ثورة يناير 2011 التونسية تفقد بريقها من ذكرى إلى أخرى

منذ سنة

يحيي التونسيون اليوم، الذكرى الثالثة عشرة لثورة 14 يناير 2011، ومع توالي “خيبات الأمل” السياسية والاجتماعية من التجربة الديمقراطية، لاسيما في السنوات الأخيرة، خفت بريق المناسبة وباتت لا تحظى بأي اهتمام يذكر، وهو ما يؤجج تساؤلات المراقبين هذا العام حول إمكانية وجود احتفاء حقيقي بالحدث

 ولئن اختلفت التسميات والشعارات المتصلة بالثورة ومنها “ثورة الحرية والكرامة”، “ثورة الياسمين” وغيرهما، فإنه يوجد إجماع شعبي على أن نتائجها محدودة جدا إن لم تكن شبه معدومة، فباستثناء هامش الحقوق والحريات، لم تتحقق المطالب التي قامت عليها الثورة، وفي مقدمتها، التشغيل والتنمية الجهوية والعدالة الاجتماعية، فضلا عن النهوض الاقتصادي

 وتختلف الآراء بشأن تحديد الفترة الزمنية للثورة وتاريخ اندلاعها، لكن غالبية المتابعين يطلقون عليها اسم “ثورة 17 من ديسمبر 2010 ، 14 يناير 2011”

  ورفع التونسيون خلالها شعارات: “الشغل والحرية والكرامة”، وخرجوا في مظاهرات حاشدة مطالبين برحيل الرئيس زين العابدين بن علي، ومحاسبة الفاسدين في أجهزة الدولة، ورغم رحيل الرجل عن السلطة إلا أن الشعب بقي بثورة حققت له حرية التعبير دون تحقيق باقي الأهداف الاقتصادية والسياسية، إذ تراجع مستوى عيش التونسيين ومقدرتهم الشرائية واستفحلت مؤشرات الفقر والبطالة

 ورغم التخلص من منظومة حكم بن علي، واليوم، استفاق التونسيون بعد 2011 على ممارسات منظومة أخرى أشد فتكا بحسب رأيهم، (حكم حركة النهضة)، التي مسكت زمام الحكم لسنوات ورمت بظلالها على جميع الأصعدة

 ويقول مراقبون، إن الثورة أفرزت انقساما سياسيا جديدا على أسس حزبية وأيديولوجية، بين إسلاميين وعلمانيين، تكاثرت معه النظم الحزبية “المتكالبة” على السلطة والتحكم في مفاصل القرار والحكم، وضربت انشغالات الفئات الشعبية عرض الحائط

 ويضيف هؤلاء، إنه يوجد تغييب ممنهج للجانب الاقتصادي من تشجيع على الإنتاج وجلب الاستثمارات والشركات بما يوفر مواطن العمل الجديدة ويحقق أهم مطالب الثورة

 وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت، أن “طموحات مختلف الشرائح الاجتماعية كانت عالية وتطوق إلى الأفضل، فالطبقة الوسطى كانت معنية بالحريات والديمقراطية والاضطلاع بمهام في الدولة، والطبقة الشعبية الفقيرة كانت معنية خصوصا بالتشغيل والتنمية”

 وأضاف لـ”العرب”، “الطموحات لم تكن متجانسة مع الواقع، و14 يناير أفرز مزيجا من التشكيلات السياسية، ثم منحت الثقة لحزب (في إشارة إلى حركة النهضة)، قيل إنه يحمل مشروعا ثقافيا وأخلاقيا، لكن تبيّن عكس ذلك، حيث لم تهتم النهضة بالمجتمع واعتنت فقط بالجماعة، والجمهورية الثانية فشلت اقتصاديا وسقطت في الفوضى السياسية وجعلت من الديمقراطية تتخذ شكلا مشوّها”

  وتابع ثابت ” للأسف الثورة لم تعد تعني أي شيء لأحد، عدا جزء مثقف، لكن الأغلبية لم تعد تهتم بها وهناك خيبة أمل سياسية واجتماعية بسبب 10 سنوات من حكم النهضة، ثم العودة إلى نظرية الرجل القوي ومساندة مسار 25 يوليو الذي حسم في مسألة الديمقراطية التمثيلية وأغلق الباب أمام التعدد الحزبي”

 ولفت المحلل السياسي إلى وجود “سوء إدارة الدولة للاقتصاد، وقادت إلى إجهاض الوعي الديمقراطي الجنيني لدى التونسيين، وحاولت الحركة الاستئثار بالحكم وبناء وضع سياسي على المقاس، كما أن الرئيس قيس سعيد الآن يواجه إرثا مزدوجا لنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي وحكم الترويكا، التي ميزتها العطالة الاقتصادية والاجتماعية، وتزايد مشاكل الإنتاج في مناجم الفوسفات، والمشاكل البيروقراطية، فضلا عن إغراق الدولة بالمديونية والتعيينات العشوائية في مختلف المؤسسات والإدارات”

 واستطرد ثابت قائلا “حكم النهضة من 2011 إلى 2019، كان كارثيا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا”

 واتهمت أطراف حقوقية وسياسية أحزاب السلطة في المنظومة السابقة بالقيام بتعيينات كبيرة أثقلت كاهل الإدارة التونسية بسبب اعتمادها على مبدأ الغنيمة والولاءات الحزبية وليس على مبدأ الكفاءة للهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسساتها

 وواجهت البلاد بعد 2011، موجة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والضغط من أجل توفير الوظائف، كما “صدر مرسوم العفو التشريعي العام في 19 فبراير 2011، الذي تم بمقتضاه انتداب حوالي 7 آلاف موظف في الوظيفة العمومية، من دون مناظرات رسمية

 وقال رئيس حزب الائتلاف الوطني التونسي ناجي جلول، “للأسف الشديد 60 في المئة من التونسيين لا يؤمنون بالبرلمان، والمواطن التونسي لا يمتلك تجربة مع الديمقراطية، واقترنت عنده بالمحسوبية والفقر”

  وأكد في تصريح لـ”العرب”، أن “النخبة السياسية عوض أن تؤكد على أننا في فترة انتقال ديمقراطي، اتبعت خطابا تعيسا، والثورة أهدت لتونس الحرية، والمشكلة الأساسية أنها لم تعالج المشاكل الاقتصادية، والمواطن التونسي لم ير سياسيين يتحدثون عن مشاكله ويقدمون حلولا”

 وأشار جلول إلى أن “الصراع السياسي لم يكن على أفكار، بل تجاذبات جوفاء وعنف برلماني، وفشلنا في تحقيق التنمية بسبب خيارات كارثية”

 وخلال الفترة التي سبقت استلام قيس سعيد للحكم، كانت الأحزاب المتظاهرة ومعها اتحاد الشغل تعيش على وقع صراعات كثيرة على الحكومة وعلى السياسات الاقتصادية للبلاد، ما يدفع المراقبين إلى التساؤل إن كانت هذه المعارضة صارت بقدرة قادر قادرة على الخروج بتونس من أزمتها، وهي التي لم تتمكن من إصلاح الانقسامات الأيديولوجية والشخصية العميقة التي قسَّمتها لسنوات بدلا من تشكيل جبهة موحدة

 وتغاضت الأحزاب التي قادت حكومات ما بعد الثورة عن المشاريع الاقتصادية، وتركت الحرية التامة للإضرابات والاعتصامات ضمن سياق يهدف إلى التهدئة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي كان يضغط من خلال هذه الأشكال من التحركات لتحصيل مكاسب سياسية تبوئه لأن يكون “أقوى قوة في البلاد”، كما يردد منتسبوه في كل مناسبة يكون الاتحاد فيها في مواجهة مع الحكومة أو رئاسة الجمهورية

 وأكدت شيراز الشابي، الناشطة السياسية والنائبة بالبرلمان السابق، أن “الانتظارات كانت كثيرة من الثورة، لكن فوجئ الجميع بخيبة أمل لذلك لم تعد هناك صبغة احتفالية بالحدث، لأن الطبقة السياسية بعد 2011 قدمت وعودا مزيّفة”

 وأضافت لـ”العرب”، “الخطاب السياسي رافقته التجاذبات والمناكفات، ولم يكن هناك توافق حقيقي من أجل تحقيق الأهداف، كما أن توافق النهضة والنداء كان مزيّفا”، مبرزة “نأمل أن يغير الرئيس سعيد الأوضاع في البلاد”

  ويرى متابعون أن الطبقة السياسية سيطرت على الثورة مع أول انتخابات في أكتوبر 2011، واعتبرت أن 14 يناير ثورة بدلا من 17 ديسمبر، لأن 14 يناير وضع البلاد تحت قبضة من مسكوا الحكم، فيما كان 17 ديسمبر رسالة رمزية عن المطالب الاجتماعية وعن حاجة مناطق الداخل والأحياء الشعبية إلى تغيير المثال التنموي

 وفي غياب البرامج التي يمكن أن تحقق مطالب شباب الجهات التي شاركت في الاحتجاجات، عملت الجهات السياسية المختلفة على استغلال الفرصة لمراكمة المكاسب السياسية، حيث جرت خلال 11 عاما أربعة انتخابات واستفتاء، وتم تغيير القوانين في كل انتخابات لتتلاءم مع أفكار القوة المسيطرة على البرلمان من تدعيم النظام البرلماني الذي يفتت السلطات إلى استعادة النظام الرئاسي الذي يجعلها في قبضة الرئيس

 واعتبر الباحث في العلوم السياسية، محمد العربي العياري، أنه “لم يتحقق من الثورة سوى الإسم، والأحد سيكون يوما عاديا جدا لدى التونسيين، بسبب فشل النخب في استغلال وجود ثورة بعد 2011”

 وصرّح لـ”العرب”، “لم يتم معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وهناك تدخلات خارجية، فضلا عن غياب الإرادة الحقيقة للإصلاح”، قائلا “هي 10 سنوات من المناورة السياسية ومن إدارة الحلم وليس الواقع”

 ولفت العياري إلى أن “كل الفاعلين السياسيين بيمينهم ويسارهم، كانوا يتعاملون مع الثورة بمنطق الحلم وليس واقعا قابلا للتطبيق، والكل أراد اقتناص الفرصة للاستفادة الشخصية”

 وفي ظل الأزمات المتراكمة، بات جزء كبير من التونسيين يشككون في صحة مسار ثورتهم التي استغلتها عديد الأطراف من الداخل والخارج، وما زالت ترفع نفس المطالب من شغل وتنمية رغم ما تحقق من حريات عامة لم تكن موجودة، من بينها، حرية التظاهر وحرية الصحافة والنشر

   خالد الهدوي