د. سالم الكتبي : الحوثي والمصير المنتظر

منذ 4 ساعات

د

سالم الكتبي بعد توقف الحرب في غزة، تتركز الأنظار نسبيا على جماعة الحوثي، ولاسيما بعد أن صنفها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجددا ضمن قائمة الإرهاب الأميركية، وهو ما وصفته الجماعة بأنه “تضليل أميركي ومحاولة فاشلة لتشويه سمعتنا وسمعة الشعب اليمني،” وأبدت عدم اكتراثها بالتصنيف وأنه لا قيمة فعلية له

وضعت إدارة ترامب الحوثيين ضمن لائحة “المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO)”، وهو تصنيف أشد حزما من التصنيف الذي أدرجتها فيه إدارة الرئيس السابق جو بايدن قبل نحو عام، وكان ضمن قائمة “التنظيمات الإرهابية العالمية المصنفة بشكل خاص”

وهي قائمة تميل إلى الشق الاقتصادي في العقوبات وتسمح بالتعامل مع هذه التنظيمات في الجوانب الإنسانية الخاصة بتقديم المساعدات باعتبارها “سلطة أمر واقع”، فيما تبدو قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية أشد صرامة كونها تسمح بتجميد الأصول وحظر التعاملات وفرض عزلة وعقوبات على من ينتهك هذه العقوبات، فضلاً عن نزع الشرعية السياسية عن الجماعة وتقويض جهودها على صعيد لعب دور في مستقبل اليمن، وفتح الباب أمام ملاحقة قادتها أمام العدالة الدولية، ما يعني أن الجماعة انتقلت من دائرة استهداف وزارة الخزانة الأميركية إلى سلطة الخارجية الأميركية في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الجماعة وداعميها والمتعاونين معها دوليا في آن واحد

هذا التصنيف يتماشى تماما مع توجهات ترامب، ولاسيما في ما يتعلق بعدم تقديم مساعدات إنسانية لمناطق ودول تخضع لسيطرة جماعات مناوئة مثل اليمن، كما يوجه رسالة حزم مباشرة للحوثيين بوقف هجماتهم ضد المصالح والأهداف والسفن الأميركية، ما يضع الجماعة في مواجهة خيارات صعبة لأن مواصلة استهداف المصالح الأميركية قد تعني تصعيد الصراع العسكري المباشر مع الولايات المتحدة، مع ما قد ينطوي عليه ذلك من التعرض لضربات أميركية أشد ضراوة، واضطرار فريق الرئيس ترامب لتغيير سياساته المعلنة -حتى الآن- في هذا الشأن وهي تفادي خوض حرب مباشرة مع الحوثيين بحسب ما قال الرئيس ترامب نفسه مرات عدة

لا شك أن تحرك إدارة ترامب يتسق مع خطورة جماعة الحوثي التي شنت أكثر من 100 هجوم على سفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، كما أغرقت سفينتين واستولت على أخرى وقتلت عددا من البحارة، بزعم أن هذه الهجمات تعبر عن تضامنهم مع الفلسطينيين، ما تسبب في إرباك كبير لحركة التجارة والنقل البحري العالمية، وخسائر لاقتصادات بعض دول المنطقة وفي مقدمتها مصر التي تحملت العبء الاقتصادي لتراجع حركة مرور السفن عبر البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، ناهيك عن الخسائر التي لحقت باقتصادات دول أخرى منها إسرائيل

البعض يرى في التحرك الأميركي ضد الحوثيين أيضا رسالة ضمنية للنظام الإيراني، كما يمكن أن يكون مقدمة لمنح دولة إسرائيل ضوءا أخضر للقضاء على ما تعتبره تهديدات قادمة من جماعة الحوثي، حيث يتوقع أن تنتقل دولة إسرائيل لاحقا إلى استهداف الحوثيين بشكل أكثر فاعلية للقضاء نهائيا على مصادر تهديد الجماعة من الصواريخ والطائرات المسيرة التي سقطت في العمق الإسرائيلي مرات عدة

والأرجح أن دولة إسرائيل أو الولايات المتحدة لن تبادرا بشن هجمات ضد الحوثيين في المستقبل القريب بالنظر إلى محدودية تأثير الهجمات التي شنها الجانبان ضد قواعد الحوثي خلال الأشهر الأخيرة

والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى ضعف المعلومات الاستخباراتية حول المناطق والمواقع الحيوية فضلاً عن تحركات قادة الجماعة، وهو ما يمكن أن يركز عليه الجانبان لفترة من الوقت قبل أن يقررا شن هجمات جديدة لضمان فاعلية هذه الهجمات وتفادي استنزاف الموارد العسكرية في مثل هذه الضربات، حيث يتوقع التركيز على جمع معلومات استخباراتية حول مواقع قادة الحوثيين البارزين واستهدافهم قياساً على التأثير الكبير لاستهداف زعيم حزب الله حسن نصرالله وقيادات الجماعة من الصف الأول والثاني، وما أدى إليه ذلك من انهيارات سريعة في القدرات العملياتية للحزب وفقدانه القدرة على شن عمليات هجومية فاعلة تتناسب مع قدراته التسليحية الصاروخية

ثمة أمر حيوي آخر يتمثل في أن الحوثي بات الذراع الأكثر فاعلية لدى إيران في الوقت الراهن بعد تدهور القدرات العملياتية لحزب الله اللبناني وإجباره على التراجع والقبول بالتفاهمات التي تتوصل إليها الدولة اللبنانية، لذلك قد يتجه التفكير الأميركي لدعم أي جهد عسكري إقليمي أو دولي يستهدف شل قدرة الحوثيين على الحركة والتخلص من تهديدات الجماعة بشكل نهائي

ولكن من المستبعد أن تقود الولايات المتحدة هذا الجهد أو حتى تكون رأس الحربة فيه، حيث يعتقد الرئيس ترامب أن دوره يقتصر على إبداء الحزم والصرامة وتهيئة الأجواء لنجاح أي هدف على هذا الصعيد، وهو ما سيتعزز لديه بشكل خاص عقب التوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى والرهائن ووقف القتال في قطاع غزة، حيث يؤكد ترامب مرارا أن تهديداته كانت السبب الرئيسي والمباشر في التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أشهر طويلة من المفاوضات الماراثونية التي افتقرت إلى قوة الضغط الأميركي، وهو ما يتفق عليه أيضاً الكثير من الخبراء والمراقبين

نقلا عن العرب