خنق حضرموت: مصير مجهول لإدارة الحقول وإنتاج النفط

منذ 2 ساعات

تتجه الأنظار في اليمن إلى الجنوب الشرقي من البلاد الغني بالنفط والثروات الطبيعية والمعدنية، إذ يقترب الصراع في محافظة حضرموت من رسم خريطة المشهد الاقتصادي والسياسي والجغرافي، بناءً على الكثير من المعطيات، أهمها مصير الاحتياط النفطي الضخم، والإنتاج المتواصل رغم الاضطرابات التي تشهدها أكبر وأهم محافظة في اليمن

ومع بدء سيطرة القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على سيئون ومناطق وادي وصحراء حضرموت التي تتركز فيها منشآت وحقول النفط، يكتنف الغموض مصير هذه المنشآت وإدارتها وعملية الإنتاج، إذ لا تزال القوات التابعة لحلف قبائل حضرموت المناوئ للمجلس الانتقالي الجنوبي تحكم سيطرتها على منشآت بترومسيلة منذ يوم السبت 29 نوفمبر/تشرين الثاني

وتأسس حلف قبائل حضرموت عام 2013، وينادي بالحكم الذاتي لحضرموت، وهو كيان خاصّ بأبناء المحافظة، ولا يتبع للمجلس الانتقالي الجنوبي ولا الحكومة المعترف بها دولياً

وتفيد مصادر محلية، فضلت عدم الإشارة لهويتها، تحدثت لـالعربي الجديد، أن لجنة الوساطة المكلفة من المحافظ حديثاً لمحافظة حضرموت سالم الخبشي تجري مفاوضات مكثفة مع قيادة التحالف القبلي الذي يصرّ على الاشتراك في إدارة القطاع النفطي الأكبر في اليمن، وفق تسوية محددة تفضي إلى منح صلاحيات واسعة للمجتمع المحلي بالمحافظة في إدارة مواردهم الذاتية والنفطية

في حين قال محافظ حضرموت في تصريحات أدلى بها إلى التلفزيون الرسمي قناة اليمن إنّ الأزمة في منشآت بترومسيلة النفطية أوشكت على الانتهاء باتفاق بين السلطات المحلية وحلف قبائل حضرموت، يشمل الخروج من المنشآت وعودة عملها وإنتاجها وضخ الوقود لتشغيل محطات الكهرباء

توترات متصاعدةوتتسارع الأحداث في هذا الاتجاه وسط توترات متصاعدة تشهدها حضرموت منذ أيام، ففي الوقت الذي أعلنت فيه السلطة المحلية بالمحافظة، مساء الأربعاء 3 ديسمبر/كانون الأول، عن التوصل إلى اتفاق تهدئة مع حلف قبائل حضرموت، يضمن استئناف الإمدادات النفطية في المحافظة؛ شهد صباح الخميس إعلاناً آخر عبر وسائل إعلامية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي أن القوات التابعة للمجلس أعادت انتشارها في محيط الشركات النفطية في هضبة حضرموت، وبسطت سيطرتها على جميع النقاط والمواقع، وذلك عقب هجوم شنّته، بعد ساعات من اتفاق التهدئة الذي جرى بين السلطة المحلية وحلف قبائل حضرموت

وتضمن الاتفاق والذي وقع بوساطة محلية، ورعاية سعودية، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ، الوقف الفوري للتصعيد العسكري والأمني والإعلامي والتحريضي، واستمرار الهدنة بين الطرفين إلى أن تنتهي لجنة الوساطة من أعمالها والوصول إلى اتفاق كامل بين الطرفَين، على أن يجري انسحاب قوات الحلف (قوات حماية حضرموت التابعة للشيخ عمرو بن حبريش) إلى المحيط الخارجي للشركة بمسافة لا تقل عن كيلومتر واحد، وعدم اعتراض الدخول والخروج من الشركات وإليها للمعنيين المكلفين بأعمال مدنية وعسكرية داخل الشركات، وإعادة تموضع قوات حماية الشركات إلى مواقعها السابقة لتأمين الشركات، وذلك ابتداءً من صباح 4 ديسمبر 2025

التأثير على الإنتاجوكانت شركة بترومسيلة في حضرموت، أعلنت الاثنين 1 ديسمبر، عن وقف عمليات الإنتاج والتكرير بصورة كاملة في حقول وآبار ومنشآت القطاع 14، منذُ يوم السبت الموافق 29 نوفمبر 2025، نتيجةً لتدهور الأوضاع الأمنية حول منشآت القطاع، الأمر الذي أدى إلى خروج منظومة الكهرباء عن الخدمة في عدد من المناطق الرئيسية في المحافظة اليمنية مترامية الأطراف التي تعيش على وقع توترات واضطرابات عسكرية وأمنية واسعة

 ويوم الخميس، أعلنت الشركة أنها ستستأنف عمليات التشغيل تدريجياً مع تحسن الأوضاع الأمنية في حقول إنتاج النفط والقطاعات التشغيلية

في السياق، يتحدث الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، لـالعربي الجديد، أن ما يجري عبارة عن صراع نفوذ للسيطرة على الموارد والثروات، وهي السياسة المتبعة للدول النافذة والمتحكمة بهذه المناطق، مشيراً إلى أن الأمر لا يتوقف عند حدود المنشآت والحقول النفطية، بل هناك تجاهل لخروج ميناء الضبة النفطي في حضرموت عن سيطرة الحكومة في عدن، وكذا مطار الريان في المكلا عاصمة محافظة حضرموت

وتعتبر محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن من أهم الركائز الإيرادية في الاقتصاد اليمني حالياً، إذ تحتضن المحافظة 51% من الاحتياطي والإنتاج النفطي في البلاد، وخصوصاً في حوض المسيلة الذي يُعد أوسع وأغنى حقول اليمن على الإطلاق، يليه حوض مأرب بنسبة 32% و شبوة بنسبة 17%

ويوضح الخبير اليمني في مجال النفط والغاز عبد الغني جغمان، في تصريح لـالعربي الجديد، أن حضرموت ليست مجرد مساحة جغرافية واسعة، بل مصدر الطاقة الأول في اليمن، ولا سيّما أنها تمتلك محطة بترومسيلة (محطة الرئيس) في عدن والتي تصل طاقتها الإنتاجية إلى 260 ميغاواط

ولهذا تُعد بترومسيلة مركز ثقل اقتصادي وسياسي، ما جعلها محور تنافس داخلي وإقليمي على السيطرة على مواردها الحيوية

منطقة صراعويرى خبراء اقتصاد ومراقبون أن محافظة حضرموت أصبحت ساحة مركزية يتداخل فيها الفشل الحكومي بالتدخل لإقليمي، وتتصادم فيها مشاريع النفوذ، في انعكاس واضح للصراع الأكبر على مستقبل اليمن وثرواته

ويشرح جغمان أن ما يحدث اليوم في حضرموت؛ يتجاوز التنافس المحلي على مناطق نفطية، بل تحوّل إلى صراع مفتوح بين قوى تعمل بالوكالة عن أطراف إقليمية ودولية، تسعى كل منها لفرض نفوذها على أهم مقدرات اليمن الاقتصادية

فحقول المسيلة ومنشآت بترومسيلة ليست مجرد مواقع إنتاج، بل أوراق ضغط استراتيجية تستخدمها القوى المتنافسة لتثبيت حضورها السياسي والعسكري على الأرض

 وبلغ متوسط إنتاج بترومسيلة قبل الحرب في العام 2015 نحو 55 إلى 65 ألف برميل نفط يومياً، في حين كان الإنتاج قد بلغ قبل ذلك في العام 2002 حوالى 230 ألف برميل يومياً في فترات الذروة

ورغم التراجع الكبير خلال سنوات الصراع، كان يشكّل إنتاجها الحالي النسبة الأكبر من صادرات البلاد، إذ كانت تُصدر 35 ألف برميل يومياً إلى ما قبل أكتوبر/تشرين الأول 2022 عندما توقف تصدير النفط نهائياً بسبب ضربات الحوثيين لميناء الضبة

ويقول الخبير الاقتصادي محمد الكسادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، لـالعربي الجديد، إن ما يجري في المحافظة عبارة عن صراع نفوذ على الموارد تقف خلفه دول، مؤكداً ضرورة أن تكون هناك استفادة أكبر لمحافظة حضرموت من عائداتها النفطية