تعز: قرى جبل صبر “تحت الخطر”

منذ 4 ساعات

تعز- عزالدين الصوفييعد الطريق الرابط بين القرى الريفية وجبل صبر بمدينة تعز شريانًا حيويًا لتنقل السكان

لكنه اليوم بات مصدر قلق دائم، مع كل انهيار صخري يحدث

في 21 أغسطس 2025، أفاق السكان في صبر على انهيار صخري ضخم، لم يكن سوى جزء من سلسلة الانهيارات التي تهدد حياة السكان، منازلهم، وأراضيهم الزراعية؛ لتضعهم بين الطبيعة القاسية وغياب أي إجراءات تُعيد الأمان إلى حياتهم

لم تسجَّل إصابات ولكن الحادثة أثارت مخاوف خطيرة بين السكان والمسافرين

ودعت السلطة المحلية السائقين للحذر الشديد أثناء التنقّل، في ظل تحذيرات من تكرار الكارثة في الأيام المقبلة

 وتم رصد صخور بحجم سيارة صغيرة وقد سدّت جزءًا كبيرًا من الطريق؛ ما تسبب بتعطيل حركة السير وإحداث حالة فوضى مرورية، خاصة في أوقات الذروة صباحًا

سكان القرى الواقعة أسفل جبل صبر يصفون حياتهم بأنها “تحت خطر دائم”، كما تقول فاطمة أحمد المحيا (46 عامًا) تسكن في قرية القفعة الواقعة تحت طريق صبر تقول لـ”المشاهد”: “نعيش خوفًا مستمرًا، مع كل مطر غزير نسمع صخورًا تتحرك فوقنا”

وتضيف: “لا نملك خيارًا آخر للوصول إلى المدينة، وكل شيء يعتمد على هذا الطريق، أطفالنا يذهبون إلى مدارسهم عبره، ونحن نراقبهم بخوف دائم”

 يقول المواطن عدنان بشر لـ”المشاهد”: “طريق جبل صبر شريان حياة يربط القرى بالمدينة، والحفاظ عليه أصبح ضرورة ملحة”

 وتابع: “الانهيارات الصخرية تزداد في موسم الأمطار، وقد تؤدي إلى كوارث عديدة منها الوفاة، كما أن الصخور المنهارة كثيرًا ما تسد مجاري السيول؛ فتؤدي إلى انحراف المياه نحو المنازل والأراضي الزراعية، وهو ما يزيد المخاطر على السكان والمزارعين على السواء”

ويضيف بشر: “من أجل حماية الطريق، أصبح من الضروري تكاتف الجميع وبناء جدران ساندة، خاصةً في ظل غياب الدولة وعدم قيامها بترميم وإصلاح الطرق، وقد بادر بعض الأهالي والمبادرات المحلية بمساهمات محدودة لإزالة الصخور المهدِدة والأحجار المتساقطة، كما أجروا أعمال تثبيت جزئي لمواقع الانهيارات، إلا أن هذه الجهود تبقى ترقيعية ولا تغطي كامل الطريق أو تحد من الخطر على المدى الطويل”

لافتًا إلى أن المجتمع المحلي يرفع صوته ويطالب الجهات المعنية بضرورة تنفيذ مشاريع استراتيجية تشمل تثبيت الصخور وبناء جدران ساندة، بينما تبقى الحاجة ملحة إلى تدخل الدولة لمواءمة الإمكانيات مع حجم الخطر الذي يواجه السكان يوميًا

يُشير خبراء جيولوجيون إلى أن جبل صبر يتكون من صخور بركانية ورواسب طينية وغرينية تجعل المنحدرات قابلة للانهيار مع أي هزة أرضية أو سقوط أمطار غزيرة

 بهذا الشأن، يقول الدكتور عبدالحميد مدهش، أكاديمي في قسم الجيولوجيا، جامعة تعز: “إن الانهيارات الصخرية في اليمن تعود إلى عديد عوامل طبيعية وبشرية تتداخل مع بعضها البعض، وأهمها عامل التضاريس؛ إذ أن اليمن يمتاز بتضاريس جبلية وعرة، والكثير من المناطق الجبلية تكون عرضةً للتآكل والانهيارات بسبب طبيعة الصخور والهضاب”

وأضاف مدهش في حديثه لـ”المشاهد”: هناك عوامل جيولوجية تتمثل بالتتابعات الصخرية التي تملك خصائص طبيعية متباينة، وكذلك عوامل مناخية إذ تسهم الأمطار الغزيرة والسيول الموسمية في تآكل الصخور وزعزعة استقرارها؛ مما يؤدي إلى حدوث انهيارات صخرية خاصة في مواسم الأمطار، كما أن التغيرات في درجات الحرارة ليلًا ونهارًا، والتآكل نتيجة الرياح، عوامل تؤدي إلى تفكك الصخور مع مرور الوقت”

وأشار إلى وجود عوامل زلزالية حيث تقع الانهيارات في منطقة نشطة زلزاليًا، والزلازل والهزات الأرضية تتسبب في شقوق وتصدعات بالصخور؛ مما يضعف من تماسكها ويجعلها أكثر عرضة للانهيار

ومن العوامل البشرية، وفق مدهش، عمليات الحفر والبناء في المناطق الجبلية، واقتلاع الأحجار غير المنظم، سواء عند قلع أحجار البناء أو حفر الأساسيات أو شق الطرقات، والذي يؤدي إلى إضعاف الطبقات الصخرية؛ مما يزيد من فرص الانهيار، كما أن التصريف الخاطئ لمياه الأمطار ومياه الصرف الصحي يزيد من خلخلة وتفكيك الصخور ويسهّل انزلاقها”

 المهندس محمد العقيبي، مدير فرع الأشغال العامة والطرقات بمحافظة تعز يقول لـ”المشاهد”: “الانهيارات في صبر الموادم ليست أمرًا طارئًا، بل تعود إلى طبيعة المنطقة الجيولوجية، فالصخور في مناطق مثل “قراضة والمرزوح” مفككة ومليئة بالشروخ، وهذه الشقوق تتسع مع مواسم الأمطار بفعل السيول؛ ما يؤدي إلى تفكك الكتل الصخرية وانهيارها بشكل متكرر”

 كما أن بعض الممارسات البشرية، مثل تكسير الجبال في منطقة العارضة العليا لبيع الأحجار؛ ساهمت في مضاعفة المشكلة من دون إدراك للمخاطر

ويضيف العقيبي: “في العام 2023 نفذنا، بالتعاون مع مبادرة (خذ بيدي) الشبابية، أعمال تكسير وتهذيب للأحجار المهدِدة في منطقة المراغة بعد اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل بناء جدران ساندة أسفل الكتل الكبيرة

كما أجرينا دراسات ميدانية مع إعداد كلفة تقديرية لمعالجات مماثلة في مناطق أخرى بالمديرية، وشجعنا المبادرات المجتمعية التي بادر بها بعض النشطاء”

 المهندس محمد العقيبي، مدير فرع الأشغال العامة والطرقات بمحافظة تعز: في العام 2023 نفذنا، بالتعاون مع مبادرة (خذ بيدي) الشبابية، أعمال تكسير وتهذيب للأحجار المهدِدة في منطقة المراغة بعد اتخاذ الاحتياطات اللازمة، مثل بناء جدران ساندة أسفل الكتل الكبيرة

كما أجرينا دراسات ميدانية مع إعداد كلفة تقديرية لمعالجات مماثلة في مناطق أخرى بالمديرية، وشجعنا المبادرات المجتمعية التي بادر بها بعض النشطاء”

ويؤكد أن مكتب الأشغال رفع تقارير تفصيلية إلى قيادة المحافظة، التي تفاعلت بدورها مع الملف وأرسلت فريقًا جيولوجيًا من العاصمة المؤقتة عدن لإجراء دراسة متخصصة

لكن، ورغم هذه الجهود، يقر العقيبي أن الحلول لا تزال محدودة ومرتبطة بالإمكانيات، بينما تبقى الحاجة ملحة إلى مشاريع استراتيجية كبرى للحد من الخطر الذي يهدد السكان يوميًا

من جهته، يقول عبدالفتاح العسالي، خريج هندسة جيولوجية، “إن الانهيارات الصخرية في اليمن ازدادت خلال الأعوام الأخيرة؛ وتسببت بأضرار مادية وبشرية كبيرة، كان آخرها ما حدث في محافظة المحويت، واعتبر أن الانهيارات تكون ناجمة عن مجموعة من العوامل، ومنها تآكل التربة وتفكك الصخور تدريجيًا والأمطار الغزيرة المستمرة”

وأضاف لـ”المشاهد”: “شهدت اليمن هذا العام أمطارًا غزيرة وسيولًا كان لها دور في تفكك الصخور بالعديد من المرتفعات الجبلية، خاصة وأن أغلب مناطق اليمن تفتقر إلى أنظمة تصريف ملائمة؛ الأمر الذي تسبب بتآكل الصخور وتعرية التربة”

وأردف: “اليمن في زمن الحرب تشهد عمليات كبيرة في القطع الجائر للأشجار إثر عملية الاحتطاب؛ ويؤدي هذا إلى موت الكثير من الأشجار الكبيرة التي كانت تعمل على تثبيت التربة لتحدث بعد ذلك انهيارات صخرية غير متوقعة”

عبدالفتاح العسالي، خريج هندسة جيولوجية: اليمن في زمن الحرب تشهد عمليات كبيرة في القطع الجائر للأشجار إثر عملية الاحتطاب؛ ويؤدي هذا إلى موت الكثير من الأشجار الكبيرة التي كانت تعمل على تثبيت التربة لتحدث بعد ذلك انهيارات صخرية غير متوقعة”

داعيًا الجهات المعنية التنبه لمثل هذه الأمور قبل فوات الأوان، وذلك ببناء حواجز صخرية لتثبيت التربة والحد من انزلاقها، وخاصة في المناطق القريبة من التجمعات السكنية، بالإضافة إلى إيقاف البناء العشوائي في المرتفعات الجبلية التي يُحتمل أن تحدث فيها الانهيارات”

ولفت العسالي إلى أن من أبرز أسباب الانهيارات الصخرية التي تُحدث أضرارًا بشرية هي قلة الوعي لدى المواطنين بهذا الجانب، فمن يمتلك قطعة أرض -أينما كان موقعها- يقوم بالبناء عليها دون النظر إلى المآلات الوخيمة التي قد تحدث له ولأسرته إذا ما حدث انهيار صخري بالقرب منه”

واستطرد العسالي: “طالما أن أغلب المواطنين الساكنين في المناطق المرتفعة لا يقدرون على مغادرة منازلهم؛ لأنهم لا يمتلكون غيرها فيجب عليهم -على الأقل- توخي الحذر أثناء هطول الأمطار، ومتابعة مناطقهم، والإبلاغ في حالة رصد تشققات جبلية أو ما يثير الريبة”

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير