تلاقي الكارثة والفقر في تهامة

منذ 7 أشهر

الحديدة- ياسمين الصلويتسكن أم سالم، 40 عامًا، في مديرية الحالي بمحافظة الحديدة منذ سنوات

كانت حياتها مستقرة طوال الأعوام الماضية، وكانت مقتنعة بالسكن في ذلك المكان

في الأيام القليلة الماضية، هطلت أمطارًا غزيرة، وغرق البيت ومحتوياته، وأصبحت أم سالم وأسرتها في مأساة غير مسبوقة

 كانت الأمطار مصحوبة بالعواصف والرياح الشديدة، ما عمق معاناة العائلات في مديرية الحالي في الحديدة

ألواح الطاقة الشمسية التي كانت فوق أسطح المنازل تناثرت وتكسرت بسبب الرياح، وأصبح السكان في الظلام

الأسقف التي كانت من الخشب والقطع المعدنية المتفرقة انهارت، وأدى ذلك إلى وصول مياه الأمطار إلى غرف العديد من البيوت

كل شهر، تدفع أم سالم ثلاثين ألف ريال إيجار منزل، حيث تعيش مع أولادها الثلاثة، والأكبر فيهم يصل عمره إلى ثمانية عشر عامًا

الابن الأكبر يعمل على دراجة  نارية، وهو مصدر الدخل الوحيد للعائلة منذ أن توفي الأب قبل عامين

تقول أم سالم:”سقف المنزل الذي نسكن فيه متصدع، والصالة بلا سقف، وعندما تأتي الأمطار، يتسرب الماء بكميات كبيرة من عدة اتجاهات، ولا نستطيع مقاومته، فكل أجزاء البيت تغرق، وتتبلل ملابسنا وأثاثنا”

تضيف:”ليس باستطاعتنا البحث عن منزل أفضل من هذا

ظروفنا المادية متدهورة، ودخل ابني في اليوم لا يزيد عن أربعة آلاف ريال، ولا يكفي ذلك لتغطية كل متطلباتنا، وسبب البقاء في هذا المنزل هو أن المؤجر يصبر علينا عندما نتأخر في دفع الإيجار”

في إحدى قرى مديرية الجراحي جنوب محافظة الحديدة تعيش فاطمة وشقيقاتها الأربع في غرفة قديمة، ورثتها عن أبيها

تقول لـ “المشاهد”: “هذه الغرفة هي المأوى الوحيد لنا، لذلك نحاول ترميمها بحسب الإمكانات المتوفرة لدينا، لكننا نعجز عن مكافحة الأرضة التي تنخر أخشاب السقف، وليس لدينا المال لشراء خشب جديد”

عندما تتسرب مياه الأمطار إلى الغرفة، تضطر فاطمة إلى نقل الأثاث والملابس إلى غرفة شقيقيها المبنية من الطين

لا تصل أشعة الشمس مباشرة إلى غرفة فاطمة، لكن مياه الأمطار تتسرب من عدة زوايا، وليس بالإمكان البقاء أو النوم فيها وقت هطول الأمطار

الكارثة والفقرتقع حارة السور في مدينة الحديدة بالقرب من الساحل، وتعد من المدن التاريخية في المدينة الساحلية

تهدمت العديد من المباني القديمة في تلك الحارة بسبب السيول والأمطار، وفر منها السكان بعد تزايد الانهيارات والتشققات في البيوت القديمة هناك

 الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي يقول أن الفقر يسيطر على الكثير من السكان في محافظة الحديدة منذ سنوات، وأصبح المواطن هناك عاجزًا عن مواجهة أضرار أي كارثة تشهدها المحافظة، مثل كارثة السيول

ويضيف:”المواطن يجهد نفسه طوال اليوم، وبالكاد يستطع توفير الاحتياجات اليومية لأسرته التي تسكن في غرفة من القش أو سعف النخيل، أو في أحسن الأحوال  منزل متواضع للغاية

ما الذي يمكن أن يفعله المواطن لمواجهة تبعات كارثة السيل، وبالذات في وقت عجزت الجهات المعنية عن القيام بدورها؟”

يتابع:”البناء العشوائي دون مخطط يراعي مخاطر السيول وغيرها من المخاطر، والتعامل مع تهامة من قبل الجهات المعنية على أنها وأهلها بسطاء… من ضمن الأسباب التي جعلت الجهات المعنية تتجاهل تهامة وأهلها”

عدة قرى في مديريات الدريهمي وزبيد والزيدية والقناوص وبيت الفقية والخوخة وحيس بمحافظة الحديدة  شهدت دمارًا كبيرًا، لا سيما في المزارع والطرقات، بالإضافة إلى نفوق عدد كبير من الثروة الحيوانية

 سبب البقاء في الوديانعلى الرغم من الدمار الذي تسببت به الأمطار الغزيرة في تلك المناطق، إلا أن المواطنين لم يغادروا مناطقهم لعدم قدرتهم على الانتقال إلى أماكن أخرى بعيدة عن مجرى السيول، وعجزهم عن شراء أراض وبناء سكن

منذ مطلع هذا الشهر، ارتفعت حالات الوفاة نتيجة الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة في محافظة الحديدة إلى 69 شخصاً و17 حالة إصابة على الأقل، وفقًا للجنة الطوارئ

وتشهد المحافظة الساحلية هطول أمطار غزيرة، وسيول جارفة، إضافة إلى السيول القادمة من المحافظات المجاورة

يوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن إجمالي 38 ألفا و285 أسرة، ما يقارب 268 ألف شخص في اليمن، تأثروا بالفيضانات، وأن البنية التحتية، بما فيها المدارس والطرق والمرافق الصحية تأثرت، بالإضافة إلى تضرر سبل العيش

أفراح بورجي، صحفية من الحديدة، تقول لـ “المشاهد” إن المواطن في تهامة يجد نفسه عاجزًا عن الرحيل من مناطقهم التي عاشوا فيها عقود من الزمن، وأجبرهم الفقر وتردي وضعهم المعيشي على البقاء في تلك المساحة الجغرافية

وتشير إلى أن السكان في العديد من قرى الحديدة صاروا مشردين في العراء ينتظرون العون والمساعدة من الجهات والمنظمات الإنسانية

وتضيف: “هناك قرى أخرى لم تكن تشهد سيول منذ عشرات السنين، ولم تتضرر من الأمطار في المواسم السابقة، لكن الأهالي فوجئوا هذه المرة بتدفق سيول قادمة من جبال المحافظات القريبة منها”

تختم بورجي وحديثها، وتقول: “العديد من العائلات في ريف تهامة فضلوا العيش بالقرب من الأودية، حيث يوجد الماء، وكونوا العديد من المزارع على ضفافها، ولهذا وجدوا البقاء بجانب الوديان وبطونها خيارًا مناسبا لهم”

ليصلك كل جديدالإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقارير