تعز: مياه ملوثة تهدد حياة المواطنين

منذ 5 ساعات

تعز- عزالدين الصوفييقع “وادي نخلة” في ريف محافظة تعز، الخاضع لسيطرة جماعة الحوثي بصنعاء، وتتميز أراضيه بالخصوبة والمناخ المعتدل

ويعتمد آلاف السكان في قرى الوادي المتفرقة على عددٍ من الآبار الرئيسية كمصدر أساسي لمياه الشرب وري المزروعات

لطالما شكّلت هذه الآبار مصدر حياة، لكنها اليوم تحوّلت إلى تهديدٍ حقيقي للصحة، بعد أن اختلطت مياه الشرب بالمخلفات البشرية والحيوانية والملوثات البيئية؛ لتصبح بؤرةً للأمراض المعدية، أبرزها مرض “التيفود”، وأمراض الإسهالات المزمنة

ورغم التحذيرات المستمرة من الأهالي، يظل صمت سلطات صنعاء الحوثية قائمًا، دون أي خطوات عملية لمعالجة التلوث وحماية السكان من المخاطر الصحية

تشير بيانات المراكز الصحية في وادي نخلة إلى تسجيل عشرات الحالات يوميًا بالتيفوئيد معظمها من الأطفال دون سن 12 عامًا

يقول أحد الممرضين في مركز وادي نخلة الصحي: “نستقبل يوميًا من 25- 30 حالة جديدة، أغلبهم أطفال يعانون من حمى شديدة وإسهال متكرر

ويجعلنا نقص الأدوية والمعدات عاجزين عن تقديم العلاج لجميع المرضى”

أحد الممرضين في مركز وادي نخلة الصحي: نستقبل يوميًا من 25- 30 حالة جديدة، أغلبهم أطفال يعانون من حمى شديدة وإسهال متكرر

ويجعلنا نقص الأدوية والمعدات عاجزين عن تقديم العلاج لجميع المرضى”

ويضيف: “الأهالي يضطرون لجلب الماء من الآبار الملوثة: لأن البدائل بعيدة ومكلفة، وصمت سلطات صنعاء يزيد الأزمة سوءًا”

تفاقمت المشكلة بسبب ضعف قدرة المراكز الصحية على تلبية الاحتياجات الأساسية؛ ما يضطر الأسر إلى السفر لمسافاتٍ طويلة للعلاج، وهو أمر صعب على غالبية العائلات

وأصبحت مياه وادي نخلة ناقلًا رئيسيًا لبكتيريا “السالمونيلا” المسببة لمرض “التيفئود”، الأكثر انتشارًا في الطبيعة، ويزداد انتشارها خلال التغيرات المناخية وموسم الأمطار

في هذا السياق، يوضح الدكتور إبراهيم عبدالمجيد الشرعبي، (اسم مستعار)، لـ”المشاهد”، أن انتقال البكتيريا يتم عادةً عبر المياه أو الطعام

مشيرًا إلى أن المياه السطحية في الوادي، بما فيها الأبار الرئيسية وعيون الماء التي يشرب منها السكان، غالبًا ما تكون ملوثة ومختلطة بمخلفات الحيوانات

ويضيف الشرعبي، أن بعض السكان يمدون مجاريهم إلى الأودية ويرمون مخلفات القمامة فيها؛ مما يزيد من تلوث المياه والبيئة المحيطة

وتؤثر مباشرةً على صحة الإنسان، وقد يصبح الحيوان ناقلًا للمرض عبر منتجات الألبان الأخرى

مشيرًا إلى أن عدد الحالات التي يستقبلها في عيادته يوميًا تصل إلى عشر حالات مصابة بـ”التيفئود”؛ ما يعكس حجم الانتشار الخطير للمرض في وادي نخلة، حيث تكاد لا يخلو بيت من الإصابة

وتتراوح أعراض “التيفئود” بين الحمى المستمرة، وفقدان الشهية، والصداع، والضعف العام، وآلام البطن، وهي أعراض تظهر على الغالبية العظمى من المرضى

ويؤكد الدكتور الشرعبي أن الوضع يستدعي تدخلًا عاجلًا لتحسين إدارة النفايات والمياه، واتخاذ إجراءات وقائية للحد من انتشار الأمراض في المنطقة

تروي “أم سعيد محمد” لـ”المشاهد”: “أصبحنا نذهب إلى العيادة كل أسبوع بسبب مرض أطفالنا، والحياة اليومية صارت مستحيلة، فلا أحد من المسؤولين يتحرك لحمايتنا”

وتضيف، وهي أمٌ لأربعة أطفال: “أطفالنا يتغيبون عن المدرسة معظم الوقت بسبب المرض

ولا توجد أي جهود رسمية لتوفير مياهٍ آمنة، ونعيش وسط إهمالٍ كامل من سلطات صنعاء”

أم سعيد محمد: أطفالنا يتغيبون عن المدرسة معظم الوقت بسبب المرض

ولا توجد أي جهود رسمية لتوفير مياهٍ آمنة، ونعيش وسط إهمالٍ كامل من سلطات صنعاء”

ويقول محمد عبدالله الصوفي، أحد كبار السن بالمنطقة لـ”المشاهد”: “البئر الرئيسي أصبح مصدرًا للمرض ونبلغ السلطات باستمرار، لكن لا أحد يستجيب”

ويوضح: “المياه الملوثة تصيب الماشية أيضًا؛ مما يضاعف معاناة الأسر التي تعتمد على الزراعة والحيوانات”

يقول أخصائي الأمراض المعدية، الدكتور إدريس عبدالله الكمالي، لـ”المشاهد”: “إن أزمة المياه في وادي نخلة تمثل خطرًا وبائيًا واضحًا

حيث يبدأ الأمر بمصدر العدوى الذي يتمثل في المياه والأغذية الملوثة ببراز المصابين، إلى جانب المستنقعات القريبة من الآبار التي تنقل المواد الصلبة والسائلة الحاملة للبكتيريا والطفيليات؛ ما يجعل البئر ناقلًا مباشرًا للعدوى”

ويضيف: “التلوث ينتشر نتيجة ضعف حماية البئر، مثل غياب الغطاء أو وجود تشققات، إضافةً إلى مياه الأمطار التي تجرف المخلفات البشرية والحيوانية إلى داخل البئر”

كما يشير إلى أن كثافة السكان، واستخدامهم الكامل للآبار المشتركة مع غياب بدائل آمنة، ونقص الوعي الصحي وضعف الخدمات الطبية، وصعوبة التشخيص والعلاج، إلى جانب الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية، كلها عوامل تفاقم الأزمة

ويقول مسؤول في مكتب الصحة بالمديرية، فضل عدم كشف هويته، لـ”المشاهد”: العائلات تدفع مبالغ كبيرة للعلاج، ويضطر أحد الوالدين للتوقف عن العمل لرعاية المرضى، بينما لا توجد أي خطط من سلطات صنعاء لتخفيف الأزمة

حيث أن المراكز الصحية تعاني من نقص الأدوية والمستلزمات الأساسية؛ ما يضطر المرضى للذهاب إلى المدن الكبرى، لكن معظم الأسر غير قادرة على ذلك”

ويؤكد: “نراقب أولادنا كل لحظة، أي رشفة ماء من البئر قد تكون قاتلة، لكن لا خيار آخر

الصمت الرسمي يضاعف معاناتنا

حتى الحيوانات تصاب، وهذا يهدد مصدر دخل الأسرة، نعيش الخوف يوميًا، والسلطات لا تتحرك”

وبحسب مسؤول من المنطقة يعمل لدى منظمة أطباء بلا حدود، فضّل عدم الكشف عن هويته، يقول لـ”المشاهد”، فإن التدخل السريع والعلاج من قبل الجهات الإنسانية والرسمية يمكن أن يحد من انتشار الأمراض المعدية في وادي نخلة

ويشير إلى أن الوضع الحالي يشكل خطرًا كبيرًا على صحة السكان، خاصةً الأطفال والنساء وكبار السن، الذين يمثلون الفئات الأكثر عرضة للإصابة

ويضيف المصدر: “الأزمة ليست مجرد نقص في المياه النظيفة، بل تتعلق بتلوثٍ شامل يمس البيئة، الحيوانات، وحتى الأغذية

واستمرار الصمت الرسمي يجعل من الصعب تنفيذ أي خطة إنقاذٍ فعّالة، ويزيد من معدلات الإصابة بالأمراض مثل التيفود، الكوليرا والأميبا”

مسئول في منظمة أطباء بلاحدود: الأزمة ليست مجرد نقص في المياه النظيفة، بل تتعلق بتلوثٍ شامل يمس البيئة، الحيوانات، وحتى الأغذية

واستمرار الصمت الرسمي يجعل من الصعب تنفيذ أي خطة إنقاذٍ فعّالة، ويزيد من معدلات الإصابة بالأمراض مثل التيفود، الكوليرا والأميبا”

ويحذر قائلًا: “إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفورية، ستتضاعف الإصابات، وربما ترتفع حالات الوفاة بين الأطفال، لتتحول الأزمة إلى كارثة صحية متكاملة تؤثر على المجتمع بأسره

وتتطلب الحلول تنسيقًا بين السلطات المحلية والمنظمات الإنسانية، وتشمل توفير مصادر مياه بديلة، صيانة الآبار، وتوزيع الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية”

ويشير أيضًا إلى أهمية حملات التوعية الصحية المستمرة، التي تساعد الأهالي على التعامل مع المياه الملوثة، وغسل اليدين بشكل صحيح، وتخزين المياه بطريقة آمنة

ويؤكد أن هذه الإجراءات، إلى جانب تطوير بنية تحتية مستدامة للمياه والصرف الصحي، يمكن أن تخفف من حدة الأزمة بشكل كبير على المدى المتوسط والطويل

في هذا السياق، يوضح الدكتور إدريس عبدالله الكمالي لـ”المشاهد” أن أزمة المياه في وادي نخلة تتطلب تدخلًا عاجلًا ومتدرجًا، يبدأ بحلول قصيرة المدى تشمل تحليل مياه البئر والمستنقعات للتأكد من التلوث

وتطهير المياه بالكلور أو غليَها قبل الشرب، وتغطية البئر وحمايتها، وحملات توعية للسكان حول النظافة وغسل اليدين

ويضيف: “الحلول المتوسطة تشمل تحسين بناء البئر وحمايته بسياج وغطاء محكم، والتخلص من المستنقعات أو تجفيفها، وإنشاء قنوات صرف تمنع تدفق الملوثات

وتوفير مصادر مياه بديلة، والمتابعة الصحية ومراقبة المياه بشكل دوري”

ويحذر من أن استمرار الأزمة دون تدخلٍ سريع سيؤدي إلى زيادة الإصابات بالأمراض المعدية، وقد تصل حالات الوفاة بين الأطفال إلى مستويات حرجة

بالإضافة إلى تأثيرها على الإنتاج الزراعي والصحة العامة للمجتمع

ويختم حديثه: “الحلول طويلة المدى تتطلب تعزيز المراكز الصحية وتمكين التشخيص المبكر للأمراض، وإدخال التطعيم ضد “التيفود”، وإنشاء بنية تحتية آمنة للمياه والصرف الصحي، ووضع تشريعات لحماية مصادر المياه، مع استمرار برامج التوعية المجتمعية لضمان حماية السكان على المدى الطويل”

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير