توفيق السامعي : الجهاد عند الإمامة الهاشمية.. وسيلة الإرهاب والتمدد (1-2)

منذ 2 ساعات

توفيق السامعي رفع الإماميون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعاراً ولافتة شرعية يتخفون خلفها ويُلَبِّسون بها على العامة من الناس، ليس بحسب ما جاء في القرآن والسنة (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، بحسب القواعد الفقهية المبينة شرعاً حتى لا يؤدي تغيير المنكر إلى منكر أكبر منه؛ بل جاء بعد هذا التصرف خراب ودمار الأوطان كلها التي يتواجدون ويعملون فيها

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندهم هو التحريض على غيرهم من السنة والدول القائمة وتشويههما واختلاق الأكاذيب حولهما، ودعوة لإخراج الحكم من السنة إلى الإمامة، مهما كانت الدولة عادلة حتى معهم؛ فلا بد لهم من رفع هذا الشعار؛ كون المنكر عندهم عدم الحكم، والأمر بالمعروف الدعوة لتسليمهم هذا الحكم وإلا استخدموا الوسيلة الأخرى الإرهابية في تطبيق هذا الشعار وهو ما يسمونه (الجهاد)

وقد اتخذوا لتطبيق ذلك الشعار وسيلة القتال لإخوانهم المسلمين في كل مكان، والذي يسمونه (الجهاد)؛ إذ إن الجهاد ليس هو المعروف شرعاً عند عامة المسلمين في أنه قتال الكفار أو المعتدي الأجنبي على الأوطان ردعاً ودفعاً لهم عن غزوهم بلاد المسلمين، أو طلباً لنشر الدعوة الإسلامية خارج حدود بلاد الإسلام والمسلمين نصرة للمستضعفين وإنجاداً للمظلومين، والذي ينقسم عند المسلمين عامة إلى قسمين؛ جهاد الدفع، وهو جهاد رد العدوان وردعه، وجهاد الطلب؛ الذي هو سعي المسلمين لنشر الدين الإسلامي في الأرض خارج حدود الدولة الإسلامية، وإصلاح المجتمعات الفاسدة، والأخذ على أيدي الظلمة، وإخراج السلطة من يد البغاة المجرمين في الأرض إلى يد سلطة الإسلام العادلة؛ لإقامة العدل في الأرض، ونشر الإسلام، وتثبيت حكم الله

فإن من يراجع تشريعاتهم وأفكارهم وأدبياتهم وخطاباتهم ورسائلهم إلى الآخرين، وتطبيقاتهم على الأرض، فإنما يجد ذلك الجهاد بمعنى التمرد على الدول، شق عصى المسلمين، قتال إخوانهم المسلمين عموماً من غير طائفتهم، وصولاً إلى قتال بعضهم بعضاً بحسب نظرية الإمامة الخروج بالسيف، فلم يؤثر عنهم قتال ضد أعداء الأمة من الغزاة الأجانب كالمغول والصليبيين وغيرهم، بل كل قتالهم و(جهادهم) كان موجهاً ضد المسلمين في الداخل ومتعاونين مع هؤلاء الغزاة الخارجيين على الأمة الإسلامية!فقد كانوا يصفون المسلمين من غيرهم من السنة بأنهم (بغاة، فسقة، جبارين، مشبهة، مجبرة، كفار تأويل، عصاة، نواصب، خوارج، مرتدين، منافقين، أعداء الله، مرتزقة، دواعش)، وكل هذا من أجل التحريض عليهم واستحلال دمائهم، وإيجاد الدافع للقتال ضدهم والتحريض عليهم والتحريش بينهم وشق صفوفهم والتخذيل عنهم

بينما يطلقون على أنفسهم أجل الأوصاف (مجاهدين، أنصار الله، أولياء الله، آل البيت، العترة، أهل البيت، أولياء المؤمنين)

ومن هنا سنتتبع بعض هذه التشريعات والرسائل والمقاصد الإمامية عند كبرائهم وأئمتهم وتطبيقاتهم إياها عبر مختلف الأزمان

ولنبدأ من مؤسس الإمامة في اليمن يحيى الرسي، الذي قال في التحريض والتدليس على العامة، واستقطابهم باسم الدين وأئمة (آل البيت) إلى ما يسمونه الجهاد: فلما بان ذلك لنا علمنا أن الجهاد مع من قام من الأئمة من ولد الحسن والحسين -عليهما السلام- من أكبر الفرائض التي افترضها الله على عباده، وأوجب لمن قام بها ثوابه؛ إذ يقول سبحانه: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}التوبة111( )

فوجب على الأمة القيام بأمر الله والمجاهدة في سبيل الله، والإخافة للظالمين والمحاربة للعاصين والمعاونة لأئمة المسلمين الذين رضيهم الله للدين، وجعلهم خلفاء على جميع العالمين، سلالة النبيين وصفوة الأئمة الهادين -صلوات الله عليهم أجمعين-، فينبغي لجميع المؤمنين أن لا يفرطوا في الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن التظالم والمنكر، وأن لا يساكنوا الظالمين الجبارين الفاسقين؛ فمن ساكنهم وتابعهم وثافنهم فهو منهم( )

ولنضع ألف خط وعلامة استفهام تحت العبارة السابقة (والمجاهدة في سبيل الله، والإخافة للظالمين والمحاربة للعاصين والمعاونة لأئمة المسلمين الذين رضيهم الله للدين، وجعلهم خلفاء على جميع العالمين، سلالة النبيين وصفوة الأئمة الهادين) فهم يرفعونها ظاهرة ويدعون لها علانية لنصرتهم خاصة للانقلاب على الدول!وجاء في سيرة الهادي: قال علي بن محمد: حدثني أبي محمد بن عبيد الله قال: أقام يحيى بن الحسين في صعدة صفراً وشهري ربيع وجمادى والناس يكتبون إليه في كل وقت من أهل اليمن

