د. عبدالقادر الجنيد : قدرة الناس على العيش … بين الدولار الجمركي وعجز الدولة
منذ 5 ساعات
د
عبدالقادر الجنيد المجلس الرئاسي، أصدر قرارين دراميين
ردود الفعل على القرارين، ساخطة وغاضبة
سوف نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية وبدون رتوش ولا غموض، ويكلمات عادية خالية من المصطلحات، وبدون انفعال
**أولا : قرار رفع سعر الدولار الجمركي إلى الضعف
****{{ هذا القرار مشكلة }}١- الخزانة فارغة*هذا القرار ينقص دعم الدولة المُفلٍِسة لرغبف الخبز لشعب جائع بغرض زيادة الفلوس في خزانة الدولة المفلسة
الدولة تقول، ما فيش معي فلوس، ولا أستطيع دعم رغبف الخبز
** {{ هذا يبدو كلاما منطقيا }}٢- الشعب جائع*الدولة، لا تذكر أبدا مسألة الجوع ولا كيف سيواجه الناس هذه المشكلة
{{ المجلس الرئاسي عادة أجبن وأعجز من أن يتخذ مثل هذا القرار ولكن اذي حدث هو أنه تجرأ وحزم أمره }}**ثانيا : قرار إيداع إيرادات الدولة في البنك المركزي**المجلس الرئاسي يأمر كل من يلطش إيرادات الدولة بتوريدها إلى البنك المركزي
**{{ هذا القرار مشكلة }}١- يأمر بالتوقف عن اللطش*هذا القرار، يأمر كل من يلطش إيرادات جمارك وضرائب موانئ عدن والمخاء والمكلا،…، والنفط، والغاز
والضرائب، والأسواق، والتجار ، والقات، ورسوم نقاط الطرقات في مداخل المدن،… بالتوقف عن اللطش
**{{ هذا يبدو كلاما منطقيا }}٢- مناطق اللطش كانتونات مستقلة*المشكلة، هي أن الذي يلطش هذه الموارد، هم في كانتونات ومعهم ميليشيات، ولهم أچندات، ويتمتعون بدعم دول خليجية
من ينهب اليوم هو نفسه من يملك السلاح
كل كانتون يتعامل مع موارده كـ“غنيمة محلية” وليست جزءًا من ميزانية الدولة
القرار إذن يطالب كل كانتون أن يتنازل عن “سيادته المالية” لبنك مركزي لا يثق به أصلا
٣- اللاطشون الرئاسيون*المشكلة، هي أن بعض الذين يلطشون هذه الإيرادات أو يقررون إنفاقها هم أيضا أعضاء مجلس رئاسة
من الذي يلطش إيرادات جمارك المخاء وعدن؟هذا وضع فريد، لا يوجد له مثيل في أي مكان في العالم
إنهم يأمرون أنفسهم بمنع أنفسهم من اللطش
هل يستطيع المجلس الرئاسي أن يمنع أعضاء المجلس الرئاسي من اللطش؟**{{ المجلس الرئاسي عادة أجبن وأعجز من أن يتخذ مثل هذا القرار ولكن الذي حدث هو أنه تجرأ وحزم أمره }}**ثالثا: القوة الدافعة خلف هذين القرارين**١- المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي- البنك الدولي)— مستعدون لتقديم قروض ومساعدات لكن إذا كانت أمور الإنفاق
٢- المؤسسات الإقليمية (السعودية)— مستعدة لتقديم المساعدات لكن ليس لصرف معاشات الموظفين
القراران لم ينبعا من إرادة ذاتية للمجلس الرئاسي،بل من ضغوطٍ خارجية تشترط وجود شكل من النظام المالي مقابل أي دعم
الدافع ليس وطنيا بقدر ما هو اقتصادي–شرطي:“نظموا أنفسكم أولا، ثم نساعدكم
”**رابعا: الانتقال إلى نيويورك**الكلمة التي على طرف لسان الناس، اليوم، في نيويورك هي Affordability وهم يتدافعون بحماس لانتخاب ممداني مرشح اليسار والديموقراطيين لمنصب عمدة نيويورك
الذين يريدون انتخاب زهران ممداني Zohran Mamdani، هم الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الحياة ويريدون الحصول على رعاية الأطفال مجانا من الدولة
الذين يرفضون ممداني، يقولون:من أين سوف نعطيكم شيئا مجانيالا يوجد أي شيئ ببلاشنريد التركيز على النقاط والأفكار
لا تهتم بالصياغة والكلمات الانفعالية أو الرنانة
وسوف نحتاج للدخول في عالم اليمين واليسار
١- فعلا، من غير المعقول أن يترك الأطفال جائعون وبدون رعاية
٢- فعلا، لا يمكن الصرف على الأطفال من خزانة فارغة
هذه الجملتان تختصران جوهر الصراع بين اليمين واليسار في العالم كله — ويتجسد الآن في نيويورك حول ممداني وموضوع Affordability
والآن سوف نرتب الأفكار في نقاط لتوضيح المعركة الفكرية والاقتصادية:١
جوهر النقاش في نيويورك اليوم: “Affordability*— الناس لم يعودوا قادرين على تحمّل تكاليف الحياة (سكن، رعاية أطفال، طعام، صحة)
— مؤيدو ممداني يمثلون الشريحة التي تقول: “الدولة يجب أن تتكفّل بالأساسيات
”معارضوه يمثلون الجهة التي تقول: “الدولة ليست بنكا مفتوحا
”٢- الصراع الفلسفي بين اليمين واليسار:*أ — اليسار: يطالب بتوسيع دور الدولة لتوفير التعليم، الرعاية الصحية، ورعاية الأطفال مجانًا أو بأسعار رمزية
*المنطلق الإنساني: لا يجوز أن يُترك الأطفال جائعين أو دون رعاية
*يرى أن العدالة الاجتماعية تتطلب إعادة توزيع للثروة
ب — اليمين: يركز على المسؤولية الفردية والاقتصاد المتوازن
*المنطلق الواقعي: لا يمكن الإنفاق من خزانة فارغة، ولا يمكن للدولة أن تتحمل كل الأعباء دون إنتاج مقابل
*يرى أن الإعانات المفرطة تُضعف روح العمل وتخلق اعتمادا دائما على الدولة
٣- المعضلة الحقيقية:*— كيف نمنع الأطفال من الجوع دون إفلاس الدولة؟— وكيف نحافظ على خزانة الدولة دون التخلي عن واجبها الإنساني؟أي: كيف نوفق بين الرحمة والميزانية، بين الإنسانية والاقتصاد
**خامسا: محاولة لتلميع المجلس الرئاسي**لكي لا يتم اتهامنا بالتجني على المجلس الرئاسي وسوف نجتهد ونجعلة جزء من ظاهرة عالمية
١- قراءة سياسية واقتصادية أوسع:*أ- القرار الأول (رفع الدولار الجمركي) يميل إلى اليمين الاقتصادي — أي تحميل المواطن عبء تمويل الدولة
ب- القرار الثاني (تجميع الإيرادات) يميل إلى اليسار الإداري — مركزية الموارد لتوزيعها بعدالة أكبر (نظريا)
بمعنى آخر: المجلس الرئاسي يحاول أن يجمع بين يمين الضرائب ويسار الإدارة، لكن بدون خطة متكاملة للعدالة الاقتصادية أو تحفيز الإنتاج
٢- الخلاصة الفكرية:*سوف نرفع مكانة المجلس الرئاسي ونقول أن مشكلته هي مثل تلك المشكلة التي تواجه نيويورك
المعادلة- فعلا- مشابهة لتلك التي في نيويورك:— في اليمن كما في أمريكا، السؤال نفسه يُطرح:كيف نمنع الانهيار الاقتصادي دون سحق المواطن؟لكن في اليمن، المشكلة أعمق: لا توجد دولة منتجة أصلا — بل مجرد إدارة أزمة داخل فوضى
**سادسا: النتيجة المتوقعة أو الامتحان الحقيقي**١- القراران على الورق يبدوان مثاليين
رفع سعر الدولار الجمركي سيزيد الإيرادات،وتوريدها للبنك المركزي سيُظهر صورة دولةٍ موحدة ومنظمة
لكن في الميدان، الصورة مختلفة تمامًا
٢- الامتحان الحقيقي هو في التنفيذ*— هل سيقبل “الكانتون العدني” و”الكانتون المخاوي” و”الكانتون النفطي” أن يسلّموا إيراداتهم؟— هل سيجرؤ المجلس الرئاسي على فرض القرار على أعضاءٍ منه يملكون ميليشياتهم الخاصة؟— هل يستطيع البنك المركزي أن يكون “بنك دولة” وليس “بنك فصيل”؟حتى الآن، لا توجد مؤشرات على ذلك
وكل التجارب السابقة تقول: القرار يُنفذ فقط في المناطق الضعيفة
٣- الامتحان الخارجي أيضًا قائم*— صندوق النقد والبنك الدولي ينتظران نتائج فعلية، لا بيانات صحفية
— والسعودية لن تُفرج عن أي دعم قبل أن ترى أرقاما حقيقية في حساب البنك المركزي،لا بيانات وهمية ولا وعود “قريبة جدًا”
٤- ما هي النتيجة المتوقعة؟*— إذا فشل القرار في التطبيق، سيتضح أن المجلس الرئاسي تجرأ لفظيا فقط
— وإذا نجح — ولو جزئيا — فقد تكون هذه أول بادرة حياة مؤسسية في دولة تاهت بين الكانتونات واللاطشين
٥- في الحالتين، هذا امتحان حقيقي*— ليس في الاقتصاد فقط، بل في وجود الدولة نفسها
— لأن الدولة، في النهاية، ليست من يصدر القرارات،بل من يستطيع تنفيذها على الجميع دون استثناء
**سابعا: رد فعل الساخطين الجائعين**١- الجائع لا يعرف الدولار الجمركي*ولا يكترث بالمجلس الرئاسيكل زيادة في سعر الدولار الجمركي تعني أن كيلو الأرز، وزيت الطبخ، وعلبة الحليب سترتفع أسعارها غدا صباحاالناس لا يفكرون في قرار المجلس الرئاسي ولا البنك الدولي ولا في “إصلاح المالية العامة”،بل في كيف سيسكت جوعه وجوع أطفاله بعد ساعة وفي الوجبة التالية
٢- الجائع قد يتحول إلى أداة في يد الديماغوجيين المهيجين
٣- الجائع قد يصبح مشكلة أمنية ومفصعين وبلاطجة
٤- الجائع قد يربط حجرا على بطنه ويتلوى بصمت كما كان يفعل أسلافه