تعز: عبده نصاري..رجل كسر عزل مديرية الصلو

منذ 3 ساعات

تعز- ياسمين الصلويفي الوقت الذي عانت فيه عديد قرى يمنية من التهميش وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية؛ اختار المواطن عبده سعيد نصّاري، أحد أبناء قرية “الزنح”، في مديرية الصلو، بمحافظة تعز، أن يكون جزءًا من الحل، لا مجرد شاهد على المعاناة

لسنواتٍ طويلة، ظلت قريته معزولةً بلا طريقٍ للمركبات

وكان السكان يضطرون إلى السير على الأقدام أو استخدام الحمير لنقل احتياجاتهم؛ ما ضاعف معاناتهم، خاصةً في الحالات الصحية الطارئة

أمام هذا الواقع، قرر نصّاري كسر دائرة العزلة، فبادر بشق طريقٍ يربط قريته بمناطق مجاورةٍ مستخدمًا أدواتٍ بسيطة، ومعتمدًا على سواعد شباب المديرية وأهل الخير فيها

ومع مرور الوقت، التفّ المجتمع المحلي حوله، وقدّم الدعم المادي والمعنوي، ليتحوّل المشروع الفردي إلى جهدٍ جماعي يزرع الأمل في ريف الصلو، إحدى أهم مديريات محافظة تعز

في الواقع، مبادرة نصّاري ليست الوحيدة

فهناك عشرات المبادرات المشابهة بتعز وغيرها من المحافظات اليمنية

في ورقة بحثية للباحث بشير المهلل بعنوان “عودة المبادرات المحلية إلى الجبال اليمنية: قرى ديناميكية”،  يقول الكاتب إن المبادرات المحلية في القرى المتناثرة على قمم الجبال تعدت مرحلة قدرات الصمود والاستجابة الطارئة، إلى مشروعاتٍ كبيرة متصلةٍ بالبنية التحتية، مثل شق ورصف الطرق وحفر الآبار

بدأت جهود نصّاري من خلال شق أول طريقٍ يربط منطقة “الحود” بقرية “الزنح”، وسرعان ما توسعت جهوده لتشمل قرى أخرى، مثل “الضعة، المعينة، ومقبرة الشاعر”

مواصلًا جهوده رغم شحّ الإمكانيات؛ لينتقل إلى طريق “مرزي ونقيب ركبة”، وهي من  أهم الطرق التي تربط مديرية الصلو بمديريات مجاورة

يقول  نصّاري: “في إحدى الليالي، كانت هناك امرأة حامل من قرية “الزنح” تعاني من آلام المخاض، وكان الوقت متأخرًا والظروف صعبة، فاضطر عدد من الرجال حملها عبر الطريق الوعر الذي يربط بين “الزنح” و”المعينة”، وأثناء الطريق، وضعت مولودها

وفي هذه الأثناء مرّت امراتان وعندما سمعتا بكاء الطفل، فأخذنه إلى المنزل

ويتابع: “تكررت حوادث مشابهة، حيث يتعرض الأهالي لإصابات أو وعكات صحية، خصوصًا النساء اللواتي يجدنّ حرجًا من إكمال الطريق إلى المستشفى حين ينقلهنّ الرجال

كثير منهنّ كنّ يعدنّ من منتصف الطريق؛ ما فاقم المعاناة

ومن هنا بدأنا نفكر بجدية في شق طريقٍ يربط القرية بالمناطق المجاورة؛ لتسهيل التنقل وإيصال الخدمات”

يضيف عبده سعيد نصّاري: أن المبادرة واجهت تحدياتٍ عديدة، أبرزها اقتصار الدعم المالي على مساهمات أهل الخير من أبناء مديرية الصلو أول الأمر، في ظل غياب أي دعمٍ رسمية أو السلطة المحلية

وأثّر هذا قصور على سير العمل، خاصةً في المناطق الصعبة التي كانت تتطلب جهودًا مضاعفة وتمويلًا أكبر

 ورغم ذلك، يؤكد نصّاري أن الإصرار والعزيمة، إلى جانب وقوف أبناء المديرية المخلصين إلى جانبه، ساعدهم في تجاوز هذه الصعوبات

