تعز: “الخوص” مورد الحرف اليدوية النسوية بالمعافر
منذ 4 ساعات
تعز- عزالدين الصوفي“أجلسُ أمام أدواتي وأبدأ بحياكة الكوفية التقليدية، أو ما نطلق عليه ‘القُفة’، وأستمر في العمل قرابة ساعتين حتى تكتمل القطعة”
تقول الستينية فازعة محمد عبد الله العامري في حديثها لـ”المشاهد”، إحدى النساء النازحات من مقبنة إلى مخيم “”لمنيج” في منطقة البيرين
وتضيف: “كل كوفية أصنعها تعكس جزءًا من هويتي وتراثي، وأشعر بالفخر بما أصنعه”
وتتابع فازعة: “رغم أن المواد الخام أحيانًا صعبة المنال والأسواق محدودة، إلا أنني أواصل العمل، فكل قطعةٍ تباع بحوالي 1500 ريال يمني تمنحني دخلًا يساعدني في متطلبات الأسرة”
“الخوص” هو المادة الرئيسية لصناعة الكوفية، ويُستخرج من سعف النخيل، وأحيانًا من نباتات أخرى مثل شجر “الدوم”، خاصةً في المناطق الساحلية
ويتميز سعف نخيل المناطق الساحلية بالليونة ويستخدم للمنتجات الدقيقة، بينما سعف النخيل الجبلي “البري” يتميز بالمتانة
فازعة العامري: كل كوفية أصنعها تعكس جزءًا من هويتي وتراثي، وأشعر بالفخر بما أصنعه”
النخيل لا يزرع في المعافر، ولكن يتم جلب السعف من منطقة الكدحة، القريبة من الساحل
ويقوم الرجال عادةً بجمع السعف وجلبه إلى المعافر، بينما تتولى النساء مهمة الفرز والتجهيز والنسج
ويُباع السعف غالبًا في حزمٍ تختلف أسعارها بحسب الجودة والموسم وتكلفة النقل، حيث تباع الحزمة الواحدة بـ2500 ريال
فازعة واحدة من قرابة 35 امرأة عاملة في حرفة صناعة الكوفية بمديرية المعافر
وتاريخيًا، تُمارَس هذه الحرفة في مناطق تهامة التي تشمل أجزاءً من محافظات: تعز، الحديدة، وحجة، المحويت، بالإضافة إلى محافظة حضرموت، من قبل الرجال والنساء، ولكنها شائعة بين النساء الريفيات كجزء من المهارات المنزلية، وكمصدر دخل
تتمثل الحرفة في نسج سعف النخل تشبه جدائل الشعر باستخدام “الخوص”، ثم يتم خياطة هذه الضفائر
وتشكيلها لتكوين المنتجات النهائية، مع تلوين بعض أجزائها بألوان زاهية وإدخال زخارف فنية جميلة
وتوضح فازعة: “الحرفة تحتاج صبرًا وتركيزًا كبيرين، وكل دقيقة أقضيها في الحياكة تعكس اهتمامي بالتفاصيل، فالفخر ليس فقط في البيع بل في جودة العمل والحفاظ على التراث”
وتضيف: “حتى في ظروف النزوح والحرب، أجد في هذه الحرفة وسيلةً للعيش وتمكين نفسي، وهي تجعلني أشعر بأنني جزء من الحفاظ على هوية قريتي وثقافتها”
فاطمة محمد، إحدى الماهرات في نسج الخوص (سعف النخل)
تقول لـ”المشاهد”: “تعلمتُ هذه الحرفة منذ طفولتي على يد والدتي وجدتي، وكل قطعة أصنعها تحكي حكاية تاريخ أسرتي وقريتي”
وتضيف: “العزف الذي نصنعه يحمل هوية القرية، ويظل كل تصميم يعكس البيئة والطبيعة المحيطة بنا”
وتشير خديجة علي، إلى أن أعمال الحرف اليدوية التقليدية ليست خياطة كوفية فحسب، بل هي “ذاكرة حية لكل قرية”، فكل كوفية يرتديها المزارعون تقيهم من الحر تعبر عن ثقافة وأصالة المجتمع
هذه الحرف تمثل إرثًا ثقافيًا حيًا، يحافظ على هوية الموروث الشعبي لليمن بشكل عام وتعز بشكل خاص، ويربط الأجيال الجديدة بتاريخها وعاداتها الشعبية
رغم الموهبة والإبداع، تواجه المرأة الريفية تحديات كبيرة في ممارسة هذه الحرف
من أبرز هذه التحديات نقص المواد الخام، وارتفاع تكاليفها أحيانًا، إضافةً إلى صعوبة الوصول إلى الأسواق لبيع المنتجات