وكان عند وصوله البلد قد كتب إلى أهل اليمن جميعاً كتاب دعوة يدعوهم فيها ويحضهم على الجهاد معه( )

وهو في هذا الموضوع كاذب بيّن الكذب أن اليمنيين كاتبوه للجهاد معه؛ وهو القائل في موضع آخر من سيرته متحسراً على عدم نصرته: والله لو كان معي ثلاثمائة وثلاثة عشر مؤمناً، لا بل لو كان معي خمسمائة؛ لأن تلك كانت فضيلة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لدُستُ بها اليمن

ولنأخذ مثالاً على ذلك التحريض ضد المسلمين خطبته ضد العباسيين ورسالته إلى أهل اليمن وبعض زعمائها، وهذه الرسالة على النحو التالي:هلموا إلى جهاد الفسقة الظالمين من أهل قبلتكم من جبابرتهم

ألستم ترون عباد الله المخلصين والقائلين في الله بالتوحيد، المقرين بما ذكر الله في الوعد والوعيد، إلى دينكم مقتولا، وإلى الحق الذي أنزله على نبيكم مخذولا

حكم الكتاب معطلاً بينكم، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معدوماً

قد أمنوا تغييركم عليهم، ونسوا من يكاتبهم فيكم، وبسطوا أيديهم عليهم، وحكموا بحكم الشيطان فيهم، يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم

حرموهم واصطفوا مع ذلك أموالهم، وأجاعوا بطونهم، وأعروا ظهورهم، وأضاعوا سبيلهم، وأخافوا على أنفسهم

يجتبون أموالهم، ويقتلون رجالهم، ويمنعونهم النصف، ويسومونهم الخسف، هتكاً للحريم، وتمرداً على الله العظيم

لا يرحمون العباد، ولا يصلحون البلاد، رافضون معطلون بالنكاح، معتكفون بالسلاح، المكر بينهم ظاهر، وأفعال قوم لوط أفعالهم، وأعمالهم في ذلك أعمالهم، يتخذون الرجال ويأتونهم من دون النساء، ويظهرون الفجور علانية

إن عاهدوا نقضوا، وإن أمنوا غدروا، وإن قالوا كذبوا، وإن أقسموا حنثوا

قد قتلوا الأرامل والولدان، وحرموهم ما جعل الله لهم

في الفسق منغمسون، وعن الحق مجنبون

لم ينالوا ما نالوا من أولياء الله إلا بالغدر، ولم يقدروا عليه إلا بالجبر، وعقدوا مواثيق الله له في أعناقهم، وسط أمان الله وأمان رسوله منهم، فإذا أركن إلى عظيم ما يعطونه، ووثق بجليل إيمانهم قتلوه من بعد ذلك غادرين، ومثلوا به ناكثين

فأي ظلم أو غشم أو إثم أعظم مما فيه من هو يدعي أنه إمام للمسلمين أو أمير للمؤمنين من الذين أماتوا الكتاب والسنن، وأحبوا البدع والفتن، وقتلوا الحق، وأحبوا الفسق

جلسوا في غير مجلسهم، وتعاطوا ما ليس لهم

ألستم ترون ما قد صار إليه أعداء الله وأعداؤكم من النقص والخذلان والضلال والنقصان، فكل يوم يردنون، وكل شهر ينقصون، وكل عام يفتنون

وقد بلغت بهم واجترأت عليهم ساستهم فصاروا يسومونهم العذاب، يقتلون من شاءوا منهم ويقيمون من أرادوا منهم

يحيون الأمور لأنفسهم، قد تسلط عليهم شرارهم، وأعوانهم وعبيدهم، فلا مال عندهم، ولا رجال في جوارهم، ولا أمر ولا نهي، ليس في تابعهم، ولا لهم في بلد ينجون فيه أمرهم غير بعض القرى، قد أحل فيهم الأعراب واستباحت ما قدرت عليه من رعيتهم، ينهبون حواشيهم، ويخيفون سبيلهم، ويقطعون طريقهم، ولا يقدرون على نفيهم وإبعادهم، ولا ينالون ما يشتهون من إذلالهم، بل هم الأذلاء الأقلاء الفساق الضعفة، أشد على الرعية والمساكين إذلالاً من الأقوياء والمحاربين، يخيفون ويأكلون من تحت أيديهم، ويدارون من نابذهم وسلط عليهم

قد انهدم عزهم وانخرقت مهابتهم، وفتكت بهم كلابهم، وقهرهم أشرارهم، وحكم عبدانهم، وقلت وانتفت من أيديهم الأموال، وتفرقت عساكرهم

قد مال عنهم ملكهم، وانهدم باب عزهم، بغير أساس أمرهم، وأعطت خلافتهم صاغرة قيادها، ورمت إلى من قاد بزمامهم، وألقت إليه سمعها وطاعتها، وذل لطالبها صعبها، ولان لمركبها مركبها، وذل له بعد الصعوبة ظهرها، وبرزت له من بعد شدة حجابها واستقامت له

بهذه الخطبة لم يترك الرسي صفة ذميمة ولا لفظا قبيحا إلا رمى بها خصماءه ومن يسعى للتمرد عليهم واستحلال قتالهم ودمائهم حتى لو لم يكونوا كذلك

فالظلمة، والبغاة، والفسقة، في الفكر والأدبيات الإمامية وخطاباتهم ليسوا العدو الخارجي بل هم المسلمون الآخرون من غير طائفتهم الذين يقومون بالتمرد عليهم، وإصدار الفتاوى بالخروج عليهم بالقتال والسيف، قتلهم وتدمير ونهب بلدانهم

يتبع