تعز: الخوخ في جبل صبر على حافة الانقراض

منذ 4 ساعات

تعز – بدر سلطانفي مدرجات قرية المرزوح المطلة على سفوح جبل صبر، يقف المُزارع “علي أحمد” (60 عامًا) متأملًا آخر ما تبقى من أشجار “الخوخ” في أرضه، التي لطالما كانت مصدر رزق أسرته، ووجهة جمال طبيعية للقرية

يقول بأسى: “كنا نعيش من الخوخ، كانت الشجرة تثمر كل عامٍ وتغطي احتياجات أسرنا، اليوم لم يبقَ منها إلا القليل، وقد تختفي قريبًا”

قصة علي أحمد ليست فردية، بل هي انعكاس لواقعٍ أوسع تشهده قرية المرزوح، التي اشتهرت لعقودٍ بزراعة الخوخ، تلك الشجرة التي كان عبيرها يملأ الأجواء في مواسم الربيع، وتمنح أهالي القرية مصدر رزقٍ ثابت ومستقر، وكانت جزءًا من هوية القرية الزراعية والاجتماعية

يقول المزارعون إن الإهمال وعدم نقل الخبرات الزراعية التقليدية إلى الجيل الجديد شكّل أحد أبرز أسباب تراجع الخوخ

كما أسهم التحول نحو زراعة “القات”، الذي يدر أرباحًا سريعة نسبيًا، في اقتلاع الكثير من أشجار الخوخ، رغم أن هذا الخيار لم يحقق العائد الاقتصادي المتوقع على المدى الطويل

يشرح علي أحمد لـ”المشاهد”: “الإهمال وقلة اهتمام الجيل الجديد جعل هذا الإرث الزراعي عرضةً للاندثار، فالكثير من المزارعين استبدلوا الذي هو أدنى “القات” بالذي هو خير “الخوخ”، وأصبح القات يهيمن على أغلب مَزارع القرية، رغم أنه لم يحقق ما كان يُعد به”

المزارع علي أحمد: الإهمال وقلة اهتمام الجيل الجديد جعل هذا الإرث الزراعي عرضةً للاندثار، فالكثير من المزارعين استبدلوا الذي هو أدنى “القات” بالذي هو خير “الخوخ”، وأصبح القات يهيمن على أغلب مَزارع القرية، رغم أنه لم يحقق ما كان يُعد به”

المُزارع، أحمد محمود الصغير، يقول: “الخوخ رغم موسمها القصير كانت توفر دخلًا ثابتًا يمكن الاعتماد عليه سنويًا، بينما القات استنزف الأرض ولم يعد يوفر استدامةً أو عائدًا حقيقيًا”

إضافة إلى ذلك، لعبت النزاعات المستمرة على المياه بين قريتي المرزوح وقراضة دورًا حاسمًا في تراجع أشجار الخوخ

يوضح الأهالي أن شبكة توزيع المياه التي كانت توفر لكل منزل ثلاث إنش، عبر أنبوب المياه، أصبحت الآن ضعيفةً جدًا، وأدى ذلك إلى صعوبة ري أشجار الخوخ والحفاظ عليها؛ ما انعكس على إنتاجيتها وبقاءها

تراجع زراعة الخوخ لم يؤثر فقط على دخل الأهالي، بل أثّر بشكلٍ مباشر على التنوع الزراعي في القرية، الذي كان يُميز جبل صبر عن غيره من المناطق المجاورة

اختفاء الشجرة يعني فقدان جزءٍ من الذاكرة الجماعية للسكان، ورائحة المواسم التي كانت تعبق المكان تشكل جزءًا من الحياة الاجتماعية والثقافية للقرية

يقول الصحفي رائد عبد الكريم، أحد أبناء القرية: “بالنسبة لأهالي المرزوح، لم تكن شجرة الخوخ مجرد مصدر للثمار، بل كانت رمزًا لجمال القرية وروحها”

ويضيف: “الأجيال الجديدة قد لا تدرك حجم حضورها كما كان سابقًا، حين كانت تغطي أرجاء القرية بكثافة، إلى جانب البلس والرمان والسفرجل، لتخلق لوحةً طبيعيةً متكاملة”

ويواصل: “اليوم، باتت شجرة الخوخ مجرد ذاكرة زراعية شاهدة على علاقة الأهالي بأرضهم، ومجرد رمز وعلامة تميّز قرية المرزوح، وتربط الناس بذكريات ومواسم مضت”

الصحفي رائد عبدالكريم: اليوم، باتت شجرة الخوخ مجرد ذاكرة زراعية شاهدة على علاقة الأهالي بأرضهم، ومجرد رمز وعلامة تميّز قرية المرزوح، وتربط الناس بذكريات ومواسم مضت”إلى جانب الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، تواجه الخوخ تحديات بيئية كبيرة، فالنزاعات على المياه والجفاف المتكرر وسوء الري، بالإضافة إلى استنزاف التربة نتيجة زراعة القات، جعلت استمرار الشجرة أكثر صعوبة

ويرى المهندس الزراعي، أحمد دبوان، يعمل لدى بعض المنظمات الداعمة للزراعة في اليمن “الأشجار المتساقطة الأوراق مثل الخوخ تحتاج إلى رعايةٍ مستمرة، وتوفير مياهٍ كافية وتربة خصبة، وإلا فإنها ستفقد قدرتها على الإنتاج بسرعة”

خبراء زراعيون يشيرون إلى أن إنقاذ ما تبقى من أشجار الخوخ لا يحتاج إلى برامج معقّدة، بل إلى خطوات عملية

وتشمل تلك الخطوات توفير شتلات محسّنة من الخوخ لضمان استدامة الزراعة، وتقديم دعمٍ فني مستمر للمزارعين لتعليمهم طرق الري والتسميد الحديثة، وتنفيذ حملات توعيةٍ لتعزيز قيمة الشجرة التاريخية، وربط الأجيال الجديدة بالإرث الزراعي

ومع استمرار تراجع أشجار الخوخ وتزايد المخاطر على هذا الإرث الزراعي، أصبحت الحاجة إلى تدخل الجهات الرسمية ملحة

فالإهمال والتحول نحو زراعة القات، إضافةً إلى النزاعات على المياه؛ جعلت استمرار هذه الشجرة التقليدية في خطرٍ حقيقي؛ ما يستدعي وضع خططٍ مدروسة ودعمٍ مباشر للمزارعين

ويعلق مدير مكتب الزراعة بمديرية صبر الموادم، مهيوب الصامت، إن المكتب يواجه قيودًا كبيرة في دعم مزارعي الخوخ

“بالنسبة لمكتب الزراعة، لا توجد لدينا أي إمكانيات لدعم مزارعي الخوخ أو بشكل عام مزارعي الأشجار المتساقطة الأوراق”

يقول الصامت

ويضيف: “نعمل على تسهيل ما تقدمه منظمة (الفاو) في الجانب الزراعي وفق نوع الاستهداف والمناطق التي تحددها المنظمة، لكن لا يمكننا تحويل المنحة من منطقةٍ إلى أخرى أو تعديل أولويات الاستهداف بحسب الحاجة”

مشيرًا إلى أن تدهور شجرة الخوخ يزداد بشكل خاص في المناطق المعزولة؛ ما يزيد من صعوبة الحفاظ على هذا الإرث الزراعي”

مع تراجع أشجار الخوخ في جبل صبر، لم يعد الحديث عن هذه الشجرة مجرد مسألة زراعة واقتصاد، بل أصبح تحذيرًا من فقدان جزء من الهوية الزراعية والثقافية لقرية المرزوح

إجمالًا، وصلت مساحة زراعة الخوخ في اليمن أكثر من ثلاثة آلاف هكتار عام 2021 بإنتاج حوالي 15 ألف طن، بمعدل قرابة خمسة أطنانٍ للهكتار

وهو معدل جيد عند احتساب المساحة المزروعة التي تعتمد فقط على مياه الأمطار، بحسب كتاب الإحصاء الزراعي

وتعتبر الصين أكبر مُنتِج عالمي للخوخ، لكنها تستهلك الكمية محليًا وتستورده أيضًا، بحسب الجزيرة نت

وتأتي إسبانيا على قائمة الدول المصدرة للخوخ

عربيًا تحتل الأردن المرتبة 13 عالميًا في الإنتاج، والأولى عربيا في تصدير هذه الفاكهة، وفقًا المصدر نفسه

ختامًا، إرثٌ يمتد لعقودٍ على سفوح جبل صبر، يواجه اليوم خطر الانقراض بسبب الإهمال والتحولات الزراعية والصعوبات البيئية؛ ما يجعل الحفاظ عليه مسؤوليةً جماعية تتطلب تكاتف المزارعين والجهات الرسمية والمجتمع المدني؛ لضمان بقاء هذه الشجرة شاهدةً على تاريخ القرية وجمالها الطبيعي

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

com تصلك أهم أخبار المشاهد نت إلى بريدك مباشرة

الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن