حلول وآليات للحد من العنف الأسري ضد النساء

منذ 4 ساعات

تعز- أسامة فرحان“أتت إلينا وهي في حالةٍ يُرثى لها، بعد أن قام زوجها بضربها ضربًا مبرحًا وطردها من البيت”

هكذا تصف الأخصائية الاجتماعية في اتحاد نساء اليمن -فرع تعز، مروى أحمد، حالة إحدى النساء المُعنًفات اللواتي لجأنَ إلى مكتب الاتحاد عام 2024؛ للحصول على المساعدة والعون اللازم

في كل عامٍ يحتفل العالم بحملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي

تبدأ هذه الحملة في اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء في الـ25 نوفمبر، وتستمر حتى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في الـ10 ديسمبر؛ لزيادة الوعي والإلهام لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي

في هذا السياق تقول مروى لـ”المشاهد”: “تصل إلينا الكثير من النساء اللواتي يتعرضنّ للعنف بمختلف أشكاله، معظمها حالات تقشعر لها الأبدان”

ما روته مروى ليس حالةً فردية، بل صورةً مصغرةً؛ لمشهدٍ متكررٍ تعيشه آلاف النساء اليمنيات، وأكدته الإحصائيات الدولية والمحلية التي تكشف عن تزايدٍ مقلقٍ لمؤشرات العنف في ظل استمرار الحرب وتدهور الأوضاع المعيشية

ظاهرة العنف ضد النساء في اليمن ليست وليدة الحرب، لكن دائرتها تضاعفت بشكل أكبر خلال فترة الحرب، وبحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان 2023، فإن نحو 7

1 مليون امرأة وفتاة في اليمن بحاجةٍ إلى خدمات حمايةٍ وعلاجٍ من العنف القائم على النوع الاجتماعي

وفي سياق مرتبط، تقول رئيسة اتحاد نساء اليمن – فرع تعز، صباح راجح، في حديثها لـ”المشاهد”، إن هناك تزايد مستمر لعدد النساء المعنفات اللاتي لجأنَ للاتحاد  لتلقي الدعم النفسي والقانوني خلال السنوات الأخيرة

وتوضح أن عدد الحالات التي استقبلها فرع الاتحاد في تعز ارتفع من (1,940) حالةٍ عام 2023 إلى (2,695) حالةٍ في 2024

وتشير راجح إلى أن هذه الإحصاءات تشمل فقط الحالات التي وافقت على التسجيل، بينما تفضّل الكثير من النساء تلقي الدعم دون الكشف عن أسمائهنّ وتسجيلها في الكشوفات

وفي محافظة حضرموت، تؤكد رئيسة فرع الاتحاد، فاطمة النوبي، الاتجاه ذاته؛ إذ ارتفع عدد النساء اللواتي لجأنَ للاتحاد من (230) حالة عام 2023 إلى (289) حالةٍ في 2024

ترى أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة ألطاف الأهدل، مستشارة في مؤسسة المرأة الآمنة أن الحرب والظروف المعيشية من أبرز الأسباب التي تقف وراء تزايد العنف

حيث تقول إن الصراع أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد الضغوط الاقتصادية والنفسية؛ مما خلق بيئةً خصبةً لزيادة العنف الأسري ضد النساء

أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة ألطاف الأهدل، مستشارة في مؤسسة المرأة الآمنة: الحرب والظروف المعيشية من أبرز الأسباب التي تقف وراء تزايد العنف

حيث تقول إن الصراع أدى إلى تفكك النسيج الاجتماعي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتزايد الضغوط الاقتصادية والنفسية؛ مما خلق بيئةً خصبةً لزيادة العنف الأسري ضد النساء

وتستطرد في حديثها لـ”المشاهد”: “خلال عملي كمستشارةٍ أسرية، تصل إلينا كثير من الاستشارات لنساءٍ يعانينَ من العنف الذي يمارسه الذكور المسؤولين عن الإنفاق والجانب الاقتصادي في المنزل”

من جانبها توضح المحامية، سمر العبسي، في تعز، أن العوامل الاجتماعية ليست وحدها سبب تفاقم العنف ضد النساء، بل إن القصور القانوني يعدّ جزءًا أساسيًا من المشكلة

تقول العبسي لـ”المشاهد”، إن غياب الإطار التشريعي والإجرائي الذي يربط بين النص القانوني والحماية الفعلية للنساء ساهم في ارتفاع حالات العنف بشكل أكبر

وتوضح أن العنف الأسري لا يُعرَّف في القوانين اليمنية كجريمةٍ مستقلة، بل يُعامل ضمن الجرائم العامة كالضرب أو الإيذاء، دون مراعاة خصوصيته أو حاجته لإجراءات حمايةٍ عاجلة

مستطردة: “وهذا الخلل يمنع تحريك الدعاوي العامة تلقائيًا، ويجعل كثيرًا من الحالات تُدرج تحت مسمى “خلافٍ أسري” يمكن التنازل عنه أو الصلح فيه”

المحامية سمر العبسي: العنف الأسري لا يُعرَّف في القوانين اليمنية كجريمةٍ مستقلة، بل يُعامل ضمن الجرائم العامة كالضرب أو الإيذاء، دون مراعاة خصوصيته أو حاجته لإجراءات حمايةٍ عاجلة

كما تشير إلى أن التحكيم العرفي يتقدم على القانون في المناطق ذات النفوذ القبلي، حيث تُغلق العديد من القضايا بتعهداتٍ شفهيةٍ أو غراماتٍ بسيطة، دون آليات متابعةٍ أو ضماناتٍ لحماية الضحية، وبهذا تنتقل القضية من نطاق العدالة القانونية إلى منظومةٍ اجتماعية لا تمتلك أدوات رصدٍ أو حماية؛ ما يترك النساء في بيئةٍ غير آمنة، ويشجع على تزايد وتكرار العنف

وتلفت العبسي إلى أن نظام الإثبات غير ملائمٍ لهذه النوعية من الجرائم، إذ تُحمّل الضحية عبء إثبات تعرضها للعنف داخل بيئةٍ مغلقةٍ غالبًا ما تخلو من الشهود؛ ما يتعارض بوضوحٍ مع مبادئ العدالة الإجرائية

رغم مؤشرات ارتفاع نسبة النساء المعنفات في اليمن، تظل بيانات العنف ضد النساء شحيحةً وغير موثقة، وهو ما أكده تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان لعام 2023؛ عازيًا ذلك إلى غياب الآليات القانونية الفعّالة، وسيطرة الخوف والوصمة الاجتماعية وعوامل أخرى

كما أشارت دراسة أجرتها منظمة “مواطَنة” لحقوق الإنسان، حول العنف الأسري ضد المرأة أثناء الحرب في اليمن خلال عامي 2014-2021، بعنوان “جدران هشّة“، إلى نقص البيانات حول العنف الأسري الذي يُعتبر عادةً “شأنًا عائليًا”، وتتعرض له النساء والفتيات من أفراد العائلة في مجتمعٍ يهيمن عليه النظام الأبوي والتقاليد الاجتماعية

وفي ذات السياق، تقول الناشطة المجتمعية والحقوقية وضحى الأشعري، من تعز، لـ”المشاهد”: “إن الإحصائيات المتداولة حول العنف ضد النساء في اليمن لا تعكس الواقع الفعلي، فهي لا تُظهر إلا الحالات التي تصل إلى الجهات المعنية، بينما تبقى الغالبية خارج أي رصدٍ أو توثيق”

 وتوضح الأشعري أن الأسباب التي تمنع النساء من الإبلاغ عن العنف عديدة، أبرزها الأعراف والتقاليد التي تُجرّم المرأة اجتماعيًا لمجرد الإفصاح عن تعرضها للعنف، خصوصًا في المناطق الريفية، حيث الخوف من العار والتنمر يمنع الكثيرات من اللجوء للجهات المختصة

 وتضيف: “الخوف من الانتقام يمثل سببًا آخرًا، إذ تخشى المعنّفة أن يؤدي إبلاغها إلى تفاقم العنف ضدها، أو تعرض أطفالها وأسرتها للتهديد”

هذا الخوف الذي تتحدث عنه الأشعري، يجد مبرراته في الواقع الإجرائي الذي تصطدم به الضحايا، فعملية الإبلاغ نفسها تتحوّل إلى مخاطرة، وهو ما توضحه المحامية والناشطة الحقوقية، سمر العبسي، من تعز، بالقول: “غياب إجراءات وأوامر الحماية التنفيذية يفاقم خطر الإبلاغ، حتى في الحالات التي يُحتجز فيها المعتدي لساعات، يعود إلى المنزل في ذات اليوم دون قيودٍ واضحة، وتدرك النساء هذه الحقيقة مسبقًا؛ ما يرفع معدل تراجعهنّ قبل اللجوء للإبلاغ عن العنف”

وتوضح العبسي لـ”المشاهد” أن الشرطة تتعامل مع شكاوى العنف الأسري كـ”قضايا عائلية”؛ ما يفضي لتدخل الوسطاء وكشف هوية الضحية؛ مما يهدد السرية ويزيد من خطر الانتقام

ترى المحامية، سمر العبسي، أن الخطوة الأولى للحد من ظاهرة تزايد العنف ضد النساء في اليمن تبدأ من إصدار تشريعٍ خاص بالعنف الأسري يحدد نطاق الجريمة تعريفًا وفعلًا، ويُقرّ أوامر حمايةٍ عاجلة نافذةٍ بحكم القانون

بالإضافة إلى إنشاء منظومةٍ وطنية للمساعدة القانونية المجانية في قضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، بوصفها خدمةً ملزمةً تكفلها الدولة وتتمتع بضمانات الاستقلال والتمويل المستدام

كما تشير إلى أهمية استحداث وحدات تحقيقٍ ونيابةٍ متخصصة تعتمد بروتوكولًا إلزاميًّا للإحالة المؤسسية بين الجهات المختصة

من جانبها، تؤكد دكتورة علم الاجتماع، ألطاف الأهدل، على ضرورة استحداث محاكم الأسرة وتفعيلها لضمان وجود جهةٍ قضائيةٍ متخصصةٍ تتعامل مع قضايا العنف الأسري

وتشير الاهدل إلى أن معالجة الظاهرة لا تقتصر على الجانب القانوني فحسب، بل تحتاج إلى تفعيل أدوات الضبط الاجتماعي غير الرسمية التي كانت فاعلة قبل اندلاع الحرب، موضحةً أن إشراك شخصياتٍ مجتمعيةٍ مؤثرةٍ مثل عُقّال الحارات، أئمة المساجد، والأمناء الشرعيين، يمكن أن يمثل عامل ضبطٍ لبعض الرجال الذين يجدون في العنف ضد المرأة وسيلةً للتعبير عن كل ما يجول في خاطرهم

ما رأيك بهذا الخبر؟سعدنا بزيارتك واهتمامك بهذا الموضوع

يرجى مشاركة رأيك عن محتوى المقال وملاحظاتك على المعلومات والحقائق الواردة على الإيميل التالي مع كتابة عنوان المقال في موضوع الرسالة

بريدنا الإلكتروني: almushahideditor@gmail

comاحصل على آخر أخبار المشاهد نت مباشرة إلى بريدك الإلكتروني

الإعلاميون في خطرمشاورات السلام كشف التضليل التحقيقات التقاريرمن نحن