د. ثابت الأحمدي : الصهيونيّة الحديثة.. غريزة العنف؟ أم الانتقام الأحول؟!

منذ 8 ساعات

د

ثابت الأحمدي المتأمل والمتابع لتاريخ اليهود منذ تكونهم العبراني الأول يجد أن هذه الجماعة ذات تركيبة عرقية ونفسية عجيبة، استعصت على التعايش مع كل الأمم والحضارات منذ تاريخها الأول وحتى اليوم

 حياتها تاريخ من الصراع والمنافي والشتات، ولنتابع:1ــ الاستعباد الفرعوني في مصر، وفقًا للرواية التوراتية، بدأ استعباد بني إسرائيل بعد مجيء يعقوب وعائلته إلى مصر بسبب المجاعة في كنعان، ويُقال أنهم ظلوا هناك ما يزيد عن 400 سنة، فانتهى استعباد بني إسرائيل بخروجهم من مصر بقيادة النبي موسى، فيما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد

 2ــ السبي الأشوري، لعل أول صراع سياسي لليهود كان مع الآشوريين سنة 722 ق

م، في تلك الحملة التي قام بها الملك الآشوري شلمنصر الخامس، وتبعه في نفس السياسة خَلفُه سرجون الثاني ضد مملكة إسرائيل الشمالية، التي كانت تقع في الجزء الشمالي من أرض كنعان فلسطين، وعاصمتها السامرة، والتي انتهت بزوال تلك المملكة وسَبيِ جزءٍ كبيرٍ من سكانها، ثم اقتيادهم إلى مملكة آشور، وإن بقيت مملكة يهوذا الجنوبية

 3ــ السبي البابلي، وذلك سنة 597 ق

م، أثناء فترة حكم الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني: 605 ــ 562 قبل الميلاد

وخلال هذه الفترة انهارت مملكة يهوذا، وتفرقَ أبناؤها في الشام ومصر، وآخرون تم سبيهم إلى بابل نفسها بعد تدمير الهيكل، وكانوا من عليةِ القوم، وبحسب سفر الملوك الثاني: وسبي كل أورشليم، وكل الرؤساء، وجميع الجبابرة

وجميع الصناع والأقيان

أيضًا خلالَ هذه الفترة كتب اليهودُ التلمود البابلي في مَنفاهم يسميه البعضُ التلمود الفارسي في ظل ظروف نفسية عصيبة، وفي ظل ثقافة غالبة، هي ثقافة بابل، الإمبراطورية العظمى آنذاك، وكان من الطبيعي أن يتأثروا بثقافةِ المكانِ الجديد، ومنها الديانة البابليّة القديمة، وقليل من الزرادشتية السائدة على أطراف الإمبراطورية

 4ــ السبي الروماني، وذلك سنة 70م، من خلال الحملة الرومانية ضد اليهود، إبان حكم الإمبراطور الروماني فسباسيان، والتي انتهت بتدمير أورشليم القدس وتدمير الهيكل، وأيضا نقل عشرات الآلاف من اليهود أسرى إلى روما وبقية أرجاء الإمبراطورية، كانوا عبيدا وعمالا بالسخرة

 ومنذ ذلك التاريخ وحتى القرن العشرين تاه اليهود في منافيهم على ضفتي المتوسط، وغيرها، ولم تقم لهم قائمة، عدا ما كان لهم من شأنٍ وحظوة إبان الحضارة العربية الإسلامية في الشام والعراق والأندلس، وحتى في ظل السلطنة العثمانية، لم تنكل بهم كما نكل بهم المصريون أو الآشوريون أو البابليون أو الرومان أو المسيحيون

وكما تاهوا مشردين سابقا في التاريخ القديم نكلت بهم مسيحية أوروبا في العصور الوسطى، فما بعدها، أولا تم استهدافهم بقوانين صارمة من خلال ما عُرف بالجيتو، وحرمانهم من التملك للأراضي والعقارات، وإلزامهم بلبس شارات معينة، ولم يكتف الأوروبيون بذلك؛ بل تم تنظيم حملات طرد جماعية ضدهم، فطُردوا من إنجلترا، سنة 1290م، ومن فرنسا تم طرهم أكثر من مرة سنة 1306م فما بعدها، وفي اسبانيا تم طردهم مع المسلمين عقب سقوط غرناطة سنة 1492م، وكان المسلم يختبئ مع صديقه اليهودي في جرف واحد من ملاحقات التطرف الكنسي، وأكثر من ذلك تم قتل اليهود المتنصرين والتنكيل بهم، كذلك البرتغال بعد ذلك، إبان تعملقها الإمبراطوري، نكلت بهم وشردتهم، وانتشرت صورة اليهودي الخائن في الوعظ الكنسي والأدب الديني اللاتيني، ورُسّخ هذا التصور عبر الفنون، حيث صُوّر اليهودي بشخصية شريرة أو شيطانية

ويكشف كتاب أحجار على رقعة الشطرنج طرفا من مؤامرات اليهود ضد غيرهم، وطرفا من كراهية الناس لهم

 واختتمت هذه المسيرة البئيسة بالهولوكست النازي، فيما بين 33 : 1945م في ألمانيا التي تعتبر امتدادًا لمذابح الراين في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي، فكان اليهودي محل تشنيع وذم وازدراء في أنحاء أوروبا قاطبة، وقد عكست مسرحية تاجر البندقية للأديب الإنجليزي الكبير وليم شكسبير حقيقة اليهود ونظرة الناس لهم من خلال شخصية شايلوك

التاجر المستغل الكريه

! تلك المسرحية ليست مجرد عمل فني عابر، كما يعتقد البعض؛ بل عمل سياسي تاريخي فني، خلده شكسبير المفكر والسياسي، لا شكسبير الأديب، في القرن السادس عشر الميلادي الذي رمز لهذه الجماعة من خلال شايلوك

 لقد قرر عقلاء أوروبا وشياطينهم في نفس الوقت مطلع القرن العشرين التخلص من اليهود نهائيا، بوطن بديل لهم، وليكونوا بمثابة القاعدة العسكرية الغربية في الشرق الأوسط، وبدعم من كبار دول أوروبا، كما نصت على ذلك وثيقة كامبل، ففي العام 1905م انعقد مؤتمر كامبل الذي دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سرا، والذي شارك فيه كل من: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، وتتالت جلساته حتى العام 1907م، وخرج المؤتمِرون بوثيقة عرفت وثيقة كامبل، وبنودها: 1ــ إبقاء شعوب المنطقة الخضراء الشرق الأوسط مفككة جاهلة متأخرة

2ــ محاربة أي توجه وحدوي فيها

 3ــ البحث عن دولة إسرائيل القديمة في هذه المنطقة

الوثيقة بتفاصيلها على شبكة الانترنت، وللكاتب مقالة منشورة عنها، متوفرة على النت

 وقد رفدوا هذا المشروع بقاعدة سياسية أخرى في المنطقة هي الخمينية المعاصرة نهاية سبعينيات القرن الماضي، التي تتكامل مع إسرائيل في تحقيق بعض الاستراتيجيات الغربية الكبيرة في المنطقة، وروافد وظيفية أخرى أيضا لا تخفى على المتابع الحصيف؛ مستغلين العلاقة التاريخية العتيقة بين اليهود من جهة، والفرس من جهة أخرى، حيث ذكرت البرديات المصرية عن وجود جالية يهودية عسكرية في خدمة الفرس في مصر، إبان غزو فارس لبلاد مصر، في القرن الخامس قبل الميلاد

والأهم من ذلك عملية إنقاذ الملك الفارسي الإخميني قورش لليهود من السبي البابلي، وإعادتهم إلى أورشليم

إلخ

 ما يُلفت النظر في هذه السردية التاريخية هو أن إسرائيل تتنكر اليوم لأحفاد الحضارة العربية الإسلامية، الحضارة التي حفظت كينونتهم ووجودهم، وعاشوا فيها مكرمين، كما يعيش أي مواطن مسلم، وأحيانا أفضل من أي مواطن مسلم، إلى جانب الخلفاء والحكام، كما تروي كتب التاريخ الإسلامي، فتبيد الفلسطينيين، في أسوأ إبادة جماعية، رافضة التعايش مع الضحية، وتتنكر لمحيطها العربي الإسلامي الذي بنت فيها دولتها الجديدة، لأول مرة في منتصف القرن العشرين، وهم في الشتات قرابة عشرين قرنا منذ السبي الروماني سنة 70م، لم تقم لهم دولة إلا في منتصف القرن العشرين

 إن المظالم التي تلقاها اليهود من كل الأمم والحضارات عبر تاريخهم الطويل أفرغوها مرة واحدة ضد جيرانهم الفلسطينيين، بلا أدنى مبرر، وليس أسوأ من أن يتحول المظلوم إلى ظالم، حيث يتصرف بوحشية مبالغ فيها، فيولد من ثم عنفا آخر، لن ينجو منه، وهكذا يتوالد العنف من بعضه البعض