويضيف: هكذا أخبرت طبيبي، من أجل أن يكتب لي العلاج بلغة مفهومة، واضطررته لكتابة الوصفة مجددًا

ويتابع: “كانت هذه الزيارات بعد الزيارة الأولى التي كتب بها لي وصفة طبية أوصاني أن أشتريها من صيدلية العيادة، لم يقرر لي طريقة الاستعمال، ونصحني بالعودة إليه، ذهبت وأخذت العلاج، وعدت به ليقرره ويتأكد من أنه من صيدلية عيادته الخاصة”

يكتشف المريض فور خروجه من المستشفى أو العيادة أحيانًا، أنه كان ضحية حيلة كبيرة، وأن الوصفة العلاجية المكتوبة له لا يعرف محتواها أكثر الصيادلة، الأمر الذي يضطره لأخذ العلاج من صيدلية الطبيب أو الصيدلية التي نصحه الطبيب بها مسبقًا، وبسعر ربما يفوق سعر السوق بكثير إذا ذهب واستفسر عند صيدليات أخرى

يرى الناشط الإعلامي سام البحيري أن الرموز التي يستخدمها الأطباء لكتابة الروشتات، أساليب مبهمة، والسر فيها تعامل الطبيب مع الصيدلي بطريقة مبهة لا يعرفها المريض، وإلا فما الذي يجعله يقدم على هذا التصرف!وعن واجب كتابة الروشتات الصحية الذي يجب أن يلتزم به الأطباء، يقول مدير الإعلام والتثقيف الصحي في مكتب الصحة بمدينة تعز، تيسيير السامعي، إن الواجب كتابتها بخط واضح ومفهوم، بالإضافة لكتابة اسم الدواء العلمي لا التجاري كي تتم معرفته من قبل أي صيدلي

ويضيف السامعي: يوجد لكل علاج اسمان؛ تجاري يخص الشركة المصنعة، وعلمي يجب كتابته في الوصفات الطبية

لكن بعض الأطباء يكتبون بالاسم التجاري بسبب تعاملهم مع الشركات المصنعة التي تمنحهم امتيازات أو نسبًا معينة، مستغلين المرضى، فيما تختلف قيمة العلاج من شركة لأخرى، فتزيد للضعف أحيانًا مع نفس الفاعلية، لكن يختلف تفضيل الأطباء للأنواع حسب الشركات

ويشير إلى أن تعامل غالبية الأطباء مع صيدليات معينة إما أن تكون تمنحهم نسبًا معينة، أو تكون تابعة لهم، ولأن الأمر أصبح تجارة أكثر من اللازم، يقوم الطبيب بكتابة الروشتة برموز متفق عليها في ما بينهم، ولا يستطيع صيدلي آخر قراءتها

وفي حديث البحيري عما ينبغي فعله تجاه الأطباء، يعتقد أن الإجراءات ينبغي أن تكون قبل كل شيء رقابة ذاتية نابعة من ضمير الطبيب، قبل أن تكون رقابة مجتمعية أو فردية، أما عن الرقابة الفعلية فهذا الأمر يترك لجهة الاختصاص والمتمثلة في مكتب الصحة

ويضيف: للأسف أصبح الطب تجارة بنسبة كبيرة جدًا، أولًا في إهمال المستشفيات الحكومية والاتجاه نحو العمل الخاص، وقلة الرقابة، ثانيًا التعامل بين الأطباء وبين مندوبي الشركات التجارية العاملة في استيراد الأدوية، فيقوم الطبيب بصرف الأدوية المقررة من بعض الشركات للحصول على النسبة المتفق عليها، وهنا تكمن كارثة التحول الفعلي لمهنة الطب الإنسانية

وعن دور مكتب الصحة في الرقابة يقول تيسير إن مكتب الصحة يقوم بالرقابة على العيادات والصيدليات والمستشفيات، لكن يجب أن تكون الرقابة ذاتية من الطبيب، لأن مكتب الصحة لا يتدخل إلا في حال وجود شكاوى، والرقابة في وضع الدولة الحالية متراجعة بشكل كبير

ليصلك كل جديد