وتمكنوا بالفعل من جمع أكثر من سبعين مليون ريال من داعمين، خُصصت لشقّ ورصف الطرق التي سهّلت تنقّل المواطنين وفتحت آفاقًا جديدة للمنطقة

يواصل حديثه لـ”المشاهد”: “حين ينقصنا المال كنتُ اضطر لطلب سلفةٍ لتغطية نفقات التشغيل حتى لا يتوقف العمل، ثم انتظر حتى يأتي تبرع جديد وأقوم برد الدَين”

ويشير نصّاري إلى أحد أبرز التحديات التي واجهها خلال تنفيذ مشروع شق الطريق، وهو رفض بعض ملّاك الأراضي السماح بمرور الطريق عبر أراضيهم

ويؤكد أن هذا الرفض مثّل عائقًا كبيرًا أمام المبادرة؛ ما اضطره لبذل جهود كبيرة لإقناعهم، حتى أنه عرض تعويضًا لبعضهم من أراضٍ تابعةٍ لوالده

ويوضح: “تسبب رفض بعض الأهالي التنازل عن أجزاء من أراضيهم لصالح الطريق بخسائر كبيرة في المال والجهد

كنا نخطط لشق مساراتٍ قصيرة، لكننا اضطررنا إلى تغيير المسار وشقّ طريق صخري ووعر؛ للوصول إلى القرى المجاورة، وهو ما استنزف جزءًا كبيرًا من ميزانية المبادرة

حاولنا إقناعهم بشراء الأراضي مقابل مبالغ مالية، لكنهم أصروا على الرفض”

عبده نصاري: تسبب رفض بعض الأهالي التنازل عن أجزاء من أراضيهم لصالح الطريق بخسائر كبيرة في المال والجهد

كنا نخطط لشق مساراتٍ قصيرة، لكننا اضطررنا إلى تغيير المسار وشقّ طريق صخري ووعر؛ للوصول إلى القرى المجاورة، وهو ما استنزف جزءًا كبيرًا من ميزانية المبادرة

”ظل نصّاري لفترة طويلة يتحمّل العبء الأكبر، رغم توسّع دائرة الدعم لاحقًا بانضمام بعض المغتربين الذين ساهموا ماليًا؛ إلا أنه ظل  الوحيد  في الميدان؛ ما جعله يتحمل فوق طاقته، وتوقف راتبه وخسر وظيفته، وبدأ يعاني ظروفًا مادية؛ لكنه أصر على الصمود لأجل الناس

يعد طريق “نقيل مرزي” من أصعب التحديات التي واجهها  نصّاري وفريقه المُبادِر بمديرية الصلو؛ نظرًا للمشكلات المرتبطة بالأراضي التي تمر منها الطريق

فقد اندلعت نزاعات بين الأهالي حول ملكية أجزاء من الطريق، استمرت بعضها لأكثر من عشرين عامًا؛ ما أدى إلى توقف تنفيذ المشروع رغم التخطيط له منذ أربعين عامًا

ورغم تعقيد هذه الخلافات، تمكّن نصّاري وفريقه بعزيمتهم وإصرارهم من إقناع الممانعين بالسماح لمعدات الشقّ بالمرور

واستكملوا رصف الطريق، التي تعد شريانًا حيويًا يربط عزل وقرى المديرية

ويمتد إلى مناطق مجاورة؛ ما ساهم في تسهيل التنقل وفكّ العزلة عن مجتمعاتٍ ريفية طالما عانت من صعوبة الوصول للخدمات

يضيف نصّاري عن طريق “مرزي”: “بعد تجاوز مشكلة إقناع الأهالي بالتبرع بأراضيهم، واجهتنا صعوبةً أخرى وهي أن النقيل عبارة عن منحدر”، ومن الصعب شقّ منحدر، حاول كثيرون بإقناعنا بتغيير المكان والبحث عن أرض أسهل إلا أننا أصرينا على شقه وربطه بالقرى المجاورة

 ويتابع حديثه عن الصعوبات المرتبطة بتنفيذ طريق “مرزي”: “واجهنا تحديًا آخر تمثل في تكاليف المعدات، نظرًا لوعورة المكان وتكتله الصخري

وكنا بحاجةٍ لمعداتٍ ثقيلة، لكن ما كنا نستطيع جمعه من المتبرعين يوميًا لا يتجاوز 20 ألف ريال يمني، في حين أن تكلفة إيجار المعدات كانت تصل إلى نحو 560 ألف ريال يوميًا؛ ما اضطرنا إلى طلب سلفٍ مالية”

صلاح السروري، عضو الهيئة الإدارية لمشروع طريق “مرزي”، يقول: “إن  المبادرة الطوعية التي قادها  نصّاري، أتت استجابةً لحاجةٍ ملحةٍ في ظل الظروف الصعبة التي مرّت بها المديرية، حيث سعى إلى شق وتأهيل الطرق الفرعية والمعزولة لتكون منفذًا حيويًا لربط القرى بالخدمات الأساسية”

صلاح السروري، عضو الهيئة الإدارية لمشروع طريق “مرزي”: المبادرة الطوعية التي قادها  نصّاري، أتت استجابةً لحاجةٍ ملحةٍ في ظل الظروف الصعبة التي مرّت بها المديرية، حيث سعى إلى شق وتأهيل الطرق الفرعية والمعزولة لتكون منفذًا حيويًا لربط القرى بالخدمات الأساسية”

مؤكدا أن المبادرة منذ انطلاقتها واجهت تحديات كثيرة، أبرزها مشكلة تنسيق مسار المشروع، فيما يتعلق بالأملاك الخاصة

بالإضافة إلى التحدي الأكبر المتمثل في عدم السماح بوصول المعدات الثقيلة مؤخرًا؛ لتوسعة وتعديل “نقيل ركبة” الذي يربط طريق “مرزي”

ويرى السروري أن قيادة نصّاري الحكيمة، وصلابته، وعلاقاته الطيبة بأبناء المجتمع؛ مكنته من تجاوز عقباتٍ كثيرة وتحقيق التوافق بين الجميع

حيث انطلقت المبادرة بجهودٍ تطوعية وأدواتٍ بسيطة، وسرعان ما تحول الحلم المستحيل إلى واقعٍ ملموس بعد أن تفاعل معه أبناء المجتمع؛ تأثرًا بروح المبادرة وأخلاق قائدها

وتشكلت لاحقًا هيئة إدارية للمشروع حققت نجاحًا استثنائيًا

ويضيف: “وكانت ثمرة هذا الجهد كسر طوق العزلة عن قرى لم تعرف الخدمات منذ عقود

وربطها بشبكة طرقٍ مختصرة، فأصبح الوصول إلى “دمنة خدير”، ومنه إلى مدينة تعز يستغرق أقل من ساعة بدلًا من ست ساعات

كما تم ربط الطريق بمساراتٍ متعددة مثل: “حمده، العكيشة، الجازعة، والقابلة”؛ مما سهّل وصول المنظمات الإغاثية والمواد المعيشية، وأتاح إسعاف المرضى في وقت قياسي

يقول نصّاري إنه أثناء شقّ طريق “الحود”، صادف مرور فريقٍ تابعٍ لإحدى المنظمات

ووقف أحد المهندسين مستغربًا من الجهود التي يبذلها الفريق بشكلٍ ذاتي في منطقة وعرة وصعبة

وبعد أن اطلع على قصة المبادرة، وعد بالعودة لدعمهم

وبالفعل، بعد أسبوع عاد المهندس ومعه دعمٌ مالي قدمه لصالح استكمال الطريق

يوضح نصّاري: “كنا عشرة أشخاص نعمل في عقبة الجبّانة، وهي عقبة وعرة بطول 110 أمتار، نعمل تحت شمس الصيف الحارقة

وحين رآنا المهندس اندهش، ثم وعدني أنه إذا بقيّت أموال من موازنتهم، فسيدعم بها المشروع”

ويضيف: “بعد أسبوع، عاد المهندس إلى المكان، وصوره، وأعدّ له دراسة

وفعلًا، بدأنا في رصف الطريق عبر المنظمة

وأوليتُ هذه العقبة اهتمامًا خاصًا لصعوبتها الكبيرة

وحاولنا نحفر ونكسر ونرصف بأنفسنا، وتواصلتُ مع أحد التجار الذي دعمنا بتوفير الأحجار، والحمد لله اكتمل المشروع بنجاح”

عبدالتواب غالب، أحد أبناء قرية “الزنح” يقول: “قبل شقّ الطريق كنا نعاني كثيرًا، خاصةً في حالات المرض

إذا أصيب أحد أفراد القرية بوعكةٍ صحية، نضطر لنقله على نقّالة لمسافاتٍ طويلة؛ حتى نصل إلى طريقٍ يؤدي لمنطقة الدمنة

وكانت النساء ينقلنّ أسطوانات الغاز على رؤوسهنّ، ويحملنّ المواد الغذائية على ظهور الحمير”

ويتابع: “جاءت مبادرة مجتمعية بقيادة نصّاري وبعض أبناء القرية المبادرين، وتم شقّ الطريق الرابط بين عدة قرى، بينها قرية “الزنح، قرية الحود، والضعة”؛ مما أسهم في إنهاء معاناة الأهالي”

من جانبها، تقول إلهام علوان، وهي مواطنة من قرية “الزنح”: “كنا نواجه صعوبةً كبيرة في التنقل ونقل احتياجاتنا إلى المنازل

ونحمل السلع على رؤوسنا لعدم وجود طريق، لكن بفضل المبادرة المجتمعية التي أطلقها الأستاذ نصّاري، بتعاون أبناء القرية المخلصين؛ شقوا طريقًا يربط “الحود، الزنح، الضعة والمعينة”؛ مما خفّف المعاناة”

مؤكدةً: “في السابق، كان يتم حمل المرضى من أبناء القرى على ظهور الرجال أو الحمير لإسعافهم إلى دمنة خدير أو مدينة تعز؛ بسبب عدم وجود طريق

أما اليوم، والحمد لله، أصبح الطريق سالكًا، وسهّل علينا التنقل من وإلى قرانا بكل يسر”

يقول نصّاري: “إن زوجته كانت الداعم الأول والمشجع الأقوى له في مبادرته المجتمعية لشقّ ورصف الطرقات في مديرية الصلو

وساندته ماديًا ومعنويًا، وحثته على مواصلة مشواره رغم التحديات الكثيرة التي واجهها”

يروي: “أثناء شقّ الطريق الرابط بين قريتي “الزنح والحود”، كانت قد انتهت إجازتي من العمل، ووقعتُ في حيرة: هل أعود إلى وظيفتي وأترك العمل والمبادرين، خاصةً وأن مهامًا كثيرة متوقفةٌ عليّ

فاستشرتُ زوجتي أمُّ قُصي، فنصحتني بالاستمرار، وقالت لي: “إن الوظيفة ستجد غيرها، أما هذا المشروع فهو حياةٌ للناس”

ساهمت أمُّ قصي بشكلٍ كبير في إنجاح المشروع

وكانت تعدّ وجبات الطعام للعمال

وتوفر لهم الشاي والقهوة، وتعمل دون كللٍ أو ملل

مدفوعةً بإيمانها العميق أن الطريق حياة، وأن أهالي هذه القرى يستحقون العيش بكرامة وأن تصل إليهم الخدمات

بدأت مبادرة نصّاري من قريته الصغيرة المعلقة أعلى جبل الصلو، وبمعداتٍ بسيطةٍ، مجرد معاول وفؤوس تستخدم في الزراعة وعدد قليل من العمال

واستطاع بعزيمته وإصراره أن يوسع نطاق المبادرة ويزيد عدد العمال إلى أكثر من 270 عاملًا، والداعمين إلى أكثر من 600 متبرعٍ من داخل المديرية ومحافظات أخرى ودول عربية

استطاع أن يلهم أهالي القرى المجاورة ليبادروا هم أيضًا بشق طرقٍ فرعيةٍ في مناطقهم، مستلهمين من نصّاري نموذجًا لـ”الذكورية الإيجابية” والمبادرة المجتمعية الفاعلة

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن