د. عبدالقادر الجنيد : كيف يفكر توني بلير ودينيس روس في مصير غزة؟ … تفكيك عقل الغرب في بلاد العرب

منذ ساعة

د

عبدالقادر الجنيد خطة ترامب ال21 نقطة، وضعها توني بلير

جيرالد كوشنر، شريك توني بلير في وضع الخطة، وهو مستشار لكل من ترامب ونتنياهو ويستطيع التواصل معهما في أي لحظة

المخ الحقيقي وراء خطة ترامب، هو توني بلير

ونحن سوف نحاول اليوم الدخول إلى مخ توني بلير

وبعدها سوف نذهب إلى دينيس روس

ثم سوف نستخلص العبر مما دار في اليمن

أولا: معهد توني بليرتوني بلير، يمتلك معهد إسمه: ‏ (Tony Blair Institute for Global Change) معهد توني بلير لتغيير العالم

يقول المعهد عن نفسه: خبراؤنا يساعدون الحكومات وقادة الدول لتنفيذ ما يجب تنفيذه— get things done

نحن نبتكر الأفكار الكبيرة، بخلق أفكار درامية جذرية، ثم نترجمها إلى حلول عملية ونصائح التي يحتاجها القادة ليدفعوا بعملية التغيير

ثانيا: دور جيرالد كوشنركوشنر— يهودي ومستشار نتنياهو وصهير ترامب ومستشار ترامب— تواصل مع توني بلير لعمل خطة بشأن غزة يمكن أن يوافق عليها نتنياهو، ويمكن أن يكون مع ترامب حافز ليتبناها، ويمكن أن تقضي تماما على حركة حماس، ويمكن أن تنفذها الدول العربية، ويمكن أن يمولها أغنياء الدول العربية

ثالثا: بلير يجمع المعلومات عن فلسطين أي خطة، تحتاج لمعلومات وأرقام وإحصائيات

الاستبيانمعهد توني بلير TBI، كَلَّف مكتب أبحاث زغبي Zogby Research Services بالقيام باستبيان وجها لوجه في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية لمعرفة ميول وعواطف attitude الفلسطينيين تجاه: الحرب، القيادة الفلسطينية، ومستقبل غزة

وقد تم القيام بهذا الإستبيان في الفترة من ٩ ابريل إلى ١٢ مايو ٢٠٢٥، وهذ هو العمل الثالث في سلسلة نركز فيها على كيفية إنشاء طريقة حكم للفلسطينيين

التغييرهذا الاستبيان يبين من جديد أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين في غزة يريدون التغيير ويريدون أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم

عندما سألوهم عمن يفضلوا لحكم غزة بعد الحرب مباشرة، أقل من 4% من الفلسطينيين في غزة قالوا أنهم يريدون حماس أن تحكم القطاع ( وهذا هو أقل بمقدار 7% عن استبيان سابق في يوليو- أغسطس ٢٠٢٤)هناك معارضة كبيرة لحماس بين الفلسطينيين في غزة، بحوالي ٩ من كل ١٠ فلسطينيين (٩٢٪؜) يعتبرون حماس مسؤولين عن الوضع الحالي، وهذا نفس الرقم بين الإسرائيليين (٩٣٪؜)

البدائل عندما سألوا في غزة عن البديل المناسب لحماس، فإنهم فضلوا السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس (٣٥٪؜)

البديل التالي المفضل (٢٧٪؜) هو تحالف دولي انتقالي يعمل مع إدارة يتم اختيارها من أوساط من يمثل الناس في غزة

المستقبلعندما سألوا في غزة: تخيلوا رؤية لمستقبل غزة، واختاروا ما هي الدولة التي تريدون أن تكونوا مشابهون لها؛الخيار المفضل كان دولة الإمارات (٢٧٪؜) ويليها تركيا (١٥٪؜) ثم سنغافورة (١٤٪؜) ثم السعودية (١٢٪؜)

الأمن والأمانعندما سألوا في غزة عن الترتيبات الأمنية الشاملة في غزة في الفترة التالية بعد انتهاء الحرب مباشرة؛أقلية قالوا يريدون حماس (٨٪؜)

الخيار المفضل ترتيبات أمنية من تحالف قوات دولية (٤٢٪؜)الخيار التالي قوات أمن السلطة الفلسطينية (٤٠٪؜)الدول المفضلةالدول المفضلة- في الاستبيان- للمشاركة في قوات حفظ الأمن في غزة:قطر (٤٦٪؜)، مصر (٣٧٪؜)، السعودية (١٩٪؜)، الأردن (١٧٪؜)، أمريكا (١٤٪؜)في الضفة الغربية والقدس الشرقية، اتفق معظم الناس على أن السلطة الفلسطينية تحتاج لإصلاحات

خيار المقاومة المسلحةبحسب الاستبيان فإن خيار القوة المسلحة لتحقيق المصلحة الوطنية العليا للفلسطينيين، فإنه قد هبط إلى أدنى مستوى في غزة (٤٪؜)في القدس الشرقية، يريدون المقاومة المسلحة أكثر (٢٢٪؜)التأييد للمفاوضات والحلول السلمية قد زادت بصفة عامة بين أوساط كل الفلسطينيين (٢٢٪؜)استنتاج معهد توني بلير من الاستبيانهذا يوضع أن هناك أمر واقع جديد يتشكل في غزة، وأنه هناك حاجة مُلِحَّة لمنح الفلسطينيين مستقبلا أفضل مع القدرة على الحكم الذاتي بمنأى عن تدخلات اسرائيل، وبأسلوب يؤدي في النهاية لحل الدولتين

ثانيا: نقد استبيان توني بليرهذا الاستبيان صيغ في قوالب احترافية لتوليد نتائج سياسية جاهزة، أكثر مما هو بحث اجتماعي محايد

إنه يقيس ما يريده القائمون أن يُقال، لا ما يعتقده الفلسطينيون فعلا

وهذا هو رأينا في استبيان معهد توني بلير

أنا أقرأ أبحاث المجلات الطبية بانتظام لأكثر من نصف قرن، وقد رأيت عشرات الأبحاث التي تبدو رائعة جدا تدمر تماما على أيدي خبراء الإحصاء والأرقام وتصميم الدراسات والأبحاث

الرأي الأول: هل التقنية العلمية في الاستبيان صحيحة؟من الناحية المنهجية البحتة، الاستبيان أُجري بواسطة Zogby Research Services، وهي جهة معروفة في مجال استطلاعات الرأي في الشرق الأوسط، وتعمل وفق معايير مقبولة مهنياً (face-to-face polling, sample size, weighting, etc)

لكن هناك ملاحظات جوهرية:١- الظرف الميداني غير عاديأُجري بين 9 أبريل و12 مايو 2025، أي في ظل حرب مدمّرة، تهجير، مراقبة أمنية إسرائيلية، وانقسام سياسي

هذا يجعل البيئة غير حيادية، ويؤثر بشدّة على صدق الإجابات (respondent bias)

٢- الخوف والرقابة:في غزة أو الضفة، من الصعب أن يعبّر المواطن بصراحة، خصوصاً عن قضايا تمسّ حماس أو السلطة أو إسرائيل، لأنه يخشى الملاحقة أو العواقب

بالتالي، الاستبيان قد يقيس “ما يقال”، لا “ما يُعتقد فعلاً”

٣- الجهة المموِّلة (Tony Blair Institute)معهد توني بلير ليس جهة بحثية محايدة تماما، بل مؤسسة ذات أجندة سياسية واضحة في دعم “الاستقرار أولا، والإصلاح تحت إشراف غربي”

لذلك، طريقة صياغة الأسئلة واختيار المحاور (governance, reform, international coalition, etc

) تعكس إطاراً ذهنياً محدداً مسبقاً، وهو:“نزع شرعية حماس، وتقديم بدائل مقبولة غربياً

”٤- التحليل الداخلي للنتائج يبدو انتقائيامثلا، تم التركيز على تراجع تأييد “المقاومة المسلحة” من 10٪ إلى 4٪ في غزة، لكن لم تُذكر تفاصيل حول من يرى المقاومة “ضرورية ولكنها تحتاج أسلوبا آخر”، وهي فئة كبيرة عادة في الاستطلاعات الميدانية

٥- الخلاصة العلميةالاستبيان محترف في الشكل، لكنه ضعيف في الجوهر من حيث مصداقية التعبير الحر وحيادية الجهة المشرفة

هو أقرب إلى “استبيان موجه” (Directed Polling) وليس “بحثا حرّا في الرأي العام”

الرأي الثاني: ما مدى صحة أن الناس يقولون رأيهم الفعلي في الاستبيانات؟في المجتمعات الحرة والمستقرة، نسبة الصدق في الإجابة على الاستبيانات عالية نسبيًا (60–80٪)

أما في مناطق النزاع، فالنسبة تنخفض إلى أقل من 30٪ أحياناً

العوامل المؤثرة:الخوف من المراقبة أو العقوبة

رغبة الناس في “إرضاء” السائل أو الجهة المشرفة

غموض الأهداف (يخشى المجيب أن تُستخدم إجابته ضده أو ضد جماعته)

في غزة مثلا، من يقول إنه مع المقاومة قد يُتهم بالتحريض؛ ومن يقول ضدها قد يُتهم بالخيانة

إذن، الناس تميل للإجابة بما تظنه “آمنا” وليس بما تعتقده فعلا

الرأي الثالث: هل يمكن أن يُقرَّر مصير الشعوب بناء على مثل هذه الاستبيانات؟*قطعاً لا

الاستبيانات يمكن أن تساعد في فهم المزاج العام مؤقتا، لكنها لا تصلح لتقرير مصير سياسي أو استراتيجي، خصوصا في قضايا وجودية مثل “من يحكم غزة” أو “القبول بالتدخل الدولي”

الاستبيان قد يُستخدم كأداة ضغط إعلامي لتبرير مسار سياسي معدّ مسبقاً، مثل:“الغزيون يرفضون حماس ويدعمون إدارة دولية انتقاليةوهذا يفتح الباب لتبرير تدخل خارجي أو وصاية دولية، رغم أن الواقع الشعبي أكثر تعقيداً

الخلاصة:الاستبيان يمكن أن يؤثر على القرار الدولي أو على الرأي العام الغربي، لكنه لا يمثل الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني

الرأي الرابع: هل يمكن أن تتغيّر النتائج إذا قامت جهة أخرى بالاستبيان؟*بالتأكيد، وبصورة كبيرة

إذا أجرت الاستبيان جهة فلسطينية مستقلة، أو مركز عربي محايد مثل “الباروميتر العربي” أو “مركز الدراسات الفلسطيني”، فستكون النتائج مختلفة جداً، مثلاً:*نسبة تأييد حماس ستزيد في غزة

*نسبة الرافضين للتدخل الدولي سترتفع بشدة

*نسبة المطالبين بإصلاح السلطة الفلسطينية ستبقى عالية (لكن من دون قبول عودتها للقطاع بهذه الصورة)

*نسبة من يرون أن “المقاومة المسلحة ضرورية رغم الثمن” ستكون أعلى بكثير

أي أن النتائج مرنة جدا وتعتمد على صياغة الأسئلة، وهوية الجهة، والبيئة النفسية للمستجيبين

والآن سوف ننتقل إلى دينيس روس، وما كتبه في الواشنطن بوست وأعاد نشره في معهد واشنطن للدراسات السياسية للشرق الأدني، وهو المخ الأعلى لكل اللوبيات الإسرائيلية في أمريكا

دينيس روس، هو الذي لفت نظري لاستبيان توني بلير

ثم لفت نظري لتوصيات توني بلير التي تم بناء ال٢١ نقطة لخطة ترامب عليها

ثالثا: دينيس روس يستلم الراية من توني بليردينيس روس، هو يهودي أيضا وقد تولى مناصب عليا في عهود رؤساء أمريكا من الحزبين الجمهوري والديموقراطي في وزارة الخارجية وفي تنفيذ سياساتهم في الشرق الأوسط

كلام دينيس روس يتداخل مع كلام توني بلير حتى يصل إلى درجة أنهما قد أصبحا شيئا واحدا:* بشأن الارتكاز على ما جاء في إحصائيات استطلاع رأي توني بلير بين الفلسطينيين*وبشأن ما يجب أن يحدث بعد توقف الحرب مباشرة

*وبشأن أن كل شيئ قد تم تدبيره داخل ال٢١ نقطة في خطة ترامب

١- يجب تكليف قوات عربية بحفظ الأمن في غزة

٢- مهمة القوات العربية ليست مقاتلة حماس ولكن حماية أهل غزة من حماس

٣- عندما يأمن الغزاويون من تأثير حماس ستتولد المقاومة لحماس بدلا من المقاومة لإسرائيل

٤- الدول العربية يجب أن تنشط بقوة لمنع تزويد حركة حماس بالسلاح وبناء الأنفاق

٥- يستطيع ترامب أن يكون صانع الأحداث بال٢١ نقطة ويحصل على جائزة نوبل للسلام

٦- يشير دينيس روس إلى معلومة جديدة وهي أن جاريد كوشنر وتوني بلير، هما أصلا من هندسا اتفاق ابراهام للسلام بين دول خليجية واسرائيل في فترة رئاسة ترامب الأولى

٧- نتنياهو، يكرر دائما وأبدا بأنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية

٨- نتنياهو، هو الأستاذ الأكبر في فنون الموافقة على أمر ما ثم يختلف بعد ذلك كل الأعذار ويضع كل العراقيل لتنفيذ الأمر المتفق عليه

٩- وهنا سوف نحتاج لكل شطارة ترامب بأن يصاحب نتنياهو مع قادة العرب ليتفقوا على العمل سويا بانسجام في غزة وبعدها يحصل ترامب على جائزة نوبل للسلام

الخلاصةحماس هي العدو الرسمي” الذي بُني عليه المشروع كله

الخطاب الغربي (كوشنر- بلير- روس- ترامب) يصوّرها كـ عقبة أمام الإعمار والهدوء، ويستعمل ذلك لتبرير “نزع سلاحها مقابل إعادة البناء”

لكن في العمق، المطلوب هو نزع روح المقاومة نفسها من المشهد الفلسطيني، ويستعمل الدول العربية كخادم لتنفيذ أغراض كوشنر- بلير- روس- ترامب، وتبديلها ببيروقراطية اقتصادية خاضعة للرقابة الدولية والعربية

رابعا: تفكيك العقل الغربي العامل في منطقتناهناك تشابه في أسلوب العمل في الدهاليز الأوروبية والأمريكية في عملية تقرير مصير فلسطين واليمن

اليمنما يحدث بشأن غزة هذه الأيام، مشابه جدا لما قامت به مجموعة الأزمات الدولية باعتماد الأمر الواقع في اليمن، وإقامة الكانتونات وترقية لوردات الحرب، وإشراف من بعيد على المشهد اليمني من قبل السعودية والإمارات

١- انتاج المادة الفكريةمعهد توني بلير لفلسطين

مجموعة الأزمات الدولية لليمن

٢- الأدوات والمطبلونكوشنر الذراع الاسرائيلية- الأمريكية لفلسطينروس الناطق الرسمي للعقل الإسرائيلي في واشنطن

كوشنر هو الرابط بين نتياهو وترامب

المبعوث الأممي وسلطنة عمان في اليمن

٣- استدراج العرب لتنفيذ المهمةهذا قد اكتمل في اليمن بأدوار الإمارات والسعودية

ويعملون الآن بجد لاستعمال الدول العربية المجاورة القريبة واغنية البعيدة لتحمل أعباء ما يريدونه لفلسطين

حين يتحول السلام والإعمار إلى أداة لتفكيك دولة عربية ولنزع للهوية، يصبح كل مشروع سلام مجرد هندسة استعمارية بأدوات حديثة