خير الله خير الله : غزّة 2005.. فرصة فلسطينية لن تتكرّر
منذ 43 دقائق
خير الله خير الله بين الفرص الكثيرة التي أضاعها الفلسطينيون، منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل في العام 1948، كانت فرصة غزّة
برزت فرصة غزّة في مثل هذه الأيام قبل عشرين عاما عندما انسحبت إسرائيل من القطاع انسحابا كاملا
إنّها فرصة لن تتكرّر في المدى المنظور، خصوصا أنّ اليمين الإسرائيلي الذي يسيطر على الحياة السياسيّة في الدولة العبرية يعتبر أنّ همّه الأول يتمثّل في رفض قيام دولة فلسطينيّة مستقلّة في يوم من الأيام…تتحمّل السلطة الوطنية ممثلة بمحمود عباس (أبومازن) وحركة “حماس”، التي ركزت على تحويل غزّة إلى أرض تحت سيطرتها، مسؤولية إضاعة فرصة الانسحاب الإسرائيلي والبناء عليه
كانت السلطة الوطنيّة متقاعسة وعاجزة عن استيعاب معنى الانسحاب الإسرائيلي وأبعاده
كانت شهية “حماس”، التي تنتمي إلى الإخوان المسلمين، إلى السلطة من النوع الذي لا حدود له
يمكن الحديث عن شبق لدى “حماس” إلى الاستحواذ على السلطة بغض النظر عمّا إذا كان ذلك يعني وضع نفسها في خدمة المشروع اليميني الإسرائيلي
هذا ما فعلته بالفعل في اللحظة التي راحت تطلق فيها صواريخ في اتجاه مواقع إسرائيلية على الرغم من حصول الانسحاب الكامل من غزّة
منذ احتلالها لغزّة، التي كانت تحت السيادة المصريّة، في حرب حزيران – يونيو 1967، تحاول إسرائيل، من دون نتيجة، إيجاد طريقة للتخلّص من القطاع الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربّعا، فيما يبلغ عد سكانه نحو مليونين ونصف مليون نسمة
تمنّى غير سياسي إسرائيلي بارز لو يبتلع البحر غزّة كي لا يعود هناك رابط برّي بينها وبين إسرائيل
من الواضح حاليا أنّ بنيامين نتنياهو، الذي يقف على رأس أكثر الحكومات اليمنية تطرّفا في تاريخ الدولة العبريّة، يبحث عن حل جذري لمشكلة اسمها غزّة
في أساس هذا الحلّ تحويل غزّة مكانا غير قابل للعيش سواء نُفّذ قرار إعادة احتلال القطاع أو لم ينفّذ… في ضوء الضغوط الداخلية والدولية الجدّية، خصوصا الأميركيّة، التي تمارس على “بيبي”
يحتمل أن يعدّل نتنياهو خطته لاحتلال غزّة، لكنّه لن يفعل ذلك سوى بهدف واحد هو عدم استفزاز دونالد ترامب
في مرحلة ما قبل توقيع اتفاق أوسلو في أيلول – سبتمبر من العام 1993، تلقّى ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، عروضا إسرائيلية تتضمن دعوة إلى إقامة دولة فلسطينية في غزّة
لكنّ “أبوعمّار” استغلّ فرصة اتفاق أوسلو، كي يصرّ على تضمين الاتفاق صيغة “غزّة وأريحا أوّلا”
ربط بذلك بين القطاع والضفّة الغربية من منطلق أنّ لا فصل بينهما وأنّ أي تسوية نهائية ستتضمن إنشاء ممر برّي بين القطاع والضفّة
فشل أوسلو لأسباب عدة من بينها الحرب التي شنّها عليه اليمين الإسرائيلي، وهي حرب توّجت باغتيال إسحق رابين في تشرين الثاني – نوفمبر 1995
لم يدرك عرفات وقتذاك خطورة ما كانت تفعله “حماس” التي دعمت اليمين الإسرائيلي وقوّته من خلال العمليات الانتحاريّة التي نفّذتها مدعومة من “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران وما يسمّى، عموما “جبهة الممانعة”
لعلّ أهم ما فات “أبوعمّار” في تلك المرحلة، التي شهدت تقلّبات داخليّة إسرائيلية، من نوع تولي إيهود باراك موقع رئيس الوزراء، أن الوقت لا يعمل لمصلحته ولمصلحة القضيّة الفلسطينيّة
فوّت عرفات فرصا كثيرة وصولا إلى فرض أرييل شارون الذي صار رئيسا للوزراء في شباط – فبراير 2001 الإقامة الجبرية عليه في ما يسمّى “المقاطعة”، مقرّ الرئاسة الفلسطينيّة في رام الله
توفّى “أبوعمّار” في 11 تشرين الثاني – نوفمبر 2004
كانت مناسبة ليختبر أرييل شارون محمود عبّاس (أبومازن) خليفة ياسر عرفات
وجد شارون في الانسحاب الكامل والمفاجئ من القطاع في آب – أغسطس 2005، وهو انسحاب شمل تفكيك مستوطنات أقامتها إسرائيل في غزة، حلّا جذريا يحاول من خلاله التخلّص من مشكلة القطاع المكتظ بالسكان
وفّر الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزّة فرصة للفلسطينيين وفخّا نصبه لهم شارون في الوقت ذاته، خصوصا أنّ الهدف الإسرائيلي لم يكن بريئا
انسحبت حكومة شارون من غزّة “كي تمسك بطريقة أفضل بالضفة الغربيّة،” على حد تعبير دوف فايسغلاس الذي كان مديرا لمكتب رئيس الوزراء وقتذاك
بدل أن يسارع “أبومازن”، فور انسحاب إسرائيل، إلى الانتقال شخصيا إلى غزّة، مظهرا أنّه قائد حقيقي لشعبه، تركت السلطة الفلسطينية الفوضى تدب فيها
كانت فوضى استغلتها “حماس” إلى أبعد حدود بعدما بدا رئيس السلطة الوطنيّة كأنّه غير مبال بمصير غزة وأهل غزّة التي سيطرت عليها “حماس” شيئا فشيئا بدعم إيراني واضح
لم تجد “حماس” صعوبة في القضاء على “فتح” منتصف العام 2007
أقامت الحركة التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين “إمارة إسلاميّة” في القطاع وكرّست الانقسام الفلسطيني المستمرّ إلى يومنا هذا… فضّل الفلسطينيون، وتمثلهم السلطة الوطنية و”حماس”، الفخ الذي نصبته لهم إسرائيل في غزّة في مثل هذه الأيام من العام 2005
كان بالإمكان إقامة نموذج مصغر لدولة فلسطينية مسالمة انطلاقا من غزة
من الفشل في ذلك، بدأت المأساة التي يشهدها القطاع اليوم بعد عشرين عاما بالتمام والكمال على الانسحاب الإسرائيلي الكامل
هذه المأساة ليست وليدة “طوفان الأقصى” فحسب، بل هي أيضا وليدة تراكمات أهمّها الفرصة التي ضاعت في 2005، وهي فرصة غير قابلة لأن تستعاد يوما… في ظل سلطة وطنيّة مترهّلة وإصرار “حماس” على وجود مستقبل سياسي لها!يبدو أنّه عندما تواجه “حماس” احتمال خسارة مستقبلها السياسي، وهو مستقبل لا وجود له أصلا في معزل عن خدمة المشروع الإسرائيلي، تلجأ إلى الانتحار
الخطير في الأمر أنّها تجر معهاّ غزّة وناسها إلى مثل هذا الانتحار… نقلا عن العرب