سارة علي، إحدى النسوة في قرية “المنيج”، تقول: “الحرف اليدوية تحتاج وقتًا وجهدًا كبيرين، والأسعار لا تعكس تعبنا، لكننا نستمر لأننا نؤمن بقيمة ما نعمله”
القيود الاجتماعية تشكل تحديًا إضافيًا في بعض القرى، حيث لا يُسمح للنساء بالظهور في الأسواق العامة بسهولة؛ ما يحد من تسويق منتجاتهنّ
ويقلل فرص الوصول إلى زبائن جدد
ومع ذلك، يظهر الإبداع في استخدام الموارد المتاحة وتحويلها إلى منتجات فنية تحمل قيمةً اقتصادية وثقافية
كما أن التدريب المستمر وتبادل الخبرات بين النساء ساهم في تحسين جودة المنتجات
فالتعاون بين الأجيال والخبرة المكتسبة تجعل الحرف اليدوية أكثر دقة وجمالًا
ويزيد من فرص نجاح المرأة في كسب الدخل وتحقيق الاستدامة الاقتصادية
ويشتري هذه المنتجات عادة المزارعون وسكان المناطق الريفية لاستخدامها في الحقول أو المنازل
كما تُباع أحيانًا في الأسواق المحلية كهدايا تقليدية
وتتميز كوفية النساء بوجود زخارف وزينة على حواف الكوفية أو في الوسط من الأعلى، مع إمكانية تخصيص التصاميم بما يتناسب وذوق المستهلك
تتميز هذه المنتجات بقيمٍ مضافة، مقارنة بالمصنوعات المستوردة، أبرزها استخدام مواد محلية طبيعية صديقة للبيئة، يسهل تدويرها
كما أن استمرار هذه الحرفة وبيع منتجاتها يحافظ على الطابع التراثي والهوية الثقافية
وتوفر فرص دخل للأسر الريفية ولا سيما النساء
وتختلف جودة هذه المنتجات من صانعة لأخرى، كما أنها أكثر تأثرًا بعوامل المناخ مقارنة بالمنتجات الصناعية
تلعب الحرف اليدوية دورًا مهمًا في تحسين دخل الأسر الريفية، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها المنطقة
النساء يبعن منتجاتهنّ في الأسواق المحلية، وأحيانًا عبر الوسطاء، ويستثمرنّ الأموال المكتسبة في تلبية احتياجات الأسرة الأساسية مثل التعليم والصحة والغذاء
خديجة حسين، إحدى النساء الريفيات، تقول: “عندما أبيع قطعةً صنعتها بيدي، أشعر بالفخر، وأعرف أنني أسهم في تعليم أولادي وتحسين حياة أسرتي”
تمكين اقتصادي لا يقتصر على الجانب المادي فحسب، بل يعزز كذلك مكانة المرأة في المجتمع، ويمنحها شعورًا بالثقة بالنفس والاعتزاز بدورها في دعم الأسرة
وبعض النساء تمكنّ من توسيع دائرة زبائنهنّ من خلال المعارض المحلية والدورات التدريبية التي تنظمها منظمات المجتمع المدني؛ ما أسهم بزيادة الطلب على منتجاتهنّ وتحسين جودة الإنتاج؛ ما يعكس الدور الحيوي للحرف اليدوية في الاقتصاد الريفي المحلي
الحرف اليدوية في المعافر، وخصوصًا حياكة الكوفية، تمثل ركيزة أساسية للحفاظ على التراث الثقافي وتمكين المرأة الريفية اقتصاديًا واجتماعيًا
ومن هذا المنطلق، يواصل مكتب الثقافة جهوده بدعم الحرف النسائية لضمان استمرارية المهنة وحماية التراث
في هذا الشأن، تقول مدير مكتب الثقافة بمديرية المعافر، والمشرفة على المخيم، نجاة علي نعمان، لـ”المشاهد”: “حياكة الكوفية في المعافر تواجه تحدياتٍ متداخلة، ومن مهامنا تقديم الدعم الفني والتدريب للحرفيات، وربطهنّ بالمواد الخام والأسواق المحلية؛ لضمان استمرار المهنة وتحقيق دخل مستدام”
مدير مكتب الثقافة بمديرية المعافر، نجاة علي نعمان: حياكة الكوفية في المعافر تواجه تحدياتٍ متداخلة، ومن مهامنا تقديم الدعم الفني والتدريب للحرفيات، وربطهنّ بالمواد الخام والأسواق المحلية؛ لضمان استمرار المهنة وتحقيق دخل مستدام”
وأضافت نعمان: “العوامل الثقافية والتقنية تلعب دورًا رئيسيًا، إذ تعتمد الحرفة على مهارات تقليدية متوارثة من جيل إلى جيل
ويتطلب الحفاظ عليها تدريبًا مستمرًا واحتكاكًا بالحرفيات المتمرسات لضمان جودة المنتج واستدامة الحرفة”
وتشمل العوامل الاقتصادية ارتفاع أسعار المواد الخام وصعوبة تسويق المنتجات؛ ما يحد من قدرة الحرفيات على التوسع
لذلك يعمل المكتب على توفير المواد الخام وربط الحرفيات بالمعارض والأسواق المحلية، بحسب نعمان
وأشارت إلى الأبعاد الاجتماعية، فالحرفة تمنح المرأة الريفية مكانةً في المجتمع، وتسهم في نقل المهارات والخبرات للأجيال الجديدة
فضلًا عن دعم استقلالها الاقتصادي والاجتماعي؛ ما يعزز الحفاظ على الهوية الثقافية المحلية
ولفتت إلى العوامل التنظيمية والتنموية، والاحتياج لبرامج تدريبية مستمرة، وتنظيم معارض محلية، وربط المشاريع الصغيرة بالحرفة؛ ليصبح الإنتاج مصدر دخل مستدام ويضمن حماية التراث الثقافي من الاندثار”
فيما ترى أخصائية اجتماعية، هيام الطيّار، أن انتشار حياكة سعف النخيل بين النساء في المناطق الريفية لا يمثل نشاطًا اقتصاديًا وحسب، بل فعل مقاومة صامتة للحفاظ على الهوية الثقافية
وتوضح الطيّار لـ”المشاهد” أن استمرار هذه الحرفة يضمن بقاء الرموز الشعبية حاضرةً في الوجدان الجمعي، خصوصًا لدى الأجيال الصغيرة التي بدأت تبتعد عن الموروث بفعل النزوح وضعف الاستقرار الاجتماعي
أخصائية اجتماعية، هيام الطيّار: استمرار هذه الحرفة يضمن بقاء الرموز الشعبية حاضرةً في الوجدان الجمعي، خصوصًا لدى الأجيال الصغيرة التي بدأت تبتعد عن الموروث بفعل النزوح وضعف الاستقرار الاجتماعي
”وتؤكد أن النساء الحرفيات حين ينقلن هذه المهارات إلى بناتهنّ أو إلى فتيات المخيمات والمناطق الريفية، فإنهنّ لا ينقلن مهارةً عملية فقط، بل ينقلنّ قيمًا منضبطةً تتعلق بالاعتزاز بالبيئة المحلية وأساليب العيش القديمة التي شكلت هوية المجتمعات اليمنية لقرون
الطيّار تلفت إلى أن الأعمال اليدوية المرتبطة بالنخيل والعزف كانت جزءًا من أنماط التواصل الاجتماعي، وليست مجرد أدوات للاستخدام المنزلي أو للبيع
وتوضح أن تمكين المرأة في هذا المجال يخلق حضورًا رمزيًا لها داخل المجتمع، وتتحول من متلقٍ للمساعدة إلى فاعل يحافظ على التراث ويعيد إنتاجه بما يتناسب مع الظروف الجديدة
وترى الطيّار أن هذا الشكل من التمكين لا يعتمد على الخطاب النظري بقدر ما يبنى على مهارةٍ عملية تمنح المرأة ثقةً وقدرةً على اتخاذ القرار داخل الأسرة والمجتمع
وتختم حديثها لـ”المشاهد” بالتأكيد على أن الحفاظ على هوية الحرفة يحتاج إلى مبادرات تشاركية تُعنى بالتوثيق والتسويق والتدريب؛ لأن اندثار المهارة يعني فقدان جزء من التاريخ الاجتماعي للمناطق الريفية
ودعم النساء الحرفيات يمنح الاستدامة الثقافية بُعدًا واقعيًا، ويُحوّل الحرفة إلى مساحةٍ تجمع بين البقاء الاقتصادي وصيانة التراث المحلي
ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع
يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة
بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail
comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن