د. تركي القبلان : مدخل تحليلي: المقارنة البنيوية بين نمطين سياسيين

منذ 2 ساعات

د

تركي القبلان في سياق النقاش الدائر حول مستقبل اليمن والمشاريع السياسية المتنافسة فيه ، تبرز الحاجة إلى تجاوز الخطاب الأيديولوجي نحو التحليل البنيوي الذي يكشف عن أنماط السلوك السياسي-العسكري بمعزل عن الشعارات والمرجعيات المعلنة

المقارنة بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحركة الحوثي ليست محاولة لمساواتهما أخلاقياً أو سياسياً ، فلكل منهما سياقه التاريخي ومشروعه المختلف

لكنها مقارنة بنيوية تستهدف الكشف عن التشابهات في آليات العمل السياسي وأدوات الحسم العسكري والتأثير على الاستقرار الإقليمي

الهدف من هذه المقارنة ليس الحكم القيمي ، بل فهم النمط: كيف تتصرف الكيانات المسلحة التي تمتلك مشروعاً سياسياً خاصاً في سياق دولة هشة ومنقسمة؟ وما هي العواقب الجيوسياسية لهذا النمط على الجوار الإقليمي والمجتمع الدولي؟عندما ننظر إلى الانتقالي والحوثي نجد أنهما يشتركان في خصائص بنيوية أساسية:أولاً: كلاهما مكوّن مسلح يمتلك قدرة عسكرية مستقلة عن الدولة المركزية ، سواء كان خارج إطارها (الحوثي) أو داخله لكن مع استعداد للتمرد عليه (الانتقالي)

ثانياً: كلاهما استخدم القوة العسكرية كأداة لفرض مشروعه السياسي

ثالثاً: كلاهما يثير مخاوف جيوسياسية لدى دول الجوار والمجتمع الدولي ، ليس بالضرورة بسبب أيديولوجيته ، بل بسبب قدرته على زعزعة الاستقرار الإقليمي وخلق بؤر توتر جديدة

رابعاً: كلاهما يعتمد على ارتباطات خارجية لتحقيق مشروعه ، مما يحوّل القضية اليمنية الداخلية إلى ساحة صراع إقليمي ودولي

هذه المقارنة لا تنفي الاختلافات الجوهرية بين المشروعين: الحوثي حركة أيديولوجية ذات أجندة توسعية ، بينما الانتقالي مكوّن سياسي يستند إلى قضية واقعية ويسعى لفرض واقع قبل مفاوضات الحل الشامل

لكن التشابه في الأدوات والتبعات يجعل المقارنة مشروعة ومفيدة تحليلياً

السؤال المركزي الذي تطرحه هذه المقارنة: هل يمكن لليمن أن يستوعب نمطاً آخر من الكيانات المسلحة ذات المشاريع السياسية المستقلة؟ وإذا كان الحوثي قد أثبت أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لبناء دولة مستقرة ومقبولة إقليمياً ودولياً ، فما الذي يجعلنا نعتقد أن الانتقالي سيحقق نتيجة مختلفة باستخدام الأدوات ذاتها؟ لكن تعدد المشاريع السياسية-الجغرافية في اليمن سواء أكانت انفصالية (الجنوب) أو مناطقية (حضرموت، تهامة) أو أيديولوجية (الحوثي)

قد يقودنا إلى استنتاج مفارق: ربما يكون الحل ليس في قمع هذا التعدد ولا في الاستسلام له عبر التفتيت ، بل في استيعابه مؤسسياً ضمن نموذج اليمن الاتحادي الذي طرحته مخرجات الحوار الوطني

 النموذج الاتحادي لا يعني الضعف أو الانقسام ، بل قد يكون الصيغة الوحيدة القادرة على احتواء التنوع الجغرافي والسياسي دون الانزلاق نحو الحرب الأهلية الدائمة أو التفتيت الكامل

فإذا كانت المشكلة الحقيقية هي غياب توافق على نموذج الحكم المركزي ، فربما يكون الحل في اللامركزية الموسعة التي تمنح كل إقليم حكماً ذاتياً حقيقياً ضمن دولة واحدة