د. عبدالقادر الجنيد : صداقة سعودية أمريكية قوية … وتأملات يمنية

منذ 3 ساعات

د

عبدالقادر الجنيد يوم أمس كان علامة فارقة في علاقة أمريكا مع السعودية

سوف نبدأ من سبعين سنة على ظهر سفينة حتى نصل إلى المكتب البيضاوي يوم أمس

فبراير ١٩٤٥ على ظهر السفينة كوينسي*كان الرئيس الأمريكي المريض- فرانكلين روزفلت-  عائدا في رحلة العودة من الاجتماع الشهير مع ستالين وتشرشل في يالتا الذي قسموا فيها أوروبا فيما بينهم بعد الانتصار في الحرب العالمية الثانية على هتلر وألمانيا النازية

في طريق العودة، توقف في البحيرات المُرَّة المصرية واستضاف مؤسس المملكة العربية السعودية عبدالعزيز آل سعود، وتم في هذا اللقاء طرد بريطانيا من امتيازات حقول النفط الغزيرة في المنطقة الشرقية للمملكة لتحل محلها أمريكا

لا صداقات دائمة*كانت خزائن بريطانيا مفلسة، فتهابلت بغباء، وأشارت للسعودية أن تتواصل مع أمريكا لدعم الميزانية

لقط ذكاء الملك السعودي جوهر الموقف بأن بريطانيا امبراطورية آفلة وأمريكا امبراطورية صاعدة، فتصرف بما تمليه مصلحته وتخلص من صديقته بريطانيا

قرر العاهل السعودي استبدال بريطانيا بأمريكا في كل شيئ:دعم الميزانية-  واستخراج النفط- والحماية

**أولا: السعودية تحب روزفلت ورؤساء أمريكا يحبون الملوك**١- حوار مثير*يوم أمس، سأل ترامب ضيفه بن سلمان:ألست أنا أفضل رئيس أمريكي يحرص على صداقة السعودية؟ولي العهد السعودي، أجاب:هناك أيضا الرئيس الأمريكي الديموقراطي روزفلت والجمهوري ريجان

٢- السعوديون يحبون روزفلت*إسم روزفلت عند كل الأمراء والسياسيين والكتاب والمحللين السعوديين له رنين وشغف خاص

ذلك اللقاء على ظهر السفينة كوينسي، هو الأساس لتدشين مكانة السعودية كإحدى الدول الكبرى والأغنى والأكثر أمانا في منطقة الشرق الأوسط

سبعون سنة مرت على هذا اللقاء، الذي نتج عنه:١- الحماية الأمريكية للسعودية

٢- ضمان تدفق نفط رخيص من السعودية بغرض استقرار أسعار الطاقة والأسواق في كل العالم

والأمريكيون، يحبون أيضا كل ملوك السعودية

٣- ترامب، مصمم أنه الرئيس الصديق الأفضل للسعودية*ترامب، يحتاج دائما إلى ثناء مباشر

كان ترامب يتوقع إجابة مختلفة من ولي العهد السعودي، فكرر السؤال:ولكن ماذا عني ألست الصديق الحقيقي للسعودية؟ابتسم ولي العهد السعودي وحتى خرجت منه ضحكة خافتة ولوح بيده نحو الرئيس الأمريكي وهو مازال مبتسما: انت القِمَّة بين كل الرؤساء

انفرجت أسارير ترامب وتحول كاملا بجسمه نحو ولي العهد  وتلامسا وتصافحا وشدا على أيدي بعضهما وارتفعا بالابتسامات إلى درجة الضحكات

في الحقيقة، كل رؤساء أمريكا يحبون كل ملوك السعودية السبعة الذين تعاقبوا عليها منذ مقابلة روزفلت مع آل سعود على سطح السفينة كوينسي

الاستثناء كان من الرئيسين باراك أوباما وچو بايدن، اللذان قد زادت ليبرليتهما وتباردوا وتثاقلوا مع كل من الملك عبدالله والملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان

٤- ترامب يسلخ جلود الرئيسين أوباما وبايدن*ترامب يعاقب رئيسين أمريكيين ليبراليين ضايقا السعودية

نحن هنا لا ننتقد الليبرالية ولا نحسن من صورة التيارات المحافظة في المجتمعات الغربية

طبيعة ممارسات السياسة وتقلباتها في بلاد الديموقراطيات الغربية عي عمليات متعاقبة من المد والجزر ومن الصعود والانحسار بين اليمين واليسار

ترامب المحافظ، جاء بعد بايدن الليبرالي

وسوف تنقلب الآية بعد زمن طويل أو قصير

وربما تنخفض حرارة الصداقة بين السعودية وأمريكا وسط تقلبات أحوال الدنيا

ترامب استعاد لقاء بايدن مع بن سلمان في الرياض

استسخف الرئيس ترامب طريقة بايدن بالتلامس بقبضة الأيدي بدلا من المصافحة بحرارة وقام بعدها بمد ذراعيه نحو الأمير السعودي وصافحه بالكفين بحرارة مع الابتسامات العريضة من القائدين

بالتأكيد هناك استثقال واستهجان كبير داخل المملكة السعودية لما كتبه أوباما في ذكرياته عن السعودية وهناك ضيق أكثر من بايدن وتصريحه الغير اللائق بأنه سوف يجعل من السعودية دولة منبوذة

كل شيء يتغير

خرج بايدن من رئاسة أمريكا وانهزم حزبه أمام ترامب وجاء بن سلمان إلى المكتب البيضاوي ليعامل بأكبر درجة من الحفاوة والتبجيل مع انتقام الرئيس ترامب له بالسخرية من بايدن الذي يرقد وينام على الكرسي على الشاطئ

ويعلن ترامب أن بن سلمان صديقه الكبير وأن السعودية من أفضل أصدقاء أمريكا٥- صداقة الأغنياء والأقوياء*افتخر ترامب، لاحقا بهذه الجلسة التي يشاهدها كل العالم  وبالمكتب البيضاوي، قائلا:هذا أهم مكتب في كل العالم

أغنى الناس وأقوى الناس في العالم يحجون إلى هذا المكتب البيضاوي

بن سلمان وأنا أغنى الناس وأقواهم في العالم، ولا نحتاج للعمل، ولكننا نعمل لنخدم بلادنا ونجعلها عظيمة

تأملات يمنية مبدئية *يمكننا أن نكتب عن عشرات الجوانب والزوايا في لقاء أمس والحفاوة الأمريكية البالغة بالضيف السعودي، ولكن ما يهمنا حقيقة في اليمن، هو:١- أننا قادمون على ثلاث سنوات من الصداقة غير العادية بين ترامب وبن سلمان، وبين أمريكا والسعودية،٢- أن كل من السعودية وأمريكا- رسميا- تؤيدان دولة الشرعية اليمنية

٣- أن الشرعية اليمنية، ضعيفة جدا ولا تستطيع الاستفادة من تأييد أغنى وأقوى شخصين وبلدين في المنطقة

**ثانيا: أهداف ترامب من الفخامة والصداقة**ترامب كتاب مفتوح، ولا توجد أي صعوبة في فهمه

١- الإثراء العائلي من علاقته بالسعودية٢- استثمار سعودي تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي ٣- اتفاق بين السعودية واسرائيل يؤهله للفوز بجائزة نوبل للسلام٤- التحالف مع كل الأنظمة المحافظة في كل العالم

٥- الاستمتاع بالتبجيل والمديح لشخصه الكريم، وقد حصل على ما هو أكثر من هذا بكثير، في الزيارتين التي قام بهن إلى الرياض

**ثالثا: أهداف بن سلمان من الفخامة والصداقة **قد حصل بن سلمان على ما يريده: التبجيل والهيبة والمكانة

بن سلمان لا يحتاج حماية ولكنه يسعى للهيبة والمكانة

١- السعودية، لا تحتاج للحماية من إيران*هناك مصالحة قد تمت بين السعودية وإيران برعاية الصين، والبلدان في غاية الحرص عليها

السعودية، لن تعادي إيران خدمة لأهداف السياسة الأمريكية

وإيران في نفس الوقت راضية تماما عن هذه السياسة السعودية

وكذلك لن تتخلى السعودية عن علاقاتها الودية والسياسية والاقتصادية مع الصين ولا السياسات النفطية روسيا خدمة للسياسة الأمريكية

٢- السعودية، لا تحتاج للحماية من الحوثيين*أ- الحوثيون، في اليمن، أحوالهم مزرية وسمعتهم سيئة ويتدهورون اقتصاديا، ويفقدون مساعدات منظمات الأمم المتحدة

ب- والغالب أن السعودية لا تمتنع عن التواصل معهم وتقدم للشخصيات الحوثية البارزة الرشاوي والهبات والمخصصات المالية المنتظمة

ج- الغالب أن اسرائيل وأمريكا، لهما دور كبير في أعمال الجاسوسية والرصد والمخابرات في بحر العرب والبحر الأحمر ودولة چيبوتي التي تؤدي للقبض على شحنات الأسلحة المهربة من إيران إلى الحوثيين

قد تناقصت خطورة التهديد الحوثي على السعودية

د- إذا تهور الحوثيون وهاجموا السعودية، فسوف يتعرضون للطيران الحربي السعودي والجيش السعودي وقوات رداد الهاشمي السلفية اليمنية على حدود صعدة وقوات اليمن في جيزان، وربما تفعيل جبهات يمنية عديدة من الكانتونات

وفوق هذا هناك جيش باكستان

٣- ولي العهد وابتكار طبقات الحماية*أكبر هاجس للأثرياء والأغنياء، هو الحماية

وقد ابتكر بن سلمان طبقات الحماية للمملكة الثرية:التصالح مع إيران- تبريد الحوثيين- التعامل مع الصين وروسيا- الانغماس المالي والاقتصادي مع أمريكا- اتفاقية الدفاع المشترك الكامل مع باكستان

السعودية، لا تحتاج في السنوات القليلة القادمة للحماية من أي أحد

٤- حليف مثل قطر وليس مثل اليابان*زيادة الخير خيرين، ولكن هذا اتفاق لا تحتاجه السعودية فعلا

بن سلمان حصل يوم أمس على أمر رئاسي يصنف السعودية دولة حليفة لأمريكا خارج الناتو مثلها مثل مصر وقطر والباكستان

الحلم السعودي، كان أن تحصل على تحالف تحت الفقرة الخامسة لدولة خارج حلف الناتو الذي حصلت عليه اليابان فقط، وهذا يحتاج موافقة وتعميد الكونجرس الأمريكي

هذا يعني أي اعتداء على دولة يعتبر اعتداء على الدولة الأخرى

لا توجد حالة مزاجية في أمريكا- لا الآن ولا في المستقبل- لإعطاء السعودية حماية مثل حمايتها لليابان

وكما ذكرنا فإن السعودية قد أمَّنت نفسها بنفسها أمام الأخطار المحتملة بأموالها وبطرقها الخاصة

السعودية، لا تضع كل البيض في سلَّة واحدة

**رابعا: السعودية قد تغيرت**أبرز تحوّل في السياسة السعودية منذ 2017 هو:السعودية صارت دولة مصالح ذاتية، لا دولة محاور

لا أمريكية بالكامل، ولا صينية بالكامل، ولا روسية بالكامل

هذا التحول مهم من وجهة نظر المصلحة العليا للسعودية:١- يمنح السعودية “خصوبة في الحركة”٢- يجعلها غير ملزمة بأي صديق مهما كان قويا، بما فيهم أمريكا٣- يجعل اليمن خارج الأولويات تلقائيا

٤- يؤكد أن السعودية تنظر لليمن الآن كـ عبء استراتيجي وليس ساحة نفوذ

السعودية اليوم، ترى أن:  - الشرعية ضعيفة- الكانتونات متصارعة- الحوثي يعتمد على “تفسخ الشرعية” أكثر من اعتماده على إيران- كل طرف يمني أصبح عالة عليها وينتظر السعودية لحل مشاكله الداخلية، وأن أي تدخل سعودي سيُغرقها في مستنقع أعمق من ذي قبل

من المسؤول عن ضعف الشرعية؟*لا تهتم السعودية إن كان لها دور في تبلور المشهد الحالي إلى ما هو عليه، ولا إن كان السبب مغامرات وطموح الإمارات، ولا إن كانت مأساة اليمن إنما هي بسبب تناقضات اليمنيين أنفسهم

وكل هذا صحيح

**خامسا: أصدقاء اليمن بدون فائدة **نحن لا نستطيع متابعة أي حدث كبير في أي مكان بدون التأمل بأحوال اليمن

الحدث الكبير، اليوم، يخص المشاعر العاطفية الكبيرة التي تفيض فوق كل المشاعر المعتادة بين القادة والرؤساء بين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي

والإثنان، أصدقاء لليمن ولكن قد قذفوا بها إلى دائرة النسيان

كما نرى، فإن اليمن معها أغنى وأقوى أصدقاء ولكن بدون فائدة ولا جدوى

١- رئيس مكبل بالقيود*رئيس اليمن، مكبل ومغلول اليد

— قيود داخلية:  بمجلس رئاسي وانفصاليين وكانتونات

— قيد سعودي: السعودية لا تريد قتال الحوثي

— قيد إماراتي: الإمارات لا تريد جيشا يمنيا قويا

— قيد أمريكا: تريد “استقرارا” لا “انتصاراً” على الحوثيين٢- السعودية، قد تغيرت *مثلما تتغير أحوال أمريكا مع السعودية من الحال إلى النقيض فإن السعودية مثلها ومثل أي دولة تعتريها نفس التقلبات والتغيرات

السعودية، الآن، في حالة عزوف من اليمن

٣- السعودية لن تصارع ولن تحارب*لن يساعد الطيران الحربي  قوات الشرعية، ولن تهاجم الحوثيين عسكريا

 لكن يمكن أن يجتهد الرئيس بالخروج من قيوده وأغلاله ويخلق الأجواء التي تناسب السعودية لتقديم درجات من المساعدات الغير مباشرة في الصراع مع الحوثيين

الرئيس، سوف يستمر بتقديم الشكر للسعودية وأمريكا في كل تصريح، ولكنهم قد أصبحوا أصدقاء بلا فائدة

هم بالتأكيد، مازالوا يقولون أنهم أصدقاء، ولكن بدون أي فائدة لليمن

**خامسا: عناوين مقترحة للرئيس**١- هل يتفهم الرئيس الأصدقاء ويدرك عامل الزمن؟*نحن نلقي باللوم على الأصدقاء بينما نعيش في حالة جمود ولا نشعر بمرور الزمن

ربما لا يكون العيب من الأصدقاء لكن السوء مننا نحن اليمنيون

وربما العيب إنما هو الفتور الذي يعترينا

الزمن يمر ونحن فاترون ولا نتحرك

الأصدقاء يتغيرون مع الزمن ونحن في حالة تبلد لا نرى أنهم يتغيرون بمرور الزمن

٢- تقلب الأصدقاء والزمن ليست قدرا محتوما*ولكن عزوف الأصدقاء وتقلبات الزمن، ليست قدرا محتوما ويمكن للرئيس أن يتعامل معها

هناك طرقا للتعامل مع كل حال من الأحوال

٣- الأصدقاء يريدون يمنيين أكفاء*لا أحد يعجبه مصادقة الكسالى

الرئيس، يجب أن يعطينا نحن ويعطي الأصدقاء قادة يمنيين أكفاء على مستوى المسؤولية،… وهذا ممكن

٤- الأصدقاء يريدون مصالح أيضا*الرئيس يجب أن يخلق الأوضاع التي تحقق مصلحة البلدين

اقتناع السعودية بأن المهمة المطلوب تنفيذها تخدم المصالح السعودية العليا بجانب مصالح اليمن،… وهذا ممكن

٥- عدم توريط السعودية في مواجهات مع دول خارجية،… وهذا ممكن

٦- عدم إغراق السعودية في متاهات ومستنقعات التناقضات اليمنية،… وهذا ممكن

٧- عدم انغماس القوات السعودية في معارك عسكرية داخل اليمن،… وهذا ممكن

٨- السعودية لن تساعد اليمن إن لم تشعر أن هناك مشروعا يمنيا يستحق الدعم

خاتمة*الأصدقاء يتغيرون،… لكن من لا يتغير هو اليمن الرسمي

قوتنا هي التي يمكن أن تجلب أصدقاء أقوياء

وضعفنا هو الذي يحولهم إلى “أصدقاء بلا فائدة”الرئيس يحتاج لإنشاء مؤسسة رئاسة، تدرس الأوضاع التي ذكرناها على ضوء بيانات ومعلومات، وأن ترسم له السياسات، وأن تضع له خيارات صنع القرار، وأن يتخذ القرار، وأن ينفذ القرار